فمن يهجو رسول الله منكم ويـــمـــدحه ويــنـصره سواء !

سِتُّ آيات ، ونبوة قرآنية في سورة الروم !
نوفمبر 10, 2020
إنها مؤامرة ضد أمة الإسلام !
يناير 6, 2021
سِتُّ آيات ، ونبوة قرآنية في سورة الروم !
نوفمبر 10, 2020
إنها مؤامرة ضد أمة الإسلام !
يناير 6, 2021

الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
فمن يهجو رسول الله منكم
ويـــمـــدحه ويــنـصره سواء !
بينما كان المسلمون في جميع أرجاء العالم يتهيأون لاستقبال شهر الربيع في هذا العام الهجري الجديد ( 1442هـ – 2020م ) لدراسة تاريخ الإسلام بواسطة خاتم النبيين رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم من خلال الربيع المبارك ، الذي أكرم الله سبحانه فيه العالم البشري بولادة هذه الرحمة والنور ، وببعثة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً للجنس البشري كله بل وللكائنات كلها ، إذ قام أعداء الإسلام بإذاعة برنامج نجس ، بالغ في القذر والذلة أن يصطنعوا صوراً قبيحةً افتراضيةً لرسولنا العظيم خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وينشروها على أوسع نطاق ، تشويهاً لهذا التاريخ المشرق النيِّر وإيذاءً لأمة الإسلام المنتشرة في جميع أنحاء العالم ، وإيذاناً بأن العالم البشري يستنكر الإسلام ورسوله الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) الذي ختم الله به النبوة ، وهم ينادون بأن الإسلام قد انصرم دوره ومات نظامه في العصر الحاضر المادي الذي يسعى إلى إثبات شخصيته عن طريق التلميع المادي وتجريد الإنسان عن كل فضيلة لكي يمثل دور البهائم والوحوش ، وتعريته عن كل لباس من الاحتشام والزينة في العصر الذي يفتقر إلى شحن بطارية المعدة فحسب بارتكاب الجرائم الخلقية من كل نوع وتمثيل كل فن من العري والفجور وتحويل الإنسان إلى سبع مخيف ، ونقل العالم البشري إلى غابة للوحوش والعفاريت والثعابين .
وما ذاك إلا لإثبات أن الإنسان لا يتقيد بشيئ من سوانح الآراء حول الأخلاق العالية والتميز عن الخلق الآخرين ممن يعيشون في تحرر كامل في إشباع الشهوات وتحقيق الأهواء النفسية والبهيمية ، وأن الإنسان أحق بالاستمتاع من الملذات المادية وبالسيادة على جميع الكائنات لأنه يتمتع بمدارك الشعور والعقل والذكاء فيتملك الحرية الكاملة في قضاء لمحات الحياة في هذه الدنيا التي خُلقت للإنسان ولتحكيم عقله في الأخذ من نعم الحياة ولذات العيش دون أن يتقيد بأي قانون أو شريعة ، فكل شخص مخير بأن يأخذ نصيبه مما يرغب فيه من المتع والزخارف دون أن يتقيد بأحكام أو قوانين من الخبيث والطيب ومن الحلال والحرام ، أو من الطاعة والمعصية ، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا الواقع في كتابه العظيم فقال : ( يا أَيُّهَا ٱلإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ . ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ . كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ . وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .
ليس الموضوع غريباً إنما تتوافر أمثلة كثيرة للنيل من شخصية رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم وإهانة الرسالة السماوية الأخيرة التي بعثه الله تعالى بها كشريعة دائمة خالدة للإنسان والكون عن طريق خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه ، ولكن نهض هناك متنبئون وكذابون ممن ادعوا النبوة وحاولوا تغيير دين الله الخالد الدائم ، وما نراه اليوم من إنكار النبوة ورفض دين الإسلام ونشر الفتن بين أمة الإسلام إنما هو جزء من التحاسد على كثرة عدد المسلمين في العالم ودخول كثير من المثقفين غير المسلمين في نطاق الدين الإسلامي ، ممن يدرسون الإسلام ويعتنقونه ، ويرفضون مرافقة المستكبرين من أدعياء القيادة العالمية الذين يبذلون جميع وسائلهم المادية على إبقاء سمعة قيادية كاذبة .
أرسل خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم بعد جميع الأنبياء والرسل إلى هذا الكون لكي ينشر رسالة الإنسانية على أوسع نطاق في هذا العالم المادي إلى يوم القيامة ، ولكنه اختاره الله سبحانه وتعالى كسيد الأنبياء والرسل في الآخرة حيث يمتثل أوامره في الشفاعة لأمته ممن يحتاجون إلى ذلك ويطالبونه من خاتم النبيين الذي ينجز ذلك بإذن من الله تعالى ، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله : ( مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) .
وهناك بعض الطوائف من الناس وهم مسلمون ، ولكنهم يركزون إسلامهم في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقلما يهتمون بذكر الله تعالى والالتجاء إليه في شئونهم العامة ، وهم يزعمون أن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وعقد المحافل بمناسبة ميلاده على أوسع نطاق ، في شهر الربيع بوجه خاص هو المطلوب الأساسي من المسلمين ، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال بأمر من الله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
ومن ثم كان الإيمان بالله تعالى من أعماق القلب والإنابة إليه في جميع شئون الحياة والممات ، وفي سائر لمحات السرور والحزن ، والفقر والغنى ، والقلة والكثرة ، والطاعة الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الأوامر والنواهي ، والإيمان بأقواله وأعماله من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل ، كل ذلك كان من واجبات حياة المسلم بوجه خاص ، كما أن جميع تعاليمه وإشاراته كانت طريقاً نحو الحياة السعيدة للجميع ، وسواء كان المرء مسلماً أو غير مسلم لا يستغني أبداً عن التوجيهات النبوية للحياة التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغها للناس جميعاً ( يَـا أَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، وقال (يَـا أَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ) .
بالنظر إلى مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم جنّد الشعراء العرب وغيرهم مواهبهم الشعرية في مدح الرسول ، ومعطياته لخدمة أغراض دينية وخلقية ، وقد نشأت طبقة من الشعراء المخضرمين العرب ، الذين وفقهم الله تعالى للجمع بين الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي ، فكانوا جامعين بين هذين النوعين وعُرفوا بالمخضرمين ، وذلك في البيئة الجاهلية التي لم تكن تعترف بالفضل والعلو إلا للعادات الجاهلية فحسب ، ولكنهم لما عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم وتبينت لهم مكانة الدعوة التي حملها إليهم وعلموا أنهم كانوا منحرفين عن الجادة التي خلقها الله سبحانه للإنسان وتأكدوا أن الطريق الطبيعي للحياة الإنسانية هو ما بيّنه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى ، وافتخروا بذلك وركزوا مواهبهم الشعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والخضوع الكامل أمام دعوته ورسالته الإنسانية والخلقية التي أوحى بها الله سبحانه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقام الشعراء الإسلاميون بشرحها والإيمان بها وصوغ الحياة في قالبها الحكيم ولا سيما سيدنا حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه .
فإنه لما وصل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم له الأنصار كل شيئ من الإيواء والنصر والأسرة ، وكان الإسلام أغلى هدية قدمها إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابل كل ذلك ، وفي المناسبة جاشت قريحة حسان بن ثابت فقرض مديحاً للرسول صلى الله عليه وسلم تحيةً له بوصوله إلى دار أمن وسلام ، إذ ليس هناك رجال من قريش كانوا يتولون إيذاءه صلى الله عليه وسلم ، إنه يتحدث عن ذلك في أبيات من الشعر :
ثــــوى في قـــريش بضع عشرة حجة يــــذكّــــر لــــو يـــلــقـى خليلاً مؤاتيا
ويــــعـــــرض في أهــل المـواسم نفسه فــــلــــم يـر من يؤوي ، ولم ير داعيا
فــــلـــــمـــا أتـــانـا واطمأنت به النوى فــــأصــــبـــــح مـــسـروراً بطيبة داعيا
وأصـــــبـــح لا يـخــشى عداوة ظالــم قريب ، ولا يخشى من الناس باغيا
بــــذلــــنـــا لـــه الأموال من جل مالنا وأنــــفــــســنـا ، عند الوغى والتآسيا
نحارب من عادى من الناس كلهم جـــميعاً وإن كان الحبيب المصافيا
ونـــــعـــــلـــــم أن الله لا رب غـــــيــــره وأن كـــــتــــاب الله أصــــبــــح هاديا
فلما علمت قريش بالحفاوة البالغة التي قوبل بها رسول الإسلام في المدينة المنورة ولدى الأنصار تحرقت غيظاً وتناول شعراؤها النبي صلى الله عليه وسلم بهجاء مقذع ، وكانوا ثلاثة رهط : عبد الله بن الزبعري ، أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب ، وعمرو بن العاص ، ولكن شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم : حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة يردون عليهم الشعر بالشعر ، إلا أن هجاء حسان بن ثابت كان أشد عليهم من السيف والسنان فكان يتحدث عنهم وصنيعهم بقوة القريض الموهوبة له من الله تعالى ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن له بذلك فقال : ( أهجهم كأنك تنضحهم بالنبل ) .
وبعد ذلك صنع حسان قصيدةً ميميةً تحتوي على 34/ بيتاً ، ومنها الأبيات التالية :
فـــلـــمــا أتــانا رسول المليــ ………. ك ، بالحق والنور بعد الظلم
ركـــنـــا إلــيـه ولم نعصه غـــــداة أتـانا من أرض الحرم
وقلنا صدقت رسول المليــ ………. ك ، هــــلـــم إلــيــنـا وفينا أقم
ولا يسع الإنسان في أي زمان ومكان أن يدرك تلك المكانة العالية والدرجة القصوى ، التي بلغ الله سبحانه برسوله العظيم وخاتم النبيين إليها ، رغم غزارة علمه وسعة اطلاعه ، فقد تصدى الشعراء البارعون والأدباء النابغون أن يتوصلوا إلى ذروة ذلك الشرف الذي أكرمه الله به وجعله أسوةً حسنةً فعبروا عما جال في أنفسهم من أفكار ومعانٍ في كلامهم البليغ شعراً ونثراً ، ونعتوا به مكانة الرسول العليا ووصفوه بأبلغ ما يوصف به إنسان في هذه البرية .
وقد وجد عدد من الأعداء المعاندين في كل زمان ممن حاولوا هدم هذا البنيان المرصوص ، فأخذهم الله تعالى باللعنات وأنزل عليهم أنواعاً من العقاب عاجلاً كان أم آجلاً ، كما هو المعلوم في تاريخ الإسلام ، وقد قال سيدنا حسان :
فمن يهجو رسول الله منكم ويـــمـــدحه ويــنـصره سواء !
( كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ . أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ ) .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
سعيد الأعظمي الندوي
15/3/1442هـ
2/11/2020م