السلام العالمي في الأسوة النبوية
فبراير 7, 2022أبدية الوحي الإلهي وراهنيته
مارس 15, 2022الدعوة الإسلامية :
التعايش السلمي :
وجهة نموذجية شاملة يتقدم بها القرآن الكريم
بقلم : سماحة العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي حفظه الله تعالى
تعريب : محمد سلمان الندوي البجنوري
الإسلام من السِلم ، ومعنى السلم الأمن ، وجعل الله الإسلام دين الأمن والسلام ، كما قال في كتابه العزيز : ” يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً ” ( سورة البقرة : ٢٠٨ ) ، ومعنى اتخاذ الأمن في الإسلام التمسك بالأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن ، وقد صرح بذلك القرآن الكريم في مواضع مختلفة ، وكذلك الآيات القرآنية المتعددة تدل على ضرورة التعايش السلمي فيما بين الفئات البشرية ، وتؤكد على صيانة الناس وحفظهم من الآلام والمشكلات ، ومثل ذلك في سورة الماعون ، فإنها تذم من لا يفكر في الآخرين ولا يحفظهم من الأذى ، وكذلك كثير من الآيات القرآنية تلقي الضوء الساطع على التعاون على البر والتقوى وعلى الاعتناء بالفقراء والمساكين ومراعاة حقوقهم ، وذلك من أهم التوجيهات الربانية ، ونرى أن الشرك بالله سبحانه وتعالى وعبادة العباد لظلم عظيم وأقبح شيئ في هذا الكون . فأكثر الله من النهي عنه واجتنابه في القرآن الكريم ، وكذلك كثر في القرآن الكريم ذكر التعاون مع الفقراء والمساكين ونصرتهم واتخاذ الخلق الحسن والقيام بالأعمال الحسنة ، وإليكم مثالاً في سورة لقمان ، وفيها ينصح لقمان لابنه ويمنعه من ارتكاب الشرك ويأمره باختيار الأخلاق الفاضلة وما إلى ذلك ، وكذلك في سورة الفرقان ذكر في سياق صفات عباد الله الصالحين ما يكون مصباحاً مشرقاً للبشرية في حياتها الفردية والجماعية ، وكذلك ذم القرآن الكريم العادات القبيحة للأمم الماضية بما فيها قوم مدين الذين كانوا متورطين في نقص الكيل والميزان وبخس الحق وإلحاق الضرر بالآخرين في البيع والشراء والتعرض لهم وتهديدهم وإخافتهم وصدهم عن سواء السبيل . وقد أوضح القرآن الكريم أن الله تعالى بعث الأنبياء لتفهيم أمثال هؤلاء الناس ودعوتهم إلى الهداية الإلهية والصراط المستقيم ، ولإنذارهم من عذاب أليم إذا لم يؤمنوا برسالة الله ولم يهتدوا بهداية الأنبياء . وكذلك حكى القرآن الكريم قصة فرعون علينا مشيراً إلى أنه كان يعتدي على الأقليات ويعذبها على أمور تافهة عذاباً شديداً ، وعندما لم يتوقف عن هذه الجرائم رغم أن موسى عليه السلام أرشده ونصحه إلى مدة طويلة أغرقه الله سبحانه وتعالى في البحر مع ملئه وبطانته . وإن الله سبحانه وتعالى كره الظلم والاعتداء وذمه في مواضع مختلفة ، ومدح صفات الحب والوئام والإخاء والمودة والأخلاق الحسنة والنصح للآخرين ، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم رحمه الله : ” كونوا عباد الله إخواناً ” ( رقم الحديث : ٢٥٦٣ ) .
مَن أعلم بما يحتاج إليه المجتمع الإنساني من مرافق الحياة وبما يقتضيه التعاون فيما بينهم من خالق الكون سبحانه وتعالى ، لذلك فإن القرآن الكريم لا يلفت الأنظار إلى العبادة فقط بل يركز على العلاقة بين الخالق والإنسان ويقوم بتوجيهات نيرة تتلاءم مع العقائد الدينية واتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأعمال الحسنة على مستوى الضرورة والاستعداد ، وذلك بالإضافة إلى تمثيل الأخوة الإنسانية والقضايا المشروعة ، وإن فطرة الإنسان لا تستقر في دائرة محدودة للحياة بل إنها تميل إلى حياة اجتماعية من خلال توثيق أواصر العلاقة والمحبة بين المجتمعات الإنسانية ، ثم تلاحظ العلاقة بين المرأة والرجل اللائقة بالحدود الإنسانية المناسبة السديدة لا الشهوانية المفضحة ، وصرح القرآن الكريم بما هو الطريق الصحيح للعلاقة بين الرجل والمرأة وما هو الطريق الذي لا يناسب بينهما ، وما هو أصح وأعز صورة ، وما هو أقبح وأذل نتيجة ، وما هي المسؤوليات عن ذوي الأرحام والأقارب والأصدقاء والجيران ، وجلب الانتباهَ إلى أن يؤدى كل ذي حق حقه في ضوء التوجيهات القرآنية ، وأوضح القرآن الكريم أن أفضل طريق إلى التعايش السلمي مراعاة للاقتضاء الطبيعي وهو الأمن والسلام والمسالمة والتقسيم العملي فيما بينهم ، والتعاون مع الآخرين في الحياة الاجتماعية بالمحبة والأخوة بطريق حسن ، وعند انفجار النزاع والخلاف الذي يسيئ العلاقات فيما بينهم قدم حلولاً ناجعةً ومؤثرةً لكي لا تتوتر الروابط بل وأن يكون كل ذلك صالحاً لكل واحد منهم ودون أن تتأجج فيهم نار الشر والفساد ، لذلك فإن أسلوب بيانه جذاب أخاذ يجذب القلوب وتتأثر به النفوس .
وأما المرأة والرجل فهما سويان في كونهما إنساناً ، ولكنهما يختلفان في القوة والكفاءة والتفاعل والطبيعة ، وكذلك توجد الأصول والمبادئ النافعة في القرآن الكريم لاكتساب الأموال بالجهد وكد اليمين وعرق الجبين مثل التجارة والصناعة والبيع والشراء ، وإنفاقها في سبيل الحلال ، واختلاف أحكام البذل والإنفاق بناءً على الحالة الاقتصادية ، بالإضافة إلى تحريم الأموال التي تحصل عن طريق الربا والقمار وعن كل نوع من أنواع الباطل . وكذلك توجد الإرشادات في خصوص صاحب المال بعد موته ، فلا يجوز لأحد أن يغتصب ماله بل يقسم بين ورثته من أولاده أوأقربائه من حيث انتمائهم إليه في ضوء تعاليم الإسلام .
ومن تعاليم القرآن الكريم أن يولي الأثرياء والأغنياء اهتمامهم بالفقراء والمساكين وبالذين لا يجدون ما يسد الرمق بعد جهد بالغ ، وعليهم أن ينفقوا ما أعطاهم الله من فضله على أمثال هؤلاء الناس ، وذلك يعد من خير الأفعال والأعمال ، والقرآن الكريم يحث في عدة مواضع على الإنفاق في سبيل الله تعالى وذوي الحاجات والضرورات لكي تقل الوعورة الاقتصادية الطبيعية التي نشأت بين الأغنياء والفقراء إلى حد معقول ، ومن البداهة أنه لا يستوي الذين يختارون الحكمة والعمل والذين لا يختارونهما ، ويستحق لصاحب الجهد أن يحصل على الفائدة مما بذل من الجهد والعمل ، ورغم ذلك إذا نشأت بين الغني والفقير الوعورة الاقتصادية فليتعاون بعضهم بعضاً ، وذلك العمل يعد من العبادة عند الله سبحانه وتعالى ، وإلى جانب ذلك اهتم الإسلام بأن تكون الحياة ممتزجةً بالصلاح والتقوى والأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن فرديةً كانت أو جماعيةً ، ومبتعدةً عن رذائل الأخلاق والتظالم فيما بينهم .
إن كتاب الله القرآن الكريم كتاب جامع كامل شامل للحياة الإنسانية كلها وهو دستور حياة متناسق ومستمر للبشرية جمعاء في كل جيل وفي كل عصر حتى يحشر الناس يوم القيامة ، يحيط بجميع الحاجات والمتطلبات من حيث الطبقات المختلفة والأصناف المتنوعة من الإنسان ، ويسمى ذلك ” الكتاب ” كما جاء في كتاب الله العزيز : ” ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ( سورة البقرة : 2 – ٥ ) وجاء في موضع آخر : ” إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً . وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ” ( سورة بني إسرائيل : ٩ – ١٠ ) ، يتبين من دراسة هذه الآيات أن القرآن الكريم يوجه نداءه إلى قلوب البشر لكي تتحسن المجتمعات وتتوطد العلاقات بينهم وبين الله تعالى بوجه خاص ، ومن الأساس الكبير المهم أن يعتقد الإنسان بعظمة الله ورفعته وكبريائه وتوحيده وبأنه هو الخالق المالك وهو الرزاق ذو القوة المتين ، وأن يؤمن بحياة الآخرة الباقية بعد هذه الحياة الدنيا الفانية ليجزى هناك العاملون بما أمرهم الله سبحانه وتعالى ويعذب العصاة الذين يعصون بما أمرهم الله سبحانه وتعالى ، وقد هدى الله سبحانه وتعالى الإنسان في ” سورة الإسراء ” إلى أن يختار في حياته السلوكيات الحسنة من الأخوة والمحبة والعدل والمواساة والنصح لكل فرد ، وقال : ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً . وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا . وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا . وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا . إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا . وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا . وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا . وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا . وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا . وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا . وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا . وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا . كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا . ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا .
إن القرآن الكريم ألقى ضوءً ساطعاً على حسنات المجتمع ونقائصه بالأمثلة الواضحة ، وأزاح الستار عن حقائق الإسلام وأدلى بأنه دين خالد شامل للحياة الإنسانية ، ولم يكتف بذلك بل قدم حلولاً ناجعةً لقضايا المجتمع ومشكلاته ، فلذلك قال سبحانه وتعالى في سورة النحل الآية ٩٠ : ” إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَائِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ” . وزّع الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة على ثلاثة موضوعات وهي كما يلي : (1) الفحشاء يعني الأفعال القبيحة ، (2) المنكرات يعني الأفعال الشخصية الشنيعة ، (3) البغي يعني التجاوز عن الحدود وسعي الفساد الذي يتأثر به الفرد والجماعة وجميع شرائح المجتمع البشري ، مثلاً : العناد والتمرد ، والسرقة ، والاعتداء على الغير ، وقتل النفس ، والسلب والنهب ، والغدر بالوطن وما إلى ذلك .
وذم القرآن الكريم علناً السرقة والنهب واغتصاب الأموال بغير حق ، وصرح بأن هؤلاء المجرمين يستحقون العذاب الشديد ، قال في سورة المائدة الآية ٣٨ : ” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” .
وأمر بالعقاب والعذاب لمن يتهم أحدا بارتكاب الفحش والإثم بدون دليل وسابق علم لكي لا ينتشر الفساد والفوضى في المجتمع ولا يهتك عرض أحد ، وقال في سورة النور الآية ٤ : ” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” .
وكذلك أمر بالامتناع عن إفشاء عيوب الناس بدون مصلحة وجعله إثماً كما قال سبحانه وتعالى في سورة الحجرات الآية ١٢ : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ” .
وتلك أدواء خلقية يعترف الإنسان العاقل بأنها من الصفات الذميمة والأخلاق السيئة ، ولا شك أنها مشبوهة ومنكرة في الدين والشريعة ، لو أجيزت هذه المنكرات لفسدت المجتمعات وأهدرت الحقوق وانتهكت العزة والشرف .
وقتل النفس بغير حق في ضوء الآيات القرآنية جريمة عظيمة ، وقيل إن قتل نفس واحدة يساوي قتل الإنسانية جمعاء وإحياء نفس واحدة يساوي إحياء الإنسانية جمعاء ، وقال سبحانه وتعالى في سورة المائدة الآية ٣٢ : ” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” .
وقال الله تعالى في سورة المائدة الآية ٢ وهو يحث على التعايش السلمي وإحلال الأمن والسلام في جميع المجتمعات البشرية والتعاون فيما بينهم : ” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ ۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ” .
وقال في نفس السورة الآية ٨ ترغيباً في إقامة العدل والقسط في كافة أرجاء المعمورة : ” يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوأَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” .
وركز العناية على الإخاء الإنساني والحياة الآمنة واحترام العواطف البشرية في سورة الأنعام الآية ١٠٨ : ” وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْوًۢا بِغَيْرِ عِلْمٍۢ ” .
ذكرت هناك عدة أمثال للأخوة الإنسانية والأمن العالمي ، وسوى ذلك فإن هناك أمثلة كثيرة لا يأتي عليها الحصر .
إن القرآن الكريم وحي إلهي وكتاب سرمدي يقدم إلى المجتمعات المتنوعة الإنسانية ذات الثقافة والحضارة الكثيرة وجهةً مثاليةً عالميةً للتعايش السلمي لا نظير لها في أي دين وفلسفة ، فلذلك يجب أن تعمم التوجيهات القرآنية بحكمة بالغة وبطريق حسن على المستوى العالمي .