الوصايا العشر في كيفيات تعامل الداعية مع أحداث تاريخ البشر

سيرة النبي صلى الله عليه وسلم : حاجة العالم البشري في كل زمان ومكان
يونيو 2, 2021
معروف الرصافي وتأثر شعره بالقرآن الكريم ( الحلقة الأولى )
يونيو 2, 2021
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم : حاجة العالم البشري في كل زمان ومكان
يونيو 2, 2021
معروف الرصافي وتأثر شعره بالقرآن الكريم ( الحلقة الأولى )
يونيو 2, 2021

الدعوة الإسلامية :

الوصايا العشر في كيفيات تعامل الداعية

مع أحداث تاريخ البشر

د . عبدالوهاب القرش *

” إن الذين يقرءون التاريخ ، ولا يتعلمون منه أناس فقدوا الإحساس بالحياة ، وإنهم اختاروا الموت هرباً من محاسبة النفس أو صحوة الضمير والحس ” !!

( أرنولد توينبي )

يرتكز الفكر الدعوي عند الداعية الناجح على ثلاثة مصادر ، أولها : القرآن الكريم ، فعليه أن يجعل القرآن الكريم صاحبه الدائم الذي يعايشه تالياً متدبراً . . . يغترف منه صباحاً ومساءً . . . فلا يفتر عنه ولا يشبع منه . . . فهو جنته الدانية القطوف يتفيأ أبداً ظلالها ، ويقتطف من ثمارها . . . أما المصدر الثاني : فهي السنة النبوية الشريفة ، فعليه أن يرتشف من مشكاة النبوة ، وينهل من معين الرسالة ، فبها تتضح له معاني القرآن الكريم ، ويتعمق في مدلولاتها .

أما المصدر الثالث : فهو التاريخ الإنساني العام ، والإسلامي الخاص ، على أن تكون السيرة النبوية العطرة هي نقطة انطلاقته . فعجباً لأمة لها تاريخ عريق مشرف تخاصمه ولا تستفيد منه ، وتعتبره ماضياً زال ، وتراثاً بالياً .

يقول شوقي :

اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر  ضل قومٌ ليس يدرون الخبر

الوصايا العشر في التعامل مع أحداث تاريخ البشر :

هناك عشر وصايا نوصي بها الدعاة لكيفية التعامل مع أحداث التاريخ . لكن قبل ذكرها وبيانها ينبغي التذكير بأن قراءة الكتب التاريخية – كغيرها من العلوم – لا بد أن تكون بنية الاستفادة والتغيير ؛ فهذا من أهم ما يقرأ التاريخ من أجله ؛ إذ الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى الخروج من النفق المظلم الذي وضعت نفسها فيه منذ قرابة ثلاثة قرون ، ولا مخرج لها – بعد التوكل على الله سبحانه – سوى المراجعة الدقيقة لتاريخها ، واستخراج ما فيه من عبر وعظات صالحة لدفع عملية التغيير قدماً إلى الأمام .

وتاريخ الإسلام مليئ بالفوائد الجليلة من عبر وعظات ، وردت في ثنايا أحداثه وفي سير الشخصيات العظيمة ، فإذا قرأ المرء في كتب التاريخ فلتكن نيته الاستفادة من هذه الكنوز ، وتقويم حياته بها ؛ فمن قرأ تاريخ بني أمية وما فيه من مزايا ونقايص ، وما فيه من كرٍّ وفرٍّ ، ومَدٍّ وجزر ؛ قراءةً واعيةً مركزةً ، فسيستخرج عبراً وعِظات ، تُفيده في تقويم مسيرته ، وكذلك سائر الدول من عباسية ومملوكية وعثمانية . . . إلى آخرها .

ومن قرأ جهاد الزنكيين والأيوبيين للصليبيين ؛ فكأنما يُطالع أخبار زماننا هذا ، ومن قرأ تفاصيل أعمال بني عثمان في البلقان وسائر دول أوروبا الشرقية ؛ فسيجد فيها من الأحداث المشابهة بأحداث زماننا قدراً وافراً . وهكذا لو قرأ قارئ سير الرجال العظماء ، الذين امتلأت بأعمالهم بطون الكتب ؛ فسيتأثر بها كثيراً ، فهم ما بين عابد وزاهد وفارسٍ وعالم وغني شاكر ، وفقير صابر ، في جملة من الأعمال المسطورة والأقوال المنقولة التي يهذب بها قارئ التاريخ نفسه ، ويزكي بها عمله ، ويحسن بها منطقه . لذلك فإن القراءة في كتب التاريخ تعود على الفرد والمجتمع بأحسن العوائد وأجمل الآثار ، فمن قرأ التاريخ هذه القراءة استفاد تلك الاستفادة . ونقدم – بإيجاز – عشرة وصايا في كيفية تعامل الداعية مع الأحداث التاريخية ، وهي :

الوصية الأولى : إن التاريخ الإسلامي هو التطبيق العملي لمبادئ الإسلام وهديه وشرائعه ، وأي مساس به والتزوير في سرده والتدليس في روايته هو تزوير للإسلام عقيدةً وشريعةً ، وهذا ما لا يسكت عنه مسلم غيور على دينه ، شفيق على أمته .

الوصية الثانية : إن صناع الأحداث التاريخية منذ عصر بني أمية إلى سقوط الخلافة ليسوا معصومين من الخطأ بل هم بشر ، منهم البر والفاجر والمصيب والمخطئ . ومسالكهم قد تضل وترشد ، ولا تؤخذ الأسوة الحسنة إلا من سيرة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين .

الوصية الثالثة : يعتمد الداعية على أصح الروايات من أوثق المصادر التاريخية . فلا يأتي في حديثه إلا برواية متفق عليها عند جمهرة المؤرخين الأوائل ، ولا يعتمد إلى انتقاء الروايات التي تخدم فكره .

الوصية الرابعة : لا ينفي الداعية أي رواية صحيحة ليرد شبهة عن  صحابي . فالتاريخ عنده كما هو لا كما يجب أن يكون ، لأن وجود أخطاء متنوعة حتى في مرحلة القدوة هي من لوازم الطبيعة البشرية ، ولا يمكن أن يتم الاقتداء والتعامل مع كل النوازل إذا نظرنا إلى مجتمع الصحابة رضي الله عنهم على أنه النموذج الأمثل المعصوم . والتاريخ ليس مصدراً للتشريع ، لأنه عمل الحاكمين لتنفيذ تعاليم الإسلام ، وهذا العمل قد يكون خطأ وقد يكون صوابا . وكما أن الفقه الإسلامي ليس معصوماً لأنه عمل العقل الإسلامي في استنباط الأحكام من أدلتها        – وفيه الخطأ والصواب – فكذلك التاريخ الإسلامي .

الوصية الخامسة : يجب علي الداعية أثناء حديثه بأن لا يستطرد في ذكر تفاصيل الأحداث التاريخية وتفريعاتها . . . لأن مثل هذه التفاصيل ليس لها أهمية في فهم الحدث أو أسبابه أو نتائجه . . . ناهيك عن أنها تشتت ذهن المستمع ، ومن الأفضل أن يعلق على الحدث التاريخي دون الدخول في وصف الجزئيات ، شريطة أن يتسم بالإحاطة الواعية بالأحداث وحسن الاقتباس منها بما يمكن من أن يأخذ العبرة والعظة .

الوصية السادسة : لا يحاول الداعية أثناء حديثه بأن يوسع نطاق مصادره التاريخية أو إغنائها ، وإنما يكتفي بالعدد المحدد منها فلا يزيد عن    ثلاثة ، ومن الأفضل بأن لا يسعى إلى عقد مقارنة بين الروايات التي يستشهد ، ولكن من الأجمل بأن يعمد إلى التعليق والتعقيب . فالداعية لا يكتب تاريخاً أو يمحص روايةً بقدر ما سعيه إلى تفسير الحوادث وفق منهج القرآن الكريم ، وعرضها على النموذج النبوي والراشدي .

الوصية السابعة : إذا كان النص التاريخي طويلاً ، فيجوز للداعية أن لا يعتمد على النص حرفياً ، فيكتفي باستقرائه ، واستخلاص الخطوط العريضة للحدث فيعرضه مركزاً موجزاً بأسلوب متميز . . . لينقل المستمع إلى مناخ الحدث ، بأسلوب سهل يكون أقرب إلى قلب المستمع ويتأثر به .

الوصية الثامنة : أن يقوم الداعية بالربط بين المقدمات ، والنتائج في مجرى الوقائع التاريخية ، فحركة التاريخ لا تمضي عبثاً وعلى غير هدى ، وإنما تحكمها سنن ونواميس وقوانين ترتب المصاير على اجتماع حشد الوقائع والأحداث . . . فليس ثمة عشوائية في مجرى التحقق التاريخي ، إنما هنالك النهائيات التي تترتب بالحق والقسطاس على بداياتها القاصية والدانية ، ويكون الجزاء دائماً من جنس العمل ، فلا تطيش السهام ، وليس التاريخ مسرحاً عبثياً يقوم اللامعقول بدور البطولة فيه .

الوصية التاسعة : عند دراسة الداعية للتاريخ يقوم بربط ماضي الأمة بحاضرها ، فعندما يتحدث عن الفتوح الإسلامية فمن الأجمل أن يعقد مقارنة بينها وبين الحروب العالمية في العصر الحديث ، على أن يكون أسلوب المقارنة منسجماً ، ومتناسقاً ، ولا يخلو من جمال الديباجة وروعة الأداء .

الوصية العاشرة : لا يتعامل الداعية مع الأحداث ببرود المؤرخ أو الباحث الذي يجرد نفسه من عواطفها ، بل عليه أن ينفذ إلى ما وراء الحدث ، ويسكن الأحداث ، ثم يقدم المادة التاريخية بدقة فيها تحقيق المؤرخ ، وحماسة الداعية ، فيفسر من الأحداث التاريخية ما يخدم رسالته ، ويحببها إلى الناس ، ويظهر وجهها المشرق الجذاب ، وعليه أن يرفض المواقف التي لا تتوافق مع عظمة الإسلام ، وسمو مبادئه ، وعدالة أحكامه ، وجلالة أهدافه . . . على أن تكون مرجعية الداعية في ذلك كتاب الله جل في علاه ، والسنة النبوية الصحيحة ، فهما الأصلان اللذان يجب عليه أن يرجع إليهما ، ويعول عليهما .

خلاصة القول :

إذا تعامل الدعاة مع أحداث التاريخ الإسلامي بفهم وتدبر. . . فهذا يعني أنهم – بإذن الله – قد فقهوا قوانين بناء الأمم وانهيارها . . . أما إذا كان الدعاة لا يقرأون التاريخ ويحسنون التلاعب بالمشاعر والعواطف ، فإن بناء الأمة يظل يتلهى بالأماني التي يحركها هؤلاء الدعاة ، حتى إذا جابهتهم التحديات لم يفقهوا ما يصنعون ، وآل أمرهم إلى الفشل ، وأحلوا قومهم دار البوار .

المراجع :

  1. سالم أحمد محل : المنظور الحضاري في التدوين التاريخي عند العرب ، كتاب الأمة ، ط 1 ، قطر : 1997م .
  2. عماد الدين خليل : المنظور التاريخي في فكر سيد قطب ،دار القلم ، ط 1 ، دمشق : 1994م .
  3. عمر عبيد حسنة : فقه الدعوة : ملامح وآفاق ،سلسلة كتاب الأمة ، ط 1 ، قطر : 1988م .
  4. محمد الغزالي : جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج ، دار الكتب الجزائرية ، الجزائر ، ( د . ت ) .
  5. محمد الغزالي : مع الله . . . دراسات في الدعوة والدعاة ، مطبعة حسان ، ط 4 ، القاهرة : 1976م .

* باحث في العلوم الإسلامية ، القاهرة ، جمهورية مصر .