48/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة الخامسة )

اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
يوليو 11, 2022
اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
أغسطس 28, 2022
اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
يوليو 11, 2022
اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
أغسطس 28, 2022

في مسيرة الحياة :

48/ سنةً

في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي

( الحلقة الخامسة )

بقلم : سعيد الأعظمي الندوي

تعريب : الأخ معصوم علي الندوي

تأسيس المجمع الإسلامي العلمي :

ألف الشيخ الندوي كتاباً خلال هذه الفترة حول القاديانية تعريفاً بدسائسها في العالم العربي ، وسماه ” القادياني والقاديانية ” ، فتلقته يد القبول في الأوساط العلمية والدينية ، ولعب دوراً كبيراً في مقاومة القاديانية ، وإثبات الإيمان بختم النبوة على خاتم الأنبياء على صاحبها ألف ألف تحية وسلام .

ثم التفت إلى فتنة أكبر من أختها ، وردة تغزو العالم الإسلامي بلمعانها ، وكانت هذه الردة تتسرب إلى المثقفين من المسلمين باسم الحضارة الغربية ، وأصبح الناس غافلين عن الشريعة الإسلامية وأسلوب حياتها ، وأصبحوا فريسةً لهذه الحضارة ، فكتب الشيخ الندوي مقالاً بعنوان ” ردة ولا أبا بكر لها ” ، صدرت هذه المقالة في المجلة العربية الشهيرة ” المسلمون ” ونُشرت حلقتها الثانية باسم ” دعوة جديدة ” في نفس المجلة .

وكان لهذا الوضع أثر عميق على الشيخ الندوي ، ونتيجةً لذلك تم تأسيس المجمع الإسلامي العلمي . ونذكر هنا ما كتب الشيخ حول هذه القضية لنكون على بينة من الأمر :

” سافر صديقنا الأستاذ سعيد رمضان – الذي كان يصدر مجلة   ” المسلمون ” بدمشق عام 58 – 1959م – إلى ألمانيا للحصول على شهادة الدكتوراة ، فطلب مني أن أكتب افتتاحيات المجلة أثناء غيبته ، فكتبت الافتتاحيات لعدة شهور ، وكان أول افتتاحية منها بعنوان ” ردة جديدة ” نبهت فيها إلى ردة جديدة تكتسح العالم الإسلامي اليوم ، وهي ردة جاءت مع زحف أوروبا السياسي والحضاري على الشرق الإسلامي ، وإنها أعظم ردة حدثت في التاريخ الإسلامي من عهد النبوة إلى عصرنا  هذا ، إنها ” ديانة ” اللادينية والإلحاد التي أثرت على ما لا يحصى من أفراد الطبقة المثقفة من المسلمين ، ولكن بالعكس من حركات الردة وتياراتها الماضية ، إن من يقع في أسرها وينكر بديهيات الدين وحقائقه لا يذهب إلى معبد أو كنيسة ، ولا يعلن تغييراً لديانته ، ولا ينتبه مجتمعه الإسلامي إلى خطره ، ولا يحسب له حساب ، ولا يعامل بالمقاطعة والفصل من المجتمع كما كان يعامل المرتدون السابقون .

والحقيقة أنه لفت نظري إلى هذه الفكرة ودفعني إلى الاهتمام بها مقال الدكتور رفيع الدين أحمد [1] ، فأخذت هذه الفكرة الأساسية ، وشرحتها وفصلتها في هذا المقال ، وذكرت سر انتشار اللادينية العالمي ، وكشفت النقاب عن أهم مظاهرها ، ثم ركزت على طرق علاجها من دعوة قوية جديدة ، وإيمان راسخ ، والحاجة إلى مؤسسات علمية ، وإعداد المكتبة العصرية الإسلامية ، مع مراعاة العقلية الجديدة ، وصورت الوضع الهائل الخطير الذي يواجه العالم الإسلامي ، وقد نشر هذا المقال في حلقتين بعنوان ” ردة جديدة ” و ” دعوة جديدة ” في مجلة       ” المسلمون ” وهو الذي صدر فيما بعد في رسالة مستقلة بعنوان ” ردة ولا أبا بكر لها ” ، صدرت في مجلات مختلفة ، ومن مؤسسات عديدة في أعداد كبيرة ، ووُزِّعت في منى وعرفات ، ولعل أي مقال أو رسالة للمؤلف لم يصدر في هذا العدد ، وأثر هذا التأثير ، كما صدرت هذه الرسالة وتركت تأثيرها الكبير .

وأحسست بشدة بعد كتابة هذا المقال بضرورة إقامة مجمع علمي لمقاومة هذه الردة العقائدية والحضارية والفوضى الفكرية والخلقية ، يتحمل هذه المسؤولية ويتفرغ لهذا الموضوع ، وأخيراً تأسس هذا المجمع في مايو عام 1959م باسم : ” المجمع الإسلامي العلمي ” بتبرع أحد أصحاب الخير بألف روبية ، ونشر المجمع أول كتاب باسم ” مقالات السيرة ” للدكتور محمد آصف القدوائي ، وقد بلغ عدد منشورات المجمع إلى هذا الحين قرابة مأتين ، ويمكن أن يقال : إنه ليس هناك مؤسسة في شبه القارة الهندية أخرجت في اللغة الإنكليزية على الأقل كتباً علميةً دعويةً بهذا العدد وهذا المستوى العلمي المتقدم حول الدين الإسلامي ، والشريعة الإسلامية ، والعقائد والأركان ، والحديث والسنة ، والسيرة الطيبة ، وحياة الخلفاء الراشدين ، وتاريخ الإصلاح والتجديد ، والتعريف بالأعمال البنائية والخيرية التي تمت على أيدي المسلمين في الهند ، وقد نالت هذه الكتب – بفضل الله تعالى – رواجاً وقبولاً في أوروبا وأمريكا وجنوب إفريقيا والبلدان العربية ، وقد تحقق كل ذلك بمحض التأييد الإلهي وبثروة قليلة وإدارة صغيرة وموظفين قليلين محدودين ، من الصعب أن يتصوره الزائر ويستيقنه ” [2] .

وإن المجمع الإسلامي العلمي لا يزال يواصل سيره في نشر الفكر الإسلامي باللغات الأربع ، وقد بلغت مجموعة مؤلفاته المطبوعة إلى أربع مأة مؤلف ، ويرأسها الآن سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، كما كان الأستاذ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي والأستاذ السيد محمد حمزة الحسني سكرتيراً له ، وكنت عضواً في هذا المجمع إلى مدة لا بأس بها ، كما كان الطبيب محمد اشتياق حسين القريشي قد ساهم في توسعة نطاق المجمع إلى مدة .

قضية الحفاظ على إيمان الجيل الجديد :

بعد عودة الشيخ الندوي من رحلته لبورما ركز عنايته على قضية كانت من أهم القضايا الفاصلة بين الموت والحياة فيما يتعلق بالشعب الإسلامي الهندي بعد استقلال الهند ، وكانت قضية بقاء المسلمين وجيلهم الجديد على العقائد الإسلامية ، والإيمان بالحقائق الدينية ، وشخصيتهم الملية وكيانهم الخاص ، التي كان خطرها وأهميتها الكبيرة بعد قيام الدولة العلمانية ( اللادينية ) في الهند ، فإنه لم يكن من مسئوليات الحكومة أن تنظم التعليم الديني للأطفال المسلمين ، وكان من اللازم – دستورياً وقانونياً – أن تكون هذه المعاملة على قدم المساواة مع جميع الفرق الموجودة في الهند ، ولكن لصلة مسئولي الحكومة بطبقة الأكثرية كان من العسير جداً بطبيعة الحال أن تقف الحكومة موقف المساواة .

ثم إن التجارب المريرة عن المسلمين ، أو الشعور بالمرارة عن ماضي المسلمين وقيام باكستان ، وحركة إحياء الديانة الهندوسية ( Revivalism ) والعقلية الهندوسية لواضعي المناهج والمقررات العلمانيين ، كل ذلك زاد الأمر سوءً وتعقيداً ، وكان من نتيجته أن ظهرت بعد التقسيم فوراً دروس صريحة في الكتب الابتدائية المقررة عن الديانة الهندوكية وفلسفتها ، وقصص شركية خرافية من المثالوجية الهندية ، وبدا للعيان أنه لو استمر الحال على ذلك لكان الجيل الجديد من الملة الإبراهيمية والأمة المحمدية فريسة الجهل بالتوحيد الخالص أو الانحراف عنه ، والتأثر والاعتقاد بالعقائد الشركية والكفر الصريح .

فكانت الحاجة ماسةً إلى إقامة حركة تعليمية يقاوم هذا   الفساد ، وكان القاضي محمد عديل العباسي من أول من أدرك على هذا الخطر في طلاب المدارس الابتدائية لمديريته ، وغلب عليه هذه الفكرة فكان يتقلب على الفراش تقلب السليم ، وعزم على تغيير الوضع وإصلاح المقررات ، والتقى من كبار العلماء في هذا الشأن خاصةً من الشيخ الندوي ، وطلب منه المساعدة على هذا العمل ، ولنترك المجال للشيخ الندوي يعرب عن هذا الخطر :

” وقد تنبه أولاً إلى هذا الخطر بصورة واضحة ملموسة الأستاذ محمد عديل العباسي المعروف بقاضي عديل عضو المجلس التشريعي للولاية الشمالية سابقاً ، وأحد أنصار المؤتمر الوطني الهندي ( Congress ) والعاملين في مجال حركة التحرير والخلافة ، وكان عضواً بارزاً في مديرية بستي ، ورئيساً للجنة التعليم والتربية فيها زمناً غير قصير ، فاستطاع عن طريق هذه الفرص والاتصالات المباشرة ، والاطلاع على المشاريع والمخططات التربوية ، وقلبه الإسلامي الحساس أن يتفطن للخطر الداهم لمستقبل الأجيال المسلمة الصاعدة ، وما يتبع ذلك من صياغة غير إسلامية ، وردة فكرية عقائدية حضارية ، وملك ذلك فكره وقلبه ومشاعره ، ووهب كل طاقاته وصلاحياته العقلية والفكرية لهذه القضية وركزها عليها ، وبقي زمناً غير يسير يعمل في حدود مديريته في مقاومة هذا الخطر وإقامة المدارس والكتاتيب في دأب وصمت ، ولما وضحت لنا هذه القضية بأبعادها ، ألححنا أنا والشيخ محمد منظور النعماني وبعض الأصدقاء الآخرين على القاضي عديل بأن يخرج من هذه الدائرة المحدودة ، ويقوم بالجهد على نطاق الولاية .

واقتنع القاضي بحديثنا ورضي بذلك ، وعقد في 30 – 31/ ديسمبر 1959م ، 1/ يناير 1960م مؤتمراً دينياً للولاية بمدينة بستي ، ودعا إلى المشاركة كبار المثقفين المسلمين ، والمهتمين بالقضايا التعليمية ، والعاملين في المجال القومي والاجتماعي ، ورؤساء المنظمات والمؤسسات الإسلامية ، لا من ولاية أترابرديش فحسب ، لا من خارج هذه الولاية أيضاً ، وقد دعيت لرئاسة هذا المؤتمر الأول ، كما اخترت لرئاسة الهيئة أيضاً ، وكتبت كلمة الرئاسة على عجل في القطار وقد طبعت ونقلت إلى الإنكليزية في لغة رشيقة ، ويحتل هذا المؤتمر وهذا الخطاب مكان معلمة في الطريق ، ولا يمكن أن يغفله أي مؤرخ منصف لقضايا المسلمين الأساسية ، وشخصيتهم التعليمية الحضارية في الهند ، ولعله ليست هناك بعد حادث التقسيم حركة أو حركتان بدأتا كهيئة التعليم الديني على أساس قضية خطيرة ذات أهمية مصيرية كبيرة ” [3] .

وظل الشيخ الندوي رئيس الهيئة طول حياته ، فتعقد جلساتها على مستوى الولاية ، ويحضرها نخبة من العلماء والمثقفين ، وقد كانت للمحامي ظفر أحمد الصديقي والأستاذ محمود الحسن والطبيب محمد اشتياق حسين القريشي والدكتور نفيس أحمد جهود مشكورة في توسعة نطاق هذه الهيئة ، وبعد وفاة الشيخ الندوي انتخب سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رئيساً للهيئة ، كما انتخبت أنا نائب الرئيس للهيئة ، ولا تزال الهيئة تعمل عملها في مجال التعليم الإسلامي والديني ، ندعو الله لها الاستمرارية .

ويتقلد الآن مسئولية الأمانة العامة للهيئة الدكتور مسعود الحسن العثماني ، وهو الذي أصدر عدة مؤلفات حول تاريخ الهيئة باللغة الأردية باسم : تكبير مسلسل ( مجموعة خطب الإمام الندوي للهيئة ) وتحرير بى عديل ( تاريخ مسهب للهيئة ) ومجموعة خطب العلماء والمثقفين الذين رأسوا حفلات الهيئة .

[1] رئيس مجمع إقبال في كراتشي ، ومن كبار رجال التربية في العالم الإسلامي .

[2] في مسيرة الحياة ، ج 1/271 .

[3] في مسيرة الحياة ، ج 1/274 .