الدكتور مراد هوفمان : شخصية علمية

مساهمات الشيخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في مجال الأدب العربي الإسلامي
أغسطس 12, 2020
العلامة السيد سليمان الندوي : مآثره العلمية
سبتمبر 15, 2020
مساهمات الشيخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في مجال الأدب العربي الإسلامي
أغسطس 12, 2020
العلامة السيد سليمان الندوي : مآثره العلمية
سبتمبر 15, 2020

رجل فقدناه :

الدكتور مراد هوفمان : شخصية علمية

كتبه : البروفيسور اشتياق أحمد الظلي

تعريب وتلخيص : شائق علي داور

رحل عن عالمنا الباحث الإسلامي ، والكاتب الشهير مراد هوفمان يوم الاثنين ( 13 يناير 2020م ) ، بمدينة بون في ألمانيا ، وكان سفيراً بارزاً لألمانيا ، فقام بما فُوض إليه من خدمات السفارة أحسن    قيام ، وكل ذلك لصالح وطنه . وكان اسمه السابق ويلفريد هوفمان ، وأضاف إليه ( مراد ) بعد أن اعتنق الإسلام ، وكان مؤلفاً كبيراً ، وخطيباً بارعاً ، استخدم كل ملكاته الموهوبة وصلاحياته المميزة في الدعوة إلى الإسلام . وعاش دفاعاً عن الإسلام ، داعياً له ، متحدياً الحضارة الغربية ، وذاع صيته وانتشرت شهرته وازدوج عمله وتضاعف شغله من بعدُ ، خاصة بعد حادث 11/9 ، وعرّف بأصول الإسلام واستنكر كل ما تحمله السياسة الغربية من أفكار سلبية تجاه الإسلام عبر هذا الحادث العظيم ، وواجهها مواجهة حتى تضاءل أثرها وانكمش ظلها ، وكان كل ذلك منه في عالم يتأثر بالمدنية الغربية والحضارة الراهنة التي تدعو إلى الإسلاموفوبيا ، ولِما أنه أراد أن يخدم الإسلام والمسلمين ، حمله ذلك إلى استقالته بعد مدة يسيرة من خدمته المفوضة إليه .

وللراحل العديد من المؤلفات والمقالات والكتب التي كتبها بعد اعتناقه الإسلام ، والتي تركز على تعاليم الإسلام الخالدة ورسالاته السرمدية ، وعلى أن الإسلام بديل حضاري وثقافي للحضارة الغربية في المستقبل ، وصدع بأن الإسلام حل وحيد لكل ما تتعرض له هذه   البشرية .

ولد ويلفريد هوفمان 6 يوليو 1931م ، بمدينة اشافنبورغ في   ألمانيا ، وكانت أسرته تنتمي إلى المسيحية الكاثوليكية ، بدأ حياته بدراسة القانون بعد حصوله على شهادة البكالوريس في ميونخ ، وتخرج في جامعة هار فرد ، وحصل بعدها على الدكتوراه في القانون عام  1954م ، وفي عام 1951م خلال إقامته بأمريكا تعرَّض لحادث مرور مروع ، فقال له الجراح بعد أنهى إسعافه : ( إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد ، لعل الله أبقاك يا عزيزي لأمر جليل ) . وصدّق القدر حَدْس هذا الطبيب ، إذ اعتنق د . هوفمان الإسلام بعد دراسة عميقة له .

وتعلم هوفمان القانون ، ولكنه لم يجد فيه ما أراد ، ولم تمض مدة على نكبة الحرب العالمية الثانية وما لها من آثار سلبية على ألمانيا ، فترك مجال القانون واختار وظيفة السفارة لإعادة مجد بلاده وعزها . وكان متخصصاً في القضايا المتعلقة بالدفاع النووي ، فعمل منذ الخمسينيات في سفارة ألمانيا الاتحادية في الجزائر ، هذا ما جعله يشاهد عن قرب الثورة الجزائرية التي يبدو أنها أثارت اهتمامه الشديد ودفعته للتأمل ، وعمل هوفمان في وزارة الخارجية الألمانية من عام ( 1961 – 1994م ) ، كما شغل منصب مدير قسم المعلومات في حلف الناتو في بروكسل من عام ( 1983م حتى 1987م ) وسفيراً لألمانيا في الجزائر من   ( 1987م حتى 1990م ) ، ثم سفيراً في المغرب من ( 1990م حتى 1994م ) . ثم جاء تقديمه الاستقالة قبل أوانه ، وهو لم يبلغ الرابعة والستين من  عمره ، وقد أسلم عام 1980م خلال اشتغاله بالوظيفة . وكان سفيراً لألمانيا ، فأتيحت له الفرصة أن يكون سفيراً لألمانيا في الدولتين الإسلاميتين الجزائر ومراكش .

ذات مرة سئل عن إسلامه فقال : لقد تعذر لكل من يحب أحداً أن يخبر عن سبب حبه إياه ، وفي حين أنه يذكر أن من أسباب تحوله إلى الإسلام ، ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية من ظلم وعدوان فرنسا على المسلمين ، وقد أعجبه صمود المسلمين أمامهم كالجبال الراسيات وأدهشه صبرهم وثباتهم ، فبحث عن سببه فوجد أن دينهم يحرضهم على ذلك وهو الإسلام ، وأخذ يدرس الإسلام دراسةً عميقةً جادةً أدته إلى دراسة القرآن الكريم ، حيث كان سبب إسلامه .

ولهوفمان غرام شديد بفن الجمال ، وكانت عواطفه تكتشف بشكل جلي ، من خلال تأثره بفن العمارة الإسلامي ، الذي يتحدث عن إعجابه الشديد فيه مبيناً : ( ألهمتني أعمال معمارية ، مثل قصر الحمراء في غرناطة ، والمسجد الكبير في قرطبة بإسبانيا اليقين والإيمان بأنها إفراز حضارة راقية رفيعة ) .

ومن أهم ما كان من أسباب تحوله إلى الإسلام هو علاقته بالباحث الإسلامي الشهير محمد أسد وغيره من العلماء ، وأصبح الإسلام سبب طمأنينته النفسية ، وبعد دراسة عميقة للإسلام كتب رسالةً تحتوي على اثنتي عشرة صفحة ، إلى ابنه بمناسبة يوم ولادته الثامن والعشرين ، وما كان فيها يوافق العقل والفلسفة .

وبعد إسلامه لا يزال مشتغلاً بوظيفته حتى خمسة عشر عاماً ، ثم قدم استقالته عام 1995م ، وما كان إسلامه حائلاً بينه وبين مسيرته المهنية ، ولم يتعرض لإجراءات تنطوي على التفرقة ، بل منحه بعد إسلامه بنصف وسنة رئيس ألمانيا د . كارل كارستنز وسام استحقاق جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1984م ، وأرسل كتابه ( يوميات ألماني مسلم ) إلى سفاراته الكائنة في الدول الإسلامية ، لكن د . هوفمان آثر مهنته على نشر الإسلام والدعوة إليه في أنحاء العالم ، فرفع يده عن مهنته ، ليكون له كله .

تركزت العديد من كتبه ومقالاته على وضع الإسلام في الغرب ، وبعد ( 11 سبتمبر ) على وجه الخصوص في الولايات المتحدة ، كما أنه أحد الموقعين على ( مبادرة كلمة سواء ) ، وهي رسالة مفتوحة لعلماء المسلمين للقادة المسيحيين ، تدعو إلى الإسلام والتفاهم ، وكان هوفمان رجلاً متأملاً ، أوصلته تأملاته في العقائد إلى استنتاج أن عقيدة الإسلام هي أصفى وأبسط تصور لله تعالى ، ورأى في الإسلام عقيدة التوحيد الأولى .

وقد ترك لنا الدكتور هوفمان كتباً قيمةً وتراثاً فكرياً غزيراً وفريداً ، ولا مرية أنه ستنتفع به الأجيال والأمم القادمة ، ألا وهي :        ( الإسلام كبديل ، ويوميات ألماني مسلم ، والإسلام في الألفية الثالثة : ديانة في الصعود ، ورحلة إلى مكة ، والإسلام عام ألفين .

اللهم اغفر له ، وارحمه وأدخله فسيح جناتك .