التعليم والدعوة وتأثيرهما على المجتمع

نظرة إجمالية في مقاصد سورة ( ق )
يونيو 3, 2022
العلاقة الفكرية بين الدكتور محمد يوسف موسى والسيد أبي الحسن الندوي
يوليو 11, 2022
نظرة إجمالية في مقاصد سورة ( ق )
يونيو 3, 2022
العلاقة الفكرية بين الدكتور محمد يوسف موسى والسيد أبي الحسن الندوي
يوليو 11, 2022

الدعوة الإسلامية :

التعليم والدعوة وتأثيرهما على المجتمع

بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

تعريب : محمد فرمان الندوي

[ عقدت ندوة العلماء دورتها السنوية ، بعد سنتين نظراً إلى جائحة كورونا في 22/ شعبان 1443هـ ، المصادف 26/ مارس 2022م يوم السبت في قاعة العلامة المحدث حيدر حسن التونكي في رحاب ندوة العلماء ، حضرها أعضاء المجلس التنفيذي لها من الهند وخارجها ، وقدم بهذه المناسبة رئيس ندوة العلماء سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( أطال الله بقاءه ) تقريراً جامعاً ، وهو يشتمل على ما تقوم به ندوة العلماء من أعمال وجهود في سبيل التعليم والدعوة ، ننشر جزءاً من هذا التقرير معرباً تعميماً للفائدة . التحرير ]

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

حضرات أعضاء المجلس التنفيذي لندوة العلماء :

فأولاً نشكركم على حضوركم في هذا المجلس ، فقد تحملتم لذلك مشاق السفر ، وجعلتم نصب أعينكم مهمة الدعوة والتعليم ، فهذا دليل على روحكم الإيمانية وذوقكم العلمي ، وهو ما يشجِّع العاملين في مجال الدين والعلم ، ولا شك أن مدارسنا الإسلامية التي هي كالعمود الفقري لبقاء الأمة الاسلامية تتعرض الآن لمشكلات وأمور غير مرضية ، وهي تعوق سيرها الطبيعي نحو التقدم والازدهار ، ونشر التعليم الديني على أوسع نطاق .

إن ندوة العلماء التي تأسست في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي قد دخلت بحمد الله تعالى وفضله في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين الميلادي ، ويعمل الجيل الرابع لها الآن في مجال الفكر والدعوة ، وقد قيض الله لها في كل عهد من العهود رجال أكفاء للعمل الإسلامي ، ونبغاء الأمة الاسلامية ، فكثرت إنجازاتها وخدماتها بإذن الله تعالى ، فعلى سبيل المثال :

كان في الجيل الأول العلامة السيد سليمان الندوي وزملاؤه الشيخ عبد الباري الندوي ، والشيخ عبد السلام الندوي والشيخ مسعود علي الندوي والشيخ الطبيب السيد عبد العلي الحسني ، وكان في الجيل الثاني الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والشيخ المؤرخ  معين الدين أحمد الندوي والكاتب القدير مسعود الندوي ، والشيخ الداعية أبو الليث الإصلاحي الندوي ، والشيخ محمد ناظم الندوي والشيخ عبد السلام القدوائي الندوي ، والشيخ محمد عمران خان الندوي ، والشيخ محمد أويس الندوي النجرامي وغيرهم من خريجي ندوة العلماء ، وكان في الجيل الثالث القاضي معين الله الندوي ، والشيخ مجيب الله الندوي ، والدكتور عبد الله عباس الندوي ، والدكتور عبد الحليم الندوي ، والبرفيسور حبيب الحق الندوي ، والبروفيسور السيد سلمان الندوي نجل العلامة السيد سليمان الندوي ومعاصروه ، ثم كان الجيل الرابع ، وفيه الكاتب الإسلامي السيد محمد الحسني ، والأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، والأستاذ الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، والدكتور تقي الدين الندوي ، والبروفيسور محمد اجتباء الندوي ، والأستاذ حبيب ريحان خان الندوي ، والبروفيسور احتشام أحمد الندوي والبروفيسور محمد راشد الندوي ، والأستاذ محمد إسحاق جليس الندوي ، والدكتور محمد لقمان الندوي ، والأستاذ المحدث ناصر على الندوي وتلامذته النجباء .

هذه الأسماء المذكورة أعلاه على سبيل المثال ، وهي نالت شهرةً وعظمةً في العلم والدعوة والثقافة والتنظيم والإدارة ، ولها أعمال وجهود ملموسة في مختلف العلوم والفنون والمجالات المتنوعة .

أيها الحفل الحضور ! فكرة ندوة العلماء تتلخص في الجمع المتزن بين القديم الصالح والجديد النافع ، وخاصةً في مجال التعليم القديم والتعليم الجديد ، وصياغة نظام يمكن به إبلاغ صوت الإسلام إلى كل طبقة من الطبقات ، والتعليم موضوع ذو أهمية بالغة ، يؤثر فيه ثلاثة عناصر ودواع أساسية من جهات شتى ، وهي تقوم بتكوين أذهان الناشئين والدارسين . أولاً : الأساتذة ، وثانياً : المقررات التعليمية ، وثالثاً : البيئة التعليمية .

هذه العوامل الثلاثة قد أثرت أيما تأثير في صياغة أذهان المواطنين الهنود في القرن التاسع عشر الميلادي ، وكانت البيئة بيئةً إنجليزيةً ، وانصهر نظام التعليم في هذه البيئة أيضاً ، وفي جانب آخر كان العلماء المسلمون الذين يحتفظون بتراثهم القديم ، ويكتفون به ، ثم قامت طبقة منهم نظراً إلى خطورة الأوضاع وشعوراً بمسئولياتهم بإنشاء ندوة العلماء ، لكن هذه العوامل الثلاثة لم تكن متوافرةً آنذاك ، فاستغرق ذلك سنوات ، لكن تيسرت الأسباب والوسائل رويداً رويداً ، وتخرج الجيل الأول حسب خطة معلومة ، فهو وإن كان قليلاً في العدد ، لكن بدأ عمل التعليم والدعوة على النظام الجديد ، فظهرت آثار عمله في صورة إنجازات وأعمال إيجابية .

استمر هذا النشاط التعليمي والدعوي بتعاون من الجيل الأول ، لكن خلال هذه المدة انقسم شبه القارة الهندية إلى دولتين ، فتغيرت الأوضاع ، وتبدلت الأحوال ، لكن ندوة العلماء تعمل عملها وتنشر فكرتها ومنهاجها إلى حد ممكن ، لكن حينما نشأ الجيل الثاني والثالث انتشرت فكرة ندوة العلماء على أوسع نطاق ، وظل يُعترف بها عالمياً ، وتوافر رجال في كل عنصر من العناصر الثلاثة ، فرتبت المقررات الدراسية ، ونشأت بيئة تعليمية جديدة ، وكل ذلك من خريجي ندوة العلماء وأبنائها النابغين .

هناك نقطة مهمة في التعليم أنه ليس مجرد تدريس كتاب وترديده على ألسنة الطلاب والناشئين ، بل هو يشتمل على أنواع وأشكال   مختلفة ، يبتدئ عمل التعليم من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الأصدقاء والزملاء ، وإلى مرحلة الأساتذة ، لأن الإنسان يتعلم من إنسان آخر ، والنطق وطريقة أداء الكلمات يتعلمه الإنسان أولاً من الأبوين ، ثم يتعلم من بيئته التي يعيش فيها ، ويكون الأساتذة والكتب في هذه المرحلة عاملين كبيرين له ، كما يستفيد من الحوار والصحافة ، ثم يتوسع هذا النطاق فيتعلم الطالب من وسائل التربية الفنية إلى وسائل الإعلام ، ولا تزال تستعمل هذه الوسائل لتكوين الأذهان وصياغة الأفكار والنشاطات التعليمية .

ففي العالم المعاصر الذي أصبح فيه نظام التعليم حديثاً ، قد نالت وسائل الإعلام والمعنيون بها درجةً كبرى ، وصارت في المرتبة الثانية ، فجميع أنواع الإعلام تشكل أذهان الطلاب ذهنياً وفكرياً ، وتكون مساعدةً في التعليم والتربية ، أما المقررات الدراسية فإنها تتبع مكانة الأساتذة والبيئة التعليمية لمراكز التعليم ، فالوسائل الجديدة بديل عن الأساتذة والكتب ، وهي حرة تماماً ، لا تتقيد بقيم خلقية ، ولا أعراف أسرية ، ولا أصول بناءة ونظرات صالحة ، فالمجتمع الإسلامي كما في حاجة إلى منهج تعليمي إسلامي يشتمل على مقررات دراسية ، وأساتذة ماهرين وبيئة تعليمية ، كذلك في حاجة إلى أجهزة إعلام لا تضاد فكرة الحياة الإسلامية ، وقد سبقت ندوة العلماء في اختيار هذه الوسائل واستخدامها في صالح التعليم والتربية .

أيها السادة ! قد مرت دار العلوم لندوة العلماء والمدارس الأخرى بأشد ساعات في زمن كورونا ، بحيث أقفلت الأروقة ، وانقطعت سلسلة التعليم بطريق مباشر ، فجاء نظام بديل عبر الإنترنت ، اختارته مراكز التعليم العصرية والجامعات الرسمية ، واختارته كذلك بعض المدارس الإسلامية ، فلم تكن ندوة العلماء بمعزل عنها ، وقد مر على هذا النظام عامان ، وتستمر الآن الامتحانات السنوية ، فلم يخسر الطلاب سنواتهم التعليمية ، وإن كانت فيه نسبة التعليم والدراسة ضئيلةً .

إن أوضاع العالم الإسلامي الآن مبعث قلق شديد ، وتفكير   دقيق ، ومن أهم أسبابه هو تفرق كلمة المسلمين ، وعدم وحدتهم ، والسبب الثاني أن بلدان العالم الإسلامي بصغر مساحاتها ترتبط ارتباطاً سياسياً وثقافياً بالبلدان الكبرى ، فلا تكون حرةً في تنفيذ برامجها ومخططاتها ، فلا تظهر نتائج العمل المرجو من خلال الإسلام ، والسبب الثالث أن الإعلام هو الذي يصوغ اتجاه العالم ، وهو مكب على تشويه صورة الإسلام والمسلمين ، ويستخدم اسم الإسلام والمسلمين حسب مصالحه ، ولا نستطيع أن ندافع عنه كما ينبغي لنا ، وإن تفرق المسلمين يحدث في هذا الأمر شدةً وخطورةً ، فإنهم لا ينظرون إلى مثالبهم ، بل ينظرون إلى مثالب الآخرين ومواضع ضعفهم ، وقد أصبح هذا العمل موضةً لنا ، فتنشأ منها الاختلافات الداخلية والانحرافات الفكرية .

هذا الوضع السائد لا يمكن معالجته إلا بصيانة ديننا    الإسلامي ، كلما كنا محتفظين بالدين وتعاليمه كنا آمنين    ومطمئنين ، وحصلت لنا العزة والقوة التي نتوخاها من الدين ، هذا ليس تذكيراً عادياً ، بل هو استعراض كامل لتاريخ المسلمين ولتاريخ بني إسرائيل ، ونجد أمثلته في القرآن الكريم ، فلا بد لنا أن نستفيد منها ، ينبغي لنا أن نصلح مجتمعنا ، ونسدِّد أخلاقنا ، وننهج المنهج الذي يذهب بنا إلى الغلبة والعزة ، ويكون للمسلمين فيها كرامة وشرف ، ولا يمكن ذلك إلا إذا عشنا حياةً مرضيةً عند الله تعالى ، وإلا كان مصيرنا ومآلنا كما كان للأمم الماضية .

أيها الحفل الحضور ! إن المرحلة الجديدة لسياسة الهند تختلف تماماً عن المراحل الماضية ، وسيرى قادة الأمة وزعمائها رقياً وانحطاطاً ، وشدةً وضعفاً في الظروف والأوضاع ، فيمكن حلها ومعالجتها بالنظر إليها ، ويمكن أن تحدث هناك صعوبات ومشاكل خاصة ، ففي هذه الأحوال الطارئة لا بد من اتخاذ تدابير سديدة لصيانة المدارس الدينية وتوسعة نطاقها ، وأنتم أيها السادة لمطلعون على الوضع الصحيح ، فإن ندوة العلماء ستواصل مسيرتها في نشر التعليم والدعوة بإذن الله تعالى ، وبتعاون من حضراتكم ، وإن تفاقمت الأوضاع وتأزمت ، والله ينصرنا ويوفقنا لما يحبه ويرضاه ، وتستمر نشاطات ندوة العلماء على نهج  أسلافها ، ويكثر نفعها وتتسع دائرة رقيها وازدهارها بإذن الله تعالى .

هذا ما تهدف إليه ندوة العلماء بإيجاز ، أدعوالله أن يكلل جهودنا بالنجاح ، وقد ساعدنا في إنجاز أعمال ندوة العلماء زملاؤنا في العمل فإنهم يستحقون منا الشكر الجزيل ، أدعو الله أن يتقبل منهم ، ويجزيهم جزاءً حسناً ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .