اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف

وداعاً  . . شيخ اللغويين الدكتور/ عبدالغفار هلال ( 1936 –  2020م )
يوليو 11, 2022
48/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة الخامسة )
يوليو 11, 2022
وداعاً  . . شيخ اللغويين الدكتور/ عبدالغفار هلال ( 1936 –  2020م )
يوليو 11, 2022
48/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة الخامسة )
يوليو 11, 2022

رجال من التاريخ :

اللواء الركن / محمود شيت خطاب

قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف

الدكتور غريب جمعة – جمهورية مصر العربية

( الحلقة الأولى )

كنت حديث التخرج في كلية الطب حين ذهبت لزيارة العالم الجليل الدكتور فضيلة الشيخ يوسف الشال سكرتير تحرير مجلة الأزهر ، وقد استقبلني الرجل استقبالاً طيباً ، ثم قال : عندي لك مفاجأة سارة اليوم . قلت : وما هي ؟ قال : هل تعرف اللواء الركن محمود شيت خطاب العراقي الجنسية ؟ قلت : أجل قال : إنه يجلس الآن مع فضيلة رئيس تحرير المجلة في مكتبه بين مجموعة من العلماء ، فهيا بنا لندخل إليهم ، وترددت في أول الأمر – لمعرفتي قدر نفسي بين هؤلاء الأعلام – ولكن الرجل أصرَّ على أن أدخل معه ، وعندما دخلنا صافحنا اللواء محمود وبقية الجالسين وكان الرجل في غاية التواضع المحفوف بالمهابة والوقار وتشعب الحديث إلى شعب كثيرة ، ولعل الرجل لاحظ ما في وجهي من الخجل فالتفت إلى الحاضرين . وقال : إن حضور مثل هذا الشاب بيننا أمر طيب – وإن كان أصغرنا سناً – لأن علينا أن نجتذب الشباب ونرعاهم حتى تتواصل مواكب الخير في أمتنا . والشاب الذي يحضر مثل هذا المجلس يستحق منا التقدير لأن أترابه يفتشون عن مجالس اللهو واللعب وغير ذلك مما تعرفون بحجة أنهم شباب ثم وجه كلامه إلى الدكتور يوسف وقال : أرجو أن تشرفني بالزيارة في مكتبي بمبنى الجامعة العربية على أن يكون معك هذا الشاب . . وتم ذلك والحمد لله .

وحينما أخبره الدكتور يوسف بأن لهذا الشاب ميولاً أدبيةً انفرجت أساريره وقال بابتسامة أبوية : لماذا لا تجعلها ميولاً أدبيةً إسلاميةً بكتابتك عن الإسلام ؟ وأقول لك يا بني : إن لم يعرفك القراء اليوم فسوف يعرفونك غداً ، فسِرْ على بركة الله وهو الذي يتولاك ويرعاك .

وكانت تلك النصيحة الغالية وذلك التوجيه السديد – وقد مضى عليهما ما يقارب أربعين عاماً . هما سبب ما تقرأه اليوم . أخي القارئ لكاتب هذه السطور أسأل الله أن يجزي هذا العالم الجليل عني خير الجزاء .

وقد قصَّ الرجل علينا قصةً هي أغرب من الخيال ( لكن تدبير الله لا يحيطه تصور ولا يحده خيال ) . قال الرجل : ” ذهبت في أحد الأعوام إلى حج بيت الله الحرام مع والدتي وبعد الانتهاء من مناسك الحج توجهنا إلى المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية ، وكنت قد حجزت في أحد الفنادق فترة إقامة لمدة أسبوع وبعد يومين فوجئت باستدعاء عاجل من الحكومة والعودة إلى بغداد فوراً .

وذهبت إلى المسجد النبوي لأداء الصلاة ولكي أسلم على سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل سفري وعند خروجي من المسجد لاحظت حاجاً مصرياً يبدو عليه أثر النعمة وفي وجهة سيما الصالحين يشير إلى شخصي ويقول لزوجته التي ترافقه : هذا هو محمود . . . هذا هو محمود . . وتقدمت نحو الرجل وسألته لماذا يشير إليّ هكذا ؟ فقال   لرجل : وقد غلبه البكاء . أنا تاجر مصري ثري من مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية بمصر جئت وزوجتي لحج بيت الله الحرام ، وقد انتهيت من مناسك الحج وجئت إلى المدينة ولكني فقدت كل ما كان معي من مال ويبدو أنه سرق وليس في جيبي ريال سعودي واحد . وقد دعوت الله في الروضة الشريفة بأدعية كثيرة ليفرج كربتي وقد كان من بين ما دعوت به : اللهم إن كنت تعلم أني خيبت رجاء أحد من عبادك قصدني في حاجته فخيب رجائي فيك يا أرحم الراحمين .

ثم أخذتني سنة من النوم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير إليك بأنك ستحل مشكلتي وتفرج كربتي . فلم أتمالك نفسي من دموع الفرح وقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى    شخصي . . .!! أي شرف هذا الذي خلعه عليّ ذلك النبي الكريم . وسألت الرجل : كم ستمكث بالمدينة المنورة ؟ فقال : خمسة أيام . قلت وأنا قد حجزت مدة أسبوع بفندق كذا وقد مكثت به يومين فقط وسأعود إلى بغداد لذلك يمكنك أن تأخذ مكاني بالفندق . ثم سألته كم يلزمك من المال حتى تعود إلى مصر عودة كريمة ؟ فقال : يلزمني مبلغ كذا . وقمت بحساب ما تبقى معي من النقود فإذا هو المبلغ الذي يريده ولم أعد في حاجة إليه .

ونظراً لأن رفقاء السفر كانوا يستحثونني على العودة إلى الفندق مسرعاً حتى لا يفوتني الباص ، فلم أسأل الرجل عن اسمه ولا عن عنوانه أما بالنسبة لي فكل ما يعرفه عني أن اسمي محمود .

ونسيت الرجل تماماً واعتبرت ذمته بريئةً من المبلغ عن طيب خاطر وسماحة نفس . ودارت الأيام دورتها ومرت عشر سنوات وذهبت لزيارة القاهرة كعادتي . وفي أحد أيام الجمعة ذهبت للصلاة في المسجد الذي سيصلي فيه صديقي الجليل الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر وبعد أن انتهينا من الصلاة وقف فضيلة الإمام الأكبر يدعو إلى التبرع لإنشاء مشروع إسلامي في منطقة محرومة من مثل هذه المشاريع وبدأ الإمام بنفسه فدفع ما أعانه الله عليه وتلوته بدفع كل ما كان معي وقلت : لا بأس سيحملني في سيارته حتى بيتي ثم بعد ذلك على الله التيسير والتدبير .

وما كدت أنتهي من هذا الخاطر إلا ورأيت رجلاً يشق الصفوف بصعوبة بالغة حتى وصل إليّ ثم عانقني بقوة عناقاً طويلاً ، وقال : أين أنت يا أستاذ محمود ؟ قلت : من الرجل ؟ قال : ألا تذكرني . . أنا الذي أكرمتني بشغل مكانك في الفندق ثم بالغت في إكرامي فأقرضتني من المال ما أعانني على العودة الكريمة إلى أهلي وأحبابي .

فسألته مندهشاً وما الذي أتى بك إلى هذا المسجد ؟ قال : إني لي ابنة متزوجة وتعيش في حي مصر الجديدة وقد جئت من بلدنا المحلة الكبرى لزيارتها ولابد من المرور بهذا الشارع لكي أصل إليها ولكن السيارة التي تقلني حصل بها عطل مفاجئ . فقلت للسائق : هيا بنا نصلي الجمعة في هذا المسجد ثم بعد ذلك نبحث عمن يصلح السيارة .

ولولا هذا العطل ما قابلتك . . إنني أبحث عنك منذ عشر سنوات وكلما جئت إلى القاهرة لزيارة ابنتي حملت مبلغك في جيبي ممنيا النفس بلقائك طيلة تلك السنوات العشر واليوم حقق الله رجائي فخذ مبلغك مشكوراً مأجوراً . إن شاء الله . فقد أحسنت . وابتسمت بيني وبين نفسي وقلت : الحمد لله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء . لقد أفرغت جيبي في بيته متوكلاً عليه حق التوكل . فلم يخرجني من بيته . جل جلاله . إلا وقد ملأ جيبي بأكثر وأكثر مما أفرغت منه . ولا عجب فله خزائن السموات والأرض وهو الرزاق ذو القوة المتين .