العدالة الاجتماعية في الإسلام وواقعها المعاش

الدعوة الإسلامية : القرآن الكريم : تعريفه ، أوصافه ، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن بقلم الدكتور/ غريب جمعة
سبتمبر 14, 2020
الدعوة الإسلامية في الجزائر مع عناية خاصة بجهود الشيخ عبد اللطيف سلطاني
سبتمبر 15, 2020
الدعوة الإسلامية : القرآن الكريم : تعريفه ، أوصافه ، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن بقلم الدكتور/ غريب جمعة
سبتمبر 14, 2020
الدعوة الإسلامية في الجزائر مع عناية خاصة بجهود الشيخ عبد اللطيف سلطاني
سبتمبر 15, 2020

العدالة الاجتماعية في الإسلام وواقعها المعاش

بقلم : البروفيسور مشير حسين الصديقي *

الإسلام دستور كامل للحياة . إنه دين يغطي حياة الإنسان بأكملها ، ويرشد بتشريعاته في كل مرحلة من مراحلها ، فهو قانون يحكم  في كل جانب من جوانب الحياة ، سواء كان دينياً أو فكرياً أو خلقياً أو عملياً أو غير ذلك .

فإن الناس الذين يشكلون مجتمعاً بشكل جماعي ، هم إما أب أو أم ، وهما متساويان ، يقول الله سبحانه وتعالى : ” يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” ( الحجرات : 13 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس ! إن ربكم واحد ، ألا ، لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا  بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ( البيهقي في شعب الإيمان : 5137 ) .

العدل بين الناس من المبادئ الأساسية التي أعلى الإسلام من شأنها ، على هذا النحو جميع الناس متساوون بالولادة . لا يوجد فرق بين صغير وكبير ، ولا بين ذكر وأنثى . فالناس من جميع الألوان والقبائل والأعراق متساوون في المكانة والحقوق . لا يمكن أن يكون هناك أي تمييز بينهم بالنظر إلى اللون أو العرق أو البلد أو اللغة . شيئ واحد فقط يمكن أن يستخدم للتمييز بينهم ، وهو الإسلام . . . هناك مجموعة تؤمن بالله ، وجماعة أخرى لا تؤمن به . تسمى الأولى بالمجتمع الإسلامي ، وتعرف الثانية باسم المجتمع غير الإسلامي أو الكافر . وهكذا على أساس الإيمان والدين نشأ مجتمعان دائمان . من الطبيعي أن يكون للإسلام أوامر منفصلة لكل منهم . فما يتعلق بمجتمع غير المسلمين ، فإن جوهر التعاليم الإنسانية هو أن يعامل الناس بطريقة معتادة ، وقال سيد قطب رحمه الله : الأسس التي أقام الإسلام عليها العدالة الاجتماعية هي على ما يأتي :

” (1) التحرر الوجداني المطلق : هو أن يكون وجدان الإنسان بعيداً عن عبادة غير الله تعالى ، والخضوع أمامه ، لم يتأثر بشعور الخوف على الحياة ، أو الخوف على الرزق ، أو الخوف على المكانة .

(2) المساواة الإنسانية الكاملة : هي أن كل الناس من آدم ، وآدم خلق من تراب ، وقد برئ الإسلام من العصبية القبلية والعنصرية ، إلى براءته من عصبية النسب والأسرة . فبلغ بذلك مستوى لم تصل إليه الحضارة الغربية إلى يومنا هذا . فإن للجنس البشري كله كرامته التي لا يجوز أن تستذل ، قال الله تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ( الإسراء : 70 ) .

(3) التكافل الاجتماعي : هو المسئولية الجماعية ، التي تشمل الفرد والجماعة بتكاليفها ، هذا ما ندعوه بالتكافل الاجتماعي ” ( العدالة الاجتماعية في الإسلام : 53 ) .

إن الله خالق السماوات والأرض ، وهو الرب ، وهو الملك ، فليس هو لليهود والمسيحيين أو المسلمين فقط ، بل هو رب كل الخلائق والكون . إنه خالق البشرية جمعاء . وعلى هذا فإن نبيه الأخير صلى الله عليه وسلم هو رحمة للعالمين . يمكن تعريف العدالة الاجتماعية في الإسلام بسهولة وباختصار في ضوء القرآن الكريم ، فقد ذكر القرآن الكريم : ” إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ( النحل : 90 – 91 ) .

يُعد العدل من القيم الإنسانية الأساسية التي جاء بها الإسلام ، وجعلها من مقومات الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية ، حتى جعل القرآن الكريم إقامة القسط – أي العدل – بين الناس ، وهو هدف الرسالات السماوية كلها ، فقال تعالى : ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ” ( الحديد : 25 ) ، وليس ثمة تنويه بقيمة القسط أعظم من أن يكون هو المقصود الأول من إرسال الله تعالى رسله ، وإنزاله كتبه ، فبالعدل أنزلت الكتب ، وبعثت الرسل ، وبالعدل قامت السموات والأرض .

وفي تقرير واضح لإحقاق العدل وتطبيقه يجب العدل ولو كنا مبغضين لمن نحكم فيهم ، يقول الله تعالى : ” يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ ” ( النساء : 135 ) ويقول أيضاً : ” يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” ( المائدة : 8 ) أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدل في كل مكان ، ومع كل شخص ، صديقاً أو عدواً .

فالعدل في الإسلام لا يتأثر بحب أو بغض ، فلا يفرق بين حسب ونسب ، ولا بين جاه ومال ، كما لا يفرق بين مسلم وغير مسلم ، بل يتمتع به جميع المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين ، مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودة أو شنآن ، وحب وعداوة .

ومن المواقف التي تدل على ما سبق قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه مع المرأة المخزومية ، فلما حاول أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن يتوسط لأمرأة من قبيلة بني مخزوم ذات نسب ، كي لا تقطع يدها في جريمة سرقة ، ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن غضب غضباً شديداً ، ثم خطب خطبةً بليغةً أوضح فيها منهج الإسلام وعدله ، وكيف أنه سوّى بين كل أفراد المجتمع رؤساء ومرؤسين ، فكان مما قاله في هذه الخطبة : ” إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” .

وقد أرسل الله تعالى النبي محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً لجميع الكائنات المخلوقة . ( ليس فقط للمسلمين ) ، قال الله تعالى :       ” وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” ( الأنبياء : 107 ) .

وبقدر ما أمر الإسلام بالعدل وحث عليه ، حرّم الظلم أشدّ التحريم ، وقاومه أشد المقاومة ، سواءً كان ظلم النفس أم ظلم    الآخرين ، وبخاصة ظلم الحكام للمحكومين ، وكلما اشتد ضعف الإنسان كان ظلمه أشد إثماً ، في الحديث القدسي : ” يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا ” ( رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ” واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب ( البخاري ومسلم ) . وقال : ” ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ” ( صحيح ، رواه الطبراني عن خزيمة بن ثابت ) .

وهكذا هو العدل . . . ميزان السماء في مجتمع الإسلام .

هناك أربعة مصادر للشريعة الإسلامية ، فالمصدران الرئيسان حيث تم استخلاص الشريعة الإسلامية منهما هما القرآن والحديث ، والمصدران الآخران هما القياس والإجماع . فإن المصدرين الأولين قد صرّحا تصريحاً عاماً بحاجة العدل وشناعة الظلم . كما ثبتت فضيلة العدل وتحريم الظلم من الإجماع والقياس .

وقد قام الخلفاء الراشدون بتوجيه الكثير من الأمثلة لتوفير العدالة الاجتماعية للناس . لقد قدموا العدالة للجميع ، دون تمييز في عنصر وعقيدة أو دين . كما ورد في كلمة الخليفة الأول أبي بكر رضى الله عنه للناس : أطيعوني إذا كنت على حق ؛ وأصلحوني إذا كنت على خطأ ” . قال  سيدنا عمر رضى الله عنه : ” في الإسلام لا يمكن حبس أحد دون مراعاة العدالة ” .

ومن مظاهر العدل الصحيح أن جبلة بن أيهم أسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في القدوم  عليه ، ثم قدم إلى المدينة ، ولما دخل على عمر رضي الله عنه رحب به وأدنى مجلسه ! ثم خرج في موسم الحج مع عمر رضي الله عنه فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة ، فالتفت إليه جبلة مغضباً فلطمه فهشم أنفه فغضب الفزاري واشتكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه ! فقال : إنه وطئ إزاري ، ولولا حرمة البيت لضربت عنقه . فقال له عمر رضي الله عنه : أما الآن فقد أقررت فإما أن ترضيه وإلا اقتص منك بلطمك على وجهك . قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر رضي الله عنه : يا جبلة ! إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه ، فما تفضله بشيئ إلا التقوى . قال جبلة : إذن أتنصر . . . قال عمر رضي الله عنه : من بدل دينه فاقتلوه . وحدثت منازعة بين بني جبلة وبني فزارة كادت تؤدي إلى حرب دامية وبعدها أجلت الحرب إلى غد وحينها لما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة وسار إلى القسطنطينية فتنصر ، ثم ما زال على نصرانيته حتى مات ، ويذكر أصحاب السير على أنه ندم على تنصّره .

هناك العديد من الأمثلة على العدالة الاجتماعية في التاريخ الإسلامي ، ولا شك أن الإسلام يوفر العدالة الاجتماعية للجميع ، ويفضل السلام والوئام في الدولة وفي العالم كله . قال الله تعالى : ” وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ” ( النساء : 58 ) ، وقال : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ( الأنعام : 115 ) .

المراجع :

  1. القرآن الكريم
  2. الجامع الصحيح للبخاري والجامع الصحيح لمسلم
  3. حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، عبد الحميد الصديقي ، المؤسسة الإسلامية ، لاهور
  4. العرب في التاريخ ، أ . برنارد لويس ، ايرو بك ، لندن
  5. الخلافة العظيمة ، أطهر حسين ، مركز البحوث الإسلامية ، لكناؤ
  6. لمحة عن الإسلام ، ايس دي الإصلاحي ، ترجمة ، محمد ظفر إقبال ، مؤسسة إسلامية ، لاهور
  7. الحضارة العربية ، جوزيف هيل ، ترجمة ، أيس خدا بخش ، كامبريدج . . إنجلترا
  8. إعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام ، أ . مسعود حسن ، مؤسسة إسلامية ، لاهور
  9. النظرية الاجتماعية : منظور تاريخي ، محمد خالد ، كفايت أكاديمي ، كراتشي
  10. العدالة الاجتماعية في الإسلام لسيد قطب ، الطبعة السابعة ، بيروت 1967م

* رئيس قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة لكناؤ ، لكناؤ – الهند siddiquimusheer1@gmail.com