الفقه الإسلامي :
المذهب الشافعي : مصادره ومراجعه
د . خورشيد أشرف إقبال الندوي ( لكناؤ )
إن المذهب الشافعي هو أحد المذاهب السنية المتبعة في مختلف بقاع الأرض ، وصاحبه هو الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي الشافعي ( 150 – 204هـ ) ، ثالث الأئمة الأربعة لأهل السنة ، ناصر السنة ، حجة في الدين واللغة ، رأساً في الحديث والفقه والأدب ، تميز بالذكاء وقوة الحفظ وحدة البصيرة ، ومناقبه كثيرة يصعب حصرها .
قال فيه الإمام أحمد بن حنبل : ” كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن ، فانظر هل لهذين من عوض أو خلف ” . وقال أيضاً : ” كان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ” .
صنف الإمام الشافعي كتباً عدةً في الفقه والأصول منها : ” كتاب الحُجة ” وهو الكتاب الذي يشتمل على الأحكام الفقهية التي أفتى بها الإمام الشافعي في العراق . و ” الأم ” وهو الكتاب الذي يشتمل على المسائل التي أفتى بها الإمام الشافعي في مصر ، وما استقر عليه في المذهب ، و ” الرسالة ” وهو الكتاب الذي وضع فيه علم أصول الفقه ، ويشتمل على أصول مذهبه ، وكتاب ” إبطال الاستحسان ” .
وقد قيّض الله – سبحانه – للمذهب الشافعي فقهاء أعلام وعلماء أجلاء قاموا بترويج المذهب وتحرير مسائله ووضع الكتب والمصنفات في أحكامه ، جاعلين من الإمام الشافعي قدوةً لهم في التأليف والتصنيف ، ومن أشهرهم :
أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي ( ت 231هـ ) ، وهو من أكبر أصحاب الشافعي المصريين ، وكان إماماً جليلاً وفقيهاً ذا قدرة عالية على المناظرة والاحتجاج ، وحرملة بن يحيى ( ت 243هـ ) ، وأبو ثور إبراهيم بن خالد البغدادي ( ت 240 أو 246هـ ) ، والحسين بن علي الكرابيسي ( ت 248 أو 245هـ ) ، والحسن بن محمد الزعفراني ( ت 260هـ ) ، وإسماعيل بن يحيى المزني (ت 264هـ ) ، وهو يعد من كبار مناصري المذهب الشافعي ، كان ذا علم جم وحجة وبراعة في الفقه والمناظرة ، والربيع بن سليمان الجيزي المرادي ( ت 270هـ ) ، وأحمد بن عمرو الزعفراني ( ت 306هـ ) ، ومحمد بن أحمد المعروف بالحداد ( ت 345هـ ) ، وعبد العزيز بن عبد الله الداركي ( ت 375هـ ) ، وأحمد بن محمد الضبي ( ت 415هـ ) ، وعبد الله أحمد المعروف بالقفال الصغير ( ت 417هـ ) ، وإبراهيم بن محمد الإسفراييني ( 418هـ ) ، وعبد الله بن يوسف الجويني ( 434 أو 438هـ ) ، وعلي بن محمد البصري الماوردي ( ت 450هـ ) ، وأحمد بن الحسين بن علي البيهقي ( ت 458هـ ) ، وإبراهيم بن على بن يوسف الشيرازي ( ت 476هـ ) ، وعبد الملك بن عبدالله الجويني ( ت 478هـ ) ، وحامد بن محمد الغزالي ( ت 505هـ ) ، وعبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني ( ت 623هـ ) ، ويحيى بن شرف النووي ( ت 676هـ ) ، وغيرهم [1] .
يتميز المذهب الشافعي عن المذاهب الأخرى بتنظيمه على أصول موضوعة وقواعد ثابتة ومضبوطة ضبطاً دقيقاً ، ومن أبرز خصائص هذا المذهب أن الإمام الشافعي كان قريباً من نفوس كبار المحدثين بالإضافة إلى قربه من فقهاء أعلام ، ومن هنا أعطى الشافعي – رحمه الله – الحديث الشريف المكانة الأولى في اجتهاداته واستنباطاته ، وضيق القياس والرأي فيه ؛ ولم يلغ القياس والرأي ، بل قعد لهما بما ينسجم مع أصول مذهبه ، فجاء مذهبه وسطاً بين أهل الرأي وأهل الحديث .
مصادر المذهب ومراجعه :
- الأم للإمام أبي عبد الله محمد الشافعي ( ت 204هـ ) : كتاب جامع رائع بديع ، وموسوعة ضخمة ، يضم عدداً هائلاً من الأحاديث والآثار ، وكذلك المناظرات والنقاشات الثرية والاستدلالات من النصوص الشرعية ، ويُعد الأصل في المذهب ، يجمع بين دفتيه جميع أبواب الفقه ، وهو مرتب على الكتب ، وكل كتاب منها عدة أبواب ، يبدأ فيه المؤلف كل موضوع فقهي مستدلاً بالكتاب والسنة الصحيحة ، ثم يعقب باستنباط الأحكام المستفادة منها بطريقة موضوعية دقيقة ، ويجمع بين الرأي والحديث ، ويمزج بين الآثار والسنة والاستدلال والعقل ، ويؤسس منهجاً تطبيقياً للقواعد الأصولية ، وبناء الأحكام الفروعية على أساسها في صورة فقهية متكاملة ، كما تبيّن العلاقة بين الفقه والأصول ، وتوضّح بطريقة علمية كيفية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية في أسلوب سلس جميل وبيان واضح ، وبشكل مفصل .
هذا ، وقد أملى الإمام الشافعي كتابه ” الأم ” على تلاميذه في مصر بما وصل إليه رأيه في آخر حياته ، ويعبر عن المسائل فيه بأنها ” مذهب الشافعي الجديد ” بعد أن غيَّر اجتهاده في بعض المسائل ، ورواه عنه تلاميذه بمصر . وقد اعتنى العلماء به عنايةً كبيرةً ، فقاموا على تفسيره واختصاره .
- مختصر المزني لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحى المزني ( ت 264هـ ) : اختصار لكتاب الأم للشافعي ، وهو أول ما صنف في المذهب الشافعي ، ويجمع الفروع الفقهية على مذهب الشافعية ، ويعد أحد الكتب الخمس المشهورة بين الشافعية ، التي يتداولونها أكثر تداول : المهذب ، والتنبيه والوسيط والوجيز .
قال المزني في مقدمته : ” اختصرت هذا الكتاب من علم الشافعي ، ومن معنى قوله ؛ لأقربه على من أراده ، مع إعلامه نهيه عن تقليده ، وتقليد غيره ؛ لينظر فيه لدينه ، ويحتاط فيه لنفسه وبالله التوفيق ” .
- ” التلخيص لأبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن القاص الطبري ( ت 335هـ ) : يعتبر أجمع كتاب في فنه للأصول والفروع رغم صغر حجمه ، يذكر في كل باب مسائل منصوصة ومخرجة ، كما يذكر أموراً ذهب إليه الحنفية على خلاف قاعدتهم .
- الحاوي الكبير لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي ( ت 450 هـ ) : كتاب في الفقه على المذهب الشافعي ، وفي الفقه المقارن مع بقية المذاهب ، شرح به مختصر المزني ، وحاول استيعاب المذهب في شرحه واستيفاء اختلاف الفقهاء المغلق به ، والكتاب ليس شرحاً فحسب ، وإنما هو موسوعة ضخمة في مجلدات كثيرة ، لم تر عيني مثله في المذاهب الأخرى ، اهتم فيه المؤلف بذكر الأحكام الفقهية على المذهب وأدلتها من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين والإجماع والقياس ، وحاول ترجيح مذهب الشافعي على وجه التفصيل في أوضح تقديم وأصح ترتيب وأسهل مآخذ . وقد جاء الكتاب حاوياً آراءً كثيرةً من المذاهب المختلفة كالحنفية والمالكية والحنابلة ، واحتوى على أقوال عديدة لأصحاب المذاهب المندثرة ، كما يذكر المؤلف الخلاف في كل مسألة مع أدلة كل مذهب ، ثم يناقشها بإسهاب ليصل إلى الترجيح ، وأعتقد أن كل من يطالعه يشهد للحاوي بالتبحر والعلم الغزير في الفقه ، والمعرفة التامة بالمذهب الشافعي .
- الأحكام السلطانية والولايات الدينية لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي ( ت 450هـ ) : وهو كتاب في النظم الإسلامية : السياسية والمالية والقضائية والإدارية والعسكرية ، بحث فيه الماوردي الأحكام الشرعية المتعلقة بالإمامة والخلافة ، والوزارة بأنواعها وشروطها ، والإمارة على الجهاد والبلاد ، وولاية القضاء ، وولاية المظالم ، وإمامة الصلاة والولاية على الحج والصدقات ، وتحدث المؤلف عن نظام القضاء وديوان المظالم وقضاء الحسبة ، وذكر بعض وظائف الدولة ، وعلاقة الراعي بالرعية ، وبين أحكام الفيء والجزية والخراج وإحياء الموات ، والحمى والإرفاق والإقطاع والمعادن ، ووضع الدواوين وأحكامها ، ثم تعرض لأهم أحكام الجرائم والعقوبات الشرعية في الحدود والقصاص والتعزير .
- الإبانة لأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الفوزاني ( ت 476هـ ) : تعد أحد الكتب الشافعية التي لقيت قبولاً عظيماً بين علمائهم ، حيث شغل الدارسين وبحث المحصلين ؛ لأنه يذكر أصول المذهب الشافعي بأدلتها وما تفرّع على أصوله في المسائل المشكلة بأدلتها .
- المهذب في فقه الإمام الشافعي ، لأبي إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف الشيرازي ( ت 476هـ ) : كتاب جليل القدر يعد نتاج اختصار العلماء لعدد من كتب الإمام الشافعي ، ألفه الشيرازي بناءً على أدلة الإمام الشافعي ، ليبني بأدلتها أصول فقهه عليها ، ويبين ما يتفرع على هذه الأصول ، وقد استغرق تأليفه عشر سنوات ، ويعتبر أحد الاختصارات التي لقيت قبولاً عظيماً عند الشافعية ، ومما يدل على أهميته لديهم أن فقهاء مشهورين منهم ألفوا شرحه في ثلاثة أدوار ، وأهم شروحه كتاب ” المجموع ” ، وهو كتاب صغير الحجم غاية التدقيق كثير الفائدة ، ومن عجائب التصانيف يحير العقول في تقريره وتهذيبه ، ذكر فيه المؤلف أصول مذهب الشافعي بأدلتها ، وما تفرّع على أصوله في المسائل المشكلة بعللها .
- التنبيه في فروع الشافعية لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ( ت 476 هـ ) : كتاب مختصر ، اقتصر فيه المؤلف على بيان الأحكام الشرعية مجردةً من الأدلة والخلاف والمناقشة ، أخذه الشيرازي من تعليقة الشيخ أبي حامد المروزي ، ويُعتبر من الكتب المعتمدة في المذهب ؛ حيث اهتم به فقهاء الشافعية فتناولوه بالشرح والاختصار ، ومن بينها شرح الإمام النووي سماه ” التحرير ” .
- نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبدالله الجويني ( ت 478هـ ) : كتاب مهم في الفقه على المذهب الشافعي والفقه المقارن ، ومن أبرز مصنفات إمام الحرمين وأشهرها وأوسعها ، ويتضمن جميع الأبواب الفقهية . وهو شرح لمختصر المزني ، لكنه شرح موسع على منهج الفقهاء بأن يعرض الحكم مع دليله ، ثم يقارن مع سائر الآراء في المذهب ، ثم يقارن مع أقوال المذاهب الأخرى ، ويستدل لهم ، ثم يناقش أدلتهم ، ويرد على أقوالهم بأسلوب جدلي ، كما يحوي الكتاب تقرير القواعد وتحرير الضوابط والمقاعد في تعليل الأصول وتبيين مآخذ الفروع ، ويشتمل على حل المشكلات وإبانة المعضلات والتنبيه على المعاصات والمعوصات ، ويهتم بنسب النصوص التي نقلها من المزني إليه ، ويتعرض لشرح ما يتعلق بالفقه منها ، ويذكر ما اشتهر فيه خلاف الأصحاب ، وينبه على الوجه الغريب والنادر ، حتى أطلق العلماء على هذا الكتاب ” المذهب الكبير ” . وقال ابن السبكي : لم يصنف في المذهب مثلها فيما أجزم به . وقال ابن عساكر : ” وأتى فيه من البحث والتقرير والتحقيق بما يشفي الغليل ” .
- غياث الأمم في التياث الظلم لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني ( ت 478هـ ) : وهو كتاب في الفكر السياسي ونظام الحكم في الإسلام ، بين فيه المؤلف نظرية الخلافة الإسلامية ، وما يتصل بها من أمور فقهية ، وموضوعات أصولية ، وأحكام شرعية ، وحدد هدفه بأنه يريد إنقاذ بني البشر مما يتردون فيه من الظلم والجور ، ويعتمد في ذلك على نصوص القرآن والسنة ، بعيداً عن التبعية للأنظمة المختلفة ، أو التأثر بالفلسفة اليونانية ، مستقرئاً أحداث التاريخ الإسلامي في الخلافة الراشدة وما بعدها ، مجتنباً للإطناب والتطويل ، جريئاً في بحث المشاكل المطروحة في عصره ، وما يمكن أن تتعرض له الأمة الإسلامية ، مثل بيان أحكام الله عند خلو الزمن من الأئمة أو انقراض العلماء والمفتين .
- البسيط في الفروع لأبي حامد بن محمد الغزالي ( ت 505هـ ) : هو كالمختصر لنهاية المطلب للجويني ، كتاب جليل اهتم به الشافعية في كل العصور ؛ حيث إنه حسن الترتيب غزير الفوائد ، نقي من الحشو والتزويق ، مشتمل على محض الهمم وعين التحقيق .
- الوسيط في فروع المذهب لأبي حامد بن محمد الغزالي ( ت 505هـ ) : مختصر لكتابه البسيط مع بعض الزيادات ، يُعد أحد الكتب الخمسة المشهورة المتداولة عند الشافعية ، عمد فيه الغزالي إلى حذف الأقوال الضعيفة والتفريعات الشاذة .
- الوجيز في فقه الإمام الشافعي لأبي حامد بن محمد الغزالي ( ت 505هـ ) : مختصر لكتابه البسيط والوسيط ، وزاد فيه أموراً ، يُعتبر أحد الكتب الخمسة المشهورة المتداولة عند الشافعية ، مخض فيه الغزالي جملة الفقه واستخرج زبدته ، أدمج جميع مسائله بأصولها وفروعها بألفاظ محررة ، واكتفى بنقل الظاهر من مذهب الشافعي ، كما عرف بمذهب مالك ، وأبي حنيفة ، والمزني ، والوجوه البعيدة للأصحاب بالعلامات . اهتم العلماء به اهتماماً بالغاً ، فكان له شروحات كثيرة لعدد من العلماء الشافعية ، من أشهرهم الرافعي .
- حلية العلماء في مذاهب الفقهاء لأبي بكر محمد بن أحمد القفال الشاشي ( ت 507هـ ) : كتاب مستقل كبير ، صنف للخليفة العباسي المستظر بالله ، ووافق ما فعله وعدل عن الجمع فيه ، اهتم فيه بذكر الاختلاف الواقع بين الائمة في كل مسألة .
- المحرر في فروع الشافعية لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي ( ت 623هـ ) : استقاه مؤلفه من كتاب الوجيز للغزالي ، والتزم فيه أن ينص على ما صححه معظم الأصحاب ، الكتاب كثير الفوائد عمدة في تحقيق المذهب ، اهتم به العلماء بالشرح والاختصار والتدريس ، من شروحه ” كشف الدرر في في شرح المحرر ” للحصكفي .
- فتح العزيز في شرح الوجيز لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي ( ت 623هـ ) : شرح فيه كتاب الوجيز للغزالي ، ويعد من خير ما ألف في فقه المذهب الشافعي ، لما حوى من الأحكام الشرعية الكثيرة ، والأدلة الوفيرة ، والتحقيقات الدقيقة ، كما عمد فيه الرافعي إلى توضيح فقه مسائل الوجيز وتوجيهها ، وكشف عما انغلق من مسائله .
- أدب القضاء للقاضي شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن أبي الدم الحموي ( ت 642هـ ) : وهو ” الدرر المنظومات في الأقضية والحكومات ” واشتهر باسم ” أدب القضاء ” ، ويأتي في قمة كتب أدب القضاء عند الشافعي من حيث الترتيب والتنظيم والتبويب ، ومن حيث الموضوع وتلخيص الأقوال الفقهية ، وبيان أوجه الأصحاب في أحكام القضاء والدعوى والإثبات والأحكام .
- المجموع شرح المهذب لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ( ت 676هـ ) : إنه ليس شرحاً لمهذب الشيرازي والمذهب الشافعي كله ، بل هو شرح لمذاهب العلماء كلهم والحديث وجمل من اللغة والتاريخ والأسماء ، اهتم فيه النووي بذكر آراء المذهب الشافعي ، فلم يترك قولاً ولا وجهاً ولا نقلاً ولو كان ضعيفاً ، وبين رجحان الراجح ، وضعف الضعيف ، وزيف الزائف ولم يهب من تغليط الغالط ولو كان من أكابر العلماء ، كما ذكر آراء غيره من الأئمة بأدلتها ، وكان يهتم بنقل الأقوال من كتب أصحابها ، كما عنى فيه بالاستدلال والمناقشة وترجيح الآراء .
والكتاب بعد ذلك مرجع عظيم لمعرفة صحيح الحديث وحسنه وضعيفه ، وبيان علله ، والجمع بين الأحاديث المتعارضة ، وتأويل الخفيات ، واستنباط المهمات ، كما عمد المؤلف بعز الأحاديث إلى الكتب التي أخرجتها ، وكذلك بيّن ما وقع في الكتاب من ألفاظ اللغات وأسماء الأصحاب وغيرهم من العلماء والنقلة والرواة مبسوطاً في وقت ومختصراً في وقت بحسب الحاجة والمواطن .
أراد النووي أن يكون هذا الشرح موسوعةً فقهيةً مستوعبةً ، فبدأ بطريقة موسعة جداً ، ولكنه عدل عن ذلك بعد أن سار فيه شوطاً ، فإنه لم يكد ينتهي من كتاب الحيض حتى بلغ الكتاب ثلاث مجلدات ضخمات ، ثم اتبع طريقة متوسطة وبلغ إلى باب الربا من كتاب البيوع ، فاختاره الله تعالى إلى جواره ، ولم يقدر للنووي رحمه الله تعالى أن يتم هذا السفر النفيس ، وقد جاء هذا المقدار من الكتاب في تسعة مجلدات ، وقد قام بإتمامه تقي الدين علي بن الكافي السبكي من بعده ، ولكن وافته المنية أيضاً قبل أن يتمه ، وقد بلغت هذه التكملة أحد عشر مجلداً ، ثم من بعد السبكي أتمه الشيخ نجيب مطيعي رحمة الله عليهم أجمعين .
- روضة الطالبين وعمدة المفتين لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ( ت 676هـ ) : هو اختصار وترتيب وتنقيح لكتاب ” فتح العزيز في شرح الوجيز ” للرافعي ، وتعرف اختصاراً بالروضة ، يعد من الكتب المعتمدة في المذهب ، يقول المؤلف في مقدمة كتابه : ” أرجو أن من حصله أحاط بالمذهب ، وحصل له أكمل الوثوق به ، وأدرك حكم جميع ما يحتاج إليه من المسائل والواقعات ، سلك النووي في اختصاره طريقاً وسطاً بين المبالغة في الاختصار والإيضاح ، فحذف الأدلة في معظمه ، واستوهب جميع فقه الكتاب ، حتى الوجوه الغريبة المنكرة ، اقتصر على الكلام دون المؤاخذات اللفظية ، وضم إلى كثير من التفريعات والمتمات ، كما استدرك في مواضع على الرفاعي .
- منهاج الطالبين لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ( ت 676هـ ) : اختصر فيه كتاب ” المحرر في فروع الشافعية ” للرافعي ، ويعد من الكتب المعتمدة في المذهب ، نبه فيه النووي على قيود بعض المسائل المحذوفة من الأصل ، وأبدل ما كان في المحرر من ألفاظ غريبة أو موهمة خلاف الصواب ، بأوضح وأحضر منه بعبارات جليات ، كما بيّن في جميع الحالات القولين والوجهين والنص ومراتب الخلاف ، فأصبح الكتاب في معنى الشرح للمحرر ، إلا أنه أكثر تحريراً للرأي المعتمد في المذهب ، ومما يدل على أهمية الكتاب أن الفقهاء المتاخرين اهتموا به اهتماماً كبيراً ، فوضعوا حوله تحرير وتقرير وشرح ومختصر .
- الغاية القصوى في دراية الفتوى لقاضي القضاة عبد الله بن عمر البيضاوي ( ت 685هـ ) : وهو أهم كتاب فقهي للبيضاوي ، وهو اختصار لكتاب ” الوسيط ” لأبي حامد الغزالي ، وبذلك يكون كتاب ” الغاية القصوى ” فرع لسلسلة الفقه الشافعي عن طريق ” الوسيط ” ويسميه كثيرون ” مختصر الوسيط ” ، ويمتاز الكتاب بأنه كتاب فقهي مقارن ، يضم ثروة فقهية غزيرة ، ونسق بأسلوب محكم ، وعبارة دقيقة وجمل سليمة ، ولغة فصحى ، واختيار للألفاظ الجميلة ، مع بيان الأقوال الراجحة والآراء المعتمدة في المذهب ، مع الأدلة والتعليل بإيجاز ، مشملاً بالمقارنة بالمذهب الحنفي والمذهب المالكي ، والاعتماد على القواعد الفقهية ، والمناهج الأصولية ، والمناقشة المنطقية الهادئة المتزنة ، والأدب الجم مع أئمة المذاهب .
- كفاية النبيه شرح التنبيه لنجم الدين أحمد بن محمد المعروف بـ ” الرفعة ” ( ت 716هـ ) : هو شرح لكتاب التنبيه للشيرازي ، كتاب كبير يعتبر من الشروحات الطويلة ؛ حيث إنه لم يؤلف مثله تعليقات على التنبيه ، يشتمل على فوائد كثيرة ، وتعليقات نفيسة ، فاق غيره من الشروح .
- الابتهاج في شرح المنهاج لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ( ت 756هـ ) : شرح لكتاب ” منهاج الطالبين ” للنووي ، شرح مبسط ضخم ، يُعرّف المؤلف في أول الكتاب بالمصطلحات الفقهية ، ويذكر كل الأقوال في المسألة ، وإن كان بعضها ضعيفاً أو شاذاً أو غريباً ، كما يكثر من الاستدلال من الكتاب والسنة ، ويُبين وجه الدلالة منها .
- تحفة المحتاج شرح المنهاج لأحمد بن محمد بن علي ابن حجر الهيتمي ( ت 974هـ ) : هو شرح لكتاب ” منهاج الطالبين ” للنووي ، كتاب معتمد في الفتوى عند فقهاء الشافعية المتأخرين ، اعتنى فيه المؤلف ببيان المسائل الفقهية ، معتمداً على الشروح المتداولة ، وبيّن ألفاظ المنهاج ومعانيه وأحكامه ، وتوسع فيها ، فأجاب عما فيه من الإرادات المتطاولة ، مع ذكر الأدلة والخلاف بين أصحاب الشافعي ، والتعليل للأقوال ، مع عزو المقالات والأبحاث لأربابها ، وينبه على الآراء المرجوحة ، ويناقش فقهاء مذهبه ، كما يذكر الأدلة مع بيان صلاحيتها للاحتجاج ، ويناقشها ، ويرد عليها .
- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لشمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب ( ت 977هـ ) : شرح لكتاب ” منهاج الطالبين ” ليحيى بن شرف النووي ، كتاب مهذب الفصول ومحقق الفروع والأصول ، ويعد عمدة الباحيثين والمفتيين وممن يتحرى الصواب ، وضح فيه الخطيب معاني ألفاظ المنهاج ، وأفصح عن مفهومه ومنطوقه ، وأبرز مكنونه ، وأظهر سرائره ، وهو شرح وسط ، خال من الحشو والتطويل ، حاو للدلائل والتعليلات الفقهية المفصلة ، كما بيَّن فيه المؤلف ما عليه المعول من كلام الفقهاء المتأخرين والأصحاب ، وذكر تحريرات وتنبيهات جيدةً ، تبعاً لما يذكره النووي من القول الراجح والمرجوح ، ليكون الكتاب عمدة للمفتي والطالب ، وغيرهما .
- نهاية المحتاج شرح المنهاج لشمس الدين الجمال محمد بن أحمد الرملي ( ت 1004هـ ) : أحد شروحات لكتاب ” منهاج الطالبين ” للنووي ، كتاب معتمد في المذهب عند معظم فقهاء الشافيعة المصريين وغيرهم ، يشرح فيه المسائل التي ذكرت في المنهاج ،ويأتي بالأدلة من الكتاب والسنة ، ويذكر آراء كثير من علماء المذهب الشافعي ، ويرجح بين الأقوال في المذهب ، ويبين أن الراجح في المذهب من الأقوال هو ما نص على رجحانه ، وإلا فما علم تأخره ، وإلا فما فرع عليه وحده ، وإلا فما وافق مذهب مجتهد لتقويه به [2] .
- حاشية البجيرمي على الخطيب لسليمان بن محمد البجيرمي المصري ( ت 1221هـ ) : وهي حاشية في الفقه على مذهب الإمام الشافعي ، علق بها البجيرمي على شرح ” الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ” للخطيب الشربيني ، والشرح بيان للمتن المشهور ” الغاية في الاختصار ” لأبي شجاع أحمد بن الحسن الأصبهاني .
- حاشية الشرقاوي على شرح التحرير للشيخ لعبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي ( ت 1227هـ ) : وهي حاشية في الفقه الشافعي ، كتبها المؤلف على ” شرح التحرير ” لشيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري ، على مختصره نفسه ” تحرير تنقيح اللباب ” .
[1] انظر : تاريخ بغداد 2/56 ، طبقات الشافعية 1/192 ، وفيات الأعيان : 4/163، معجم الأدباء : 17/281 ، حلية الأولياء : 9/63 ، صفوة الصفوة : 2/140 ، طبقات للشيرازي ، ص 71 ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ، ص 200 .
[2] المذهب عند الشافعية لمحمد إبراهيم علي ، ص 44 وما بعدها ، مقدمة المجموع للنووي 1/6 وما بعدها ، البداية والنهاية لابن كثير ، 12/128، 13/111 .