البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سور الملك والقلم والحاقة )
يناير 2, 2022البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سور المعارج ونوح والجن والمزمل والمدثر )
فبراير 7, 2022التوجيه الإسلامي :
مشكلات المسلمين وكيفية معالجتها
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
[ عقدت هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند اجتماعها السابع والعشرين في مدرسة دار التعليم والصنعة بمدينة كانفور ، في الفترة ما بين 20 – 21/ 12/ 2021م ، برئاسة سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( رئيس الهيئة ورئيس ندوة العلماء ) ، وقد تم انتخابه للرئاسة للمرة السادسة ( بارك الله في حياته ) وقد قدم سماحته بهذه المناسبة خطبةً رئاسيةً ، ننشرها تعميماً للفائدة ، التحرير ]
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن هذا الاجتماع يعقد في ظروف سادت العالم كله آثار جائحة كورونا ، فعطلت نشاطات حياتنا السابقة ، واستمرت هذه الأحوال منذ سنتين ، انتظرنا قليلاً ، لتكون الأحوال صالحةً للتشاور والاجتماع ، فعقدنا هذا الاجتماع ، ووجهنا إليكم دعوةً للحضور فيه ومشاركة أعمال وفعاليات هيئة قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند .
أيها السادة ! ظل المسلمون في الهند بعد تحريرها في أقلية ، فتعرضوا لقضايا ومشكلات ، منها القانون المدني الموحد ، وصدرت قوانين وأقضية كانت تعارض شريعتنا الإسلامية ، فاحتاج العلماء والمثقفون الإسلاميون إلى عقد اجتماع عام 1972م ، وكان هذا الاجتماع أول نواة لإنشاء هيئة قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند ، وقد قامت الهيئة بصيانة الشريعة الإسلامية بحكمة وبصيرة ، قادها خلال هذه المدة كبار علماء الهند أمثال الشيخ المقرئ محمد طيب ، والشيخ منت الله الرحماني ، والشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والقاضي مجاهد الإسلام القاسمي ، وكان من مساعديهم الشيخ السيد نظام الدين ، والشيخ محمد ولي الرحماني ، وقد توفي الشيخ ولي الرحماني قبل شهور ، فاختير مكانه الشيخ خالد سيف الله الرحماني أميناً عاماً للهيئة ، وكذلك توفي الدكتور كلب صادق نائب رئيس الهيئة ، وكانت له جهود تعليمية مفيدة . أدعو الله تعالى أن يوفق القائمين على شئون الهيئة لأداء مسئولياتهم الملقاة على كواهلهم .
أيها الحفل الحضور ! ما زالت هيئة قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند تقوم بخدمات واسعة لصيانة الحقوق الدينية لمسلمي البلاد ، وقد سمح الدستور الهندي أصحاب الديانات كلها بالعمل بتعاليم دياناتهم ، فكان للمسلمين حرية كاملة للعمل بتوجيهات دينهم ، وبناءً على هذا كان المسلمون يعتبرون هذه البلاد بلادهم ، ويساهمون في صيانتها وتطويرها أمثال سكانها الآخرين ، ويظنون ذلك واجباً وطنياً لهم ، فإذا كان الدستور الهندي معرَّضاً للخطر ، أو يرى فيه التعديل والتغيير ضرورياً يلزم على المسلمين أن يختاروا الطرق المناسبة لصيانة الدستور بطريق جمهوري .
أيها السادة ! يعاني المسلمون الآن ظروفاً وأوضاعاً كما كانوا يعانونها حينما تأسست هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ، فقد ارتفعت آنذاك من بعض الأوساط للأغلبية الساحقة هتافات للتغيير في الأحوال الشخصية أو للحد من تأثيرها ، فلو وجدت هذه المحاولات في ذلك الزمن سبيلاً إلى العمل لكان العمل بالشريعة الإسلامية صعباً ، وحُرم المسلمون من قوانينهم الدينية والشخصية ، ولم تكن لهم علاقة بالإسلام ، لكن لم يخضع المسلمون أمام هذا التحدي السافر ، وقاموا بإنشاء هذه الهيئة في ضوء دساتير البلاد للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية ، وكانت هذه الخطوة لازمةً ونافعةً ، وشكلت الهيئة وحدةً جماعية ، وكثفت لها جهودها ، وكان هذا جهاداً كبيراً في سبيل صيانة الشريعة الإسلامية ، ومما يسرُّ الجميع أن رؤساء جميع الجماعات والفئات المسلمة في الهند كانوا يداً واحدةً في تعزيز الهيئة وتقوية أعمالها .
مما لا يغض عنه النظر أن طرق الفكر والدراية وأساليب الاستنتاج بين أعضاء جماعة أو هيئة تكون مختلفةً ومتباينةً ، لأنها تنبني على وجهات نظر مختلفة ، وآراء متغايرة ، فنظراً إلى المصالح العامة للأمة يكون من الواجب أن لا تنشئ هذه الآراء تصادماً فكرياً أو خلافاً معارضاً ، ويعمل في مثل هذه الأمور الحزم والروية وشيئ من الصبر والاستقامة ، لأن الإنسان مخلوق حي ، إنه ليس مثل الجماد ، وبين أحاسيس الإنسان والجماد فرق كبير ، ومما يمتاز الإنسان به عن سائر المخلوقات أنه يعمل لأرفع غاية رغم هذا التباين بتعاونه وصبره ، ونحمد الله تعالى على أن أعضاء الهيئة مواظبون على هذا إلى حد كبير .
القوة المعنوية للهيئة هي موافقة مسلمي الهند عليها موافقةً تامةً ، هذا الذي يدعم أعمالها ، ويؤثر على الآخرين ، فالحاجة إلى أن لا تكون هذه الوحدة ضعيفةً ، وتتخد الهيئة نظام الشورى ، فإن إبداء رأي خاص أو فكرة تضاد دستور الهيئة يضر بوحدة الهيئة وقوتها المعنوية ، ولا يسمح أي نظام للشورى بمثل هذه الاقتراحات ، فيتطلب من جميع أعضاء الهيئة أن يقوموا للاحتفاظ بهذه القوة الموحدة ، فإذا كان هنا رأي فردي لأي عضو فيمكن إبداؤه بدون انتمائه إلى عضوية الهيئة ، ولا يُسمح بإبدائه في أجهزة الإعلام ، لأنه يضر بمصالح الهيئة .
أيها المستعمون الكرام ! يعرف المطلعون على نشاطات الهيئة أن العمل الرئيسي الذي تأسست لأجله الهيئة هو صيانة الشريعة الإسلامية ، والجزء المهم للشريعة القوانين العائلية ، فكان نظام صيانة الشريعة من أولويات الهيئة ، وإن كان قد تخلل بينها قضايا وأمور ، قدمت الهيئة لها عوناً كبيراً ، لكن الشريعة الإسلامية كانت نصب الهيئة ، وقد أنشئت لها لجان ومنظمات منها لجنة تفهيم الشريعة ، ونظام إنشاء دور القضاء في البلاد .
بحمد الله وتوفيقه نحن المسلمين نعرف الشريعة الإسلامية ونطبقها في حياتنا ، لكن هذا لا يكفينا ، لا بد لنا أن نخبر أبناء وطننا بأهمية هذه الشريعة وميزاتها ، فإنها شريعة منزلة من السماء ، تشتمل على أحكام وتعاليم كثيرة ، فيها العقائد والعبادات والشئون العائلية ( وهي تعرف بالأحوال الشخصية ) ، وفيها توجيهات وواجبات أخرى للمسلمين ، فإن الإيمان بها والعمل بتفاصيلها لازم للإيمان ، فهذه الأمور اللازمة لا يتحمل المسلمون فيها أدنى نقص أو تعديل من أي جهة رسمية أو غير رسمية ، قال الله تعالى : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ( النساء : 65 ) ، وقال تعالى : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ ( المائدة : 44 ) ، فلا يسوغ للمسلمين أدنى تغيير أو تبديل في الشريعة الإسلامية ، فهذه أمور أساسية يتوقف عليها إيمانهم ، ويسمح الدستور لكل مواطن بأن يعيش حسب ديانته ويعمل بها .
أيها السادة ! تمر الأمة الإسلامية في العصر الراهن بمحن وأخطار ، تبعث على الفكر والتأمل ، فإن دراسة هذه الأحوال واتخاذ طرق ووسائل لحلها حاجة الساعة ، يواجه أفراد الأمة في أكثر بقاع العالم قضية البقاء على إيمانهم وعقيدتهم ، وإن ما يتكاسل المسلمون من معالجة هذه القضية يسبب ذلك إلى حدوث خلل وإلحاد في إيمانهم ، خاصةً في شبابهم ، فتفقد الأمة ميزتها الإسلامية رويداً رويداً ، يقدم أهل الثقافة والفكر حلولها في ضوء أفكارهم ونظرياتهم ، وتتركز جل عنايتهم على إسعاد الأمة مادياً فقط ، ولا يلتفت هؤلاء المثقفون إلى الأخطار التي تحدق بإيمان المسلمين ودينهم ، ولا توجد لديهم نظم وأيدلوجيات لبقاء الشباب والنشء الجديد على عقيدتهم الإيمانية ، فتأتي أمامنا أمثلة كثيرة لهذا الواقع الأليم ، فإن الناشئة الجديدة لا تعرف الكلمة الطيبة ، وقد وقعت في حبالة الشرك والكفر ، بحيث تسجد أمام الأصنام والأوثان ، وتعتقد عن الله تعالى اعتقادات باطلةً .
هذا واقع ملموس في مجتمعاتنا ، وهو الذي يقض مضاجع أولي الغيرة من المسلمين ، يحدث مثل هذا الواقع حينما يكون التركيز على المادية وكسبها ، ولا يكون في الحياة نصيب لابتغاء وجه الله تعالى ، فإن الأجيال الناشئة إنما تنشأ على عقائد إيمانية وأخلاق طيبة في البيوت ، فإذا لم يكن هناك اعتناء بهذا الجانب فتكون هذه الأجيال محرومةً من نعمة الدين والإيمان ، وتزيد البيئة الممزوجة بالكفر والشرك داخل الكليات والجامعات وخارجها هذا اللون اللاديني ، فتنصبغ بهذه الصبغة ، هذا ما يحدث مع أولاد المسلمين ، وتكون بيئة البيوت خاليةً من التربية الدينية ، ثم يواجه هؤلاء الأولاد أجواء غير ملائمة خارج البيوت ، فتكون ذريعةً لغوايتهم وضلالهم .
هذا ما يحدث بتركيز المثقفين والزعماء عنايتهم على الرقي المادي والرفاهية الجيدة ، وهو يثير غضب الله تعالى ، فتقهقر الأمة إلى الانحطاط والزوال ، شهد التاريخ الإسلامي خلال أربعة عشر قرناً أن مجتمعات المسلمين كلما ضعفت في العقائد والأخلاق ، وأصيب بها فساد وانحطاط نزل عليها عقاب من الله تعالى ، وهذا العقاب إما كان في صورة اعتداءات أمم كافرة على المسلمين ، أو كان في صورة الذلة والمهانة عليهم ، ولا مانع من أن نفكر في أحوال أولادنا المعاشية والاقتصادية ، لكن حصر جميع طاقاتنا في هذا الجانب ضار للغاية ، وابتلي بهذا العمل أهل الثقافة العصرية عامةً .
أيها المستمعون الكرام ! نحن مطالبون بأن نتخذ التدابير المناسبة لتغيير هذا الواقع ، حتى لا ينضم مجتمعنا في مجتمعات غير المسلمين ، وتبتدئ هذه السلسلة بإتاحة فرص التعليم الديني للأولاد في المرحلة البدائية ، ثم تتوافر مناسبات دينية للشباب المسلمين ليطلعوا على شعائر دينهم ، ودعائم إيمانهم ، كما نحن مطالبون بأن نهتم بإصلاح المسلمين وتزويدهم بالمثل الإسلامية على أوسع نطاق ، وتكون مدارسنا الإسلامية في هذا الشأن خير وسيلة ، فضلاً من أن نكون تابعين لبرامج الحكومة اللادينية وننفذ قراراتها في حياتنا الفردية والجماعة .
والجدير بالذكر أن الله تعالى جعل الأمة المسلمة أمة دعوة ، فإذا اتخذت الأمة عمل الدعوة إلى الله تعالى تعرفت أذهان الناس بتعاليم الإسلام ، وزالت بذلك الأغلوطات والتساؤلات التي نشأت فيها ، وتقارب الناس فيما بينهم ، وأنس بعضهم ببعض ، وكنا قد أدينا مسئولياتنا نحو الإنسانية ، لكن يشترط في هذا العمل الحكمة والمواساة والحب ، لأن الإكراه في الدعوة إلى الله محظور شرعاً ، وإذا واجهتنا المشكلات فلا بد من أن نتواصى بالصبر ، هذا ما ورد في سورة والعصر : قال الله تعالى : وَٱلْعَصْرِ . إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ ( العصر : 1 – 3 ) يعيش في هذه البلاد المسلمون منذ أمد بعيد ، لكن الشيئ الذي يثير الاستغراب أنهم لم يؤثروا تأثيراً قوياً على أهاليها ومواطنيها ، هذه وقفة تأمل وفكر ، هل قصَّرنا في عمل الدعوة إلى الله على أوسع نطاق ؟ على كل ، نحن مسئولون عن أداء هذا الواجب ، وهو حاجة الساعة .
أيها السادة ! المسلمون في هذه البلاد في أقلية ، والأقلية أينما كانت ، تحتاج بالنسبة إلى الأغلبية إلى جهد وسعي بالغين ، فلا تنجح الأقلية في غاياتها بكثرة أنصارها ، ونعراتها الجوفاء ، وإبداء استنكاراتها ، وبوجه خاص في بيئة كانت تبذل فيها الأغلبية لإضعاف الأقلية طاقاتها الجبارة بكل طريق ممكن ، ففي هذه الأوضاع تتضاعف المسئوليات وتتصاعد ، إن التعليم وأجهزة الإعلام من أهم الوسائل في هذا الزمان ، يمكن السيطرة عليهما بتكثيف الجهود ، أضف إلى ذلك الوحدة والتضامن التي هي العمود الفقري للرقي الإنساني ، وهي تتطلب تضحيات وجهوداً جبارةً ، فيجب علينا أن نصبر على اختلافاتنا بأقصى ما يمكن ، ولا نجعل الاختلاف سبباً للعداوة والبغض ، وإذا كانت وحدتنا الملية قويةً فلا يمكن أن يضعفها أحد ، لكن يا للعجب أن الاختلاف يصل بالمسلمين إلى العداوة ، وتحل العاطفية في أعمالنا محل الفهم والدراية ، وهو يضر بوحدتنا ، ولا يمكننا أن نواجه الأوضاع والظروف ، إن كثيراً من جهودنا تطرق إليها الفساد جراء عاطفيتنا ، وكنا راسبين ، وقد رأينا أن بعض أعمالنا كانت تحتاج إلى إخفائها أو أدائها بأسلوب صامت ، لكن الإعلان عنها وإفشاء أمرها أضرَّ بها ، فالحاجة إلى اتخاذ استراتيجية في حياتنا ، وهذا ما هدانا إليه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف .
هذا ما بدا لي أن أضعها أمامكم بهذه المناسبة ، ندعو الله تعالى أن يوفقنا للعمل لابتغاء وجهه الكريم ، وأن يجعل مساعينا مشكورةً ، ويتقبلها قبولاً حسناً ، والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلى الله على نبيه الأكرم وخاتم الرسل سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .