الواقع العِلمي بين عوامل النهضة وأسباب الركود
أكتوبر 12, 2021دقة القرآن وروعته في اختيار مفرداته
أكتوبر 12, 2021دراسات وأبحاث :
القيم التربوية في الأعمال النّثرية والشعرية لأدب الأطفال
( الحلقة الأولى )
السيّدة / تبسّم محي الدين *
الأدب عمل من أعمال العقل الإنساني ، وفن من فنون الكلام ، وهو كلام يؤثر عن الشعراء والخطباء والكتاب وأمثالهم متضمناً لأخيلة دقيقة ومعان رقيقة مما يهذب النفس ويرقق اللسان . وهو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطفه وأفكاره وخواطره بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى الشعر المنظوم فإلى الشعر الموزون ، ذلك لكي تنفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبّر عنه بأسلوب آخر .
وللأدب وظائف متعددة من جهة تأثيره ، مثل :
(1) الوظيفة النفسية (2) الوظيفة الاجتماعية (3) الوظيفة التاريخية (4) والوظيفة الحضارية
من أهم هذه الوظائف ” الوظيفة النفسية ” التي تظهر من خلال قدرة هذا الأدب على ضبط انفعالات الطفل ومشاعره وتوجيهها من خلال تقديم الصورة الإيجابية والمثالية التي يتأثر بها الطفل . وهذه الوظيفة تساهم الأطفال في تنمية مداركهم وإطلاق مواهبهم الفطرية وقدراتهم المختلفة وفق الأصول التربوية . وتساعدهم على تكوين الأخلاق الحميدة . وتهدف إلى تعويد الطفل على عادات طيبة وتنفيره من العادات السيئة . وتساهم في تحبيب العلم إلى نفوس الأطفال ، واكتشاف المواهب العلمية لديهم من خلال القصص العلمية وقصص العلماء والباحثين .
- معنى القيم : هي المبدأ أو المستوى ، أو الخاصية التي تعتبر ثمينةً أو مرغوباً فيها ، والتي تساعدنا على تحديد ما إذا كانت الموضوعات جيدةً أم رديئةً .
- معنى التربية لغةً : ربا الشيئ يربو؛ أي زاد . والرابية : الربو وهو ما ارتفع من الأرض . ورَبَوت الرابي علوتها . والرَبو: النفس العالي . وربوتُ في بني فلان وربيت : أي نشأت فيهم . وربيته تربيةً وتَرَبّيته أي غذوته ؛ هذا لكل ما ينمي كالولد والزراع وغيره .
- اصطلاحاً : للتربية معانٍ وتعريفات كثيرة اصطلاحياً ، تختلف باختلاف نسبة التربية . وهي تنشئة الإنسان شيئاً فشيئاً في جميع جوانبه ابتغاء سعادة الحياة .
تحتل الأجناس الأدبية النثرية مكانةً بارزةً في أدب الأطفال مثل القصة والمسرحية والرواية . ولا بدّ من توافر بعض الخصائص في هذه الأجناس لكي تصل إلى مستوى الأطفال .
(1) القصة : يميل الطفل إلى القصة بفطرته . فهي أسلوب ناجح يحقق الكثير من الأغراض التعليمية والتربوية . وذلك لأنّها من أحب البرامج وأكثرها استواء للطفل وإمتاعاً له . فمنذ الطفولة يقبل الطفل على فهم القصة ويحرص على سماعها . فالقصة هي من أكثر الأبواب قرباً للطفل . وتشجع الطفل على التفكير وتحفزه على المعرفة . فعن طريق القصة يعرف الطفل الخير والشر ، وينجذب إلى الخير وينأى عن الشر . والقصة تزود الطفل بالمعلومات وتعرّفه الصحيح من الخطأ . وتكون القصة وسيلةً ناجحةً للتربيةً .
تنقسم القصة إلى الأقسام التالية :
- القصص الخيالية : هي نوع من القصص تُعزى إلى عصور سابقة وتدور حول الحيوانات أو الطيور أو المخلوقات الغريبة أو عالم الجنّ أو السحر ،حيث يقوم البطل فيها بخوارق العادات ، ويهدف لتكوين القيم الرفيعة .
- القصص الدينية : هي نوع من القصص تتناول موضوعات دينيةً كالعبادات والعقايد ، وسير الأنبياء والرسل ، وقصص القرآن الكريم ، والكتب السماوية .
- قصص المغامرات : هي نوع من القصص تعرف بالقصص البوليسية . وهي تدورحول جريمة ارتكبها شخص أو أكثر . وهو أدب أبطاله عادة من الأطفال ، يساعدون رجال الشرطة ويسعى أبطاله إلى الكشف عن الجناة عن طريق سلسلة من الأحداث التي تحل بها عقدة القصة . وهي حكايات تتضمن قيماً تربويةً ، وتزداد نمو عقل الطفل ومهاراته في المجالات المختلفة .
- القصص العلمية : هي نوع من القصص تدور حول حدث علمي أو اكتشاف أو اختراع وقع في عصر من العصور . وتعتمد على صياغة بعض الحقائق العلمية في تفسير الكون والظواهر في فن سرد القصة .
- القصص التاريخية : هي نوع من القصص تعتمد على الأحداث والشخصيات التاريخية والمواقع الحربية والغزوات . وتلعب دوراً هاماً في تنمية الوعي القومي والانتماء للوطن لدى الطفل .
- القصص الاجتماعية : هي نوع من القصص تتناول الأسرة والروابط الأسرية والعلاقة بين الأب والأم والأبناء والإخوة والجيران .
والقصة تزرع القيم الأخلاقية الحسنة في نفس الطفل وشخصيته وتسعى إلى تقويم سلوك الطفل وإرشاده إلى القيم العليا كالعدل واحترام الآخرين والصدق ومساعدة المحتاج ، ومن الكتّاب الذين طرحوا القيم التربوية في قصصهم الكاتب العربي الشهير عيسى الجراجرة في قصته الشهيرة ” يزن وسر الخراف الباكية ” من سلسلة منشورات وزارة الثقافة الأردنية عام 1988م . وهذه القصة حملت في مضمونها ما ينمي ثقافة الطفل من خلال تعريفه بالبيئة المحيطة به ، ومشاهد الطبيعة الخلابة ، وتزرع هذه القصة حب الاستشارة . وتتناول قصة الكاتب الأردني يوسف الغزو ” حينما يبتسم الأطفال ” ظاهرة اجتماعية سلبية . ومن خلال هذه الظاهرة في المجتمع يحاول الكاتب توجيه النقاد لبعض الظروف التي تدفع الطفل إلى الإقبال على التجارة والعمل في الشوارع . فقد أصبحت هذه ظاهرةً عاديةً مألوفةً يمكن ملاحظتها في كل مكان .
هكذا يحتوي ” قصص النبيين ” للسيد أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى على حكايات وقصص دينية مقتبسة من الكتب الدينية الإسلامية والتاريخية . وتشتمل ” قصص النبيين ” على خمسة أجزاء . وكل جزء يتمركز حول حياة نبي من الأنبياء والرسل . بدأ المؤلف من سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى وصل الذكر إلى حياة نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي هذه المجموعة اتبع المؤلف أسلوباً قائماً على العقلانية . فهو يذكر حادثةً وأثرها الإيجابي أو السلبي على من مر بالحادثة . مثلاً هو يكتب في قصة سماها ” من ربي ” :
” وذات ليلة رأى إبراهيم كوكباً ، فقال هذا ربي ولما غاب الكوكب ، قال إبراهيم : لا هذا ليس بربي ، ورأى إبراهيم القمر فقال : هذا ربي . ولما غاب القمر ، قال إبراهيم : لا هذا ليس بربي ! وطلعت الشمس ، فقال إبراهيم : هذا ربي أكبر . ولما غابت الشمس في الليل ، قال إبراهيم : لا ! هذا ليس بربي . إنّ الله حيّ لا يموت . إنّ الله باق لا يغيب . إنّ الله قوي لا يغلبه شيئ . والكوكب ضعيف تغلبه الشمس . والشمس ضعيفة يغلبها الليل ويغلبها الغيم . ولا ينصرني الكوكب لأنه ضعيف . ولا تنصرني الشمس لأنّها ضعيفة . وينصرني الله . لأنّ الله حيّ لا يموت . وباق لا يغيب . وقوي لا يغلبه شيئ ” .
هذه القصة تساعد القارئ الصغير في فهم الأشياء المختلفة ومزاياها وتحليلها ، كي يصل القارئ الصغير إلى نتيجة . وتأتي لها بأوصاف متنوعة . وقد تناول مخرّج سنيمائ سوري محمد ملص في سلسلة قصصه الإسلامية ، مجموعة من القيم التربوية ، ومنها قيمة الرفق بالحيوان في قصته ” رجل وحصان ” . فالكاتب يثمن العناية بالحيوان ، والرفق به .
فأدب الأطفال يدفع الأطفال إلى العمل ويساعدهم على تكوين الأخلاق الحميدة ، والسلوك القويم المقبول عند المجتمع . وهذا الأدب يغرس العاطفة الوطنية في نفوس الأطفال بسرد تاريخ الوطن في حكايات وكتابة بطولات رجاله السابقين وتمجيد حضارته في القصص .
( للمقال صلة )
* الباحثة في الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا ، اونتي بورة ، بلوامة ، ولاية كشمير ، الهند . alienabhat77@gmail.com