دقة القرآن وروعته في اختيار مفرداته

القيم التربوية في الأعمال النّثرية والشعرية لأدب الأطفال ( الحلقة الأولى )
أكتوبر 12, 2021
فلسفة الذاتية ومعرفة الذات في شعر إقبال
أكتوبر 12, 2021
القيم التربوية في الأعمال النّثرية والشعرية لأدب الأطفال ( الحلقة الأولى )
أكتوبر 12, 2021
فلسفة الذاتية ومعرفة الذات في شعر إقبال
أكتوبر 12, 2021

دراسات وأبحاث :

دقة القرآن وروعته في اختيار مفرداته

الأخ عبد الرشيد الوافي *

القرآن كلام رب العالمين ، ومعجزة نبيه الكبرى ، وهو أعظم وأكبر من أن يحاط به ، ولو اطلعنا على سورة أو آية منه لازددنا يقيناً بأن ما نعلمه فيه إن هو إلا حسوة طائر من بحر لا يدرك قعره ، أو نظرة حائر في فضاء لا حدود له .

ولا يعنيني هنا أن أكتب عن فضائل القرآن وأهميته ومكانته ، لأن كل ذلك معروف لدى الكبار والصغار ، بل نستفيض في الحديث عن بعض مفردات القرآن وأهميتها وقيمتها وملائمتها في السياق ، إن مفردات القرآن تحمل في طيها معاني عظيمةً ومغازي فريدةً ، وذلك أن الكلمة هي الأصل الذي يستفاد منه المعنى ، فإذا وضعنا كلمةً في مكان لا بد من أن تكون فيه فقد أصبنا المعنى كله .

ومما سبق يمكننا القول إن روعة القرآن في اختيار مفرداته من أسرار إعجازه التي لا تنفد ، لذلك نجد كل كلمة في القرآن لا يصلح غيرها في موضعها ، ولو بحثنا عن كلمة أخرى لتؤدي معناها في مكانها لا نجدها ، لأن معناها في هذا الموضع أمر يقتضيه السياق والحال .

وقال الإمام المفسر ابن عطية الأندلسي قي مقدمة تفسيره ( المحرر الوجيز ) : ” ووجه إعجاز القرآن أن الله قد أحاط بكل شيئ علماً ، وأحاط بالكلام كله علماً ، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره ، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ، ومعلوم ضرورة أن بشراً لم يكن قط محيطاً ، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة ، وبهذا النظر يبطل قول من قال : إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه ، والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أي إنسان من المخلوقين ، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ، ثم لا يزال ينقحها حولاً كاملاً ، ثم تعطى لآخر نظيره ، فيأخذها بقريحة جامة ، فيبدل فيها وينقح ، ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل ، كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد ، ونحن تبين لنا البراعة في أكثره ، ويخفى علينا وجهها في مواضع ، لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وميزة الكلام ” ( 1/52 ) .

وقال الإمام الراغب الأصفهاني في مقدمة كتابه الفذ ( مفردات ألفاظ القرآن ) : ” فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم ” ( ص : 3 ) .

قبل أن نخوض في مفردات القرآن نتحدث عن اهتمام القدماء بالألفاظ اللائقة في أشعارهم كي نتفهم مكانتها لدى العرب .

إن الأدباء والشعراء العرب قد عدّوا الخطأ في اختيار الكلمات عيباً يذم به ، فها هو النابغة الذبياني ينكر على حسان بن ثابت – رضي الله عنه – عدم مراعاته لاختيار الألفاظ التي تلائم السياق وتوافق المقام ، حين أنشد مادحاً قومه :

لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى  وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

فقال له النابغة منكراً : يا ابن أخي ! لقد أقللت جفانك وأسيافك ، لم تقول هكذا ؟ قلت : ( لنا الجفنات ) ، ولو قلت : ( الجفان ) ، لكان أكثر لأن ( الجفنات ) جمع قلة ، و ( الجفان ) جمع كثرة ، وقلت :      ( يلمعن في الضحى ) ، ولو قلت : ( يسطعن في الدجى ) لكان أبلغ  لأن الضيف أكثر ما يكون ليلاً ، وقلت : ( يقطرن ) ، ولو قلت : ( يجرين ) ، لكان أولى .

ومما سبق يبدو لنا أن الشعراء والنقاد اعتنوا بالمفردات في أشعارهم وأعمالهم اعتناءً بالغاً لا يمكن إغفاله ، وإذا كان الأمر على هذه الروعة والبيان عند العرب فلا بد من الإشارة إلى أن القرآن أشد عنايةً بالمفردات وأكثر اهتماماً بها ، إذ إنه أعظم فصاحةً وبلاغةً ، وقد تحداهم أن يأتوا بمثله أو بمثل آية منه ، فعجزوا بل إنهم اعترفوا ببلاغته ، وخروا لفصاحته ، وقال قائلهم : إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه ، وما هو بقول بشر .

والأمثلة التي تبين مدى دقة التعبير وبلاغة التركيب وبراعة النظم للقرآن في اختيار مفرداته كثيرة ، ونجتزئ منها الكلمات الآتية من        ( ضيزى ) و ( حطّم ) و ( فعل – عمل ) و ( الجهاد – القتال ) و ( المطر – الغيث ) و( الريح – الرياح ) .

ضِيزَىٰ :

إن كلمة ( ضيزى ) لم ترد في القرآن إلا مرةً واحدةً ، ومن جذرها الثلاثي أيضاً لم تأت إلا هذه الكلمة ، وهي من أغرب الكلمات القرآنية ، لكن دقتها في السياق الذي وردت فيه مدهشة ، قال تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ ) ، ( وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ ) ، ( أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ ) ، ( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) .

ما معنى كلمة ( ضِيزَىٰ ) في الآية . . . ؟ وما دقتها في السياق الذي وردت فيه . . . ؟ معناها جائرة أو ظالمة ، أي قسمتم أيها المشركون قسمة جائرة ظالمة ، لأنكم جعلتم لكم الذكور وجعلتم لله البنات .

أما جذرها الثلاثي فهو ضيز ، وقد ورد في المعجم الوسيط : ضاز يضيز ضيزاً ، أي اعوج وجار ، ويقال : ضاز فلاناً حقه إذا ظلمه ، والقسمة الضيزى هي الجائرة .

وقال الراغب الأصفهاني في ( مفردات ألفاظ القرآن ) : ” قوله تعالى : تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ  ، أي ناقصة ، أصل ضيزى فُعلى ، فكسرت الضاد لتناسب الياء بعدها ” . ( ص : 513 ) .

علمنا أن ضيزى بمعنى جائرة أو ظالمة ، فلماذا اختار القرآن هذه اللفظة الغريبة . . . ؟ ولِمَاذا لَمْ يذكر ما يقاربها وهو جائرة أو ظالمة ؟ ولماذا لم يقل تلك إذن قسمة جائرة أو قسمة ظالمة ؟

علّل الأديب ابن الأثير في ( المثل السائر ) الأمر تعليلاً بيانياً مقنعاً ، ولاحظ فيه عناية القرآن بفواصل الآيات ، لأن فواصل الآيات بالألف المقصورة ، فالفواصل قبل ( ضِيزَىٰ ) هي العزى والأخرى والأنثى ، والفواصل بعدها الهدى ، وتمنى والأولى ، فأتى القرآن بكلمة ( ضِيزَىٰ ) معتبراً بهذه الفواصل ، ولو وردت الآية بلفظ آخر مثل ( تلك إذن قسمة ظالمة ) لاختل الإيقاع ونظام الفواصل . ( 1/229 ) .

وهذا التعليل جميل ومقبول ، ولكن ابن الأثير أرجع الحسن إلى شيئ لفظي محض ، وهو مراعاة التقارب في مقاطع الفواصل ليتم لها الائتلاف والانسجام الإيقاعي .

ولكن الأديب مصطفى صادق الرافعي نظر إليها نظرةً عميقةً شاملةً ، فأضاف إلى تعليل ابن الأثير اللفظي تعليلاً آخر ، عبّر فيه عن ائتلاف اللفظ مع المعنى وتناسبه للسياق .

أوضح الرافعي رحمه الله في كتابه ( إعجاز القرآن ) أن الآية      ( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) في سياق الإنكار على العرب المشركين ، وكان الكلام قبلها عن قسمة المشركين الأولاد ، حيث جعلوا الملائكة بنات كما جعلوا البنات لله ، وخصّوا أنفسهم بالذكور ، وهذه القسمة غريبة جداً ، فأنكر الله عليهم بقوله تعالى : ( أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ ) ( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) .

وأردف الرافعي مبيناً أن غرابة لفظ ( ضِيزَىٰ ) مناسبة لغرابة القسمة الجائرة التي أنكرها السياق . ( ص : 261 ) .

ومجمل القول أن كلام الرافعي يخلص إلى أن لفظ ضيزى بإيقاعه وجرسه ومعناه الغريب ، واجتماع حروفه يصور إنكار القسمة الظالمة الغريبة التي جعل المشركون فيها البنات لله والذكور لهم ، والسياق الذي ورد فيه لفظ ضيزى محل غرابة موضوعية وإنكار معنوي فناسب له هذا الإتيان بلفظ غريب في معناه وفي إيقاعه وجرس حروفه ، وهذه دقة معجزة في اختيار لفظ ضيزى وإيثاره على أي لفظ آخر .

حطّم :

انظروا إلى كلمة ( حطّم ) ، أتى الله بها في كتابه عندما ذكر قصة سليمان عليه السلام مع النمل ، يقول جل شأنه : ( حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِى ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ” ( النمل : 18 ) .

تأملوا كلمة ( حطّم ) ومعناها ، يقول الأديب اللغوي ابن منظور في معجمه ( لسان العرب ) : ” الحطم : الكسر في أي وجه كان ، وقيل : هو كسر الشيئ اليابس خاصة كالعظم ونحوه ، حطمه يحطمه حطماً أي كسره وحطمه فانحطم وتحطم ” . ( 4/157 ) .

النمل حيوان صغير ، ما هو هيكله الجسمي . . . ؟ وهل يصح أن نقول : ” تكسّر النمل . . . ؟ ” هل هو شيئ يابس . . . ؟

والحق أنه حيوان له هيكل عظمي ، حين نزل القرآن لم يكن لأحد قدرة على دراسة تركيب جسم النملة أو معرفة بأي معلومات عنه ، ولكن بعد دراسات كثيرة حديثة انتهى العلماء إلى أن للنمل هيكلاً عظمياً صلباً جداً ، فإذا تعرض لأي ضغط فإنه يتحطم ، والواقع أننا لو وضعنا كلمة أخرى مكان ( حطّم ) لكانت هي كلمة حلت في غير محلها ، سبحان ربنا عما يتقولون .

فعل – عمل :

انظروا إلى منهج القرآن في استخدام الفعلين ( فعل – عمل ) ، مع أنهما شديدا التقارب ، إلا أن القرآن يستخدمهما استخداماً عجيباً ويستعملهما استعمالاً بديعاً ، فـكلمة ( عمل ) في القرآن تأتي لما يمتد زمانه ، كما أنها لم تسند إلى الله تعالى أو إلى اسم من أسمائه ؛ وذلك لأنها تحتاج إلى تفكر وتعمل ، وسبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيئ ، ولا يلتبس عليه أمر من الأمور .

ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى : ( مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا ) ( غافر : 40 ) ، وقوله سبحانه : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ) ( آل عمران : 30 ) ، وقوله عز وجل : ( وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً )       ( الكهف : 49 ) .

أما مادة ( فعل ) فإنها تكون لما يقع دفعةً واحدةً ، ولا يحتاج إلى إعمال فكر ، ولهذا أسندت إلى الله عز وجل في كثير من استعمالاتها في القرآن ، خذ مثلاً قوله تعالى : ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ) ( إبراهيم : 45 ) ، وقوله : ( وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) ( البقرة : 253 ) .

الجهاد والقتال :

انظروا إلى لفظي ( الجهاد ) و ( القتال ) في القرآن ، تجدوا ما يملؤكم عجباً ودهشةً ، فـالجهاد والقتال وإن ترادفا في المعنى إلا أن القرآن يفرّق بينهما ، فالجهاد أوسع من القتال ، وهو يصدق على نشاطات الدعوة كلها ، كما يشمل كل عمل يؤديه المؤمن ، من شأنه إعلاء دين الله ، فيجاهد نفسه وأهله لينأى بهم عن النار ، أما القتال فهو أخص من الجهاد ، ولا يستعمل إلا مع الذين يقاتلون المسلمين ، ونجده مشروطاً بعدم الاعتداء والتجاوز .

خذ من آيات الجهاد قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) ( التحريم : 9 ) ، وقوله تعالى : ( يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ) ( المائدة : 54 ) ، وقوله جل شأنه : ( فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً ) ( الفرقان : 52 ) ، فسمّى الدعوة إلى الله جهاداً لما فيها من تحمل الجهد والمشقة .

واقرأ من آيات القتال قوله تعالى : ( يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) ( التوبة : 111 ) ، وقوله جل شأنه : ( وَمَن يُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ ) ( النساء : 74 ) ، وقوله تعالى  : ( وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ ) ( البقرة : 190 ) ، فعرفنا الفرق الدقيق بين هاتين الكلمتين .

المطر والغيث :

ثم انتبهوا إلى حديث القرآن عن المطر والغيث ، تجدوا فرقاً دقيقاً في استعمالهما ، فقد فرّق القرآن بينهما ، فلفظ الغيث لا يذكر في القرآن إلا في مواطن الرحمة والنعمة ، ويأتي مقروناً بالخير الوفير ، خذ قوله تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ ) ( لقمان : 34 ) ، وقوله تعالى : ( وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ) ( الشورى : 28 ) ، وقوله تعالى : ( ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ ) ( يوسف : 49 ) ، على حين لا يذكر لفظ المطر ومشتقاته في القرآن العظيم إلا في مقام العذاب والعقاب ، قال سبحانه : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ )  ( الأعراف : 84 ) ، وقال تعالى : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ )     ( هود : 82 ) ، وقوله تعالى : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ )          ( الشعراء : 173 ) .

الريح والرياح :

كذلك ميّز القرآن العظيم بين الريح والرياح ، فالريح في الغالب تأتي في مواطن العذاب والعقاب ، بينما الرياح على العكس من ذلك ، فإنها تأتي في مواطن الخير والنماء ، وذلك أن الريح تأتي من جهة واحدة فتكون مدمرةً ، أما الرياح فتأتي من جهات عدة مما يحدث التوازن والاستقرار ، خذ مثلاً قوله تعالى : ( وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ )     ( الذاريات : 41 ) ، وقوله تعالى : ( وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ )         ( الحاقة : 6 ) .

وفي الرياح قال سبحانه : ( وَهُوَ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ   رَحْمَتِهِ ) ( الأعراف : 57 ) ، وقوله تعالى : ( وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً ) ( الحجر : 22 ) .

نهايةً ، إن القرآن يمتلك ثروةً هائلةً من المفردات العجيبة وتم وضعها في محلها المحدد حيث لا يصلح غيرها في مكانها ، ولا عجب . . . فعليه عمدة البلغاء والفقهاء ، وإليه مفر الشعراء والبلغاء ، وتعالى الله العظيم عما يقولون علواً كبيراً ، والحمد لله رب العالمين .

( هذه الأمثلة كنموذج فقط ، وحدث عن البحر ولا حرج . )

* باحث دكتوراه ، جامعة كاليكوت ، كيرالا ، الهند .