مكانة القرآن الكريم في التشريع الإسلامي
يناير 2, 2022أحكام الطلاق للأقليات المسلمة
فبراير 7, 2022الفقه الإسلامي :
المذهب المالكي : مصادره ومراجعه
دكتور/ خورشيد أشرف إقبال ( لكناؤ )
يُعد المذهب المالكي ثاني المذاهب السنية الباقية إلى الآن ، ويضم المذهب جملة الأحكام الفقهية التي ذهب إليها الإمام مالك ، وما ألحق بذلك مما خرَّجه أصحابه على قواعده وأصوله ، ومؤسسه أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر ( 93 – 179هـ ) شيخ الإسلام ، حجة الأمة ، إمام دار الهجرة ، أميرالمحدثين .
كان الإمام مالك إمام دار الهجرة فقهاً وحديثاً ، حتى لا يجيئ أحد إلى المسجد النبوي ، إلا عرج على مالك يستمع إليه ، وينقل عنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويستفتيه فيما يقع له من أمور ، حتى قال فيه عبد الرحمن بن مهدي : ” ما رأيت أحداً أهيب ، ولا أتم عقلاً من مالك ، ولا أشد تقوى ” . وقال عنه الإمام الشافعى : ” مالك حجة الله على خلقه ” .
نشأ المذهب الماكي بالمدينة المنورة موطن الإمام مالك ، ثم انتشر في الحجاز وغلب عليه وعلى البصرة ومصر ، وما والاها من بلاد إفريقية ، والأندلس وصقلية والمغرب الاقصى والسودان وغيرها .
يتميز المذهب المالكي عن المذاهب الفقهية الأخرى بتنوعه وثرائه ، فقد خرجت من هذا المنبع مدارس كثيرة اهتمت بآرائه وقواعد استنباطاته وأصول اجتهاداته ، مع اختلاف الخصائص ، وتباين منهج التأليف والتصنيف ، كالمدرسة المدنية والمصرية والمغربية .
كما يمتاز المذهب المالكي بعدة خصائص ومميزات ، من أهمها :
تنوع أصوله بين النقل والعقل ، وتوسعه في استثمار الأصول المتفق عليها .
اعتماده على عمل أهل المدينة ، وقبوله أنواعاً من الحديث لا يقبلها غيره كالحديث المرسل .
رحابة الصدر في استنباط المسائل الفقهية كالتركيز على المرونة والتيسير والوسطية والاعتدال .
مراعاته للبعد المقصدي والمنطقي والمصلحي والواقعي والاجتماعي .
وكذلك يتمتع المذهب المالكي بوفرة علمائه وفقهائه الذين قاموا بتحرير المذهب وتنقيحه وامتداده ، ومن أبرزهم : ثمان بن الحكم الجزامي ( ت 163هـ ) ، وعبد الرحمن بن خالد الجمحي ( ت 163هـ ) ، وسعيد بن عبد الله المعافري ( ت 173هـ ) ، وعثمان بن عيسى ( ت 186هـ ) ، وعبد الله بن نافع الصائغ ( ت 186هـ ) ، والمغيرة المخزومي ( ت 188هـ ) ، وعبد الرحمن بن القاسم ( ت 191هـ ) ، الذي روى عن الإمام مالك المدونة ، وعبد الله بن وهب ( ت 197هـ ) ، وأشهب بن عبد العزيز ( ت 203هـ ) ، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ( ت 212هـ ) ، وعيسى بن دينار الأندلسي ( ت 212هـ ) ، وأسد بن الفرات ( ت 213هـ ) ، وعبد الله بن عبد الحكم ( ت 214هـ ) ، ومطرف بن عبد الله الهلالي ( ت 220هـ ) ، وأصبغ بن الفرج ( ت 225هـ ) ، ويحيى بن يحيى الليثي ( ت 234هـ ) ، وعبد الملك بن حبيب ( ت 238هـ ) ، وعبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون ( ت 240هـ ) ، الذي روى المدونة الكبرى عن ابن القاسم ، ومحمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز ( ت 269هـ ) ، والقاضي إسماعيل بن إسحاق ( ت 282هـ ) ، وعبد الله بن أبي زيد القيرواني ( ت 386هـ ) ، والقاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي ( ت 422هـ ) ، وأبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى المعروف بابن القطان ( ت 460هـ ) ، وأبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري ( ت 463هـ ) ، وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي ( ت 474هــ ) ، وأبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد ” الجد ” ( ت 520هـ ) ، وخليل بن إسحاق ( ت 767هـ ) ، وابن فرحون ( ت 799هـ ) ، وغيرهم [1] .
مصادر المذهب ومراجعه :
الموطأ للإمام مالك : يُعد الموطأ أول كتاب قصد منه إثبات الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقدم مصنف في الحديث يصل إلينا ، فإننا لا نكاد نعرف من سبقه في نقد الرواة والتشدد في الأخذ عن الرواة والعلماء ، وكان يعتبر أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى حتى ألّف الإمام البخاري صحيحه ، ويعد أيضاً أصح كتب الفقه وأقدمها ، وعمدة مذهب مالك وأساسه ، كما اعتمدت المدارس الفقهية الأخرى في فقهها على الموطأ ، جمع فيه الإمام مالك ما صحَّ عنده من حديث وتفسير وفقه وتاريخ ، ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين ، والأئمة من قبله ، واختار في هذا الكتاب طريق الاعتدال التي هى أقوم طريقة في التأليف والفتوى ، وجمع أحاديث قوية من أهل الحجاز ، وبوّبه على أبواب الفقه ، فكان كتاباً حديثيّاً فقهيّاً جمع بين الأصل والفرع .
المدونة الكبرى وهي ثمرة جهود ثلاثة من الأئمة : مالك بآرائه وأقواله ، وابن القاسم بقياساته وزياداته ، وسحنون بتنسيقه وتهذيبه وبعض إضافاته ، وهي أصل المذهب وعمدته ، وأشرف ما ألّف في الفقه المالكي ، ومقدمة على غيرها من الدواوين بعد الموطأ ، وهى دستور المالكية الذي يحتكمون إليه أيًّا كانت مدارسهم وعصورهم ، عاد سحنون بالمدونة مالكية منهجاً فكريًّا ومادةً علميةً فقهيةً ، بعد أن كانت على يد أسد بن الفرات ( 213هـ ) أول نص فقهي مالكي الآراء حنفي المنهج ، كما بوّبها وهذّبها ورتّبها ترتيب التصانيف ، واحتج لمسائلها بالحديث والآثار ، وألحق بها خلاف كبار أصحاب مالك ، إلا كتباً منها مفرقة بقية على أصل اختلاطها في السماع .
كتاب خير من زنته لعلي بن زياد التونسي ( ت 183هـ ) : كان ابن زياد أول من كتب مسائل الفقه والفتاوى التي تكلم بها الإمام مالك ، وبوّبها وخرّجها كتباً كتباً على مواضيع الأحكام الفقهية ، وجمع في كتابه بين مدرسة العراق والمدينة ، وبين آراء أهل الرأي والحديث ، وكان يميل إلى تحليل الصور ، وتسلسل المسائل ، والاستكشاف عن الأصول .
الواضحة في السنن والفقه لعبد الملك بن سليمان ابن حبيب السلمي ( ت 238هـ ) : ثانية الأمهات والدواوين ، كان يعتبر من أهم الكتب الفقهية في القرنين الثالث والرابع من الهجرة ، وحظي بمكانة مميزة في بلاد الأندلس ، وهو كتاب شامل يضاهي المدونة في بنائه وتكوينه الداخلي ؛ حيث جمعت بين دفتيها آراء المدارس المالكية التي تتلمذ عليها ابن حبيب ، ذكر المؤلف فيه المفهوم الفقهي لأهل المدينة ، ومأثورات المالكية التي تعود إلى عصر مالك ومن بعده مباشرة ، وبعض آرائه المذهبية أيضاً ، كما عرض فيه الاختلاف في الرأي في عصر مالك بين حلقات علماء أهل المدينة ، وكذلك الاختلاف في روايات تلاميذ مالك .
المستخرجة من الأسمعة أو العُتَبيّة لأبي عبد الله محمد بن أحمد العتبي ( ت 255هـ ) : تُعد ثالثة الأمهات والدواوين ، وهى عبارة عن حصر شامل للروايات المسموعة عن مالك وتلاميذه ، أكثر فيها المؤلف من الروايات المطروحة والمسائل الشاذة ، وكان يؤتى بالمسألة الغريبة فإذا أعجبته قال : أدخلوها في المستخرجة ، وهو كتاب معتمد لدى علماء المالكية وبالذات ابن رشد ، بل قد عوّل عليه الشيوخ المتقدمون ، واعتقدوا أن من لم يحفظه ولم يتفقّه فيه ، فليس من الراسخين في العلم ، قال ابن حزم : ” لها عند أهل العلم بإفريقية القدر العالي والطيران الحثيث ” ، إلا أن علماء المالكية وخاصة المعاصرين اختلفوا في قبول محتويات الكتاب ؛ وذلك لأن المؤلف لم يتمكن من تمحيص الروايات وعرضها على أصول المذهب ومقارنتها بالروايات الأخرى كما ينبغي ، ولذلك كثر فيها من الروايات المطروحة والمسائل الشاذة .
الموازية أو كتاب ابن المواز لمحمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز ( ت 269هـ ) : رابعة الأمهات والدواوين ، كتاب مشهور مستقل كبير ، قصد فيه المؤلف إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم ، وهو أجل كتاب ألفه قدماء المالكيين ، وأصحه مسائل ، وأيسره عبارة ، وأبسطه كلاماً ، وأجمعه للفقه ، حتى رجحّها القابسي من المالكية على سائر الأمهات ، وكان معتمداً لدى المدرسة المصرية المالكية .
المجموعة لمحمد بن إبراهيم بن عبدوس ( ت 260هـ ) : خامسة الدواوين ، وهي كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه ، وهو المعوّل عليه عند المالكية في تحقيق قول المذهب .
المبسوط في الفقه للقاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق ( ت 282هـ ) : سادسة الأمهات والدواوين ، تُعرف منه طريقة البغداديين في الفقه والتأليف ، كتاب مستقل معروف جامع لفقه وترجيحات الصدر الأول من مشايخ المدرسة العراقية ، كما أصبح معتمداً من علماء المالكية المغاربة والأندلسيين .
أصول الفتيا على مذهب مالك لأبي عبد الله محمد بن الحارث الخشني ( ت 361هـ ) : كتاب مستقل معتمد ، جمع فيه الخشني أصول الفتيا على مذهب مالك والرواة من الصحابة جمعاً محكماً ، وقيّد المعاني المكررة والمسائل المفتية بالألفاظ الموجزة والإشارات المفهمة ، كان ميّالاً إلى جمع النظائر سابقاً إلى جمع ما تناثر في كل باب من أبواب الفقه المختلفة ، فاشتمل كتابه على كثير من الكليات بمفهومه المنطقي ، وما يدل على مكاتنه العلمية اعتماد الفقهاء لأقوال ابن الحارث والاستشهاد بها .
التفريع لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين المعروف بابن الجلاب ( ت 378هـ ) : كتاب مشهور معتمد ، غزير النفع في الفقه والمسائل ، يعد من أمهات الفقه المالكي وأجلها ؛ لما اشتمل عليه من بحوث ونقول ، سهل الألفاظ قريب المرام ، يهتدي به الطالب المبتدي ، ولا يستغني عنه الراغب المقتدي ، وضع الله له القبول شرقاً وغرباً ، فاعتنى به الأوائل والأواخر ، وانتفع به العامة والخاصة ، جمع فيه ابن الجلاب ثمانية عشر ألف مسألة ، فأصبح الكتاب مثلاً رائعاً للمختصرات الجامعة التي تتناول عدداً ضخماً من المسائل المتداولة تحت أبواب الفقه كلها بصورة شاملة ، كما يمتاز الكتاب بمنهجه وأسلوبه ، وطريقة عرضه للمسائل بالإيجاز والاختصار تخفيفاً على القارئ وتجنيبه الملل .
مختصر المدونة لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني ( ت 386هـ ) : اختصر فيه المؤلف المدونة كتاباً كتاباً وباباً باباً ، وقد يقدم فرعاً إلى أصله أو يؤخر شكلاً إلى شكله ، حذف السؤال وسند الآثار وكثيراً من الحجج والتكرار واستوعب المسائل باختصار اللفظ ، ولم يكتف باختصار المادة العلمية الموجودة في المدونة بل زاد عليها زيادات رأى أنها ضرورية ، بل أحياناً يضيف إلى المختصر أبواباً لم تتطرق إليها المدونة ، يمثل المختصر حلقة مهمة في سلسلة مؤلفات الفقه المالكي ، كما جمع المختصر بين تركيز المادة العلمية وتنسيقها وتنظيمها مع سعة المادة واستيعابها .
الرسالة باكورة السعد زبدة المذهب لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني ( ت 386هـ ) : يُعد من أحد الكتب التي عكف عليها المالكيون شرقاً وغرباً ، واشتهرت اشتهار النهار ، وعاشت في جميع الأقطار ، أقبل عليها الناس وتنافسوا في اقتنائها ، وجعلوها أساساً للأطفال الناشئين والبراعم المبتدئين ، كما جعلوها عمدتهم في مراجعة مسائل للمتفقهين ، جعل ابن زيد كتابه هذا تلخيصاً مختصراً بتركيزه على العبارة الدقيقة الحكيمة حتى أصبحت عمدة الدراسة الفقهية في المذهب المالكي في جميع معاهد العلم بالبلاد الإسلامية ، وشرحها القاضي عبد الوهاب في نحو من ألف ورقة .
المنتخب في الأحكام لابن أبي زمنين محمد بن عبد الله المري ( ت 399هـ ) : كتاب مستقل جمع فيه المؤلف عيوناً من مسائل الأقضية المختلفة ، والأحكام استخرجها من الأمهات وانتخبها ، والكتاب تسجيل لآراء فقهاء المالكية وأحكامهم التي فقدت أسمعتهم ورواياتهم ، وذخائر من فكر القضاء المالكي ، ذاع صيت الكتاب آفاقاً حتى صار مصدراً للقضاء في الأندلس والمغرب يحتذى بأحكامه .
الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الآثار لابن عبد البر يوسف بن عبد الله النمري ( ت 463هـ ) : كتاب مشهور معتمد لدى المالكية ، عرض فيه المؤلف الأحكام المستنبطة من الأحاديث وآراء الفقهاء عرضاً مقارناً بين المذاهب ، ونحا فيه إلى الإيجاز والاختصار ، وطرح ما في الشواهد من التكرار ، وبنى ابن عبد البر كتابه هذا على نسق الموطأ وأبوابه باباً باباً .
الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي ( ت 463هـ ) : كتاب مختصر مستقل ، يعرض للآراء المختلفة في مذهب مالك ، يرجح ما يراه أرجح من هذه الآراء ، اعتمد فيه على علم أهل المدينة وسلك فيه مسلك الإمام مالك لما صح له من جمع مذاهب أسلافه من أهل بلده مع حسن الاختيار وضبط الآثار ، فأصبح كتاباً جامعاً للمسائل التي هي أصول وأمهات لما يبني عليها من الفروع والبيانات في فوائد الأحكام ، يكفي عن المؤلفات الطوال .
المنتقى في شرح الموطأ لأبي الوليد سليمان الباجي ( ت 474هـ ) : يُعد من أحسن شروح الموطأ على الإطلاق ، يورد فيه المؤلف أحاديث الموطأ ويشرحها شرحاً مبسطاً ، وأحياناً يفرع عليها تفريعاً حسناً ، وكثيراً ما يورد مسائل وفروع متعلقة بها مع عرض أقوال الأئمة ومناقشتها في بعض الأحاحيين ، ودعم الاتجاه المالكي بدليله مع ذكر مختلف الروايات وتوجيه الحكم في الغالب ، برز فيه ملكة الباجي الحديثية والفقهية بروزاً واضحاً ، كما ظهرت ملكته الفذة على الجمع بين الطريقتين الفقهيتين : العراقية والقيروانية ، وكذلك استوعب هذا الكتاب آراء أمهات الكتب المالكية وآراء المذاهب الأخرى شارحاً وموجهاً .
التبصرة لأبي الحسن محمد بن محمد الربعي المعروف باللخمي ( ت 478هـ ) : يُعد اللخمي أحد الأئمة الأربعة المعتمدة ترجيحاتهم في مختصرخليل ؛ حيث اعتمدت اختياراته أقوالاً في المذهب ، عنى المؤلف في تعليقه هذا على المدونة بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال ، كما أنه يخالف في بعض مسائل المذهب ، ومن ثم خرجت اختياراته في مسائل عدة عن قواعد المذهب .
المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعية ، والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائله المشكلات لابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد ” الجد ” ( ت 520هـ ) : الكتاب عبارة عن مقدمات يوردها عند استفتاح كتب المدونة وفي أثناء بعضها ، وجدير بأن يتبوأ مكانةً مرموقةً ليس في عصره فحسب بل في العصور التالية ؛ وذلك لما يتميز به من تحقيق المدونة أحسن تحقيق ؛ حيث بيّن أصل الكتاب من القرآن والسنة ، وما اتفق عليه أهل العلم من ذلك واختلفوا فيه بوجه ، فظهر فيه المذهب وعقيدة مؤسسه وأصحابه ، وتبين منشأه ، وتطوره وأصوله ، وكذلك بتدقيق معاني المدونة وضبط تأويلاتها وحل مشكلاتها ، وحسن الجمع والتركيب وجمال العرض والتبويب ، فأحياناً يستطرد القول في مسائل وقعت في المدونة ناقصة مفرقة ، فيذكر مجموعة ملخصة مشروحة بعللها مبيّنة ، كما أنه يتعرض أحياناً لآراء المذاهب الأخرى ، ملتزماً في ذلك الإيجاز غير المخل ، مما جعل الكتاب أقرب إلى فقه مقارن .
البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل لابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي ” الجد ” ( ت 520هـ ) : يعد كتاب ابن رشد هذا أحد الكتب المعتمدة في الفتوى بسائر البلاد الغرب الإسلامي ، اعتنى فيه المؤلف بالنقد والتمحيص للروايات والسماعات التي حفظها العتبي في كتابه ” المستخرجة أو العتبية ” ، يذكر فيه ابن رشد المسألة ويشرح ألفاظها ، ثم يجمع أقاويل العلماء فيها ، ويدقق بين مخلتف الروايات ، وينبه إلى ما فيه من صحة وضعف وخطأ ، ثم يبيّن موضع الوفاق منها من موضع الخلاف ، ويوجه ما احتاج إلى توجيه بالنظر الصحيح ، والرد إلى الأصول والقياس عليها ، قال عنه الحطاب بأنه : ” عظيم النفع جداً ” .
بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لأبى الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ” الحفيد ” ( ت 595هـ ) : كتاب مستقل ، يعد من المصادر المعتمدة في المذهب المالكي ، ويتميز بحسن سبك المسائل ومتانة جمعها وبراعة تفريها وتقنينها ، أورد فيه المؤلف أقوال الفقهاء المالكية وغيرهم في مسائل فقهية ، وأسباب الاختلاف فيها ، وعلّل ووجّه ، وربط الأحكام الفقهية بأصولها وبرّر أوجه تعدد الأقوال ، اعتمد المؤلف في نقل الآراء على كتاب ” الاستذكار ” لابن عبد البر ، كان هذا الكتاب باعثاً للعلماء على إحياء الاجتهاد ، ودافعاً على إيقاظ حرية التفكير الديني في نطاق ما تسمح به الأصول التشريعية .
عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لأبي محمد عبد الله بن نجم بن شاش السعدي ( ت 616هـ ) : كتاب جليل فصيح العبارة ، من أكثر الكتب فوائد في الفروع ، ومن أحسن ما صنف في الفقه المالكي ، رتبه المؤلف على طريقة ” الوجيز ” للغزالي ، واختار فيه الترتيب البديع وأجاد فيه الصنيع ، واقتصرعلى ذلك مع اليسير من التنبيه على بعض التوجيه .
الجامع بين الأمهات ” المختصر الفرعي ” لعثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بـ ” ابن الحاجب ” ( ت 649هـ ) : هو المختصر الذائع الصيت الشهير الذي نسخ ما تقدمه ، وأقبل الناس عليه شرقاً وغرباً ، وحفظاً وشرحاً ، يمتاز الكتاب بطريقة ابن الحاجب المحبوكة بأسلوب منطقي في تقرير المسألة ، وجمعه الأمهات جمعاً صحيحاً ، اختصره المؤلف من ستين ديواناً مثل : المدونة ومختصراتها وغير ذلك من الكتب المؤلفة في الفقه المالكي ، وجمع فيه أمهات المذهب الكمالكي ، وما اشتملت عليه تلك الأمهات في كلام موجز ، ولخص فيه طرق المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسألة ، فجاء كالبرنامج للمذهب .
الذخيرة في الفقه لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي ( ت 684هـ ) : يعد أحد الكتب الأصلية في المذهب وأجلها ، بل هو موسوعة فقهية شملت الفقه المالكي وغيره من المذاهب السنية كذلك ، حرّر القرافي في هذا الكتاب المسائل الفقهية تحريراً جيداً ، وجمع فيه بين الكتب الخمسة التي عكف عليها المالكيون شرقاً وغرباً ، وهي : المدونة ، الجواهر الثمينة ، التلقين ، التفريع ، الرسالة ، وأبدع في جمعها بحيث يستقر كل فرع في مركزه ، ولا يوجد في غيره حيزه مع تأخير ما يتعين تأخيره ، وتقديم ما يتعين تقديمه ، وقدم المشهورعلى غيره من الأقوال ، كما حرص فيه المؤلف أن يعرض المسائل الفقهية عرضاً مقارناً ، وهو من هذا الجانب يعد من المصادر الأصلية في الفقه المقارن .
إرشاد السالك إلى أشرف المسالك لعبد الرحمن بن محمد البغدادي ( ت 732هـ ) : كتاب جامع لما في الجلاب والرسالة ، حذا فيه المؤلف حذو مالكية العراق ، علماً بأن لهم آراء في الفقه تخالف آراء الأقطار الأخرى ، ولذا يجد القاري فيه الرأي راجحاً قويًّا ، وهو ضعيف عند غير العراقيين ، وقد يجد فيه الرأي ضعيفاً ، وهو مشهور عند غيرهم ، أبدع فيه المؤلف كل الإبداع ، وجعله مختصراً ، وحشاه بمسائل وفروع لم تحوها المطولات مع إيجاز بليغ .
القواعد لمحمد بن محمد بن أحمد المقري ( ت 758هـ ) : كتاب مستقل غزير العلم كثير الفوائد ، قصد فيه المقري إلى تمهيد ألف ومأتي قاعدة ، وهي الأصول القريبة لأمهات مسائل الخلاف ، المبتذلة والغريبة ، وقدم نظره الاجتهادي وعمله النقدي لأقوال الفقهاء وتصاوير مسائل الفقه ، وقارن في نطاق القواعد بين فروع المذاهب الأربعة ، وأبرز فناً جديداً من فنون الدراسة الفقهية ، وعنصراً من عناصر الثقافة الإسلامية هو : فن الأصول القريبة .
المختصر في الفقه المالكي : لخليل بن إسحاق الجندي المصري ( ت 767هـ ) : يطلق عليه اسم ” الكتاب ” في الفقه المالكي ، ويعد مع صغر حجمه أجمع كتاب في الفقه المالكي ، وديوان من دواوين المالكية العظام للفتوى والأحكام ، وقد لاقى القبول عند متأخري المالكية ، وصار المعتمد لديهم والحجة عندهم ، حتى قيل : لم يحظ كتاب بعد المؤطأ والمدونة في المذهب بما حظى به مختصر خليل من الاهتمام ، إذ عكف الشيوخ عليه شرحاً ودرساً ، وتركوا كل شيئ سواه ، جمع المؤلف في هذا الكتاب ما يندر أن يوجد في غيره ، فربما تقع المسألة ، ولا توجد إلا فيه ، مع تحريره المسائل وإتقانه ، كما تناول فيه المشهور من القولين أو الأقوال ، وما عليه الفتوى مجرداً عن الخلاف ، وجمع الفروع الكثيرة من كتب المذهب ، مع الإيجاز البليغ ، واعتمد في ترجيحاته على أربع من كبار علماء المالكية وهم : اللخمي وابن يونس وابن رشد والمازري .
المختصر الفقهي ، أو المختصر الفقهي المبسوط في الفقه ، أو المختصر الكبير لابن عرفة محمد بن محمد ابن عرفة التونسي ( ت 803هـ ) : يعد هذا المختصر من أكبر الموسوعات في الفقه المالكي ، وعمدة من أراد التوسع ؛ لأنه يشذ إلا ما يخرج عن الطاقة البشرية ، اهتم المؤلف فيه بالأنظار المهجورة والأقوال المتروكة والتحقيق والمقارنة والاستدلال والكشف عما ارتبطت به تلك الاقوال من اعتبارات ، والتنبيه على المواضع المشكلة وتعريف الحقائق الشرعية ، صدر جميع الأبواب بالحدود البديعة التي يقف فحول العلماء عند دقائقها حتى كانت دراسته هي المعتمدة في أوائل الكتب الفقهية في الغالب .
الشرح الكبير ، الشرح الأوسط ، الشرح الصغير ، ويعرف بـ ” الدرر شرح المختصر ” لبهرام بن عبد الله الدميري ( ت 805هـ ) : شرح بها مختصر شيخه خليل ، كتاب جامع وكافل بتحليل الطالب مغن عن غيره ، اعتنى الناس بالأوسط غاية الاعتناء ، واشتهر في أقطار كثيرة ، أقبل الأصحاب بالصغير منها ، وحرضوا الطلبة عليه ، وجميع هذه الشروح في غاية الوضوح ، يحل ألفاظ مختصر خليل من غير تطويل ، بدليل أو تعليل ، وكلها معتمدة عند المالكية في الفتوى .
شفاء العليل في شرح مختصر الخليل لمحمد بن أحمد بن عثمان البساطي ( ت 842هـ ) : شرح لمختصر خليل ، لم يؤلف مثله شرحاً على مختصر خليل ، إقناعاً ونقلاً وفهماً ، وقد أتى فيه بالعجب العجاب .
التاج والإكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوسف العبدري يعرف بـ ” المواق ” ( ت 897هـ ) : شرح لمختصر خليل ، يعد كتاب التاج والإكليل في غاية الجودة في تحرير النقول مع الاختصار البالغ ، استخرج المواق نصوصاً يقابل بها مسائل مختصر خليل ، تساعد هذه النصوص على فهمه ، وتكون شاهدة على نقله ، يذكر نص الخليل ثم يأتي بإزائه نص غيره ، ويتخير من النصوص ما يكون أقرب للفهم وأوجز في اللفظ ، يكتفي بالنقل دون التنزيل على اللفظ ، وإذا لم يقف على نص مسألة سكت عنه .
المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والمغرب لأحمد بن يحيى التلمساني ( ت 914هـ ) : يعد من أكبر موسوعات فقهية في المذهب ، اعتنى به فقهاء الأمصار كثيراً ، حتى لا يكاد يوجد كتاب فقهي ألف بعده إلا وفيه نقول عنه أو إحالات عليه ، أورد فيه المؤلف من أجوبة المتقدمين والمتأخرين مع ذكر أسماء المفتيين ما يعسر الوقوف عليها في مكان واحد لتبدده وتفريقه وإبهام محله وطريقه .
مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل لمحمد بن محمد الرعيني الشهير بـ ” الحطاب ” ( ت 953هـ ) : شرح لمختصر الخليل ، يعتبر من أشهر مؤلفات الحطاب الذي تداوله الناس شرقاً وغرباً ، ومن أكثر الشروح تحريراً وإتقاناً ، استدرك فيه أشياء على خليل ، وشراحه وابن عرفة وشراح ابن الحاجب وغيرهم ، وهذا يدل على كثرة اطلاعه ، وحسن فهمه ، وجودة تصرفه ، استمد منه كل من شرح مختصر خليل بعده ، وهو مشهور معروف .
زبدة الأوطاب وشفاء العليل في اختصار شرح الحطاب لمختصر الشيخ خليل لمحمد بن أحمد ميارة ( ت 1072هــ ) : مختصر مفيد جداً ، تلقاه الناس باقبول ، وعم نفعه في البلاد ، وشاع فضله بين العباد ، اختصر فيه ” مواهب الجليل ” للحطاب ، وفيه ذيول على الأصل ، وأدمج فيه مؤلفه كثيراً من أنظامه السليمة .
شرح الزرقاني على مختصر خليل لعبد الباقي بن يوسف الزرقاني ( ت 1099هـ ) : شرح لمختصر الخليل لخصه من شرح الشيخ علي الأجهوري ، شرح وافي مفيد تشد إليه الرحال ، نسخ المؤلف مقابله من الشروح ولخصها ، وبالغ في الاختصار وجمع الفروع ، لم ينقحه من كثير من الأغلاط ؛ ولذلك اعتنى به المغاربة وتتبعوه ، وأقبل الناس عليه وانتفعوا به بعداً وقرباً ، ولاقى القبول عند متأخري المالكية .
الشرح الكبير ” شرح مختصر خليل لأحمد بن محمد بن أحمد الشهير بالدردير ( ت 1201هـ ) : وهو من الشروح المعتمدة لمختصر الخليل في المذهب ، ويعد من الكتب التي يفتى منه في المغرب ، اقتصر فيه المؤلف على فتح مغلق خليل وتقييد مطلقه ، واقتصر فيه على المعتمد من أقوال المذهب ، وإن اعتمد بعض الشراح خلافه .
أقرب المسالك لمذهب مالك ” الشرح الصغير ” لأحمد بن محمد بن أحمد الشهير بالدردير ( ت 1201هـ ) : شرح لمختصر خليل : اقتصر فيه الدردير على أرجح الأقاويل مبدلاً غير المعتمد منه به ، وقيد ما أطلقه وضده للتسهيل .
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين محمد بن عرفة الدسوقى ( ت 1230هـ ) : حاشية على شرح الدردير على مختصر خليل ، ذكر المؤلف أنه جمع فيه فوائد ، وتقييدات استقاها من كتب كبار المالكية السابقين ، ويعتبر من الحواشي التي اعتمدها فقهاء الذيتونة في الدروس والفتاوى والأحكام ، وعلقوا عليها واستندوا إليها في فتاويهم وتحاريرهم .
المجموع الفقهي في مذهب الإمام مالك لمحمد بن محمد بن أحمد المعروف بالأمير ( ت 1232هـ ) : هذا الكتاب مختصر لمتن خليل ، التزم فيه المؤلف بتدوين الراجح ، ونبّه على فروع في المتن اعتمد المتأخرون خلافها ؛ ولذا اقتصر المؤلف على تدوين المفتى به عند المتأخرين ، وشرح المؤلف المتن ، ووضع له حاشية بعنوان ” ضوء الشموع على شرح المجموع ” ، كما وضع على الشرح نفسه الشيخ الحجازي العدوي حاشية ، وقد طبعتا باسم ” حاشيتي حجازي العدوي ، وسيدي محمد الأمير على المجموع ” [2] .
[1] انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي 8/48 و 9/12 ، 223 – 234 ، حلية الأولياء لأبي نعيم 6/316 وما بعدها ، الأنساب للسمعاني 2/270 وما بعدها ، تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك للسيوطي ، ص 20 وما بعدها ، ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/104 ، 3/228 – 243 و 244 – 261، وفيات الأعيان ( 3/36 – 37 و 129 – 130 ، الديباج المذهب ( 1/413 – 417 و 465 – 468 ، شجرة النور الزكية ( ص 58 وما بعدها ، إرشاد السالك إلى مناقب مالك ، لابن المبرد ص 142 وما بعدها ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ، ص 170 ، مالك حياته وعصره ، لأبي زهرة ص 25 وما بعدها .
[2] انظر : المراجع السابقة ومواهب الجليل 1/35 ، واصطلاح المذهب عند المالكية لمحمد إبراهيم أحمد علي ، ص 31 وما بعدها ، مالك حياته وعصره ، لأبي زهرة ص 63 وما بعدها ، مناقب الأئمة الأربعة لابن عبد الهادي ، ص 79 وما بعدها .