ندوة العلماء في مرآة التاريخ !
يوليو 13, 2021ما أحوجنا إلى نشر الروح الدينية في المجتمع !
سبتمبر 4, 2021الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
شهادة الخالق بعظمة الإنسان !
أليس من مفهوم الاعتناء الكبير ومن معنى التركيز على دين الإسلام وحملة لوائه في العالم ، أن يصرح الله سبحانه في آخر كتابه – القرآن الكريم – الذي أنزله على خاتم النبيين ، ويشهد بتعظيم هذه الأمة الإسلامية ، والتعبير عن مهمتها العظيمة خالق الأرض والسماوات ، أنها خير أمة أخرجت للناس ، ذاك لأنها ليست كسائر الأمم والشعوب التي لم تتميز بالعالمية ولم تعرف معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن الله تعالى صرَّح في كتابه العظيم الذي أنزله على خاتم النبيين ، وبشر بأنها أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان الكامل بالله تبارك وتعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ) .
ومن ثم كُتب لهذه الأمة الإسلامية أن تتولى مسئولية الأمر والنهي ، ولا ترضى بأي حال أن تغير هذا المفهوم وتجعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، تحقيقاً لأغراض شخصية أو شعبية ، أو تشويهاً لوجه هذا الدين الدائم والعامل لسعادة الإنسان من غير تأخير ، ولقد حدث في التاريخ أن كثيراً من الناس تماروا في قواعد الإسلام ، وظنوا أنهم إذا ماتوا فلا بعث بعد ذلك ولا وقوف عند الله للحساب ، فضلاً عن يوم القيامة أو دار الآخرة حيث يُحاسب المرء باللحظات التي قضاها في هذه الدنيا وتنعم بنعمها ، ولقد أشار الله سبحانه في كتابه فقال في سورة الشورى : ( أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ لَفِى ضَلاَلَ بَعِيدٍ ) ، وقال : ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) .
على أن الحرثين ليسا منفصلين بل أكرم الله سبحانه بني آدم بوجه خاص بالجمع المتزن بين الحرثين ، والعيش بهذين الجانبين في وقت واحد ، ذلك من أول خلقه إلى عيشه في هذه المزرعة الأرضية ، حتى يرجع بعد الموت وهو حائز بالجمع المتزن في حياته التي عاشها في هذه الدار الدنيوية بالجمع الخالص بين العمل المادي والروحي معاً لكي لا يفوته التوازن في الحياة ، ويكون له شأن في الآخرة بمشيئة الله تعالى ، ويمثل نموذجاً عالياً عند الله تعالى للمزج بين الروح والمادة على السواء ويكون من العاملين بقول الله تعالى : ( رَبَّنَآ آتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ) .
ومما يؤسف له أن حياتنا نحن المسلمين تنقضي من غير التوازن المطلوب في الروح والمادة ، ويعمل المرء حسب أهوائه إذا رأى أن يكون تابعاً حسب المصالح المادية والمنافع العاجلة ، أو أحس بضرورة إيثار الجانب على جانب آخر ، بل وكلما رأى أن المصالح تقتضي الخروج عن التعادل والتوازن فإنه يقضي بذلك من غير تأمل أو تفكير في النتائج ، ولا يُعرج في أن يتريث الفرصة السانحة مهما كانت ، بل يتعجل بتنفيذ ما يترأى له من رأي عاجل .
إن الله سبحانه وتعالى خلق الأمة الإسلامية وهي خاتمة المطاف في إرسال الرسل وإنشاء الأمم التابعة لهم ، فكان لا بد أن تشمل جميع مهمات الحياة والكون إلى يوم القيامة وتعتمد على الدين العالمي الشامل القائم إلى نهاية العالم ، وهو الدين الذي أنزله الله تعالى إلى جميع أنحاء العالم بما فيها من حياة وشعوب وأقوام ، ومن ثم كان الإسلام دين العالم البشري بكامله ولا ينقص شيئاً مما يحتاج إليه الكون بما فيه الأجناس البشرية والكونية والأرواح والأجناس من كل نوع ، ولذلك كان هذا الدين كاملاً بكمال معناه ، وكان نعمةً كونيةً أتمها الله سبحانه على الأمة المحمدية على صاحبها ألف تحية وسلام ، يقول الرب تبارك وتعالى في مقدس كلامه مبيناً أهمية الإسلام وكمال أركانه ونعمه ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) .
هذه الشهادة الإلهية تغنينا عن جميع الإرهاصات والأقيسة التي ينسج خيوطها ضعفاء النفس الإيمانية واليقين الكامل في كثير من المجتمعات البشرية وحتى تتجلى آثار ذلك في كثير من الجماعات والشعوب التي تؤكد بأنها تمثل الإسلام كاملاً وتدعي بالقيام المخلص بالدعوة إليه كدين كامل وشريعة جامعة ، باقية إلى آخر هذا العالم البشري بجميع آدابها وأوامرها وأحكامها ، إلا أن استقصاء نشاطاتها واستعراض شئونها التي تشغلها ، يُبين أنها لا تعرف معنى كمال الدين وتعيش كمجتمع إسلامي بين المجتمعات والجماعات البشرية من غير تمثيل كامل ، والله سبحانه يقول : ( إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ ) .
في هذا القول الرباني العظيم شهادة كاملة لمن يتمتع بالإيمان الصادق بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، حيث لا يتداخل من وراء الأستار شيئ من الارتياب نحو هذا الإيمان الكامل الذي يتمتع به المرء فهو المؤمن الصادق الكامل ، ليس غير .
إن العصر الذي نعيش فيه اليوم يتميز بالكلام المعسول وينتقص من الناحية العملية فكل شخص يظن أنه قائم بأداء واجبه المطلوب ، ولكن الواقع لا يصدّق بذلك ، كما قال أحد الشعراء الغزليين :
فكل يدعي حباً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
فلنكن من كمال العمل والواجب المرتبط بحياتنا ذا إخلاص كامل وبحب وجمال ، في حياتنا الإيمانية ، ولا يتمثل النقص في حبنا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم في قضية العمل الكامل بكتابه وأقوال النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ، فكل ذلك مرتب بأيدي العلماء والدعاة وأصحاب التفسير والحديث في ضوء منهج الدين والشريعة ونماذج أعمال المسلمين الأولين الصادقين ، من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ، ولذلك فإن صورة الدين الأخير الكامل الشامل في غاية من الوضوح والبيان ، وقد وفق الله تعالى علماء الأمة المخلصين بتنظيم أمور الدين وترتيب شعائره في ضوء النور الوهاج الذي أرسل أشعته نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والتابعون لهم بإحسان وتوفيق كاملين من الله تعالى .
فكيف لا يكون الدين منهجاً كاملاً للحياة والاجتماع والتعايش ، وتقوية الصلة الحقيقية من العبودية ، ومن الخضوع أمام المبادئ الحيوية للكون والحياة والإنسان في كل حال وزمان ، ومن ثم كان التركيز على جميع شعائر الدين وتنفيذها في الحياة المادية والروحية علامة واضحة للعمل بمنهج الدين الأخير الذي ليس بعده دين ، ونظام الشريعة الإلهية الذي ليس بعده أمر أو نهي ، أو عمل من الأعمال التي يستنكرها الإسلام ويمنع العمل بها في جميع الأعمال والأحوال والمناسبات ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) ، صدق الله تعالى وقد أكرمنا بهذا الدين الكامل والنعمة السابغة من الإسلام ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ) .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
سعيد الأعظمي الندوي
16/ذو القعدة/1442هـ
28/يونيو/2021م