المخاطر في الصكوك الإسلامية
أغسطس 28, 2022الصكوك الإسلامية البديلة للتوريق التقليدي ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 12, 2022الفقه الإسلامي :
سفر النساء للحج دون محارم
( الحلقة الثانية الأخيرة )
أ . د . المفتي محمد مصطفى عبد القدوس الندوي *
4 .4 – نظرة على أدلة المجوزين :
الدليل الأول : قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ عمران : 97 ] . وقد نوقش هذا الاستدلال من أوجه :
الوجه الأول : أن بين هذه الآية وبين الأحاديث التي نصت على اشتراط المحرم نسبة عموم وخصوص ، فمسّت الحاجة إلى مرجحّ ، والحديث الذي اكتتب فيه الصحابي للخروج في غزوة كذا مرجّح قائم ، فهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالخروج معها للحج وتركه الغزو الذي اكتتب فيه وتعيّن عليه الخروج ، كما سبق . ( راجع : بدائع الصنائع : 2/123 ، وفتح القدير : 2/335 ، والمغني : 5/32 ) .
والوجه الثاني : أن الآية الكريمة العامة لا تتناول النساء حال عدم الزوج والمحرم ؛ لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها ، بل تحتاج إلى المعونة في كليهما ، وفي جميع مراحل مختلفة أخرى خلال أفعال الحج ، ولا يحل ذلك إلا للمحرم والزوج . ثم إن مرضت فتحتاج إلى من يمسّ بدنها أو غير ذلك ، وغير المحرم لا يؤمن على ذلك . ( نيل الأوطار : 4/247 ، فتح القدير : 2/427 ) ولو أتقى الناس ؛ لأن القلوب سريعة التقلب ، والشيطان بالمرصاد دائماً . ( راجع : شرح العمدة : 1/176 ) . ولا ينظر لبعض النساء ممن تستطيع ذلك ؛ لأن العبرة بالغالب وتترتب الأحكام عليه ؛ فلا تعدّ مستطيعةً ؛ فلا تدخل في النص .
والوجه الثالث : أن عموميات الآية والأحاديث قد قيّدت ببعض الشروط بالإجماع كاشتراط أمن الطريق ، وإمكان المسير ، فكذلك تقيّد هذه الآية أيضاً باشتراط المحرم لوروده في النصوص الصريحة ؛ بل إن من قال باشتراط الرفقة المأمونة ، قال بشرط لم ينص عليه . ثم من المعلوم أن كل فقيه شرط شرطاً لوجوب الحج على الناس ليس من القرآن ولا من السنة ، كقضاء الدين ، والثبوت على الراحلة وغير ذلك ؛ فالشرط الذي قررته الأحاديث الشريفة أولى أن يؤخذ بالدرجة الأَولى .
الدليل الثاني : حديث عدي بن حاتم : ” . . . تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَداً إِلا اللَّهَ ” . وقد نوقش من أوجه :
الأول : أنه ورد تبياناً للواقع من انتشار الأمن والسلامة ، ومخبراً بتفشي الأحوال المأمونة وشيوعها وتغشي الطمأنينة وفقدان الخوف وعدم الجور والتعدي على العِرض ، وهذا قد وقع ، لا لبيان الخروج دون محرم ؛ فلا يلزم من ذلك جواز سفر المرأة بدون محرم ، كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن كذّابين ودجّالين يخرجون ، ولا يلزم من ذلك جوازه ولا قائل لجوازه . ( راجع : فتح القدير : 2/427 ، المجموع شرح المهذب : 9/328 ) .
والثاني : أن حديث عديّ رضي الله عنه وما شابهه عام ، وأحاديث المحرم أخص ، والخاص مقدم على العام . ( العناية مع الفتح : 2/427 ) .
والثالث : أن حديث عديّ رضي الله عنه يدل على وجود السفر لا على جوازه ، ولذا لم يجزه في غير الحج المفروض ، ولم يذكر فيه خروج غيرها معها . ( الشرح الكبير مع المغني : 3/203 ) .
الدليل الثالث : حديث ابن عمر ، ” الزاد والراحلة ” . قد نوقش من أوجه :
الأول : هذ الحديث ضعيف ، قال الإمام الترمذي : ( أخرجه الترمذي : ” هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي ، وقد تكلم بعض أهل العلم في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه ” . ( سنن الترمذي ، الحج ،باب : ومن سورة آل عمران ، برقم : 2998 ) .
والثاني : دلالة الحديث على الزاد والراحلة لا تنفي شرط المحرم للمرأة ؛ لأن السائل رجل لا امرأة . ( العناية مع الفتح : 2/427 ، المحموع شرح المهذب : 9/328 ) .
والثالث : وقد اشترطتم شروطاً كثيرةً ، غير الزاد والراحلة : كأمن الطريق ، وإمكان المسير ، وقضاء الدين ، وإمكان الثبوت على الراحلة ، والنساء الثقات أو الرجال الثقات أو المرأة الثقة . وهذه الشروط كلها لم يذكرها الحديث ، وأما المخرم فهو أولى منها ؛ لأنه ذكر في أحاديث أخرى كما سبقت . ( راجع : فتح القدير : 2/426 – 427 ) .
الدليل الرابع : حديث عمر رضي الله عنه أنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجّها إلى آخره . نوقش هذا الدليل من أوجه :
الأول : أنه ليس في الحديث تصريح ولا أي شيئ يدل على أنه لم يكن معهن محرم . والقياس يقتضي ويقوّي احتمال أن يكون المحارم معهن في القافلة ، وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما زيادةً في الإكرام والاطمئنان ؛ لأنه لا يظن بالصحابة مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة دون محرم . ثم يؤيَّد هذا الاحتمال بحديث ولو كان في سنده مقال لكن يمكن أن يستأنس به بهذا الصدد ، وهو يدل على وجود محارمهن ؛ فقد روى ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1412هـ – 1992م : 4/327 ) في حوادث سنة 23هـ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، وَأَبِي حَارِثَةَ ، وَالرَّبِيعِ بِإِسْنَادِهِمْ قَالُوا : حَجَّ عُمَرُ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ [ مِمَّنْ ] [6] لا تَحْتَجِبْنَ مِنْهُ ، وَجَعَلَ فِي مُقَدَّمِ قِطَارِهِنِّ : عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَفِي مُؤَخِّرِهِ : عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إلخ . ولأنه يوافق ظاهر الحال والروايات الأخرى التي جاء فيها تصريح المحرم .
والثاني : ثم إنه يبعد جدّاً ألا يكون معهن أحد من محارمهن مع كثرة المسافرين للحج معهن من المدينة ، فالغالب أنه لن يخلو الأمر من أخ أو جد أو خال أو عم أو أحد المحارم من الرضاعة ، وقد كانت الرضاعة كثيرة في ذلك الوقت .
والثالث : هذا اجتهاد بعض الصحابة ، واجتهاد الصحابي لا يقبل إذا خالف نصّاً صحيحاً صريحاً مرويّاً عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق .
الدليل الخامس : حديث ابن عمر رضي الله عنه ” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” . نوقش من أوجه :
الأول : أن النهي عن منع النساء من الذهاب إلى المساجد ، الوارد في هذا الحديث يتعلق بالمشاركة في جماعات الصلوات المفروضة القائمة فيها دون الحج ، كما يدل عليه شأن ورود هذا الحديث . قال العلامة العيني : المراد به حضور الجماعة ولم يرد للحج ؛ بدليل يساق الخبر ” وبيوتهن خير لهن ” . ( البناية : 4/150 ) .
والثاني : وإن سلّمنا أن هذا الحديث عام ، ويدخل فيه المسجد الحرام ، ويشمل الحج المفروض أيضاً ، أي لا يجوز منع النساء من الخروج دون محارم .
فيه نظر ؛ لأن المخصص من العموم موجود ، وهو تحريم سفر المرأة بغير محرم مطلقاً ، كما سبق مفصلاً ، ومختصاً بالحج أيضاً ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” . ( أخرجه الدارقطني في الحج ، برقم : 2440 ، وصححه أبو عوانة ( نيل الأوطار للشوكاني : 3/452 ، باب النهي عن سفر المرأة للحج إلخ ) .
والثالث : ثم هذا الحديث ليس عاماً ؛ بل مقيّد بأمن الطريق باتفاق القهاء ، كما لا يخفى على أصحاب العلم ، ومن الأصول أن أي نص شرعي عام إذا خصّص أو قيّد بقيد مرة واحدة فيجوز أن يخصّص ويقيّد مرةً أخرى أيضاً ؛ فجاز أن يكون أن يقيّد بالأمن من الفتنة والخوف على العرض ، كما كان خروج النساء إلى المساجد للصلوات مأذوناً في العهد النبوي ؛ ولكن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وانقراض العهد النبوي الذهبي المشرق قد تغيّرت الأحوال والأوضاع سريعة حتى قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ” لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ” . ( أخرجه البخاري في الأذان ، بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى المَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالغَلَسِ ، برقم : 869 ) .
الدليل السادس : حديث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، ” لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ ، حَجٌّ مَبْرُورٌ ” . نوقش بأن هذا الحديث ليس فيه دلالة على جواز حج المرأة مع من تثق به ، ولو لم يكن محرماً أو زوجاً ؛ لأن قول عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، ” فَلاَ أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” ليس صريحاً في أنها فهمت جواز سفر المرأة للحج بغير محرم ؛ بل فهمت من ذلك جواز تكرير حج المرأة ، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر : ” وفهمت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – ومن وافقها – من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد . ( فتح الباري : 4/89 ) .
ثم هذا الحديث يحتمل جواز حج المرأة بغير زوج ومحرم ، كذلك يحتمل حجها مع محرم أيضاً ، وهذان الاحتمالان يتساويان فاحتاج إلى ترجيح أحدهما بمرجّح ، والمرجّح هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” .
الدليل السابع : قياس على المرأة المهاجرة من دار الحرب وعلى المأسورة إذا انفكت من الأسر ، هذا الدليل منقوض بأوجه :
الأول : هذا القياس قياس فارق غير صحيح ؛ لأن القياس في مقابل النص فاسد ، قال التفتازاني : لا عبرة بالقياس في مقابلة النص أو الإجماع بالاتفاق . ( شرح التلويح على التوضيح : 2/163 ) . والنص صريح موجود في صدد حج المرأة ، وهو : ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” .
الثاني : أن المهاجرة والمأسورة المنفكة ليس خروجها سفراً في الواقع ؛ لأنهما تقصدان النجاة ، فقطعهما للمسافة كقطع السابح ؛ فلا يصح قياس سفر المرأة للحج دون محرم عليهما .
الثالث : وإن سلّمنا أنه سفر ؛ لكنه سفر الضرورة والاضطرار دون سفر الاختيار ، والإجماع انعقد على إباحة سفر الضرورة والاضطرار للمرأة بغير محرم لا على سفر الاختيار . ( انظر : البحر الرائق : 2/551 ، ونيل الأطار : 4/291 ) .
الدليل الثامن : ” السفر إلى الحج سفر واجب إلخ ” . ولا شك أن سفر الحج المفروض سفر واجب ؛ لكنه لا يستلزم منه أن يكون سفر المرأة لحج الفرض جائزاً دون محرم . ثم على وجه الخصوص نص صريح يوجد ويدل على اشتراط المحرم في حق المرأة في قطع الطريق إلى الحج .
الدليل التاسع : ” وجود من تأمنه بقوم مقام المحرم ” . نوقش هذا الدليل من أوجه ، منها :
هذه الحقيقة لا تنكر أن غير المحرم لا يؤمن ؛ لذا أن الخلوة بالأجنبية حرام ؛ بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ” . ( أخرجه الترمذي في الفتن ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الجَمَاعَةِ ، برقم : 2165 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وابن حبان في صحيحه ، ذِكْرُ الزَّجْرِ أَنْ يَخْلُوَ الْمَرْءُ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمُغِيبَةٍ ، برقم : 5586 ، والحاكم في المستدرك ، برقم : 387 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ) . وقد نهى رسول الله عن المسافرة بدون محرم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ” . ( أخرجه البخاري في الجهاد والسير ، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة ، أو كان له عذر ، هل يؤذن له ، برقم : 3006 ، ومسلم ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 424 – 1341 ، واللفظ لمسلم ) .
4 .4 – نظرة على أدلة المانعين :
يناسب أن نلقي نظرةً على أدلة المانعين ، وندرسها بالدِّقّة ونناقشها بالجدّية ، وذلك إلى القارئ في السطور الآتية :
الدليل الأول : قوله تعالى : ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ عمران : 97 ] . هذه الآية تحتمل أن المحرم من السبيل للنساء ، كما تحتمل أن الأمن والزاد من السبيل للرجال والنساء أجمعين ، وعموم الآية يشمل الجميع ؛ فلا يخرج أحد منها ولا يستثنى من كونه من السبيل إلا بدليل .
ثم القول أن المحرم ليس من السبيل ، قول بلا دليل ؛ بل الدليل القائم الموجود على خلافه ، وهو حديث ابن عباس الصريح ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” .
الدليل الثاني : حديث ابن عباس رضي الله عنه : ” ارجع فحُج مع امرأتك ” نوقش بما قاله ابن حزم الأندلسي : فلم يقل صلى الله عليه وسلم : لا تخرج إلى الحج إلا معك ، ولا نهاها أصلاً ؛ بل ألزم الزوج ترك خروجه في الجهاد وألزمه الحج معها ، فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها ؛ لأن الأمر في هذا الحديث متوجه إلى الزوج لا إلى المرأة . ( الإحكام في أصول الأحكام : 2/166 ، المحلى : 7/51 ، 52 ) .
أجيب عنه بأوجه :
أحدها : فيه دلالة على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض لا على جواز سفر المرأة بغير زوج ولا محرم ، وإن كان جائزاً بغير زوج ومحرم فلم يأمر الزوج بترك الجهاد المبارك والذهاب مع امرأته .
والثاني : كما قال الحافظ ابن حجر : وتُعقّب – ابن حزم – بأنه لو لم يكن ذلك شرطاً لما أمر زوجها السفر معها وتركه الغزو الذي اكتتب فيه ، ولا سيّما رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ : ” إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا . ( أخرجه ابن حزم في المحلى ( 7/52 ) من طريق سعيد بن منصور ، كما ذكر ابن حجر ) ، فلو لم يكن شرطاً ما رخّص له في ترك النذر ( فتح الباري : 4/92 ) .
والثالث : وإن سلمنا قول المعترض ، فيقع التعارض بين هذا الحديث وحديث : ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” ، و إن أخذنا شرح الحافظ ابن حجر ، وما مضى في الجواب الأول ، لا يقع التعارض بل يندفع ويقع التوافق بينهما . والأمر البديهي أن العمل بالتطبيق أولى من العمل بالتعارض ، الذي يوجب ترجيح أحدهما على الآخر وإهماله .
الدليل الثالث والرابع : نوقشا بأن أحاديث النهي عن سفر المرأة بغير محرم أو زوج ليست كافيةً في إخراج النساء من عموم قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ عمران : 97 ] .
فالأمر يحتاج إلى الترجيح من خارج . هناك دليل من خارج وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” . ( أخرجه البخاري في الجمعة ، برقم : 900 ، ومسلم في الصلاة ، برقم : 442 ) .
وقد سبق شرح هذا الحديث والجواب عنه ؛ فلا ينتهض دليلاً كمرجح من خارج على جواز سفر المرأة بغير محرم . ونجد في الحقيقة عكس ذلك دليلاً مرجحاً من خارج ، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية والصنعاني ؛ فقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فهذه النصوص من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم سفر المرأة بغير محرم ، ولم يخصص سفراً من سفر ، مع أن سفر الحج من أشهرها وأكثرها ؛ فلا يجوز أن يغفله ويمهله ويستثنيه بالنية من غير لفظ ؛ بل قد فهم الصحاية رضي الله عنهم دخول سفر الحج في ذلك لمّا سأله ذلك الرجل عن سفر الحج ، وأقرّهم على ذلك ، وأمره أن يسافر مع امرأته ويترك الجهاد الذي تعيّن عليه بالاستنفار فيه ، ولو لا وجوب ذلك لم يجز أن يخرج سفر الحج من هذا الكلام ، وهو أغلب أسفار النساء . ( شرح العمدة : 2/174 ) .
وقال الصنعاني : المرجّح هنا قائم ، وهو قول ذلك الصحابي : إن امرأته خرجت حاجّة ، وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يخرج معها ويترك الجهاد الذي قد تعيّن عليه ، ولو لا وجوب ذلك لم يجز ، ولم يستفصل – صلى الله عليه وسلم – هل خرجت مع رجال مأمونين أو نساء ثقات ، فسفرها للحج لا يجوز أن يخرج من العموم ، وكيف يخرج سفر الحج من هذه الأحاديث ، وهو أغلب أسفسار النساء ” . ( العدة حاشية الصنعاني : 2/486 ) .
الدليل الخامس : ” قياس حج الفرض على حج النفل إلخ ” ، نوفش بأنه قياس مع الفارق ؛ لأن حج الفرض واجب ، فجاز بلا محرم ، وما سواه مستحب ، فلا بد فيه من محرم . ( ينظر : المجموع : 8/347 ) .
أجيب بأن قوله : ” بأنه قياس مع الفارق ” تحكّم بلا دليل قوي معقول ؛ لأن الفرض والنفل يتساويان في كونهما عبادة وقربة ، وإنشاءِ السفر بكليهما . ثم كما لا يخفى على أصحاب العلم والفضل وأرباب العقل واللب أن اشتراط المحرم للمرأة في حج النفل ليس هدفها الأساسي إلا حفظها وصونها من شتى شرور وفتن ، وهو عام في الفرض والنفل ، ليس وجه وجيه لفضل الفرض على النفل في عدم اشتراط المحرم للمرأة .
6 .4 – الأمر الصواب في قضية اشتراط المحرم للمرأة في حج الفرض :
واتضح مما سبق وتخلص أن يشترط المحرم لسفر المرأة للحج سواء كا فرضاً أو نفلاً . هناك محذورات من سفرها دون محرم أيضاً وأمورات مستزادة على ما تقدم من الأدلة النقلية والعقلية ، تتقاضى أن لا يجوز سفر المرأة للحج دون محرم شرعاً ، فمن أهمها :
أوّلاً : أمر النساء صعب جدّاً ؛ لأنهن في الضعف كاللحم الموضوع على خشبة ؛ فكيف تستطيع امرأة أن تحج بغير محرم . ( ينظر : المقنع شرح الخرقي : 2/583 ، والمغني : 5/31 ، والفروع : 5/242 ) .
ثانياً : والمرأة معرَّضة في السفر للصعود والنزول والبروز ، محتاجة إلى من يعالجها ويرفعها وينزلها ويمس بدنها من المحارم ، كما هو العادة والمشاهد في السفر ، وعند عدمه لا تكون مستطيعة ، ولو استطاعت بعض النساء على الركوب والنزول بأنفسهن ، كما هو الآن ؛ ولكن مع ذلك هناك بعض المصالح لا تتحقق إلا بوجود محرم وخاصة في الحج ( ينظر : بدائع الصنائع : 2/122 ، وتبيين الحقائق : 1/357 ، وشرح العمدة : 1/176 ) ، كما لا يخفى على من حج بيت الله الشريف ، مثل : أنها تمرض ولو كانت شابةً قويةً ، تحتاج إلى محرم متأكدة حينئذ ، يمس بدنها ويعالجها بمراحل مختلفة ، وغير المحرم لا يؤمّن على ذلك . ثم لا ينظر لبعض النساء ممن تستطيع ذلك من وجهة الأصل ؛ لأن العبرة بالغالب وتترتب الأحكام عليه .
ثالثاً : أنها بدون محرم تخشى عليها الفتنة والشيطان يستهدفها ويوجهها أينما شاء وكيفما شاء ، وغير المحرم لا يؤمّن ولو كان أتقى الناس ؛ لأن القلوب سريعة التقلب والتطور ، والشيطان بالمرصاد في كل وقت وآن ( انظر : الهداية مع شرح فتح القدير : 2/420 ، وشرح العمدة : 1 176 ) ، وقد أشار إلى ذلك النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ” أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ” . ( أخرجه الترمذي في الفتن ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الجَمَاعَةِ ، برقم : 2165 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وابن حبان في صحيحه ، ذِكْرُ الزَّجْرِ أَنْ يَخْلُوَ الْمَرْءُ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمُغِيبَةٍ ، برقم : 5586 ، والحاكم في المستدرك ، برقم : 387 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ) .
رابعاً : يمكن أن يقال في ضوء ما سبق من الأدلة أن الأصل في سفر المرأة : أن يكون معها زوجها أو محرم من محارمها ، : بما سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأةَ عورةً ؛ فقال : ” المَرْأَةُ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ” ( أخرجه الترمذي في الرضاع ، باب ، برقم : 1173 ، وقال : ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ” ، وابن خزيمة في صحيحه ، برقم : 1685 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 5598 ) . ومعنى العورة أن تكون مستورةً عن أعين الناس مهما كان في وسعها ، ومحصورةً في البيت مهما أمكن ، كما تقدم .
خامساً : ثم المقصود من سفر الحج ابتغاء وجه الله ونيل الأجر والثواب لا زيارة الكعبة ومكة المكرمة والمدينة المنورة ، والاستمتاع بمنظر بهيج كائن في الأرض المقدسة ، والمتعة بزيارة الأمكنة والآثار التاريخية ، ثم ليس المنشود من الحج سفره وشد الرحل له ؛ بل إنجاز العبادة المقصودة بذاتها وتحقيقها بالنية الصالحة ، وإرضاء الله عز وجل وابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى .
فلتتأمل من تريد الحج من النساء بدون محرم ، إن أصبح سفر الحج سبباً للمعصية دون مرضاة الله وحصول الأجر والثواب ، فما الفائدة بمثل هذا السفر ؟ لأنه إذا منع الشرع الإسلامي عن أمر ، فمن أتت به ولم تنته عنه تصير مسيئة فضلاً عن الأجر والثواب .
فالحاصل أنه اتضح مما سبق أن سفر المرأة دون محرم لا يجوز شرعاً ، ولو كان للعبادة المحكمة المقصودة بذاتها ، ألا ! وهي الحج المفروض المبارك الكريم ، في حرم مكة المكرمة ، ثم ليعلم القارئ أنه لا يخلو من فتنة وابتلاء عظيم ، مهما كانت وسائل المواصلات والنقل تطورت ، أو كان السفر بالطائرات أو غير ذلك ، فيعتبر خروج المرأة بغير محرم لسفر الحج إثماً عظيماً وحراماً غليظاً ، وهي تعود من سفر الحج المبارك السعيد في جانب ، وفي جانب آخر تبوء باثم عظيم ؛ لأنها لم تمتثل بأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وتركت الأمر التعبدي ، وعرّضت نفسها للفتنة .
5 – حج المرأة إذا كانت مع جماعة نساء ثقات مأمونات :
وأما قضية حج المرأة مع جماعة نساء ثقات محصنات مأمونات معروفات بالعفة والتدين ، فذهب بعض أهل العلم منهم الشافعية ( المجموع : 9/327 ، فتح الباري : 4/90 ، المعتمد في الفقه الشافعي : 2/271 ) إلى الجواز إذا أمن الطريق ، وهو قول مالك ( الشرح الكبير مع المغني : 3/201 ، المجموع : 9/327 ، المدونة الكبرى : 2/138 ، مؤسسة النداء ، أبو ظبي ) . وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز ، وبه قال إبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، وأبو ثور وإسحاق ، وإنهم لا يجوزون حج المرأة إلا مع زوج أو محرم . البحر الرائق : 2/551 ، الشرح الكبير مع المغني : 3/200 ، المجموع : 9/327 ) .
ثم قالت الشافعية : أقل عدد للنسوة اثنتان وهي الثالثة ، ولا يشترط أن يكون مع واحدة منهم محرم أو زوج ، واشتراط العدد اثنتان هو شرط لوجوب الحج على المرأة ؛ لكن يجوز لها أن تخرج لأداء حجة الإسلام مع المرأة الثقة لوجوب الحج على الصحيح ، وهذا شرط جواز الخروج لأدائها . ( المعتمد في الفقه الإسلامي : 2/272 ) . واحتجوا بما رُوي عن إِبْرَاهِيم ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، ” أَذِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا ، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ” . ( أخرجه البخاري في الحج ، بَابُ حَجِّ النِّسَاءِ ، برقم : 1860 ) .
وجه الاستدلال : أن هذا يدل على جواز سفر المرأة للحج مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق ، واتفق عليه عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي على ذلك ، ولم ينكر عليهم غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ( فتح الباري : 4/91 ) . ثم اجتماع الرفقة من النسوة الثقات فيه مؤانسة وحماية فلا خوف . ( نيل الأوطار : 4/247 ) .
وأما جمهور العلماء منهم الحنفية والحنابلة ، فاستدلوا بالنصوص الشرعية المختلفة السالفة في بيان ” شرط المحرم في سفر المرأة لحج الفرض ” ، منها على وجه الخصوص حديث ابن عباس المرفوع ، الذي يجدر أن يعتني به ، وهو : ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” . كذلك تقدم مفصلاً أن المحرم من السبيل ، فكيف يجب الحج على المرأة بدونه ؟ ولماذا يجوز لها الخروج للحج دون محرم ؟
وأما قول الشافعية : إن أمن الطريق يكفي للمرأة أن تخرج من النسوة الثقات ، فنوقش بأن اشتراط الأمن على نفسها دعوى بلا دليل ، فأي دليل على هذا في هذا الباب ؟ واشتراط الأمن على النفس ليس بمخصوص في حق المرأة خاصةً ؛ بل في حق الرجال والنساء كلهم . ( عمدة القاري : 7/556 ) .
وأما أثر عمر رضي الله عنه ، فأجيب عنه بأوجه سبقت تحت ذكر : ” نظرة على أدلة المجوزين ” منها الوجه الأقوى أنه ليس في الحديث تصريح ولا أي شيئ يدل على أنه لم يكن معهن محرم . والقياس يقتضي ويقوّي احتمال أن يكون المحارم معهن في القافلة ، وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما زيادةً في الإكرام والاطمئنان ؛ لأنه لا يظن بالصحابة مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة دون محرم . ثم يؤيَّد هذا الاحتمال بحديث ولو كان في سنده مقال لكن يمكن أن يستأنس به بهذا الصدد ، وهو يدل على وجود محارمهن ؛ فقد روى ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1412هـ – 1992م : 4/327 ) في حوادث سنة 23هـ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، وَأَبِي حَارِثَةَ ، وَالرَّبِيعِ بِإِسْنَادِهِمْ قَالُوا : حَجَّ عُمَرُ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ [ مِمَّنْ ] [6] لا تَحْتَجِبْنَ مِنْهُ ، وَجَعَلَ فِي مُقَدَّمِ قِطَارِهِنِّ : عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَفِي مُؤَخِّرِهِ : عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إلخ . ولأنه يوافق ظاهر الحال والروايات الأخرى التي جاء فيها تصريح المحرم .
وأما قولهم : ” اجتماع الرفقة من النسوة الثقات فيه مؤانسة وحماية فلا خوف ” . ( نيل الأوطار : 4/247 ) . فأجيب بأن الفتنة حاصلة ؛ لأن خوف الفتنة لا يقل عند اجتماعهن بل يكون أكثر ؛ لأن الطمع بهن سيكون أكثر ؛ بما أن المرأة تقبل بشيطان ، وتدبر بشيطان ، كما أشير إلى ذلك في حديث رواه عَبْد اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” المَرْأَةُ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ” ( أخرجه الترمذي في الرضاع ، باب ، برقم : 1173 ، وقال : ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ” ، وابن خزيمة في صحيحه ، برقم : 1685 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 5598 ) . ثم الرفقة ليست محرماً ولا في معنى المحرم ، فلِمَ يؤمّن عليها ؟ ثم المعلوم أن لكل ساقط لاقط ( ينظر : الذ خيرة : 3/179 ، وشرح ابن بطال لصحيح البخاري : 4/533 ، ونيل الأوطار : 4/247 ) .
وقيل أيضاً : إنها يخاف على المرأة الواحدة بلا محرم الفتنة ، وتزداد بانضمام غيرها إليها من ناقصات دين وعقل لا يؤمّن أن تنخدع فتكون عليها في الإفساد . ( الهداية والبناية : 4/151 ) .
فنظراً إلى الأدلة يترجح قول الجمهور ، وهو أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج لحج الفرض والنفل والعمرة مع جماعة نساء ولو كنّ ثقات محصنات مأمونات معروفات بالعفة والتدين .
6 – سفر بعض النساء للحج أو العمرة بالطائرة دون محرم :
وفي زماننا الحاضر قد تهاونت بعض النساء في السفر العادي حتى للعمرة والحج أيضاً بالطائرة دون محرم ، ويعلل للجواز : محرمها يشيّعها في المطار الذي أقلعت منه الطائرة ، والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة ؛ لأن الأمن حاصل ، فإذا تحقق الأمن جاز لها السفر دون محرم أيضاً .
وهذه العلة عليلة في الواقع ، وادّعاء حصول الأمن غير صحيح ؛ بما يوجد في مثل هذا السفر خطرات محتملة خاصة في العهد الحاضر الذي هو عهد الشر والفتنة أصلاً ، فإن محرمها الذي يشيّعها ، لا يُدخلها في الطائرة ؛ بل يوصلها في صالة الانتظار ، وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع ، فتبقى هذه المرأة ضائعةً ، وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي تريد لسبب من الأسباب وتهبط في مكان آخر ، فتضيع هذه المرأة ، وربما تهبط في المطار الذي قصدته ولكن لا يأتي محرمها بسبب من الأسباب ، إما نوم ، أو مرض ، أو زحام ، أو حادث منعه من الوصول ، ربما قد يكون في الطائرة بجانبها رجل لا يخشى الله ولا يخاف عباد الله فيغريها ، فتغتر ، وبه تحصل الفتنة والمحظور .
فأولاً يجب على المرأة أن تتقي الله وألا تسافر حتى للحج والعمرة دون محرم . وثانياً يجب على الرجال الذين جعلهم الله قوّامين على النساء أن يتقوا الله عز وجل ، وألا تذهب غيرتهم ودينهم ؛ فإنهم مسؤولون أمام الله تعالى ؛ فقال تعالى مخاطباً لهم : ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) [ التحريم : 6 ] .
اتضح مما سبق أن سفر المرأة دون محرم ولو كان للعمرة الشريفة أو الحج المبارك الكريم ، في حرم مكة المكرمة ، لا يخلو من فتنة وابتلاء عظيم في الطريق ، مهما كانت وسائل المواصلات والنقل تطورت وازدهرت ، أو كان السفر بالطائرة أو غير ذلك ، ثم لو كان الطريق مأموناً أو كان السفر بالطائرة بحيث يشيّع المرأة محرمها في مطار المدينة ، ويستقبلها المحرم الآخر في مطار جدّة ، ثم لا بدّ أن يستحضر ويلاحظ أن اشتراط المحرم في حج المرأة أمر تعبدي لا معلل بالمعاونة وخوف الفتنة كما سبق ذكره مفصلاً ، والتعليل بالمعاونة وخوف الفتنة حكمة لا حكم محكم ، وأمر مستزاد للتحذير والتخويف للنساء وأوليائهن وأزواجهن ؛ فلا يجوز شرعاً للمرأة أن تسافر للحج أو العمرة دون زوج أو محرم ولو كان بالطائرة .
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
* عميد كلية البحث والتحقيق والإفتاء بجامعة العلوم غرها – غجرات .