الدعوة الإسلامية : القرآن الكريم : تعريفه ، أوصافه ، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن بقلم الدكتور/ غريب جمعة

في باريس امرأة عظيمة اسمها السابق : المسْرَحيّة فالَنْتين Valentine de st.Point أما اسمها الثاني فهو : ( روحية نورِ الدين )
أغسطس 11, 2020
العدالة الاجتماعية في الإسلام وواقعها المعاش
سبتمبر 15, 2020
في باريس امرأة عظيمة اسمها السابق : المسْرَحيّة فالَنْتين Valentine de st.Point أما اسمها الثاني فهو : ( روحية نورِ الدين )
أغسطس 11, 2020
العدالة الاجتماعية في الإسلام وواقعها المعاش
سبتمبر 15, 2020

الدعوة الإسلامية :

القرآن الكريم :

تعريفه ، أوصافه ، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن

بقلم الدكتور/ غريب جمعة [1]

التعريف بالقرآن :

” القرآن هو القول أو الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأول آية منه ، المنقول إلينا بالتواتر ، المكتوب في  المصحف ، المتعبد بتلاوته ، من أول سورة الفاتحة إلى آخرسورة الناس ” .

ويزيد العلامة الجليل الشيخ محمد محمد المدني – يرحمه الله – هذا التعريف تفصيلاً فيقول ( بتصرف ) :

” القرآن الكريم ” هو ذلك الكتاب العربي المبين الذي أنزله الله على خاتم أنبيائه سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه ، والذي نقل إلينا نقلاً صحيحاً متواتراً جيلاً بعد جيل منذ عهد الرسالة إلى اليوم والذي نراه مكتوباً محرَّراً بين دفتي المصحف ، محفوظاً مجوداً في صدور الملايين من المسلمين يرتله القارئون ويدرسه العالمون ويهتدي به المهتدون . ذلك الكتاب لا ريب فيه ، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ، فكان المعجزة الكبرى والآية العظمى ، والدستور الخالد المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .

ألفاظ فصيحة ناصعة ، ومعان مستقرة ساطعة ، وأسلوب   مُحكم ، ونظم مُتقن ، سحر الألباب بمعجز بيانه ، وملك العقول بعجيب أمثاله ، وأفحم الخطباء ، وأذهل الشعراء ، وأقر له فحول البلاغة مذعنين ، وخر له أئمة البيان ساجدين ، غلبهم الحق على أنفسهم فجرت به ألسنتهم ، وفاضت به أنديتهم يقولون : ” إن له لحلاوةً ، وإن عليه لطلاوةً ، وما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ، وما يقول هذا بشر ” .

صاح فيهم متحدياً وناداهم مطمئناً واثقاً ، وأهاب بهم : أن اجمعوا جموعكم ووحدوا جنودكم ، واستعينوا بمن شئتم ، ثم ائتوا بمثله إن استطعتم ، وما أنتم بمستطيعين : ” قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( الإسراء : 88 ) .

ثم كر عليهم راجعاً : دونكم فأتوا بعشر سور من مثله ، ثم بالغ في تحديهم وأوفى على الغاية من تعجيزهم . فقال : ” وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ” ( البقرة : 23 – 24 ) .

وهم في كل ذلك لا يجدون جواباً ولا ينطقون صواباً ، عقد العجز ألسنتهم ، وسلبت الدّهشة عقولهم فسدت في وجوههم سبل الكلام وهم أهله وأصحابه ، وارتجت عليهم منافذ البيان وهم سادته وأربابه ، وحقت عليهم الكلمة ولزمتهم الحجة .

والقرآن الكريم هو دستور الدين والدنيا : أوضح معالم الدين ، فبين عقائده ، وفصل أحكامه وشرع حدوده ، ودعا إلى الرحمة ، ورغب في الخير وحض على السلام ونهى عن الظلم والبغي والفساد ، وأحكم أصول السياسة وقواعد الاجتماع ، أضاء بتعاليمه ونور مبادئه كل ناحية من نواحي الحياة .

بعض أوصاف القرآن للقرآن :

لقد وصفه الله تبارك وتعالى ، وهو الذي أنزله بصفات تدل على علو مقامه ، وبلوغه النهاية في العظمة ووصوله إلى الغاية في الهداية ، وإحكام آياته ووضوح أوامره ونواهيه وسمو معانيه بما أعجز الثقلين .

ولو ذهبنا نتتبع ما وصف الله به القرآن لطال بنا المقام .

ولقد ألف العالم الجليل الشيخ محمد الراوي كتاباً في ذلك بعنوان : ” حديث القرآن عن القرآن ” تجاوزخمس مأة صفحة ، تناول فيه الآيات التي تحدثت عن القرآن في سور القرآن ، وقد بلغ مجموع السور التي تضمنت هذه الآيات سبعاً وستين سورةً ، فليرجع إلى هذا الكتاب من يرغب في التفصيل ومعرفة المزيد .

كما أن الشيخ الجليل محمد المدني سالف الذكر ، ألف كتاباً بعنوان ” خصائص القرآن ” من ثلاثة أجزاء في هذا الموضوع .

ونحن نختار بعض الآيات التي وردت في الجزء الأول من هذا الكتاب والتي تبين ما وصف الله به كتابه العظيم .

ولما كان الشيخ قد ذكر الآيات فقط فإننا نستأذنه في الحديث عن معناها حديثاً مجملاً ، ومرجعنا في ذلك هو التفسير الوسيط للدكتور وهبة الزحيلي – يرحمه الله – وبالله التوفيق .

(1) ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ” ( النساء : 82 ) .

أي أفلا يتفهمون القرآن ويتأملون معانيه وأحكامه وعظاته ، ولو تدبروه لوجدوه منسجماً مع بعضه ولو كان مختلقاً من عند غير الله كما يزعم أعداؤه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً واضطراباً وتناقضاً كثيراً ولكنه  سالم من الاختلاف لكونه من عند الله تعالى .

وسلامة القرآن من الاختلاف تشمل لفظه ومعانيه ، فألفاظه في مستوى بلاغي واحد ومعانيه في العقيدة والشريعة والأخلاق والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تخدم وتقرر هدفاً واحداً وترمي إلى تقرير مقصد واحد وتبني أمةً واحدةً هي خير أمة أخرجت للناس .

(2) ” الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ”                        ( هود : 1 ) .

افتتحت سورة هود بالحروف المقطعة ” الۤر ” للتنبيه وتحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن المكون من حروف لغتهم التي يتكلمون ويكتبون بها .

والمعنى : هذا القرآن كتاب عظيم الشأن جليل القدر محكم النظم لا خلل فيه ولا نقص ، فهو كامل الصورة والمبنى والمعنى لأنه صادر من عند الله ، الحكيم في أقواله وأفعاله ، الخبير بحوائج عباده  وعواقب الأمور .

(3) ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين ” ( يوسف : 2 – 3 ) .

روى ابن جرير عن ابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم ملوا ملَّة فقالوا : لو قصصت علينا يا رسول الله ! فنزلت ” نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ . . ” .

والمعنى : يقرر الله تعالى أنا أنزلنا هذا القرآن على النبي محمد العربي الهاشمي بلُغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأديةً للمعاني التي تقوم في النفوس ، لتتعلموا ما لم تكونوا تعلمون من قصص وأخبار وآداب وأخلاق وأحكام وتشريعات ومناهج سياسة واجتماع واقتصاد ، ولتتدبروا وتتأملوا ما فيها من معان وأهداف تبني الفرد والجماعة على أقوم بنيان وأثبت أساس .

قال ابن كثير : فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة ، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض وبدأ إنزاله في أشرف شهور السنة فكمل من كل الوجوه .

( وليسمح لنا القارئ الكريم بسؤال هو : كيف حال أشرف اللغات لغة القرآن اليوم بين أهلها ! ألا تعتبر شبه غريبة عليهم ؟ حتى يمكن أن نقول : إنها تمر بمحنة شديدة ، فهل من مغيث ؟ ) ثم يتابع الله إخباره لنبيه بأنا نحن نخبرك بأحسن الأخبار بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن الذي جاء تاماً كاملاً مفصلاً كل شيئ .

وجاءت قصة يوسف عليه السلام كاملةً تامةً مفصلةً ذات أهداف سامية وعبر كثيرة . وإن كنت يا محمد من قبل ما أوحيناه إليك من الغافلين عما عرّفناك به من القصص وأعلمناك من شؤون الأمم ، أي من الجاهلين به فلا علم لك به قط ، شأنك شأن قومك لايعلمون من قصص الماضين وأخبارهم شيئاً .

إن قصة يوسف عليه السلام جامعة شاملة للدين والدنيا والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبية والأخلاقية المليئة بالعبر والعظات ، ومن أهمها تقوى الله والصبر والعفو عند المقدرة ، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين .

(4) يقول الله تبارك وتعالى : ” إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا . وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ” ( الإسراء : 9 – 10 ) . تتضمن هاتان الآيتان دعوةً صريحةً قاطعةً مُقنعةً للناس جميعاً للإيمان بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم لإخراجهم من الظلمات إلى النور وإسعادهم في الدنيا والآخرة ، وأسباب هذه الدعوة ثلاثة :

-أن القرآن يرشد إلى الحال والطريقة الأصلح والأحكم والأقوم ، وهي الدين القويم وملة التوحيد الخالص والأقوال والأفعال السديدة الرشيدة .

-إن القرآن العظيم يهدف إلى إصلاح جذري للحياة الإنسانية حتى لا تتخبط في ظلمات الفساد ، فهو يبشر المؤمنين الذين يعملون الأعمال الصالحة من فرائض ومندوبات وأعمال خيرة . . يبشرهم بالثواب العظيم أو الأجر الكبير وهو الجنة يوم القيامة جزاء عملهم . وعمل الصالحات يكمل الإيمان ويعبر عن صدق العقيدة والتجاوب معها .

-وفي المقابل ينذر القرآن الذين لا يُصدقون بوجود الله وتوحيده ولا بحدوث البعث ولا بالدار الآخرة ولا بالثواب ولا بالعقاب . ينذرهم بالعذاب الشديد الموجع جزاء ما قدموه من سوء الاعتقاد وفساد الأعمال ، وهكذا يجمع القرآن بين بشارة المؤمنين الطائعين وإنذار الكافرين العاصين ليتحقق السرور لأهل الطاعة والإيمان والوعيد لأهل الكفر والعصيان .

(5) يقول الله تبارك تعالى : ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا . قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ” ( الكهف : 1 – 2 ) .

والمعنى : الشكر والثناء الجميل على الفعل الجميل الصادر بالاختيار من الله تعالى وهو سبحانه محمود على كل حال ، ويحمد نفسه في فاتحة بعض السور وخواتمها ليعلم عباده كيف يحمدونه على نعمه الجليلة التي أنعم بها عليهم ، ومن أهمها نعمة الإسلام وما أنزل على عبده من الكتاب وهو القرآن سبب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لمن اتبعه من البشر . وليس لهذا القرآن اعوجاج عن جادة الاستقامة وإنما هو قويم معتدل مستقيم . فالله تعالى لم يجعل لكتابه عوجاً . لكنه جعله قيماً أي مستقيماً قائماً على الحق والسلامة من الزيغ والانحراف من أجل تحقيق غاياته التي منها تخويف الذين كفروا بالكتاب من البأس أي العذاب الشديد في الدنيا ومن عذاب الآخرة ونار جهنم وذلك الإنذار من لدن الله تعالى أي صادراً عنه سبحانه .

وللقرآن غاية أخرى ، تقابل الإنذار ، وهي تبشير المؤمنين   بالقرآن ، الذين يعملون الصالحات أن لهم ثواباً جميلاً عند الله تعالى وهو الجنة دار المتقين الأبرار ودار الخلود الأبدي للمحسنين الأخيار ، فهم يمكثون ويستقرون في ذلك الثواب عند الله إلى الأبد من غير نقصان أو زوال أو انقضاء .

(6) يقول الله تبارك وتعالى : ” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ” (  ص : 29 ) .

أي هذا كتاب لمن أراد التمسك بالإيمان والتقرب إلينا ، فإن طريق السعادة الأبدية هو اتباع القرآن الذي فيه الشفاء النافع لمن تمسك به والنجاة لمن اتبعه ، وقد أنزله الله تعالى للناس ليتدبروه وليفكروا فيه وليس لمجرد التلاوة بدون تدبر أو تفكر ، وليتعظ به أهل العقول الراجحة لبيانه ووضوحه. وقوله تعالى : ” لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ” أي لتتدبروا آياته .

قال الحسن البصري – يرحمه الله – : والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول : قد قرأت القرآن كله ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل .

ووصف القرآن بالبركة لأنه كثير الخيرات عظيم البركات ، فهو يورث الجنة وينقذ من النار ويحفظ المرء في حال الحياة الدنيا ويكون سبب رفعة شأنه في الآخرة .

وظاهر هذه الآية يفيد أن التدبر من أسباب إنزال القرآن لذلك كان الترتيل أفضل ” ورتل القرآن ترتيلاً ” لأن التدبر لا يكون إلا مع الترتيل وبهذا يكون الترتيل وسيلةً لفهم المعاني والاتعاظ بالمواعظ والعبر والاسترشاد بالأحكام واتباع هدي القرآن وحمل الإنسان على الاتباع والالتزام وترك هجر القرآن كما عليه حال أكثر المسلمين اليوم .

وتعلم أحكام التجويد يساعد على الترتيل الصحيح لأنه يعين على ضبط التلاوة واتقانها على الوجه المأثور وصونها من الخطأ والانحراف والتطرف والزيغ فيها .

والآية دليل على وجوب معرفة معاني القرآن ، والمعرفة تقود إلى الاتباع .

يقول الحسن البصري : تدبر آيات الله . اتباعها .

وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن :

قد عرفنا شيئاً مما وصف الله به كتابه في كلمات سابقة  بعنوان : ” بعض أوصاف القرآن للقرآن ” .

وفي هذه المرة نريد أن نتعرف على ما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن مبيناً فضله وعموم الرحمة به وأنه نجاة لمن اتبعه وعصمة لمن تمسك به من خلال حديثين شريفين ومرجعنا في ذلك            ( بتصرف ) هو كتاب خصائص القرآن للشيخ محمد المدني سالف الذكر – يرحمه الله – .

الحديث الأول :

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

” إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المتين ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عِصْمَةٌ لِمَنِ تمسَّك بِهِ ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ اتبعه ، لا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلا يَزيغ فَيُستعْتبَ وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلا يَخْلَقُ عَنْ كثرة الرَدٍّ . اتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ على تلاوته لِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ . إني لا أَقول ( الم ) حرف وَلَكِنْ         ” أَلِفٌ ” حَرْفٌ و” لامٌ ” حَرْفٌ وَ ” مِيمٌ ” حَرْفٌ ” . ( أخرجه الحاكم ) .

وفي هذا الحديث بعض العبارات التي تحتاج إلى بيان معانيها والمراد منها بإيجاز حتى تكون واضحةً تماماً للقارئ .

قوله ” إن هذا القرآن مأدبة الله ” :

شبه ما في القرآن من غذاء للعقول والأرواح ، مباح ميسر لمن قُدم إليهم بالمأدبة التي يدعي لها الناس وقد جرت العادة بأن تكون حافلةً كثيرة الخيرات . ثم بين بقوله : ” فتعلموا من مأدبته ” أنها مائدة معنوية فهي مأدبة علم ونور لا مأدبة طعام وشراب .

” حبل الله ” : تمثيل بالحبل الذي يتمسك به من يخشى على نفسه الوقوع على الأرض من شاهق .

فالقرآن كأنه حبل مدَّه الله للناس ليتمسكوا به إذا أرادوا النجاح والفلاح . وتأمل هذا الحديث عن أبي شُريح الخزاعي مرفوعاً :

” إن هذا القرآن سبب : طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلِكُوا بعده أبداً ” . ( أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير ) .

قوله : ” لا يعوج فيقوم ” :

أي لا يمكن أن يصيبه عوج في وقت ما حتى يحتاج إلى أن يقوم ويعدل . ” وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ” ( فصلت : 41 – 42 ) .

فليفهم هذا أولئك الذين يحاولون التمرد عليه والخروج على أحكامه ونبذها وراء ظهورهم زعماً منهم أنها لم تعد مناسبة لأهل العصور الحديثة أو المدنيات والحضارات الجديدة .

فكأنه في نظرهم معوج وهم يريدون أن يقوموا عوجه . ” قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ” . ( الفرقان : 6 ) .     ” أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” . ( فصلت : 53 ) .

قوله : ” ولا يزيع فيستعتب ” :

معناه لا يميل ولا يجور في حكمه حتى يحتاج الناس إلى أن يستعتبوه أي يسترضونه ويطلبوا منه أن يكف عنهم جوره ، وذلك من قول القائل : ” استعتبته فأعتبني ” أي استرضيته فرضى عني .

وهو تمثيل بالحاكم الذي قد يجور في حكمه بغياً على الناس كأنه عليهم غضبان ، فيستعتبونه أي يسترضونه . والقرآن حاكم عادل لا يكون منه ذلك لأنه جاء رحمةً للعالمين ، وقد كان الناس من قبله ربما أذنبوا وعتوا عن أمر ربهم فغضب عليهم وعاقبهم بتحريم شيئ عليهم أو بتكليفهم ما فيه مشقة عليهم كمظهر من مظاهر الغضب ، وقد حمى الله أمة القرآن من ذلك ورفع عنها الآصار ( التكاليف الشاقة ) والأغلال وأنزل القرآن رحمةً وذكرى للعالمين وهدىً وبشرى للمؤمنين .

قوله : ” ولا تنقضي عجائبه ” :

هذه إحدى خصائص القرآن الكريم فهو كتاب مقروء يماثل في عظمته كتاب الكون المشاهد ( المنظور ) ، لا يزال الناس يطلعون فيهما على جديد عجيب ، ولذلك كلف الله الناس أن يتدبروا القرآن وأن يتدبروا آيات الله في الكون فكلاهما موصل للإيمان .

وهذا تكليف موجه إلى جميع العصور وجميع العقول ، وقد أظهرت الأيام والحوادث والعلوم والمخترعات كثيراً مما كان خافياً على الناس في الكون والقرآن وسيظهر في المستقبل ما شاء الله أن يظهره تحقيقاً لقوله تعالى : ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” ( فصلت : 53 ) .

قوله : ” ولا يخلق على كثرة الرد ” :

أي هو جديد دائماً مع كثرة ترديده والتأمل فيه ومدارسة معانيه .

وقد شبهه بثوب لا يخلق أي لا يبلى ولا يبتذل ولا تسأمه النفوس ، ونختم بذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وهي :

” عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في     السماء ” . ( رواه ابن حيان

[1] القاهرة ، جمهورية مصر العربية .