الحوار في القرآن بين الإنسان وأعضائه

فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يناير 2, 2022
العلماء والإعجاز العلمي للقرآن
فبراير 7, 2022
فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يناير 2, 2022
العلماء والإعجاز العلمي للقرآن
فبراير 7, 2022

الدعوة الإسلامية :

الحوار في القرآن بين الإنسان وأعضائه

د . عبد المجيد أ أي *

يتميز القرآن بالحوار المختلف ، والقرآن يستخدم هذه الأداة بشكل واضح ، تنفذ آيات الحوار إلى نفوس الإنسان وتؤثر في جميع  الحياة . وكم من الحوار في القرآن سبب لفتح عيون الغافلين . والقرآن يعرض أمامنا صورةً مثاليةً للحوار . نقدر أن نفهم منها أسلوب الحوار  ولغته ، وندرس من القرآن الحوار الناجح ، ونتوصل إلى بعض الحوار الذي ورد في القرآن الكريم ، وهي الحوار بين الله وملائكته ، والحوار بين الله والأنبياء ، والحوار بين الله وإبليس ، والحوار بين الإنسان وأعضائه .

وفي الغالب يستخدم القرآن الحوار لنشر دعوة الأنبياء ، وهو يخبر الناس بقصص الأمم السابقة ، والحوار أداة أولى للأنبياء لنشر الدعوة ، وكان الأنبياء يعرضون المسائل العقدية أمام الناس عبر الحوار .

في سورة الفجر ، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ    عَذَابٍ ) [1] .

وقصة أصحاب الجنة في سورة القلم ، قال سبحانه : ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ . وَلَا يَسْتَثْنُونَ . فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ . فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ . أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ . فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ . أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم  مِّسْكِينٌ . وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ . فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ . قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ . عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ . كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوكَانُوا يَعْلَمُونَ ) [2] .

فإذا تأملنا الآيات المذكورة لمسنا فيها عناصر الحوار .

نطلع بهذه المناسبة على موقف شعيب عليه السلام مع قومه : شعيب عليه السلام بدأ حواره مع قومه ، قال الله تعالى : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ . وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوأَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ . وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوقَوْمَ هُودٍ أَوقَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ . وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ . قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) [3] .

” فالمواقف الحوارية التي يعرضها القرآن شاملة ، يدل على ذلك حضور الحوار في التعبير القرآني بشكل كبير في نصوصه ، فهي تشكل أكثر من الثلث ، كما أن كثرة ورود اللفظ الدال على الحوار وهو لفظ ( القول ) وما اشتق منه يؤكد هذا الحضور فقد عمدت إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لأنظر عدد ورود اللفظ فوجدته ورد أكثر من ( 1720 ) مرةً مما يعني كثرة المواقف الحوارية التي حدثنا عنها القرآن الكريم ، كما أن وجود نماذج لأشكال الحوار ومستوياته المعروفة جميعها في زماننا دليل واضح على الشمول ، ففيه الحوار مع الملائكة ، ومع الأنبياء ، ومع أتباع الأنبياء ومع مخالفيهم ، ومع إبليس ، والقرآن يعلمنا أن الحوار يدخل في كل شأن من شؤون حياتنا ، ففيه نماذج للحوار الأسري ، ونماذج للحوار بين أبناء المجتمع ، ونماذج للحوار بين أفراد المجتمع وقيادتهم ، ونماذج لحوار الأمة المسلمة مع غيرها من الأمم ، وفيه قبل هذا كله حوار الإنسان مع نفسه ، وفيه نماذج متنوعة ومناسبة لكل نمط أسري يمكن أن يوجد ، فتارةً يكون الزوج مؤمناً في حين الزوجة كافرةً كما في قصة نوح ولوط – عليهما السلام – ، وتارةً تكون الزوجة مؤمنةً في حين زوجها كافراً كما هو الحال مع امرأة فرعون ، وأحياناً يكون الابن مؤمناً وأبوه كافراً كما هو شأن إبراهيم مع أبيه ، أو يكون الأب مؤمناً وابنه كافراً كما هو شأن نوح عليه السلام مع ابنه في سورة هود ، وتارةً تكون الأسرة كلها مؤمنةً مع اختلاف في نماذج الأسرة ، أحياناً ذكور ولا إناث كما في قصة يوسف ، وأحياناً إناث ولا ذكور كما في قصة ابنتي العبد الصالح في مدين ، وأحياناً يدخل في الحوار ( ابن ) كما في قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام ، وأحياناً ( بنت ) كما في قصة أخت موسى عليه السلام ، … وهكذا ” [4] .

الحوار بين الإنسان وأعضاءه :

يعرض القرآن حواراً فريداً يبن الإنسان وأعضائه يوم القيامة .

” حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا   يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوخَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ . وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ” [5] .

” وقال هؤلاء الذين يحشرون إلى النار من أعداء الله سبحانه لجلودهم إذ شهدت عليهم بما كانوا في الدنيا يعملون : لم شهدتم علينا بما كنا نعمل في الدنيا ؟

فأجابتهم جلودهم: ( أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) فنطقنا ; وذكر أن هذه الجوارح تشهد على أهلها عند استشهاد الله إياها عليهم إذا هم أنكروا الأفعال التي كانوا فعلوها في الدنيا بما سخط الله ، وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ” [6] .

* أستاذ مساعد كلية الأنصار العربية ولاونور ، كيرالا .

[1] سورة الفجر : 6 – 12 .

[2] سورة القلم : 17 – 33 .

[3] سورة هود : 84 – 91 .

[4] أسلوب الحوار في القرآن الكريم ، الدكتور عبد الله الجيوسي ، كلية الشريعة  الدراسات الإسلامية ، جامعة اليرموك .

[5] سورة فصلت : 20 – 23 .

[6] تفسير ابن كثير .