التعليم الديني عن بُعد في الوضع الراهن بين الإيجاب والسلب

عوائد البعثات العلمية في العصر الحديث : ” مصر نموذجاً “
يناير 6, 2021
أدب المسرحية في العالم العربي
يناير 6, 2021
عوائد البعثات العلمية في العصر الحديث : ” مصر نموذجاً “
يناير 6, 2021
أدب المسرحية في العالم العربي
يناير 6, 2021

دراسات وأبحاث :

التعليم الديني عن بُعد في الوضع الراهن

بين الإيجاب والسلب

الدكتور عبد الغفور *

ولا يخفى على أحد تلك التداعيات التي ظهرت ، والتحديات التي تواجهها المؤسسات التعليمية في عملية التعلم والتعليم وما نتج عنها من تغير مفاجئ على مستوى العالم على خلفية تفشي مرض كورونا مما أدى إلى تعطيل وإغلاق جميع مناشط ومرافق الحياة العامة وتم تعليق الدراسة في المدارس حفاظاً على صحة الطلاب ومنعاً للإصابة بانتقال العدوى ، ومن هنا يأتي التحدي الذي تواجهه كل مؤسسات التعليم في الدولة في توصيل المادة العلمية إلى الطالب ، فنقل الدراسة من مكانها الحقيقي المعتاد سواء كان المدرسة وصفوفها ، أو الجامعة وقاعاتها الدراسية ليس بالأمر السهل الذي يمكن أن يتم بين عشية وضحاها ، فالنقلة بحد ذاتها نقلة نوعية شكلت تحدياً كبيراً للقطاعين التعليميين العام والجامعي . فليس من السهل التحول من نظام يقوم على المواجهة واللقاء المباشر وجهاً لوجه إلى نظام آخر غير مباشر يلتقي فيه كل من المعلم والمتعلم عن بعد ، بحيث يكون كل في بيته . فقد بذلت جهود كبيرة في تحقيق هذا  المطلب ، فقد سخر القائمون على التعليم في كل هذه المؤسسات كل ما لديهم من طاقات بشرية ومادية وتكنولوجية في الوصول إلى هذا المبتغى في ظل هذا الظرف الاستثنائي الطارئ ،  لكن كان من الضروري إيجاد البديل حرصاً على المستوى التعليمي ، فكان البديل العمل بنظام التعليم عن بعد ، فتم إغلاق المدارس والجامعات وجميع المراكز التعليمية بسرعة مدهشة ، وهو ما لعبه الفيروس في إخراج مشروع التعليم عن بعد من الأدراج إلى التطبيق العملي ، فكان مصطلح الدراسة عن بعد مجرد مصطلح يلوك به المتحدثون بألف لسان عن تقنية المعلومات واستخدامها في مجال التعلم والتعليم ، وما كان أحد من المعنيين بالشئون الأكاديمية يخطر ببالهم أن يأتي هذا النظام في حيز التنفيذ بهذه السرعة الفائقة في كثير من مدارسنا وجامعاتنا ، حيث قامت المدارس والكليات الجامعية بإلقاء المحاضرات الافتراضية وتمكين الطلاب من متابعة المحاضرات في بيوتهم عبر أجهزة الكمبيوتر ، ولولا هذه الجائحة الوبائية لما قامت مدارسنا وجامعاتنا بممارسة التعليم عن بعد بهذا الثراء .

إن التعليم عن بعد هو أحد طرق التعليم العصرية ، وهو يعتمد أساساً على قيام المدرس بإلقاء محاضراته من الفصل الافتراضي ، ويستقبل الطالب المحاضرة وهو في بيته أو في ناديه أو في مدينته ، أو في أي مكان من العالم ، ويفتح الفصل الافتراضي أمام الجميع للمناقشة التفاعلية والمشاركة الفصلية بشكل يحقق الفائدة لجميع الطلاب من أي مكان في العالم ، يجب أن يسعى كل فرد من داخل المنـــــــظومة التعليمية إلى أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بما يتطلب التعليم عن بعد من ثقافة تكنولوجية تجعل من هذا النظام شكلاً فاعلاً من أشكال التعليم الناجح الذي يقدم نتائج وكوادر متعلمة تعليماً سليماً . لكن في كل الحالات هذا النظام يستوجب التدريب ، وأعني بذلك تدريب المعلم على كيفية تقديم الدرس إلكترونياً لأنه يختلف عن التقديم مباشرة    للطلاب ، كما يستدعي ضرورة تعلم الطلاب كيفية التلقي من خلال الانترنت ، وكذلك على أولياء الأمور تعلم بعـــــض المهارات لمتابعة    الأولاد ، وهذا كله يتأتى من خلال تطوير برنامج تنظيمي من خلال تنظيم منتديات أو دورات تدريبية عبر وسائل التواصـــل الاجتماعي حيث يمكنهم التجمع عبر الإنترنت لمناقشة الموضوعات ومعالجة مشاكلهم مع هذه الطريقة ، وأضاف أن التدريب ليس أمرا صعبا يمكن أن تتكفل به وزارة التعليم والتعليم العالي ثم يتطور من خلال الممارسة اليومية ، لأن هذا النظام سوف يخلق بيئة إلكترونية شاملة كل شرائح المجتمع . التعليم عن بعدDistance Learning  أحد إفرازات التعليم المعرفي الحديث وتؤكد مؤشرات تعليم المعرفة أن التعليم عن بعد سيحقق مزيداً من الانتشار في كل أنحاء   العالم ، وستكون له المكانة الرئيسة في منظومة التعليم والتنوير في كل مكان من العالم ، وتزداد الحاجة إلى التعليم عن بعد في الظروف الطارئة مثل هذه الظروف التي يعيشها العالم اليوم بسبب انتشار وباء فيروس كورونا .

ومما يلي بعض إيجابيات تطبيق التعليم عن بعد :

  • إن المعادلة الصعبة التي يواجهها العالم هي أن تكاليف بناء المؤسسات التعليمية وتوفير كوادرها وأجهزتها باهظة جداً ، وأن معدلات الزيادة في عدد السكان ، وبالتالي الزيادة في الطلب على التعليم ستتجاوز بنسب عالية جدا للمعروض والمتاح ، ولذلك بدأ العجز واضحاً في قبول الطلاب في كثير من الجامعات في الدول المتقدمة والنامية والمتنامية ، ولهذا جاء مشروع التعليم عن بعد لينقذ الحضارة الإنسانية من الفشل في استيعاب مزيد من طلاب العلم ورواده . إن التعليم عن بعد تعليم متكامل العناصر والفعاليات بدءاً من تصميم المنهج الدراسي التفاعلي ، ثم التعاقد مع الكفاءات القادرة على إدارة المعرفة ، والعارفة بأحدث ما وصلت إليه التقنية الحديثة ، وانتهاء بنظم الامتحانات والتقييم العلمي المستمر ، بمعنى أن التعليم عن بُعد يقوم على مهارات المعرفة الشاملة والمعرفة المتخصصة ، كما يستثمر نظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطويعها لإثراء جميع مراحل العمليات التعليمية ، إضافة إلى تطبيق المعايير والمواصفات العالمية الضامنة لتوفير أعلى درجات الجودة . وقد ظهرت حديثاً – كما هو عليه الآن في مدارسنا وجامعاتنا – الفصول التفاعلية التي تسمح للمعلم أو المحاضر أن يلقي محاضراته مباشرةً على الآلاف من الطلاب في جميع أنحاء العالم دون التقيد بالمكان ، بل تطورت هذه الأدوات لتسمح بمشاركة الطلاب من كل أنحاء العالم في الحوارات والمداخلات ، إن التعليم عن بعد أسلوب جديد ومتطور يعتمد على استخدام إدارة المعرفة والمشاركة الواسعة للدارسين كجزء أساس من أدوات التعليم العصري الحديث ، ولذلك لا يجب أن نبسطه ونعده مجرد تغطية لطلب شريحة من الناس لم تساعدهم ظروفهم على الانخراط في التعليم النظامي ، بل هو نظام كامل وشامل لنشر المعرفة والتعليم على أعلى مستوى – في ربوع الكرة الأرضية .
  • وهو أيضاً يعالج النقص في كوادر المدرسين والمدربين ، ويسد العجز في المباني التعليمية والجامعية ، ويعمل على تغطية القصور في الإمكانات ، كما يوفر التعليم عن بعد مصادر تعليمية متنوعة ومتعددة بأسعار لا تضاهي ، لقد حقق التعليم عن بعد في كبريات الجامعات الأمريكية والأوروبية وفي كل دول العالم المتقدم انتشاراً ونجاحاً منقطع النظير ، وأثبت للإنسان الذي يبحث عن المعرفة والعلوم بأنه في أيد أمينة ، وأنه سيحقق مكاسب علمية يصعب تحقيقها في التعليم النظامي .والتعليم عن بعد بهذه المزايا يرسخ مبدأ مجانية التعليم ويحقق توازنات معرفية وثقافية بين كل المجتمعات الإنسانية بحيث تنتشر الثقافة والمعرفة وتصل إلى جميع راغبيها بصرف النظر عن العالم الذي يعيش فيه طالب المعرفة أو الدولة التي ينتمي إليها أو الجنسية التي يحملها .
  • يزيد من المهارات التكنولوجية لدى الطلاب وهو تحقيق لما يقال في المثل ” رب ضارة نافعة ” فالتعليم عن بعد سوف يكسب الطلاب مهارات جديدةً ، وهي التعمق في استخدام التكنولوجيا الحديثة .
  • أصبح جميع طلبة المدارس والجامعات يتلقون دروسهم في بيوتهم دون معاناة الذهاب والإياب والاختلاط وغيرها من الظروف التي توفر بيئات سهلة مواتية لانتشار فيروس كورونا بين أبنائنا الطلبة . ولم يقتصر النجاح على التدريس فحسب ، بل تعدى ذلك ليشمل التقويم أيضاً فتحولت عملية التقويم هي الأخرى إلى إلكترونية عن بعد ، ويمكن أيضا اعتبارها تجربةً ناجحةً تقريباً على مستوى الجامعة على أقل تقدير ، حيث لقيت الكثير من الاستحسان والرضا من قبل الكثير من أساتذة الجامعة وطلبتها .
  • هذا النظام يقلل من استهلاك الأوراق وبعض المستلزمات المدرسية التي ترهق في بداية العام الدراسي مثل الحقيبة المدرسية ، وضرورة الذهاب كل صباح إلى المدرسة أو الجامعة ، فكل هذه المتطلبات تختفي مع التعليم عن بُعد ، لأن كل ما يحتاج إليه الطالب هو الكمبيوتر الذي يصلح لاستخدامه في كل المراحل الدراسية ، والاتصال بشبكة الإنترنت . كما أن التعليم عن بعد يخفف الضغط الناتج عن الزحام في السير وقت الصباح ووقت الظهيرة ، أو ما يسمى بوقت الذروة ، بسبب ذهاب آلاف الطلاب إلى المدارس صباحاً والعودة ظهراً أو بعد الظهر ، وهذا يوفر في استهلاك الوقود والتقليل من استخدام السيارات .رغم وجود العدد الكبير من الإيجابيات في تطبيق التعليم عن بعد ، إذ لا يمكن أن نقول : إنه نظام يخلو من أي عيب يشوبه ، ولكنه قليل بالمقارنة بين الاتجاهين .
  • هذا النظام لا يصلح لكل التخصصات وخصوصا تلك التي تحتاج إلى تجارب عملية ، والحضور في مواقع معينة .
  • فالتعليم الإلكتروني عن بُعد لا يمكن أن يحل محل التعليم العادي بين المعلم والمتعلم في القاعة الدراسية ، لكنه يمكن أن يكون بديلاً عندما تدعو الحاجة في مثل هذه الظروف الاستثنائية وغيرها ، باعتباره تعليم طوارئ كما يحلو للبعض تسميته بذلك ، فالتعليم العادي في الظروف العادية هو الأفضل ، وهو في الواقع مطلوب وأكثر إلحاحاً ، لما له من سمات وخصائص ومميزات وأهمية تضمن التفاعل والأخذ والرد بين طرفي العملية التعليمية ، فهو في الأساس يقوم على الواقع المحسوس الملموس ، وما يرافقه من دفء وجداني ، وحماس وفاعلية بين المعلم والمتعلم أثناء المحاضرة أو الدرس ، وتأثيره الفعلي على العلاقات الاجتماعية ، والتواصل المباشر بين أفراد المجموعة الواحدة من الطلبة ومعلميهم ، وما تنجم عنه هذه العلاقات من تعاون في الدراسة وحل المشكلات التعليمية سواءً بين المتعلمين أنفسهم ، أو بينهم وبين أساتذتهم ، فبيئة الصف الحقيقي الواقعي بطبيعتها وخصائصها ، لها حضورها وفاعليتها في العملية التعليمية ، وهذا ما يميزها عن بيئة التعليم الإلكتروني الافتراضي عن بُعد ، التي في غالبها تفتقر إلى مثل هذه الإمكانات والسمات . فكثير من أساتذة الجامعة يفضلون اللقاء المباشر في القاعة الدراسية بينهم وبين طلبتهم ، حيث الفرصة المواتية للتعرف على انطباعات الطلبة ومدى مشاركتهم أفكارهم مع معلميهم في المادة الدراسية ، مما يساعد المعلم في الحكم على مدى فاعلية تدريسه ، وتأثير ما يقدمه من معلومات وحقائق ونظريات على نفوس طلبته وسلوكياتهم داخل القاعة الدراسية ، والتي يتعذر رصدها في مواقف التعليم الإلكتروني عن بُعد ، حيث تتوافر المسافات الزمانية والمكانية ، والحواجز والموانع العصرية الحيوية الناجمة عن المعوقات التكنولوجية والفنية ، وغيرها من المعوقات التعليمية . وبالتالي ترجح كفة التعليم العادي المعتاد المباشر عن قرب ووجهاً لوجه في الظروف العادية غير الاستثنائية على كفة التعليم الإلكتروني عن بُعد . ولذلك فاستمرارية التعليم عن بُعد مرهونة بالظروف الاستثنائية الحالية المرتبطة بجائحة كورونا التي تفرض التباعد الاجتماعي .

* الأستاذ المساعد ، كلية أن . أي . أم ، كلّكندي ، كنور .