الشيخ العلامة السيد حسين أحمد المدني رحمه الله : عالماً كبيراً وقائداً حكيماً

الإمام أشرف علي التهانوي المصلح الكبير والكاتب الجليل
أكتوبر 20, 2020
العلامة الأديب الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المراكشي : حياته وآثاره
نوفمبر 10, 2020
الإمام أشرف علي التهانوي المصلح الكبير والكاتب الجليل
أكتوبر 20, 2020
العلامة الأديب الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المراكشي : حياته وآثاره
نوفمبر 10, 2020

رجال من التاريخ :

الشيخ العلامة السيد حسين أحمد المدني رحمه الله :

عالماً كبيراً وقائداً حكيماً

( 19/ شوال 1296هـ الموافق 1879م – 12/ جمادى الأولى عام 1377هـ الموافق 5/ ديسمبر 1957م )

بقلم : سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

تعريب: محمد فرمان الندوي

كان الشيخ العلامة السيد حسين أحمد المدني من نوابغ القرن العشرين الميلادي في شبه القارة الهندية ، فإن ما قام به من أعمال جليلة نحو الأمة الإسلامية يتجمل به تاريخ الهند الإسلامي ، وكان الشيخ المدني يعتبر كفاح الهند رمزاً لغلبة الأمة الإسلامية وسراً لعظمتها ، فأفاد جميع سكان الهند بقيادته الحكيمة ، وقد أدى دوراً قيادياً في تحرير البلاد التي ظلت مهد الحكومات الإسلامية إلى ثمانية قرون ، ثم سلبها الاستعمار الإنجليزي من المسلمين ، فاشتهر صيته من هذه الناحية ، واعترف به الناس ، لم يكتف الشيخ بهذا الجانب القيادي فحسب ، بل كانت له مكانة عالية في السيرة والتزكية والتربية الروحية .

نابغة في علم الحديث :

حينما ندرس حياة الشيخ المجاهد السيد حسين أحمد المدني بغض النظر عن جهوده في تحرير الهند مع مناصرته للأحزاب التحريرية ، نعرف أنه كان أحد أعلام الهند وكبير علمائها الربانيين ، وظل طول حياته موثوقاً به لدى جميع الطبقات بتربيته الربانية ، بل كانوا يعتبرونه رئيس جميع العلماء الربانيين في عصره ، فقد نفع بعنايته الخاصة في هذا المجال آلافاً من المنتمين إليه ، وكان له ترحيب كبير في شرقي الهند أمثال ولاية آسام وغيرها ، وكان في دار العلوم بديوبند ( أكبر وأوثق جامعات الهند في العلوم الشرعية ) شيخ الحديث ( منصب رفيع لتدريس الحديث في الهند ) ، فكان يعتبر نابغةً في علم الحديث ، يفتخر الناس بالتلمذة عليه والانتماء إليه .

موقفه الحكيم في سياسة الهند :

كان الشيخ المدني من أسرة السادة الكرام في الهند ، ينتمي إلى بلدة تاندا من مديرية  فيض آباد ، أترابرديش ( الهند ) ، اشتغل في بداية عمره بعلم الحديث في المدينة المنورة ، فكان فيها طالباً ومعلماً ، ثم عاد إلى الهند لمواصلة نشاطات أستاذه الشيخ رشيد أحمد الغنغوهي والشيخ محمود الحسن ، وبدأ يعمل في دار العلوم كأستاذ للحديث الشريف ورئيس المدرسين ، وساهم بإشراف أستاذه وشيخه الشيخ محمود الحسن في تحرير بلاده من الاستعمار الإنجليزي ، وتجشم في ذلك مشاق السجون والمعتقلات مرات عديدةً ، كما واجه اعتداءات الإنجليز الغاشمين ، لكن عزيمته الصادقة لم تفتر ، ولم تضعف ، وظل مثابراً في خدمة الدين الحنيف وتحرير الوطن ، وأخيراً خرج الإنجليز من الهند ، لكنهم أحدثوا روح الفرقة بين المسلمين والهندوس ، حتى بلغ الأمر إلى إراقة الدماء وتقسيم البلاد إلى الهند وباكستان .

وإن الجزء المتوسط للهند الذي يغطي مساحةً كبيرةً من البلاد ، ويوجد فيها عدد ملحوظ من المسلمين ، ومراكزهم الدينية الشهيرة ، لكن بالرغم من ذلك كان يعتبر منطقةً غير مسلمة لكون المسلمين فيها أقليةً ، فأصيبوا بدمار شامل خلال تقسيم البلاد ، إبان هجرة المسلمين إلى باكستان ، وكانت هذه المناطق مركز جهود العلماء العظام ، فكانوا يواجهون صعوبات كثيرةً ، وكانت قد تفاقمت مسئولياتهم  أيضاً ، أما مناطق سهارنفور ومظفر ناغر في ولاية أترابرديش الغربية ، فكانت تعتبر من أكبر مراكز التعليم والدعوة والإصلاح ، وكان الناس يعلقون آمالهم بمشايخها ، خاصةً بالشيخ المدني رحمه الله ، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ( شيخ الحديث بمدرسة مظاهر علوم بسهارنفور سابقاً ) ، والعالم الرباني الشيخ عبد القادر الرائي فوري        ( رئيس مركز الإصلاح والتربية في رائي فور ) ويحمل هؤلاء العلماء مكانةً مرموقةً في المجتمعات ، كما كان يمتاز الشيخ المدني من بينهم بمكانته السياسية ، وكانت الحكومة الحاضرة تعترف بقيادته الحكيمة وجهاده الطويل ، والمشايخ العظام أيضاً يحترمون رأيه غاية الاحترام ، تفرَّس هؤلاء العلماء الأوضاع الصعبة ، والأحوال القلقة ، وبذلوا جهودهم في استدراكها ، وجعلوا منطقة سهارنفور وضواحيها سداً منيعاً للحد من الهجرة إلى باكستان ، فتوقفت سلسلة سفك الدماء وإزهاق الأنفس والأموال ، وآثر الناس البقاء في أوطانهم ، وخاصةً في أترابرديش الغربية ، وهي مأثرة لا تكاد تُنسى في تاريخ المسلمين في  الهند ، وكان لهؤلاء العلماء بعد تحرير الهند أثر بالغ في منح حقوق المسلمين من الجهات الحاكمة ، ولا سيما للشيخ حسين أحمد المدني وزملائه أمثال الشيخ حفظ الرحمن السيوهاروي كان أكبر نصيب في  هذا المجال .

تواضعه وزهده في الدنيا :

يتميز الشيخ حسين أحمد المدني بالتواضع والزهد في حطام الدنيا وبخدمة الخلق أيضاً ، رغم ما كان يحتل مكانةً بارزةً في الناس ، فإنه أفنى كل ما في وسعه نحو نشر الدين وتحرير البلاد ، وقد استفاد في هذين المجالين من شيخه العلامة محمود الحسن الديوبندي ، وتبعه في مسيرته ثم انتهج منهجه بعد وفاته ، فإن كل ما قام به بإخلاص نحو إسعاد الأمة الإسلامية اعترف به القاصي والداني ، ومن زار الشيخ لمس في شخصيته جاذبيةً مغناطيسيةً ، وتأثر بصفاته النبيلة ، وكل ذلك كان نتيجة تضحياته الجسام للإسلام والمسلمين – خلَّد الله آثار جهوده      دائماً – .

اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم :

ومن أبرز خصائصه اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يواظف على تطبيق سنته في كل جزء من أجزاء حياته ، وكان يعتبر علامة ممتازة في إكرام الضيوف وإبداء كلمة الحق والصبر على  المكاره ، واستغنائه عن المنافع المادية ، ضحى بكل غال ونفيس في تحرير البلاد ، لكنه لم يستغل من المنافع المادية شيئاً بعد تحرير البلاد ، بل الواقع أن حكومة الهند أرادت تكريمه بالوسامات الفخرية ، فاعتذر عن قبولها ، وانقطع إلى تدريس الحديث الشريف وتزكية النفوس ، فأعد جيلاً كبيراً متحلياً بهذه الصفات ، يشهد بربانيته وتبحره في علم الحديث في حياته وبعد مماته .

صلة أسرتنا بالشيخ المدني :

وكان الشيخ المدني رحمه الله تعالى يهتم خلال جولاته السياسية والدينية أن يقيم عند  رفاقه الذين يكسبون الرزق الحلال ، فكان في لكناؤ أحد محبيه الشيخ الطبيب السيد عبد العلي الحسني ( رئيس ندوة العلماء سابقاً ) ، وكان لديه موثوقاً به ، يأتي الشيخ إلى بيته ، فيتشرف كاتب هذه السطور بزيارته والاستماع إلى كلماته ، وقد أقمت عنده في دار العلوم بديوبند حينما سافرت إليها للدراسة ، وكان لكبار أسرتنا أمثال الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي صلة متينة به ، فكان تلميذاً له في علم الحديث ، أما أمه السيدة خير النساء وأخته السيدة أمة الله تسنيم وبعض أعضاء أسرته فكانوا يتصلون به اتصالاً روحياً ، فلا شك أن وفاة الشيخ حسين أحمد المدني كان حادثاً كبيراً لأسرتي ، وقد ترك للعلماء والدعاة والعامة من الناس أسوةً طيبةً وحياةً مثاليةً ، ومن بينها أنه كان يؤثر المصالح الدينية والشعبية على المصالح الشخصية .

وفاته :

انتقل إلى رحمة الله تعالى في 12/ جمادى الأولى عام 1377هـ الموافق 5/ ديسمبر 1957م ، عن عمر يناهز 81 عاماً ، وخلف وراءه أبناءً وأحفاداً أمثال الشيخ السيد محمد أسعد المدني والشيخ السيد محمد أرشد المدني والشيخ السيدأسجد المدني وبنات عديدات ، ولهم أعمال وجهود في مجال  نشر الدين وخدمة الإنسانية .

رحمه الله رحمةً واسعةً ، وغفر له زلاته وجعله في عباده الصالحين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً .