تراتيل تفنّد الأكذوبة الكبرى وتحذِّر من فتنة تبديل الدِّين

المجتمع الإسلامي الواقعي يجذب النفوس
يونيو 3, 2022
كيف نواجه تحديات الردة عن الإسلام
يونيو 3, 2022
المجتمع الإسلامي الواقعي يجذب النفوس
يونيو 3, 2022
كيف نواجه تحديات الردة عن الإسلام
يونيو 3, 2022

الدعوة الإسلامية :

تراتيل تفنّد الأكذوبة الكبرى

وتحذِّر من فتنة تبديل الدِّين

بقلم : د . خالد السّعد *

لا يرتاب دارس للإسلام أو مطّلع على مصادره وعارف بحقائقه ، في أنّ القول بالدّين الإبراهيميّ العالميّ ، الّذي يجمع الإسلام مع النّصرانيّة واليهوديّة تحت مظلّة واحدة ، هو من أكذب الأقوال الّتي ظهرت في عصرنا ، ومن أضلّ البدع وأبشعها .

إذ كيف يمكن الجمع بين من يرغب عن ملّة إبراهيم – كما صرّح القرآن – ومن يتّبع ملّة إبراهيم في إخلاص العبوديّة لله وحده ، ووصفه سبحانه بكلّ كمال ، وتنزيهه عن كلّ نقص ؟!

وكيف نصدّق من يزعم انتسابه إلى دين إبراهيم ، والله تعالى – وهو أصدق القائلين – قد شهد بكذبهم ، وبرّأ نبيّه إبراهيم منهم : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ؟! [1] .

بل كيف يُساوى بين من يؤمن بأنبياء الله جميعاً وهم المسلمون ، ومن يفرّقون بينهم فلا يؤمنون إلاّ بأنبيائهم وحدهم وهم اليهود    والنّصارى ؟!

ولمّا زعم اليهود والنّصارى أنّ الهداية في اتّباع دينهما ، أبطل الله قولهما ، ثمّ عقب ذلك بالتّأكيد على أنّ الهدى إنّما هو في التّمسّك بالإسلام دين النّبيّ محمّد عليه الصّلاة والسّلام ، فقال سبحانه : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [2] .

فكيف يجرؤ مسلم في قلبه إيمان على معارضة كلام ربّ العزّة جلّ جلاله ، فيساوي بين من ردّ الله دعواه بأنّه على ملّة إبراهيم ، ومن شهد له سبحانه بأنّه الأحقّ بالانتساب إليه ، وهم أتباع إبراهيم في زمنه ، ومِنْ بعدهم النّبيّ محمّد وأمّته ، كما صرّح بذلك القرآن : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) [3] .

إنّ كلّ من أخذ نفسه بمؤازرة الحقّ وتأييده ، ومقاومة الباطل وتفنيده ، يأبى أن يدرج الإسلام مع غيره من الأديان تحت مظلّة واحدة ، كالّتي اخترعوها ولفّقوها باسم ” الدّين الإبراهيميّ العالميّ ” ، وهو اسم لا أساس له من الصّحّة ، فلا يوجد دين عالميّ إلاّ دين النّبيّ محمّد ، فهو وحده المرسَل للعالمين ، كما قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [4] ، ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [5] ، أمّا باقي الأديان فهي لأقوام ومجتمعات خاصّة ولفترات محدّدة ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي لا ينطق عن الهوى : ” أُعطيت خمساً لم يُعطَهنّ أحد قبلي ” وذكر منها : ” وكان النّبيّ يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى النّاس عامّة ” [6] ، فعالميّة الإسلام – وحده دون سواه – ليست موضع جدال .

فمن اعتقد صحّة اجتماع اليهوديّة والنّصرانيّة مع الإسلام في دين واحد ، وأنّهما معه سواء ، أو دعا إلى ذلك ، فقد كفر بدين الإسلام ورسالة محمّد عليه الصّلاة والسّلام ، وأنكر قوله تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [7] ، وقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [8] .

إنّها أكذوبة خادعة وفرية بلا مرية ، تلك الّتي يُروَّج لها في هذه الأيّام ، حين يعمد نفر إلى دين بديل مركّب نسجته أوهام الشّياطين ، ويعرضونه على أنّه الدّين الحقّ الّذي فيه خلاص الإنسانيّة من كلّ شرّ ، ونجاتها من كلّ خطر ، وكلّ ذلك لن يعدو أن يكون سراباً لا حقيقة   له .

إنّي أشفق على هؤلاء النّفر ، ومن يسعى منهم جاهداً لإرضاء أعداء دينه المحتلّين والغاصبين ، تارةً بإقامة المعابد الفارهة لهم ، وتارةً بجمعهم مع المسلمين تحت مظلّة ” الدّين الإبراهيميّ العالميّ ” المزعوم ، والنّتيجة من وراء هذه المحاولات ما قرّره علاّم الغيوب والخبير بخفايا الصّدور : ( وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [9] .

إنّ الدّعوة إلى التّسامح الدّيني أو الحوار والتّقريب بين الأديان ، لا تعني تمييع الإسلام وتشويهه من خلال دمجه مع اليهوديّة والنّصرانيّة في دين واحد ، كما لا تعني تذويب الفوارق الجوهريّة بين الأديان ، مثل التّوحيد في الإسلام والتّثليث في النّصرانيّة ، أو التّنزيه في الإسلام والتّشبيه في اليهوديّة ، فإنّ أيّ مؤمن بدين لا يمكنه أن يتنازل عن الأساسيّات في دينه وعن مقوّماته وخصائصه إلاّ من باب النّفاق    والتّزييف ، وإنّ كلّ جهد يُبذل في هذا الصّدد هو جهد ضائع ، ومصيره الّذي سيؤول إليه محسوم سلفاً ، وهو ما حكم به الرّبّ سبحانه : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [10] .

فما بالنا نضمّ قطعةً من ثوب جديد إلى أخرى من ثوب عتيق ونخيّطهما ، ثمّ نعرضهما للنّاس على أنّهما ثوب واحد وأجزاؤه متساوية من حيث الجودة والنّفاسة ، ونحاول ترويجه بينهم ليقبلوا على شرائه واقتنائه ؟ فكيف نزاحم الجديد الثّمين ببال لا قيمة له ؟!

إنّ كلّ محاولة لتمييع هذا الدّين وإذابته بوسيلة أو بأخرى ستبوء بالفشل الذّريع لا محالة ، لأنّ الله سبحانه قد تكفّل بنصره وإظهاره على سائر الأديان : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [11] . فهذا ما نعتقده ونستيقن وقوعه ، طال الزّمان أو قصر .

بمثل هذه الدّعوات الباطلة يحاول أعداؤنا صدّ المدّ الإسلاميّ الّذي يجتاح أوربّا والعالم بأسره رغم ضعف أمّته ، ويدفعون ببعض أبناء المسلمين لتبنّي هذه الفكرة باسم التّسامح والوسطيّة وحبّ السّلام ، وحسبوا أنّهم بهذا قادرون على التّخلّص منه ، وخاب سعيهم ، فإنّ وراء هذا الدّين ربّ يحميه ويبعثه من جديد – كلّما ظنّ الظّانّون أنّ جذوته قد خبت وأنّ بساطه قد طوي – شاءوا أم أبوا .

وها هو دين محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، فعلى الرّغم من كلّ المحن والجراحات الّتي طوّقت أمّته والأحقاد الّتي أحدقت بها من كلّ جانب ، إلاّ أنّه لم يزل يشقّ طريقه في كلّ مكان ويكتسب كلّ يوم مواقع جديدةً وأنصاراً جدداً ، حتّى غدا الأكثر انتشاراً من بين الأديان ، وحتّى غدا اسم ( محمّد ) الأكثر شيوعاً ورواجاً بين مواليد أوربّا والولايات المتّحدة الأمريكيّة في السّنوات الأخيرة .

وإذا كان خصوم هذا الدّين قد غرّهم ما يرونه حاليّاً من ضعف المسلمين ، ألا فليعلموا وكلّ من يخدع نفسه أو يمنّيها بانطفاء نوره ، أنّ اصطناع دين جديد – كالّذي يروَّج له الآن – لن تقرّ له سوى أعين القوى المعادية للإسلام والمنظّمات الماسونيّة والصّهيونيّة على وجه الخصوص ، وهو أشبه بالخرافة الّتي سرعان ما تنطفئ شرارتها ولن تجد من يذكي أوارها بعد حين ، وما أروع ما قاله الشّيخ محمّد عبده سنة 1900م في ردّه على هانوتو وزير خارجيّة فرنسا والكاتب كيمون ، اللّذين شتما الإسلام ونبيّه وطالبا بهدم الكعبة وإبادة خُمْس المسلمين : ” وبئسما اختارا لسياسة بلدهما ، أن يظهرا ضعتهما ويعلنا خطل رأيهما وضعف حلمهما ، أما فليعلما وكلّ من يخدع نفسه بمثل حلمهما ، أنّ الإسلام إن طالت به غيبة فله أوبة ، وإن صدعته النّوائب فله نوبة ” [12] .

ويومها سيدرك العالم أنّ ما يرجوه – وأفضل ممّا يرجوه – من خير وسعادة وأمان ، إنّما يكمن في ( دين محمّد ) وحده ليس غير .

* الأستاذ المشارك بجامعة البحرين .

[1] سورة آل عمران : 67 .

[2] سورة البقرة : 137 .

[3] سورة آل عمران : 68 .

[4] سورة سبأ : 28 .

[5] سورة الأنبياء : 107 .

[6] رواه البخاري في صحيحه ( 335 ) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه .

[7] سورة آل عمران : 19 .

[8] سورة المائدة : 3 .

[9] سورة البقرة : 120 .

[10] سورة آل عمران : 85 .

[11] سورة التّوبة : 32 – 33 .

[12] الأعمال الكاملة للإمام الشّيخ محمّد عبده : جمع وتحقيق دكتور محمّد عمارة ، ج 3 ، ص 234 .