قضية المسجد البابري : بين الماضي والحاضر في ضوء الحقائق التاريخية
سبتمبر 15, 2020مصير المسلمين مرتبط بمصير العرب
نوفمبر 10, 2020
تطبيع العلاقات أو تهويد المناطق
من النيل إلى الفرات ؟
محمد فرمان الندوي
عوالم ثلاثة :
يتوزع العالم الحديث إلى عوالم ثلاثة : نامية ، ومتطورة ، ومتخلفة ، وتُعرف الدول المتخلفة بالعالم الثالث ، لأنها لم تستفد من الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر الميلادي ، فسميت بالدول المتخلفة ، ولا شك أن هذا التقسيم على أساس الثروات والذخاير المعدنية ، وقد عرف العالم تقسيماً باسم العالم العربي ، وهو على أساس اللغة والنسب والعرق ، فدول العالم العربي عددها 22 في قارة آسيا وإفريقيا ، وهناك تقسيم آخر باسم العالم الإسلامي ، وعدده 58 دولةً على أكثر تقدير ، هذا العدد بالنسبة إلى الإحصائيات والأعداد العالمية ، أما المسلمون فإنهم يتوافرون في كل بقعة من بقاع العالم ، ولهم عدد ملحوظ في بعض الدول ، وهم ربع سكان الأرض أو أكثر ، ولهم كثافة سكانية في بعض الدول ، فقد كسبوا أغلبيةً ساحقةً في السياسة والبرلمان ، رغم أنهم يعتبرون أقليةً من الناحية العددية ، ويجري لهم قانون الأقليات في بلاد الجمهوريات .
مؤامرات ثلاثية ضد العالمين العربي والإسلامي :
وقد شهد العالمان ( العربي والإسلامي ) محاولات ومؤامرات عبر التاريخ ، فتفاقمت شراسة هذه المحاولات بعد انتهاء الخلافة العثمانية ومحاولة القضاء على قوة المسلمين ، التي تربطهم في سلك واحد ، ويعتبرها المسلمون قاعدةً من قواعد الإسلام ، لكن الذي يؤسف له أن هذه المنظومة حينما فقدت معنويتها تبعثرت البلدان كحبات المسبحة ، وصارت تفاريق العصا ، فاستغل الغرب هذه الفرصة ، وصادر ونهب خيرات العالم الإسلامي ، وتغلب على ثرواتها المعدنية والزراعية والحيوانية وخامات الصناعة أو عين من رجالها من يخدم مصالحها ، وقد نُسجت خيوط المؤامرات والدسائس ، من القوى العالمية : الصليبية والصهيونية والشيوعية ، فبسطت أولاها حبال الاستعمار للسيطرة على العالمين العربي والإسلامي حوالي قرن كامل ، وفرضت أفكاراً ونظريات تغاير نفسيات هذه المناطق ، وجالت وصالت الشيوعية في بعض الجهات ، لكنها ماتت في مهدها ، ثم قامت الصهيونية ، وهي ألد الخصام والفصام النكد للعالمين العربي والإسلامي ، وكانت سياستها الماكرة نشطةً ، فعقدت اجتماع علماء صهيون عام 1897م ، وتم الإبرام لاتفاقيات ومواثيق ، من بينها إقامة وطن يهودي في أرض فلسطين ، ولو جرَّ ذلك إلى إزهاق الأنفس والأرواح . يقول الأستاذ فتحي يكن :
” ففي عام 1917م وعدت بريطانيا عبر وزير خارجيتها اللورد بلفور اليهود بالعمل على إقامة وطن قومي يهودي ، في فلسطين ، وقد تم عرض التصريح على مجلس الوزراء البريطاني الذي أقره في 1/ نوفمبر 1917م ، وينص التصريح على ما يلي : إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية تنظر بعطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وستُبذل أقصى المحاولات لتسهيل تحقيق هذا الهدف ، على أن يكون مفهوماً أنه لن يتم القيام بأي عمل من شأنه النيل من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة حالياً في فلسطين ، أو النيل من الحقوق والمركز السياسي اللذين يتمتع بهما اليهود في أي بلد آخر ” . ( العالم الإسلامي والمكايد الدولية : 54 ) .
أحلام حلم بها هرتزل وأعوانه :
وقد تحققت الأهداف التي حلم بها هرتزل [1] ، مع بسط نظامه وسيطرته : وهي إيجاد استعمار يهودي لفلسطين منظم وعلى نطاق واسع ، والحصول على حق شرعي معترف به دولياً لاستعمار فلسطين . وإنشاء منظمة دائمة لتوحيد اليهود ، وقد أعلن بن جوريون في 15/ مايو عام 1948م استقلال إسرائيل ، واعترفت بها الدول الكبرى ، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد السوفياتي ، وفي ظرف ثلاثين عاماً سيطرت إسرائيل على القدس ، واحتلت على المسجد الأقصى ، وقد أشارت البروتوكولات إلى أن الصهيونية تسعى إلى : (1) السيطرة الكاملة على خزائن الأرض (2) التفوق العسكري (3) الهيمنة الإعلامية (4) الغزو الثقافي .
وقد شرحت البروتوكولات أمثال هذه النظرات والمخططات ، ففي البروتوكول الرابع : يجب أن نقيم التجارة على أسس المضاربة ، وسيكون نتيجة ذلك منع غير اليهود من الاحتفاظ بالثروات التي أنجبتها الأرض ، وعن طريق المضاربة تدخل كل الثروات خزائننا . ويقول البروتوكول الخامس : الأدب والصحافة هما أعظم قوتين تعليميتين خطيرتين ، ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر منها ، وبهذه الوسيلة سنعطل التأثير السيئ لكل صحيفة مستقلة ، ونظفر بسلطان كبير جداً على العقل الإنساني ، يجب علينا أن نتسلط على حكومات غير اليهود بما يقال له الرأي العام ، متوسلين بأعظم القوى جميعاً ، وهي الصحافة ، وأنها جميعاً لفي أيدينا إلا القليل الذي لا نفوذ له ولا قيمة يعتد بها .
ويقول البروتوكول الثاني : نحن الذين هيأنا داروين وماركس ونيتشه ، ولم يفتنا تقدير الآثار السيئة التي تركتها هذه النظريات في الأذهان ، وفي البروتوكول التاسع : لقد أتلف الجيل الحاضر من غير اليهود ، وأفسدنا خلقه بتلقينه المبادئ والنظريات التي نعلم أنها مبادئ ونظريات فاسدة ، وعملنا على ترسيخها في ذهنه ” ( العالم الإسلامي والمكايد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري : 77 – 80 ) . فانكشف من دراسة هذه البنود الوثايقية أن تطبيع العلاقات بين البلدان جزء من هذه السيطرة الكاملة والهيمنة الشاملة والغزو الثقافي .
تطبيع العلاقات أو تهويد المناطق :
لقد عم وشاع الآن موضوع تطبيع العلاقات بين البلدان في العالم ، فكانت الحوارات والنقاشات والاستجوابات تجري على شاشات التلفاز وأجهزة الإعلام ، كل يدلي برأيه ، ويغرِّد بفكرته ، لقد طغى هذا الموضوع المحافل الدولية حينما نقلت أمريكا سفارتها من تل أبيب إلى القدس ، فثارت ضوضاء وضجات كبرى ، وأدانها العالم بأجمعه من أقصاه إلى أقصاه ، ثم كان مؤتمر السلام من أجل الازدهار في 24 – 25 يونيو عام 2019م ، برياسة جاريد كوشنر ( مستشار ترمب وصهره ) في العاصمة البحرينية ، وسمي هذا الاقتراح صفقة القرن ، ثم كان هتاف ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ، ومن هنا بدأت عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، فأول اتفاقية تم عملها بين دولة الإمارات وإسرائيل في 13/ أغسطس 2020م ، وثانيها بين البحرين وإسرائيل ، وهلمّ جراً ، وقال الإعلام : أصبحت الإمارات ثالث دولة عربية بعد مصر والأردن ، وقالت الجهات الرسمية : إنها تسوية العلاقات بين البلدين ، وهي إيجابية عالية المستوى ، رغم أن الشعب المسلم في العالم كله يندد هذا التطبيع ، ويصفه وسمة عار على جبين العالم الإسلامي ، وقد أبدى كثير من المغردين على التويتر أنه خرق كبير لحقو ق المسلمين .
أنى لنا التطبيع بالعداوة السافرة ؟
ولا شك أن عمل التطبيع وتوطيد العلاقات عمل جليل ، لا يستهان بقيمته ، وقد ركز الإسلام على السلم والسلام ، واختمرت طينته بالهدوء والطمأنينة ، ويعتبر الخلق كله أسرةً واحدةً ، وسوّغ الإسلام بأن تكون هناك علاقات دينية واقتصادية واجتماعية وساسية مع غير المسلمين تأسياً بأسوة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن ينشأ هنا سؤال ، وهو أن هذا العمل الذي يستمر من إسرائيل في العالم العربي له شرعية وقانونية ؟ كلا ، لا والله ، يقول الله تعالى : لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ، ويقول : إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ( الممتحنة : 9 ) ، وإن النشيد الوطني الإسرائيلي الذي يردد سكان إسرائيل كل صباح مساء ، مملوء بالعداء السافر للإسلام والمسلمين ، وإليكم بعض مقطوعاتها مترجمة باللغة العربية بعنوان ” الأمل ” ، قرضها الشاعر اليهودي نفتالي هيرتس إيمبر من شرقي أوربا عام 1886م ، وفي عام 2004م أعلنت الكنسيت نشيداً وطنياً رسمياً لدولة إسرائيل :
طالما داخل القلب
روح يهودية نابضة
فحنينها يميل إلى الشرق
وعينها ترنو إلى صهيون
أملنا لم يضع بعد
عمره ألفا سنة
أن نكون أمةً حرةً في وطننا
أرض صهيون وأورشليم
دعني أتساءل : هل يُسمح بتوطيد العلاقات مع الظالمين المجرمين ؟ وهل يسمى ذلك تسوية العلاقات ؟ كلا ، إن وجود دولة إسرائيل في قلب العالم العربي بلا شرعية ومن غير قانون ، وبطريقة عدوانية غارة على الضمير الإنساني ، وقد شردت إسرائيل مواطني القدس وسكانها الأصلاء ، وأقامت ولاتزال تنشئ مستعمرات ومستوطنات ، وأخيراً تجرأت على ضم الضفة الغربية إليها ، وكان موقف العالمين العربي والإسلامي صريحاً واضحاً من قبل ، لكن تغيرت الآن اتجاهات الحكومات وبدأت موجات التطبيع مع إسرائيل ، رغم أن العالمين العربي والإسلامي لا وجود لهما إلا بالانتماء إلى سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ورفض كل ما يمت به إلى الكفر والشرك والعصيان ، وقال الدكتور محمد إقبال : إن العالم العربي ليس بالحدود وبالثغور ، بل روحه محمد صلى الله عليه وسلم .
ونريد أن نذكّر إخواننا العرب في العالمين العربي والإسلامي بما قاله الإمام أبو الحسن الندوي الذي خاطب الأمة العربية في حفلة تكريم له بدبي ( دولة الإمارات العربية المتحدة ) عام 1998م ، وإليكم نص هذه الكلام : ” أيها السادة ! إن الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد العربي صلى الله عليه وسلم هو منبع حياتكم ، ومن أفقه طلع صبحكم الصادق ، وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم ، وسبب ذكركم ، وكل خير جاءكم ، بل وكل خير جاء العالم فإنما هو عن طريقه وعلى يديه ، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه ، وتمسككم بأذياله ، والاضطلاع برسالته ، والاستماتة في سبيل دينه ، ولا رادَّ لقضاء الله ، ولا تبديل لكلمات الله .
إن العالم العربي بحر بلا ماء كبحر العروض ، حتى يتخذ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم إماماً وقائداً لحياته وجهاده ، وينهض برسالة الإسلام ، كما نهض في العهد الأول ، ويخلص العالم المظلوم من براثن مجانين أوربا الذين يأبون إلا أن يقبروا المدنية ، ويقضوا على الإنسانية القضاء الأخير ، بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم ، ويوجه العالم من الانهيار إلى الازدهار ، ومن الخراب والدمار والفوضى والاضطراب ، إلى التقدم والانتظام والأمن والسلام ، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان ، وإنه لحق على العالم العربي ، سوف يُسأل عنه عند ربه ، فلينظر بماذا يجيب ” .
[1] تيودور هرتزل ( 2/ مايو 1860م – 3 يوليو 1904م ) ، كان صحفيًا نمساويًا ، وكاتباً مسرحياً ، وناشطاً سياسياً ، شكل المنظمة الصهيونية ، وشجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين في محاولة تشكيل دولة يهودية ، لكنه توفي قبل إنشائها .