الحج طريق إلى وحدة المسلمين
يوليو 31, 2021الأنباء النبوية حول الأحداث في العالم
يوليو 31, 2021الدعوة الإسلامية :
التراث في القرآن الكريم وفي الحديث
الأخ مظفر أحمد شيخ *
التراث في اللغة :
التراث كما جاء في لسان العرب لابن منظور هو الورث والإرث والميراث ، وأصل التاء في التراث ” واو ” ، وهو قول الجوهري ، ويقول ابن سيده : الورث والإرث والتراث والميراث : ما ورث .
مفهوم التراث :
يمكن فهم التراث على أنه : مجموع قيم ، ومعتقدات ، وآداب ، وفنون ، ومعارف ، جميع نشاط الإنسان المادي والمعنوي ، وهو ناتج عن تراكم خبرات المجتمع ، وهو شاهد على تاريخ الأمة وأحوالها . ويتميز بأنه مكون من بُنى مترابطة ، ومتكاملة الأجزاء ، ومتداخلة في كثير من الأوقات ، ومنه ما هو ثابت ، ومنه ما هو متغير .
لا ريب في أن أقدم النصوص وأبرزها تلك التي نطالع فيها كلمة ” التراث ” والأسماء المشتقة منها ، وأيضاً مادتها ” ورث ” ، هو القرآن الكريم ، كتاب الله المبين .
ولكي يتجلى الهدف أورد هنا بعض الآيات القرآنية الكريمة التي تتضمن الكلمة أو مادتها ، ومعناها عند بعض المفسرين .
يقول جل شأنه : ” وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ” [1] .
قال الأستاذ سيد قطب : ” والمقصود والتفسير لهذه الآية هي وراثة العلم ، وداود أوتي الملك مع النبوة والعلم ، ولكن الملك لا يذكر في صدد الحديث الذي يذكره القرآن ، ولم يقصد به المال أيضاً ، لأن وراثة المال تكون لجميع أولاد سليمان ، وليس لابن واحد خاصة ، وأن له تسعة عشر ولداً ، والعلم هو القيمة العليا التي تستأهل الذكر . . . ” [2] .
وهكذا ، أخذ داؤود وهو ( اللاحق ) ، من تراث سليمان ( المتقدم ) العلم والحكمة . ويقول جل شأنه : ” فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ ” [3] .
ويقول الإمام القرطبي : ” فأخبر جل ذكره أن الأبوين إذا ورثاه أن للأم الثلث ، ودل بقوله : ” وورثه أبواه ” وإخباره أن للأم الثلث ، أن الباقي وهو الثلثان للأب ، وهذا كما تقول لرجلين : هذا المال بينكما ، ثم تقول لأحدهما : أنت يا فلان لك منه ثلث ؛ فإنك حددت للآخر منه الثلثين بنص كلامك ؛ ولأن قوة الكلام في قوله ” وورثه أبواه ” يدل على أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد غيره ، وليس في هذا اختلاف ” [4] .
ودلالة ” الميراث ” في ” ورث ” هنا دلالة مادية تتعلق بنصيب ” الأم ” من ولدها إذا توفي ، وليس له ما يرثه سوى الأبوين .
يقول جل شأنه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ” [5] ، قال الإمام القرطبي : ” والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم ، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال ” [6] .
ونقل قول الإمام السدي : ” كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوباً فهو أحق بها وإن سبقته فذهبت إلى أهلها ، كانت أحق بنفسها ” [7] .
وظاهر المعنى ، أن القرآن الكريم يضع حداً لما كان عليه العرب في الجاهلية من وراثة المرأة من زوجها كرهاً ، كالمال يؤول لغير صاحبه إذا مات صاحبه . يقول الحق تبارك وتعالى : ” فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ ” [8] .
قال ابن منظور : ” الخلف : بفتح اللام ، ما استخلفته من شيئ ، وهو الولد الصالح يبقى بعد الإنسان ، والخلف : الطالح ، بالسكون في اللام . . . ولا يكون الخلف إلا من الأخيار ، قرناً كان أو ولداً ، ولا يكون الخلف إلا من الأشرار ” [9] .
ومعنى النص القرآني الكريم بصفة عامة : خلف من بعد ذلك الجيل ، فيهم الصالح والطالح – خلف آخر لا خير فيهم ورثوا الكتاب وهو التوراة عن آبائهم ، ولكنهم لم يتكيفوا عليه ، ولم تتأثر قلوبهم وسلوكهم ، بل حولوه إلى ثقافة وعلم يحفظ ودراسة خاصة ، وبذلك نحواً بعقيدتهم نحواً آخر بعيداً عن الحق ، وهكذا ورث بنو إسرائيل الكتاب ” التوراة ” والعقيدة ، ولكنهم لم يستفيدوا مما جاء فيها وحولوه إلى أمر آخر . ويستنتج من هذا أن التراث الذي كان لبني إسرائيل هو تراث عقائدي ، وقد انصرفوا عنه فضلوا ضلالاً بعيداً [10] .
هذا ، وقد ورد لفظ ” ورث ” في سورة ” مريم ” في أربعة مواضع ، أذكر منها قول الحق تبارك وتعالى ، إذ رأى المفسرون وبعض النحاة المفسرين أنه يشتمل على المعاني التي تضمنها كلمة التراث ، أعني : المعنى المادي والمعنى المعنوي ، وهذا الموضع هو : ” يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ” [11] .
قال الإمام أبو جعفر النحاس ( 338هـ ) : ” فأما معنى – يرثني ويرث من آل بعقوب . فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة : قيل : هي وراثة نبوة ، وقيل : هي وراثة حكمة . وقيل : هي وراثة مال .
فأما قولهم : وراثة نبوة محال ؛ لأن النبوة لا تورث ، ولو كانت تورث لقال قائل : الناس كلهم ينسبون إلى نوح عليه الصلاة والسلام ، وهو نبي مرسل ، ووراثة الحكمة والعلم مذهب حسن . فهذا لا حجة منه ؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجميع . . . ” [12] .
ونطالع كلمة ” التراث ” بكل أبنيتها في سورة ” الفجر ” من القرآن الكريم ، في قوله تعالى: ” وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا ” [13] ، والمعنى : وتأكلون الميراث أكلاً شديداً . إذ كان العرب في الجاهلية يأكلون ميراث النساء والأولاد الصغار أكلاً شرهاً جشعاً ، أي يأخذ نصيبه ونصيب غيره ممن لا حول لهم ولا قوة ، ولا يسألون عن ماذا كان حلالاً أو حراماً ، ويزعمون أن المال ، حتى وإن كان موروثاً ، لا يستحقه إلا من يقاتل .
والتراث هنا على نحو ما يفهم تراث مادي فضلاً عن عادة أكل الميراث عادة توارثها الجاهليون ابناً عن أب .
وثمة آيات أخرى في الكتاب الكريم [14] ، غير ما تقدم ، تدور معانيها في إطار معنى التراث المادي والمعنوي .
ولكلمة ” التراث ” تاريخ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منه الحديث الذي ورد في الدعاء [15] : ” اللهم أمتعنى بسمعي وبصرى ، واجعلهما الوارث مني ” ، قال ابن شميل : أي أبقهما معي صحيحين سليمين حتى أموت .
وقيل : أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية ، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى ، والباقين بعدها .
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” بعث ابن مربع الأنصاري إلى أهل عرفة ، فقال : اثبتوا على مشاعركم هذه ، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم ” .
وتختتم بحرف ( الثاء ) : غير أنها تتفاوت في ذلك بين الوفرة والقلة ؛ إذ وجد بعد مشقة من البحث والتفتيش ، فيما بين يدي من معاجم العربية ، على اختلاف حجمها ، أن ثمة ثلاث مواد تبدأ ( بالتاء ) ويثلثها حرف ( الثاء ) ، وهي :
المادة الأولى مادة ( تفث ) [16] : والتفث هو نتف الشعر وقص الأظفار ، وتنكب كل ما يحرم على المحرم ، وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال ، وفي التنزيل الكريم : ” ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ” ، قال الزجاج : لا يعرف أهل اللغة التفث إلا من التفسير .
المادة الثانية مادة ” تلث ” [17] : ومنها التليث ، وهو نوع من تجيل السباخ . المادة الثالثة مادة ” توث ” [18] : ومنها التوث : الفرصاد ، واحدته : توثه . وهذه لغة ضعيفة في التوث ، على نحو ما ذكر ابن منظور .
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
* باحث الدكتوراه بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة لكناؤ ، الهند . aasifnabi710@gmail.com
[1] سورة النمل ، بداية الآية الكريمة 16 .
[2] في ظلال القرآن 5/2633 ، الطبعة الشرعية الثانية عشرة ، دار الشروق 1986م .
[3] سورة النساء ، بداية الآية الكريمة 11 .
[4] الجامع لأحكام القرآن ، 5/71 .
[5] سورة النساء ، بداية الآية الكريمة 19 .
[6] الجامع لأحكام القرآن ، 5/95 .
[7] المصدر السابق ، 5/95 .
[8] سورة الأعراف من الآية 169 .
[9] لسان العرب ، مادة ” خلف ” ، 1236 .
[10] تفسير الكشاف ، للإمام الزمخشري ، 6/232 .
[11] سورة مريم ، جزء من الآية 6 .
[12] إعراب القرآن ، 3/6 .
[13] سورة الفجر ، الآية الكريمة 19 .
[14] سورة النساء ، جزء من الآية 176 ، وسورة الأنبياء ، 89 ، 105 .
[15] لسان العرب ، مادة ” ورث ” ، 4809 .
[16] أساس البلاغة للزمخشري ، ” تفث ” ، 38 ، ولسان العرب ، مادة ” تفث ” ، 435 .
[17] لسان العرب ، مادة ” تلث ” ، 438 .
[18] لسان العرب ، مادة ” توث ” ، 453 .