قضية مطالبة الوالدين من الابن عن تطليق زوجته

من إعجاز القرآن المجيد : النظام المالي
أكتوبر 12, 2021
المذهب الشافعي : مصادره ومراجعه
يناير 2, 2022
من إعجاز القرآن المجيد : النظام المالي
أكتوبر 12, 2021
المذهب الشافعي : مصادره ومراجعه
يناير 2, 2022

الفقه الإسلامي :

قضية مطالبة الوالدين من الابن عن تطليق زوجته

أ . د . المفتي محمد مصطفى عبد القدوس الندوي *

ومما لا شك فيه أن كثيراً من الآيات والأحاديث قد وردت في بر الوالدين ومرتبتهما العليا ، ورفعت شأنهما ، ونصّت على طاعتهما وترتب الأجر عليها ، وحرمة عقوقهما والعقاب عليه . وبعبارة أخرى هذه النصوص الشرعية تؤكد وتوجب على الأولاد أن يبروا بالوالدين لامحالة ويحسنوا إليهما على كل حال ؛ فنظراً إلى ذلك هل يجب على الأبناء أن يطلقوا نساءهن إن أمرهم أبواهم بتطليقهن ؟

وعلماً بالقارئ للتوضيح أن مطالبة الوالدين من الابن تطليق زوجته لها صورتان :

الأولى – مطالبة الأبوين من الابن ظلماً أن يطلق زوجته :

وهي أنهما يكرهان زوجة الابن أو أحدهما يكره زوجته بلا سبب معقول وبدون عذر شرعي ، نحو : لا تلد ، أو لا تخدمهما ، أو لا تغسل ثيابهما وثياب أولادهما الآخرين ، لأجل ذلك يطالب من الابن كلاهما أو أحدهما أن يطلق زوجته ويسرّحها ويفرّقها .

وفي هذه الصورة لا يطلق الابن زوجته ؛ لأنه لا يجد عليها مأخذاً شرعيّاً ، ثم هذا من الحاجات الخاصة التي لا يتدخل أحد فيها بين الرجل وزوجته . ( شرح رياض الصالحين للعثيمين : 3/203 ) . ثم تطليق المرأة بلا سبب شرعي حرام ومعصية كبيرة ؛ لأن القرآن الكريم أمر الرجل بالمعاشرة الحسنة المعروفة مع الزوجة ؛ فقال : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )         [ النساء : 19 ] . ثم أمره إن خاف نشوزها أن يعظها ، وإن لم تصر طائعة ؛ فيهجرها في المضجع وحيدة ويترك مضاجعتها ، أوَ يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشِهَا وَيُوَلِّيَهَا ظَهْرَهُ ووجهه ، وَلا يُكَلِّمُهَا مَعَ ذَلِكَ وَلا يحدثها وَلا يُجَامِعَهَا         ( تفسير الطبري : 8/302 ، تفسير ابن كثير : 2/257 ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 5/171 ) ، وإن لم يأت هذا التدبير بثمرة حسنة ولم تفد شيئاً ، أي لم تطع مع ذلك ؛ بل أصرّت على النشوز وتمادت عليه ؛ فيضربها ضرباً خفيفاً غير مبرّح حتى لا يجرحها ولا يكسر عظامها ، وإن لم تطع برغم ذلك بل ألحّت على النشوز ، وبقي الشقاق بينهما بحاله ، فأمر الله عز وجل أمراً آخر ، وأرشد إلى اتخاذ حكمة أخرى ، وهي الصلح بينهما ، يقوم به الناس الآخرون العقلاء من أسرتهما ، فقال : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) [ النساء : 25 ] . والأمر المهم في هذه الآية أن الله تعالى لم يأمر الزوج بتطليق زوجته على رغم الأحوال السيئة المتنفرة التي يمرّ بها الزوجان بل أمر الزوج بالصبر واتخاذ التدابير والحكم لإصلاح الزوجة ولكونها مطيعة .

ولأن القرآن الكريم قد أمر الرجل بحسن المعاشرة والإمساك بالمعروف ما أمكن ، هذا من تقوى الله ، ونوعٍ من الحسنات ، فقال تعالى مخاطباً للنبي صلى الله عله وسلم : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ) [ الأحزاب : 37 ] .

ولأن تطليق المرأة بغير سبب شرعي إضرارها وإيذاؤها وإلقاؤها في الحرج العظيم ، وهذا حرام ؛ لأن الله تعالى قال مخاطباً للأزواج : ( وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) [ الطلاق : 6 ] ، كذلك منعهم عن الإيذاء والإضرار في موضع آخر : ( وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) [ البقرة : 231 ] . ثم أمره بإمساكهن بالمعروف والمعاشرة الحسنة بقوله : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) [ البقرة : 229 ] ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) [ الطلاق : 2 ] . وأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : الرجال بالرفق بالنساء حتى في السفر ، كما روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر السوّاق مطاياهن بالرفق في بعض أسفاره ؛ فروى أَنَس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، وَغُلامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ : أَنْجَشَةُ يَحْدُو ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا أَنْجَشَةُ ، رُوَيْدَكَ سَوْقاً بِالقَوَارِيرِ ” ( أخرجه البخاري في الأدب ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ ، برقم : 6149 ،  ومسلم في الفضائل ، بَابُ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ وَأَمْرِ السَّوَّاقِ مَطَايَاهُنَّ بِالرِّفْقِ بِهِنَّ ، برقم : 70 – 2323 ، واللفظ لمسلم ) . وفي رواية : قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ ، لاَ تَكْسِرِ القَوَارِيرَ ” قَالَ قَتَادَةُ : يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ ( أخرجه البخاري في الأدب ، بَابٌ : المَعَارِيضُ  مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ ، برقم : 6211 ) . وفي رواية عند البخاري في صحيحه : ” ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ ، وَيْحَكَ بِالقَوَارِيرِ ” ( نفس المصدر ، رقم : 6209 ) .

ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجال الأمة وأمره بقوله :      ” وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً ، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْئ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ” ( أخرجه البخاري في النكاح ، بَابُ الوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ ، برقم : 5186 ، ومسلم في الحج ، بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ ، برقم : 60 – 1468 ) .  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا ، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا ” ( أخرجه مسلم ، بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ ، برقم : 59 – 1468 ) .

ويفيدنا هذا الحديث أن الشدة والغلظة مع النساء لا تُحدث إلا شيئاً كريهاً بغيضاً ، وهو الطلاق ؛ لأن النساء كالقوارير ، لا يتحملن الغلظة البالغة . ولأجل ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجال أمته بحسن معاشرة النساء وأن يكونوا أحسن الناس خلقاً ، وخيارهم لنسائهم ؛ فرُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً ، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ ” ( أخرجه الترمذي في أَبْوَاب الرَّضَاعِ ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حَقِّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وقال : ” حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ” ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 4176 ، والحاكم في المستدرك في البر والصلة ، برقم : 7327 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافقه الذهبي بقوله : صحيح ) .  وقدّم صلى الله عليه وسلم نفسه كقدوة وأسوة حسنة ؛ فقال : ” وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ” ( أخرجه الترمذي في المناقب ، باب في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، برقم : 3895 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 4177 ) .

والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم نفّرهم وبعّدهم من تطليق النساء بقوله : ” مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئاً أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاقِ ” ( أخرجه أبو داود في الطلاق ، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الطَّلاقِ ، برقم : 2177 ) . والمعلوم جليّاً أن المرأة تقع في حرج عظيم ومشقة هائلة ويلحقها الضرر البالغ الأعظم بسبب وقوع الطلاق عليها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ” ( أخرجه مالك في الموطأ في الأقضية ، باب الأقضية في المرافق ، برقم : 226 ، وابن ماجة في الأحكام ، باب من بنى في حقه ما يضر جاره ، برقم : 3340 ، وأحمد في مسنده ، برقم : 22778 ، والحاكم في المستدرك في البيوع ، برقم : 2345 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافقه الذهبي بقوله : على شرط مسلم ، والدارقطني في الأقضية والأحكام ، برقم : 3079 ) . وعلى هذا الأساس قال الفقهاء كقاعدة فقهية : [ الضَرَرَ يزال ] ( الأشباه والنظائر للسبكي : 1/89 ، لابن نجيم المصري : 1/86 ) ، [ الضَّرَرُ لا يُزَالُ بِالضَّرَرِ ] ( المنثور في القواعد الفقهية للزركشي : 2/321 ، الأشباه والنظائر للسبكي : 1/41 ، للسيوطي ، ص : 86 ، لابن نجيم المصري : 1/88 ) ، [ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ الآخَرِ ؛ فَإِنَّ الأَشَدَّ يُزَالُ بِالأَخَفِّ ] ( الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري : 1/89 ) ، [ الضَّرَرُ الأَشَدُّ يُزَالُ بِالأَخَفِّ ] ( شرح القواعد الفقهية للزرقاء ، ص : 199 ) .

ولأن النكاح نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل على عباده . . . وكفران النعمة حرام ، وهو رفع النكاح المسنون . ( المبسوط    للسرخسي : 6/2 ، كتاب الطلاق ) .

ومن القواعد الفقهية : [ مَا حَرُمَ فِعْلُهُ حَرُمَ طَلَبُهُ ] ( الأشباه والنظائر للسيوطي ، ص : 151 ، لابن نجيم المصري : 1/155 ) . وعلى هذا وما تقدم من البراهين والحجج : لما تقررت حرمة تطليق المرأة بغير سبب شرعي ، حرمت مطالبة الأبوين من الابن تطليق زوجته بغير سبب شرعي أيضاً ، ولذا ورد الوعيد الشديد في امرأة سألت زوجها طلاقاً أو اختلعت من زوجها من سبب يوجب ذلك ؛ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقاً فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ” . ( أخرجه أبو داود في الطلاق ، باب في الخلع ، برقم : 2226 ، والترمذي ، باب في المختلعات ، برقم : 1187 ، وقال : هذا حديث حسن ، وابن ماجة برقم : 2055 ، وابن حبان في صحيحه ، ذكر تحريم الله جل وعلا الجنة على السائلة طلاقها زوجها من غير سبب يوجب ذلك ، برقم : 4184 ، والحاكم في المستدرك ، في الطلاق ، برقم : 2809 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ) . وفي رواية : ” لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ” ( أخرجه الترمذي في الطلاق ، باب في المختلعات ، برقم : 1186 ) .

وقد ثبت مما سبق أن مطالبة الأبوين من الابن تطليق زوجته بغير مأخذ شرعي حرام ومعصية كبيرة ، فإن أجبره أحدهما أو كلاهما على تطليق امرأته ، يعدّان من الظالمين ، ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) [ آل عمران : 57 ] وقال الفقهاء : ” الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ مُحَرَّماً فَحَسْبُ ، بَل هُوَ إِحْدَى الْكَبَائِرِ ، لأِنَّهُ أَيْضاً يُنْبِئُ بِقِلَّةِ الاِكْتِرَاثِ بِالدَّيْنِ ، وَلأِنَّهُ مِنَ   الظُّلْمِ ” . ( الموسوعة الفقهية الكويتية : 6/101 ) . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ : ” يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا .  .  . ” ( أخرجه مسلم في البر والصلة ، باب تحريم الظلم ، برقم : 55 – 2577 ) . وإن أطاعهما الابن وامتثل أمرهما وطلّق زوجته ، فقد ظلم نفسه واعتدى عليها ، وعصى الله ورسوله ، وأصبح مسيئاً ؛ لأن الله تعالى قد نهاه عن طاعتهما في معصية نفسه ، كما هو مستفاد من قوله تعالى : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا )       [ لقمان : 15 ] ، وقد منع الناسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة البشر في معصية الله عز وجل ، ولو كان أباً أو أماً ، أو أستاذاً أو والياً ، أو أميراً أو مرشداً ، فقال بصراحة : ” لا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ الله جل وعلا ” ( أخرجه ابن حبان في صحيحه عن علي بن أبي طالب ، برقم : 2865 ، راجع أيضاً : صحيح مسلم ، باب وجوب طاعة الأمراء ، رقم : 39 – 1840 ، وصحيح البخاري في أخبار الآحاد ، باب في إجازة خبر الواحد الصدوق ، رقم : 7257 ) .

الثانية – مطالبة الوالدين من الابن حقاً أن يطلق زوجته :

وصورتها أن تكون مطالبة الأبوين أو أحدهما من الابن تطليق زوجته حقاً ، بما توجد فيها من العادات الخبيثة ، كأن تكون فاجرة ، أو بذيّة اللسان ، أو لا تحافظ على الصلوات المفروضة ولا تؤثر النصيحة والعظة فيها . وحكم ذلك شرعاً أنه لا يجب على الابن تطليق امرأته امتثالاً لأمر الوالدين أو أحدهما ، وبه أفتى الإمام الحسن البصري  التابعي ، والإمام المتبوع أحمد بن حنبل ، وشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية ( البر والصلة لأبي عبد الله الحسين السلمي المروزي المتوفى    246هـ ، ص : 32 ، الفروع : 9/7 ، المبدع في شرح المقنع : 6/293 ، الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح الحنبلي : 1/503 ، الزواجر : 2/72 ، مجموع الفتاوى : 33/113 ) ، والعثيمين ( شرح رياض الصالحين للعثيمين : 3/203 ) ، وبه قال المحقق العلامة الشوكاني ( نيل الأوطار : 6/262 ) ، وهو مذهب الحنابلة ( الإنصاف في معرفة الراجح من   الخلاف : 8/431 ) ، وينبغي أن يُرجح ويؤخذ ذلك للعمل شرعاً في هذا الوقت ؛ بما يدل عليه النصوص الشرعية ، ويلائم روح الإسلام ويوافق مقاصد الشريعة الإسلامية وينسجم مصالح النكاح ، وفيه رضى الله عز وجل ، ومفخرة رسوله يوم القيامة ، والحفاظ على الأسرة من التفرق والتشتت .

وأما النصوص الشرعية ، فليقرأ القارئ قوله تعالى وليتأمل فيه بالتأني والجدّية ، وليلاحظه بدقة النظر : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) [ النساء: 19 ] . فالله سبحانه وتعالى لم يأمر الأزواج بتطليق النساء على رغم كراهتهن بأي سبب كان ، ولو زنين . وكذلك لم يوجب رسول الله صلى الله عليه سلم تطليق الزوجة على الصحابي الذي أتاه ، وقال : يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِيَ امْرَأَةً وَهِيَ لا تَدْفَعُ يَدَ لامِسٍ قَالَ : ” طَلِّقْهَا ” قَالَ : إِنِّي أُحِبُّهَا وَهِيَ جَمِيلَةٌ قَالَ : ” فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ” ( أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، في النكاح ، بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَصْرِ الآيَةِ عَلَى مَا نَزَلَتْ فِيهِ أَوْ نَسْخِهَا ، برقم : 13873 ) ، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله  عنه : ” فَأَمْسِكْهَا إِذًا ” ( نفس المصدر ، رقم : 13870 ، معرفة السنن والآثار للبيهقي ، رقم : 13766 ، مسند الشافعي – ترتيب السندي ،   رقم : 1206 ) ، وجاء في رواية أبي داود والنسأئي عنه : ” فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ”    ( أبو داود ، النكاح ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يَلِدْ مِنَ النِّسَاءِ ، رقم : 2049 ، النسائي ، تَزْوِيجُ الزَّانِيَةِ ، رقم : 3229 ) .

وظهر من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوجِب تطليق المرأة على زوجها مع وجود مأخذ شرعي ؛ بل خيّره ، إن شاء أن يطلقها أو شاء أن يمسكها ويستمتع بها ، كما يثبت بما رُوي عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا – يَعْنِي الْبَذَاءَ – قَالَ : ” فَطَلِّقْهَا إِذًا ” ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً ، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ ، قَالَ : ” فَمُرْهَا يَقُولُ : عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ ، ( أخرجه أبو داود في الطهارة ، بَابٌ فِي الاسْتِنْثَارِ ، برقم : 142 ، وأحمد في مسنده ، برقم : 16384 ، 17846 ) و في رواية ابن حبان في صحيحه : ” لَعَلَّهَا أَنْ تَعْقِلَ ، وَلا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ إِبِلَكَ ” ( كتاب السير ،  بَابُ فِي الْخِلافَةِ وَالإِمَارَةِ ، برقم : 4510 ) .

وكذلك يدل عليه ما جاء في رواية حَجَّةَ الوَدَاعِ أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر بتطليق نساء فاجرات بل أمر بهجرهن فِي المَضَاجِعِ ، وبضربهن ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، ثم قال : ” فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا ، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهنَّ وَطَعَامِهِنَّ ” ( أخرجه الترمذي في الرضاع ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حَقِّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، برقم : 1163 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) .

ومن مصالح النكاح : دوامه ما دام الزوجان حيين . ومعنى الزوجية القيامُ والدوامُ على الزواج ، ألا ترى إلى قول جابر رضي الله عنه حين سأله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا تَزَوَّجْتَ ؟ أَبِكْراً أَمْ     ثَيِّبًا ؟ ” ، ( قال ) فَقُلْتُ لَهُ : تَزَوَّجْتُ ثَيِّباً ، قَالَ : ” أَفَلا تَزَوَّجْتَ بِكْراً تُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا ؟ ” ( أخرجه مسلم في الطلاق ، بَابُ بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ ، برقم : 110 – 715  ، والبخاري في المغازي ، برقم : 4052 ) . وفيه إشارة إلى أن البكر أشد حباً ، وأن الألفة التامة تتحقق بالتزوج بالبكر ، وذلك يتسبب عاملاً كبيراً لتقوية العلاقة الزوجية ويؤدي إلى بقائها ما دام الزوجان حيين .

ثم الطلاق شيئ مبغوض ، وظلم وعدوان ، وهدم الأسرة ، وإلحاق ضرر كبير بالأبناء ، وكفران النعمة ؛ لأن النكاح نعمة من نعم الله عز وجل ، وسنة من سنن الأنبياء والرسل ؛ لذا أن الأصل في الطلاق : الحظر بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه ؛ فلا يحل عند الحاجة ؛ فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة شرعاً يبقى على أصله من الحظر ( المبسوط ، كتاب الطلاق : 6/3 ، بدائع الصنائع : 3/97 ، الدر المختار وردالمحتار : 4/314 ، 427 ) . وفي قضية المبحوث فيها لا تمس الحاجة والضرورة ليطلق الابن زوجته على مطالبة الأبوين أو أحدهما ولو كانا على حق في المطالبة ؛ لأن هذا تدخّلٌ بلا حاجة في أمر الابن مع زوجته . قال الملا علي القاري نقلاً عن الحافظ ابن حجر : ” فَلا يَلْزَمُهُ طَلاقُ زَوْجَةٍ أَمَرَاهُ بِفِرَاقِهَا ، وَإِنْ تَأَذَّياً بِبَقَائِهَا إِيذَاءً شَدِيداً؛ لأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِهَا ، فَلا يُكَلَّفَهُ لأَجْلِهِمَا ؛ إِذْ مِنْ شَأْنِ شَفَقَتِهِمَا أَنَّهُمَا لَوْ تَحَقَّقَا ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرَاهُ بِهِ فَإِلْزَامُهُمَا لَهُ مَعَ ذَلِكَ حُمْقٌ مِنْهُمَا ، وَلا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إِخْرَاجُ مَالِهِ ( وَلا تَتْرُكَنَّ صَلاةً مَكْتُوبَةً ) أَيْ : مَفْرُوضَةً ( مُتَعَمِّداً ) : احْتِرَازٌ مِنَ السَّهَرِ وَالنِّسْيَانِ ” . ( مرقاة المفاتيح ، كتاب الإيمان ، بَابُ الْكَبَائِرِ وَعَلامَاتِ النِّفَاقِ : 1/133 ) .

ثم تطليق الابن زوجته ليس من قِبلِ البر بالوالدين والإحسان إليهما وليس من الأعمال الصالحات والحسنات يوجر عليه ؛ بل لا يحبه الله ورسوله ولا يرضيان به .

ثم يظهر بالتأمل والتفكر في هذا أن ضرر الأبوين وألمهما أخف من ضرر الطلاق ، الذي ينشأ بعد وقوعه ، وهو أن المرأة تتضرر ، إن كان منها ولد وهو يتضرر ، والرجل الذي هو زوج المرأة وأبو الولد  يتضرر ، وتتشتت الأسرة وتفترق ، ويحدث البغض والنزاع بين الأسرتين ، والشيطان يفرح بملء فمه ، ثم المستزاد على ذلك في الهند أن العقد الثاني للمطلقة مستحيل أو أقرب من المحال على وجه العموم . وبهذا السبب يمكن أن تشيع الفاحشة في الناس ، ويتقذر المجتمع نتيجة ، وتزداد نسبة الزنا فيه . ومن القواعد الفقهية : [ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ الآخَرِ ؛ فَإِنَّ الأَشَدَّ يُزَالُ بِالأَخَفِّ ] ( الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري : 1/89 ) .

وعلى رغم ذلك إن طلق الابن زوجته امتثالاً لأمر الأبوين أو  أحدهما ، طلّقت ، ولا يعدّ مسيئاً ؛ بما وجد مأخذ شرعي يجوّز له تطليق امرأته ، كما فعل عبد الله ابن عمر رضي الله عنه ؛ لأن زوجته كانت بذيّة اللسان ( نيل الأوطار للشوكاني : 6/262 ) ، أو كان نقصان في دينها ( بذل المجهود شرح سنن أبي داود للشيخ خليل أحمد السهارنفوري : 31/28 ) . قال ابن نجيم المصري : ” لا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ وَلا عَلَيْهَا تَسْرِيحُ الْفَاجِرِ إلا إذَا خَافَا أَنْ لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا بَأْسَ أَنْ   يَتَفَرَّقَا ” . ( البحر الرائق : 3/115 ) .

والحاصل أن الابن يخيّر في هذه الصورة الثانية بين إمساك الزوجة بالمعروف وتسريحها بالإحسان ، وساغ له شرعاً أن يختاار أيّهما شاء .

رفع شبهة :

هناك ينشأ إشكال وشبهة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وهو يقول : كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا ، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا ، فَأَمَرَنِي أَبِي أَنْ أُطَلِّقَهَا ، فَأَبَيْتُ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ” يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، طَلِّقْ امْرَأَتَكَ ” ( أخرجه الترمذي في الطلاق ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَسْأَلُهُ أَبُوهُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ ، برقم : 1189 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) ، وزاد في شرح مشكل الآثار ( بَابُ طَلاقِ الرِّجَالِ نِسَاءَهُمُ اللاتِي يُكْرِهُهُنَّ آبَاؤُهُمْ بِذَلِك إلخ ، رقم : 1386 ) ، ومسند أحمد ( رقم : 5011 ، قال المحقق : إسناده قوي ) ” فَطَلَّقْتُهَا ” ، وفي المستدرك للحاكم : ” يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ وَأَطِعْ أَبَاكَ ” ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَطَلَّقْتُهَا ( 4/509 ، رقم : 7253 ، قال الحاكم : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافقه الذهبي بقوله : على شرط البخاري ومسلم ) .

ويستفاد من هذا الحديث في الظاهر أن يطيع الابن أباه وأمه ويطلق زوجته في طاعتهما ، كما أشار إليه الإمام جعفر الطحاوي بعد نقل أبي الدرداء حين سأله رجل أمرته أمه أن يتزوج ، فلما تزوج ، أمرته أن يفارقها ، فارتحل إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك فقال : ما أنا بالذي آمرك أن تطلق ، وما أنا بالذي آمرك أن تمسك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” الوالدة أوسط باب الجنة فاحفظ ذلك الباب أو ضيّعه ” ( شرح مشكل الآثار ، بَابُ طَلاقِ الرِّجَالِ نِسَاءَهُمُ اللاتِي يُكْرِهُهُنَّ آبَاؤُهُمْ بِذَلِك إلخ ، رقم : 1385 ) ، لم يقطع الجواب أبو الدرداء رضي الله عنه ، والحق أن يطيعها ( المعتصر من مختصر مشكل الآثار : 2/286 ) ، وقال الإمام جعفر الطحاوي أيضاً بعد تخريج حديث ابن عمر رضي الله عنه : ” وإذا كان ذلك من حق الوالد على ولده – إجابته أباه إلى ما يسأله – كان من حق والدة على ولدها أوجب ، ولولدها ألزم ؛ لأن حق الوالدة على الولد يتجاوز حق الوالد عليه ” ( شرح مشكل الآثار ، بَابُ طَلاقِ الرِّجَالِ نِسَاءَهُمُ اللاتِي يُكْرِهُهُنَّ آبَاؤُهُمْ بِذَلِك إلخ ، رقم : 1388 ) ؛ ولكن هذا ليس على الإطلاق كما صرح به الإمام أبو جعفر الطحاوي بنفسه : ” والذي يؤمر به الولد في هذا غير مبيح له فيه طلاق زوجته في الموضع الذي نهاه الله عز وجل عن طلاقها فيه ، وإنما هو طلاقه إياها في الموضع الذي أباح الله الطلاق فيه لا في ضده ” ( شرح مشكل الآثار ، بَابُ طَلاقِ الرِّجَالِ نِسَاءَهُمُ اللاتِي يُكْرِهُهُنَّ آبَاؤُهُمْ بِذَلِك إلخ ، رقم : 1388 ) .

يناسب أن ينقل جواب الإمام أحمد بن حنبل عن سؤال توجه إليه لرفع شبهة ودفع وهم ينشأ بحديث ابن عمر رضي الله عنه بهذا الخصوص ؛ فسأله رجل : إن أبي يقول : طلق امرأتك ، وأنا أحبها ، قال : لا تطلقها ، قال : أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته لما أمره عمر ، فقال له الإمام أحمد : وهل أبوك عمر ؟ لأن عمر يعلم علم اليقين أنه لن يأمر عبد الله بطلاق زوجته إلا لسبب    شرعي ، وقد يكون ابن عمر لم يعلمه ؛ لأنه من المستحيل أن عمر يأمر ابنه بطلاق زوجته ليفرق بينه وبين زوجته بدون سبب شرعي ، فهذا بعيد . ( شرح رياض الصالحين للعثيمين ، ( باب بر الوالدين وصلة الأرحام : 3/203 ) . وقال الخطابي : وهو لا يأمر بأمر يكرهه الله ( معالم    السنن ، من باب كراهية الطلاق : 3/231 ) ؛ لأجل ذلك أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنه : ” يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ وَأَطِعْ أَبَاكَ ” .

وحاصل الجواب أن الأب المتدين الفهيم ينعدم في هذا الزمان كعمر رضي الله عنه ؛ لذا لا يفتى ولا يقال للإبن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه أو أمه أو كلاهما تطليق امرأته في العصر الراهن . ثم يمكن أن يقال : إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه لم يطلق زوجته لأمر أبيه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطاعة الرسول واجب فرض على الناس أجمعين ، خاصةً على الصحابة رضي الله عنهم الذين كان بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  حياً .

* عميد كلية البحث والتحقيق والإفتاء بجامعة العلوم غرها – غجرات ، الهند .