عادل عمر زعيتر والفكر الإسلامي

48/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة السادسة )
أغسطس 28, 2022
اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
سبتمبر 12, 2022
48/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة السادسة )
أغسطس 28, 2022
اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
سبتمبر 12, 2022

رجال من التاريخ :

عادل عمر زعيتر والفكر الإسلامي

بقلم : فضيلة الشيخ فاروق صالح باسلامة ، جدة

من مزايا بعض المثقفين – إن أقل الكثير منهم – في فلسطين ، عدم الخضوع للاحتلالين البريطاني الصهيوني – السبب والمسبب – لأرضهم الفسلطينية ، مهما كان هذا المثقف صغيراً أو كبيراً ، مفكراً كان أو شاعراً ، عالماً أو جاهلاً . فرفعة الرأس وإيمان الفؤاد وصلاح اللسان والعقل ، هذه المحامد الخلقية من أكبر المزايا ومحموديتها ! هكذا كان عادل زعيتر وهو تلميذ الأستاذ الفاضل الشيخ مصطفى الغلاييني ، علامة العربية الفلسطيني ومفكرها الإسلامي الديني الأخلاقي والأديب ، الذي تخرج على يديه أمثال عادل علماً ومعرفةً وفكراً وأدباً وعربيةً ، وهذا لو كان التلميذ الفرد لكفاه فخراً وعزةً وكرامةً ولكن معه أيضاً الأستاذ المفسر والمفكر عزة دروزة ، وظهور هذين كتلميذين للشيخ الغلاييني معناه أن ثمة آخرين في قائمة التلمذة والطلب ، والإفادة من علم الشيخ صاحب ” الدروس العربية ” ، هذه المعلومات الفصحى والدروس البليغة والمحاضرات العلمية الدينية والأدبية والفكرة العربية البيانية التي خلدت أسرارها مترجمات عادل زعيتر لـ :     ” حضارة العرب ” لجوستاف لوبون ، و ” تاريخ العرب العام ” ل : ل . م . سيديو ، المستشرقين العظيمين والمؤرخين المنصفين ، والمفكرين الإنسايين الرائعين الخلقيين ، بل إن الفكر الإسلامي الحديث هو الذي حفز عادلاً إلى التخصص العلمي في الترجمة مع إيقانة للغتين الفرنسية والتركية بحكم دراسته لهما في إستانبول وباريس ، ومن ثم أصرَّ عادل زعيتر على هذا التخصص ، لسببين : أولاً : لأنه يرى أن مقدمة ابن خلدون أعظم ما أُلف في العربية .

ثانياً : لأن العرب قد سبقنا بأشواط ، وأننا لن نلحق بركبه مالم نستوح أصول المعارف ومناهج الفكر ، راجع كتاب ” الأدب العربي المعاصر في فلسطين ” للدكتور كامل السوافيري ، ط . دار المعارف بمصر سلسلة الدراسات الأدبية رقم 76 ، محرم 1395هـ ، 1975م ( يناير ) .

ولم يقف في الترجمة على كتاب لوبون أو كتاب سيديو ، بل إنه ترجم أكثر من أربعين كتاباً لأعلام الفكر العالمي في مواضيع الحضارة والتمدن والبناء الفكري والعلمي والتاريخ الحديث والقديم والأدب واللغة والدين ، والعمران والجغرافيا والصحة والحياة ، وقالت الدكتورة عائشة عبد الرحمن ” بنت الشاطئ ” فيه – ضمن القائلين : ” لم يتخذ الأستاذ عادل عمر زعيتر ، سكرتيرات في مكتبه العلمي لأن ذلك لا يليق لعالم مثله ” . وهذه ميزة أخرى في العفة والوقار والعلم والأخلاق والسيرة  الحسنة . وهو في ذلك كأرباب الفكر الإسلامي : الرافعي وأرسلان والشعراوي والخضري والجندي وباكثير  ، رحم الله الجميع ، هذا هو حق الأدب والفكر والعلم ، وهذا هو حقيقة الخلق القويم ، والشرف الرفيع ، والدين القيم ، وهنا يبدو صفاء الذهن وطمأنينة النفس وإيمان الفؤاد ، أو كما أن الرافعي إذ يقول : قلبي يحب وإنما إيمانه فيه ودينه .

ولا يحسبن أحد أن ذلك عجزاً ، وإنما هو هدىً وتقىً وعلم وتفعيل .

إن الفكر الإسلامي يدعمه العمل ، ويزيده الأمل وحفظه وصونه بإتقان الفكرة ، أو الجملة القرآنية كما يقول الرافعي في ” وحي القلم ”    و ” تحت راية القرآن ” فهماً ووعياً وتدبراً ( فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأَرْضِ ) والمعول عليه في الدين هو العمل وما قرب من قول إليه أو نية صالحة أو إقدام نبيل ، أو توجيه سليم ، وهكذا لم يترك عادل زعيتر من ذلك شأناً إلا وفعله أو دل عليه ، علماً وتدريساً وتوجيهاً .

لقد استوحى من العلم ما نفع ، وهذا ديدن المفكر ، ومن التاريخ ما فيه عبر ، وهذا عادة المنصف المعنوي والمفسر الواعي ، فهو يفسر المعلومة ويستنبط المعنى والمسألة ، فيفحص القيمة ويستخرج منها الدرس والشرح والفكرة التي تتسارع في الاستخراج والاستنباط وتداعي المعاني والقيم والأفكار الصالحة للعملية الفكرية وتنفيذ المعنى والأدب وزهور الحكمة من روائعه وقيمه ، يقول عادل زعيتر من حضارة العرب لجوستاف لوبون :

” إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن ، ما ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلام واتخذوا العربية لغةً لهم ، فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين مما لم يرثوا مثله من سادتهم السابقين ، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل ، ولم ينتشر القرآن إذن بالسيف ، بل انتشر بالدعوة وحدها ، اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول ” .

فتأمل النص هذا ، كم فيه من معانٍ وفكر وقيم وأخلاق ، قالها المؤلف ، ولكن المترجم أبرز مقاصدها الإيمانية والفكرية والأدبية ، وصاغها بفصحى العربية وبيانها الأخاذ ، وكم في هذا النص من علوم ومعارف وبينات ، وتاريخ وسير وعبر ودرس وخبيئة النفس العارفة ، والفؤاد المؤمن والفكر السليم والعلم المكين والرأي السديد والذهن الناضج ، ومنه التفكير الفطري في الحياة أن يثقف الإنسان نفسه بالعلوم والمعارف ، وأن ينظر إلى دينه الحنيف وخلقه كي يصون فكره وذهنه وفؤاده ، ولم يكن الأستاذ زعيتر يتشرق بذلك ، وإنما كان يفعل الفكرة الإسلامية دون ضجيج أو صخب ، وكان يطبقها بقلبه وفعله الصموت وحركته وهو ساكت وتفعيله الدائب الذي يراه حقاً وصدقاً ، وأنه واجب ، وهذا من ظواهر التفكير الإسلامي في الوجود الكبير والحياة والأرض والدنيا والمعاش ، إن الثقافة بحاجة إلى الدين والأدب والعمل ، والعمل لا بد له من شمائل تعليه ، شمائل المعرفة والتفكير والإبداع الفني والفكري والتصنيع والتمدن والإتقان الجسدي ، واليد العاملة عالية المنزلة والتقدير في حركتها العملية والمعرفية والخبرة    التامة ، ومع ما عمله وقدمه لاقى زعيتر جحوداً وإنكاراً وتجاهلاً وإهمال ذكره وترجمة حياته في كثير من الموسوعات الثقافية والمعرفية والأدبية ، ويعلم القارئ الحصيف من يُذكر ويُشار إليهم بالإطراء الفارغ والمديح المزيف إذا ما قورنوا مع فطاحل العلماء والمفكرين والأدباء وأعلام العلم والثقافة والمعرفة كعادل زعيتر رحمه الله تعالى .

وإذا ذكر عادل فإنما يذكر كبارع في الترجمة فحسب ، أو مؤرخ تراثي أو مترجم ومؤرخ أو كاتب تاريخ أو ما شاكل ذلك من الألقاب والذكر العابر والكلمات المزجاة ، أما جهوده الروحية الدينية وعلمه النافع وإخلاصه في سلوكه وإتقانه لتوليد أفكاره ومسائل علمه وأسرار أسلوبه لغوياً وبلاغةً لاتصاله بالقرآن والفكر الإسلامي ، فهذا أمر لا يُنكر عليه ولكن يتجاهله من يعلم ذلك ولا يقدره ولا يقف عنده لإذاعته للشباب أو القراء أو المتلقي المحتاج لمثل هذا السلوك الأخلاقي والدأب العالي علماً وعملاً ! وإقرار الحق والعدالة والنظر إلى الأبعد المنتظر ، وتحقيق العلم وإصدار المفكرة الكتابية في أسفاره الجمة وكتبه الوسيعة بالنفع المكنوز وصلاح العمل وإعمار البناء الفكري المدني وتربية العلم والإنسان البكر وطلائع الشباب ومستقبل الأمة ، والواقع المر وحاضر البشرية وآمالها الحالمة وتطلعاتها نحو الأمام والإقدام المستقبلي الآتي ، كل ذلك موجود فيما تركه عادل من جهد المقل ، والعالم من حوله ينظر وكأنه نوح عليه السلام وهو يشير بسفينته نحو الجودي وعلى الدنيا السلام .

إن عادل زعيتر مهضوم الحق والذكر ، واتخاذ كتبه كمصادر ومراجع يُشار إليها اعتماداً ورجوعاً ، وذلك من باب الإفادة والاستفادة العلمية والمعرفية ليس إلا ، وعادل كما يقول أبو فراس الحمداني :

سيعلم قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وعلى ضوء ذلك تسير حركة التاريخ رغم كيد الكائدين وظلم الحاسدين ، وشماتة الأعداء ، إن عادل زعيتر من رواد الفكر العربي والإسلامي بل من أعلامه البررة الكرام وذوي الكرامة والإقدام نحو الفكر الدولي والأدب العالمي والإسلام السني والإيمان السوي ، وأصالة الفكر والثقافة والمعرفة ، وما يقال فيه هو ما قيل فيمن على شاكلته وعلامته والذين هم اشتغلوا بالترجمة كخيري حماد مواطنه ، وأحمد فؤاد الأهواني وأحمد حسن الزيات صاحب الرسالة ، ومصطفى لطفي المنفلوطي ومحمد السباعي ومصطفى جواد وعلي الجارم وعلي أدهم ، ومحمود تيمور ومنير البعلبكي ومحمد يوسف نجم وناصر الدين الأسد وإبراهيم المازني ، وهكذا تتلألأ في سماء العربية النجوم الساطعة والشموس الشارقة والأقمار المنيرة ، وعندما يترجم عادل الكتاب من لغة المؤلف الأجنبي إلى العربية فإنه يملك ناصيتها ، لذا نجده يختار العبارة التي تناسب الفكرة والمعنى وهدف المؤلف فيجد مندوحة متسعة لذلك من اللفظة المعربة والكلمة ذات المعنى التي ينفذها بين السطور فيغمر إلى إخراجها بالتي هي أحسن تعبيراً ، وأدق تأويلاً ، وهو إذ ينقل ذلك معرباً لا يغير من المعنى الذي يريده المؤلف ، ولا يحرك من ذلك إلا بحيوية اللغة العربية التي تتغلب على العجمة واللكن ! وهو إذ ينقل ويعرب ويترجم       ( أصل التفاوت بين الناس ) لـ جان جاك روسو ، يقول في مقدمة الكتاب مستهلاً على ضوء فكر وثقافة المؤلف روسو : إن الفنون والعلوم هناك أفسدت فكرة الإنسان وخربت تصوره في حياته . ثم يغوص عادل في تاريخ حضارات الأمم ليترجم لجوستاف لوبون كذلك كتاب ( حضارات الهند ) البالغ في صفحاته 627 من القطع المتوسط ، ليرى القارئ هذا الكم الحضاري وكيفية الانفتاح هناك ، ونؤكد هنا أن المترجم العظيم ليس حبه في هذه المظاهر بقدر انفتاحه للمتلقين ليريهم في هذا البناء والتمدن والفكر العملي والإنجاز التطبيقي ، وقد يكون هذا حديثاً عابراً وليس كذلك بقدر أهمية وعمق فكرته وما تدل عليه هاتان المسألتان من أهمية وعمق فكرة وأسلوب تذكير وذكرى ، إن حسن الظن وارد لكل إنسان وبالذات العالم والمعلم والأديب والمفكر والقائد والرياضي والعامل ، أولئك مدَّ الله بعضهم بعضاً بالموهبة والعلم والإيمان وقوة الإرادة والعزم والشمم والعزة والكرامة ، وثمة آخرون أمثال لعادل في العالم الإسلامي من جاكرتا إلى طنجة كمحمد ناصر وماهاتير محمد ومحمد إقبال وعلال الفاسي والبشير الإبراهيمي وأحمد زويل وعمر المختار وسوار الذهب وأحمد ديدات . إن الفكر الإسلامي يملك الكثير كهولاء .

أولئك آبائي فجئني بمثلهم  إذا جمعتك يا جرير المجامع