كيف نواجه تحديات الردة عن الإسلام

تراتيل تفنّد الأكذوبة الكبرى وتحذِّر من فتنة تبديل الدِّين
يونيو 3, 2022
نظرة إجمالية في مقاصد سورة ( ق )
يونيو 3, 2022
تراتيل تفنّد الأكذوبة الكبرى وتحذِّر من فتنة تبديل الدِّين
يونيو 3, 2022
نظرة إجمالية في مقاصد سورة ( ق )
يونيو 3, 2022

الدعوة الإسلامية :

كيف نواجه تحديات الردة عن الإسلام

د . عبد المجيد أ . أي *

الردة عن الإسلام ليست وليدةً في العصر الراهن كموضة ملعونة ، بل ترجع جذورها إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . فالمرتدون عن الإسلام هاجموا على الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بانتقادات شديدة ونشروا الزور والكذب . وقد ورد في الأحاديث النبوية سوء العاقبة الذي حدث في حياة الرجل النصراني الذي ترك دين الإسلام :

عن أنسِ بنِ مالكٍ  رضي الله عنه قال : كان رَجُلٌ نَصرَانيٌّ فَأَسلَمَ وَقَرَأَ البَقَرَةَ وآلَ عِمرَانَ ، وكان يَكتُبُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَعَادَ نَصرَانِيًّا ، وكان يَقُولُ : لا يَدرِي محمدٌ إلا ما كَتَبتُ له ، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفنُوهُ ، فَأَصبَحَ وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ ، فقالوا : هذا فِعلُ محمدٍ وأَصحابِهِ لمَّا هَرَبَ مِنهُم ، نَبَشُوا عن صاحبِنا فَأَلقَوهُ ، فَحَفَرُوا له فَأَعمَقُوا له في الأَرضِ ما استَطَاعُوا ، فَأَصبَحُوا وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلقَوه [1] .

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : ” فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي  صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له ؛ قصمهُ اللهُ وفضحهُ بأن أخرجهُ من القبرِ بعد أن دُفن مراراً ، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ ، يدلُ كلّ واحد على أن هذا عقوبة لما قالهُ ، وأنه كان كاذباً ، إذ كان عامةُ الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد ، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ، وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ  صلى الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسبهُ ، ومظهرٌ    لدينه ، ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يمكن للناسِ أن يقيموا عليه الحد ” [2] .

لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم حاول المرتدون للهجوم على الإسلام ، ولكن واجه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بخطوة جريئة :

” واجه أبو بكر رضي الله عنه في بداية حياته السياسيَّة كخليفةٍ للمسلمين رِدَّة العرب وانتقاضهم على الإسلام كدين ، وعلى حكم المدينة كقوَّةٍ سياسيَّة ، ووردت إليه الأخبار من كافَّة أرجاء الجزيرة العربية بارتداد بني أسد بقيادة طليحة بن خُويلد الذي ادَّعى النبوَّة ، وبني فزارة بقيادة عيينة بن حصن ، وبني عامر وغطفان بقيادة قرَّة بن سلمة القشيري ، وبني سُلَيْم بقيادة الأشعث بن قيس الكِندي ، وبني بكر بن وائل في البحرين بقيادة الحكم بن زيد ، وبني حنيفة بقيادة مسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوَّة ، وحافظت قريش وثقيف وأهل المدينة على ولائهم . قرَّر أبو بكر التصدِّي لهذه الحركات الارتداديَّة بالقوَّة والحزم خاصَّةً بعد ورود أنباءٍ عن تحفُّز القبائل لشنِّ هجومٍ واسعٍ على المدينة وتدمير القاعدة المركزيَّة للدين الإسلامي ” [3] .

وإذا درسنا تاريخ الإسلام وجدنا فيه الردة والمقاومة لهذه الحركات الخبيثة . صارت قضيةً جدليةً عبر القرون . نواجه اليوم عدة تحديات من المرتدين والشيوعية . حركات الشيوعية ومنظماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وهي تحفز المرتدين عن الإسلام ، وتدعم مادياً ومعنوياً ، ولا غرو في ذلك أن جذور الشيوعية في الإلحاد واللادينية ، الشيوعية دائماً تحاول لهدم الديانات السماوية وتنفق مالاً كثيراً وتبذل مجهودات طائلةً لهذا الغرض .

شكل المرتدون عن الإسلام حالياً في ولايات كيرالا ( الهند ) منظمةً خاصةً لهم رغم محدودية الأعضاء المرتدين . ففي مطلع يناير 2022م الحالي أعلن عدد من المرتدين عن الإسلام في كيرالا تشكيل مجلس مسلمي كيرلا السابقين (  Ex Muslims of Kerala ) للمطالبة بالحق في الجهر بإلحادهم وفي انتقاد الدين الإسلامي . ويطالب هؤلاء خصوصاً بـحرية انتقاد الأديان ورفض أي قيود باسم الدين على حرية النقد والتعبير وحرية الشعوب واستقلال المرأة ، وهم يدعون أنهم يدعمون المرتدين الذين يتعرضون للجور والظلم والتشرد من الأمة المسلمة . وتكون على موقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الملحدين وغير المؤمنين ، فلا بد لنا من مواجهة التهديدات والقيود التي نتعرض لها في حياتنا الشخصية !!!

الأمة المسلمة قادرة على استعادة همتها التاريخية ضد الموجات الإلحادية واللادينية ، ولنا قوة علمية وتجربة لمواجهة التحديات من قبل المرتدين والناشرين لهذه التيارات الهدامة ، وإن الآيات القرآنية تشحذ همةً وقوةً لمواجهة الحركات اللادينية والعلمانية المزورة . نشوف إلى وعد ربنا :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [4] .

” القول في تأويل قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) ، قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ” ، أي : صدّقوا لله ورسوله ، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم محمد صلى الله عليه وسلم ” مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ” ، يقول : من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم ، فيبدِّله ويغيره بدخوله في الكفر ، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر ، ( 33 ) فلن يضر الله شيئاً ، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، يقول : فسوف يجيئ الله بدلاً منهم ، المؤمنين الذين لم يبدِّلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا ، بقومٍ خير من الذين ارتدُّوا وبدَّلوا دينهم ، يحبهم الله ويحبون الله ( 34 ) .

وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتدُّ بعد وفاةِ نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك وعدُه من وعدَ من المؤمنين ما وعدَه في هذه الآية ، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدّل ولا يغير دينه ، ولا يرتدّ . فلما قَبَض الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم ، ارتدّ أقوام من أهل  الوبَرِ ، وبعضُ أهل المَدَر ، فأبدل الله المؤمنين بخيرٍ منهم كما قال تعالى ذكره ، ووفى للمؤمنين بوعده ، وأنفذ فيمن ارتدَّ منهم وعيدَه ” [5] .

الردَّة متصوَّرة من المسلم ، سواءً كانت ردَّةً تامَّةً عن شرائع الإسلام كلِّها ، أو ردَّةً جزئيَّةً عن بعض شرائع الإسلام ، والماضي والحاضر شاهدان بذلك ، فينبغي أن نُنْزِل الرِّجال منازِلَهم ، وأن نعتدِل في نظرتِنا إليْهِم ؛ حتَّى لا نصدم ولو حصل ما لم نكن نحتسِبه ، فمِن مقولة السَّلف : ” إن كنتُم لا بدَّ مقتدين فاقْتدوا بالميِّت ؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤْمَنُ عليْه الفتنة ” [6] .

علينا ألا نشغل أنفُسَنا بالمنتكسين لا سيَّما من أصبح منهم شجاة في حلْق الدَّعوة ، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ، أو من تنكَّب الطريق ، واستبدل بنصوص الوحْيين العقْل الفاسد وآراء الرِّجال ، ولنعلمْ أنَّهم أُتُوا من قِبَل أنفسهم ؛ ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [7] .

” بل الأهم أن نأخُذ العبرة والعظة منهم ، ونُحاول أن نتعرَّف على أسباب انحرافهم فنتجنَّبها ، وليكُن الواحد منَّا وجلاً خائفًا أن يُصيبه ما أصابَهم ، فلنا في الخليلَين – عليْهِما الصَّلاة والسَّلام – أسوة حسنة ، فإمام الموحِّدين يخاف الشِّرْك على نفسه وعلى أولاده ، ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) [ إبراهيم : 35 ] ، ومحمَّد صلَّى الله عليْه وسلَّم يَخاف من الانتِكاس ، فيستعيذ بالله منْه ” [8] .

هذا الدِّين دين الله ، وقد تكفَّل الله بِحِفْظه إلى قيام السَّاعة ، وتكفَّل بإظْهارِه على الدِّين كلِّه ، ولو كرِه المُشْرِكون وبذلوا هم ومَن أُشْرِبت قلوبُهم حبَّ الغرْب الكافر وُسْعَهم لصدِّ النَّاس عنه ، وتشويه الشَّريعة وحمَلَتها ومن يتولى نشْرَها وتنفيذها ، من علماء ودعاةٍ وقضاةٍ وأهل الحسبة ، والمحظوظ مَنِ استخدمه ربُّه لخدمة دينِه ، فليستِ الدَّعوة إلى الله والمنافحة عن دينِه مرْبوطةً بجهة معينة أو بأشْخاص بعينهم بل ترعاها عناية سماوية ؛ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [9] .

* أستاذ مشارك ، قسم البحوث والماجستير ، كلية الأنصار العربية ولاونور – كيرالا – الهند .

[1] متفق عليه .

[2] الصارمِ المسلولِ :  ص 233 .

[3] أبو بكر الصديق وقتال المرتدين – أ . د : محمد سهيل طقوش مقال ، https://www.islamstory.com/ar/artical/ 2017 .

[4] المائدة : 54 .

[5] تفسير الطبري .

[6] وقفة مع آية الشيخ أحمد الزومان ، مقال .

[7] الصف : 5 .

[8] وقفة مع آية الشيخ أحمد الزومان ، مقال .

[9] محمد : 38 .