قراءة في ” رجال الفكر والدعوة في الإسلام ” ( الجزء الأول )
مارس 1, 2020الاقتصاد الإسلامي في الهند : عوائق وعقبات
للخبير الاقتصادي إيج . عبد الرقيب
بقلم : د . محمد شاهجهان الندوي ( لكناؤ )
هذا الكتاب صدر من ريشة قلم الخبير الاقتصادي والكاتب الشهير إيج عبد الرقيب ، ويشتمل على 296 صفحة ، ونشر في نوفمبر عام 2018م من المركز الهندي للاقتصاد الإسلامي بدهلي .
ومما لاشك فيه أن الإسلام دين عالمي شامل ، وخالد يبقى إلى يوم القيامة ، ويتسم بمرونة بحيث يصلح لجميع الظروف والأحوال ، والأزمنة والأدوار ، بل إنه دستور كامل للحياة ، خص منه باب للمعيشة والتجارة ، ورد بشأنه من الأحاديث ما لا يحصى ولا يعد .
ولا يخفى أن ركناً هاماً من أركان الإسلام الخمسة إنما هي الزكاة ، التي أكد عليها بعد الشهادتين والصلاة أعظم تأكيد ، ووردت كلمة الزكاة ثلاثاً وثلاثين مرةً في القرآن المجيد ، ومن أهداف الزكاة أن يتم تقوية الفئة الفقيرة البائسة المفلسة حتى تتأهل هي بنفسها لأداء الزكاة ، وأن تتوافر لها كذلك فرصة الحياة السعيدة الهنيئة الآمنة المطمئنة .
وقد قام النبي الخاتم – صلى الله عليه وسلم – بالتجارة ، واتجر الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – ، ولم يكد يفرغ النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد الهجرة من بناء المسجد النبوي حتى أسس سوق المدينة قبل بناء بيته ، ورفض وقاطع جميع العادات والتقاليد التي تضر المعيشة ، كالازدواجية في الكيل والوزن ، والغرر ، والربا ، وعدم التوازن فيما بين الناس ، حتى تحسنت بسبب ذلك الحالة الاقتصادية للمسلمين إلى حد ، لم يبق أحد يأخذ الزكاة إلى عهد عمر – رضي الله تعالى عنه – ، وهذا الخليفة العادل هو الذي أجرى القرض بدون الربا من بيت المال أول مرة .
وبالجملة ، فإن الإسلام لم يمنع من اكتساب الرزق الحلال ، بل حثَّ عليه ، فهو بذاته ليس ممقوتاً في الشريعة الإسلامية ، بل المبغوض إساءة استخدامه ، فقد كان الأربعة من العشرة المبشرة بالجنة : عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزُّبَير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله أشد غناء وثروة من أرباب المليارات والبلايين اليوم .
إن المسلمين رغم هذه التعاليم الإسلامية السامية متخلفون من الناحية التعليمية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والربع من فقراء الهند مسلمون ، والنساء منهم أكثر عدداً ، مع أن الكثافة السكانية للمسلمين في الهند 14 – 20% فقط من مجموع سكان الهند . ( كما يقال ) .
فينبغي أن تجعل المساجد مع العبادات مراكز التعليم ، وبيت المال ، والأمور والشؤون الخيرية الأخرى ، كما كان المسجد النبوي في العهد النبوي مركز التعليم ، ومكتب شؤون الدفاع عن الإسلام ، وسجنا ، وبيت المال ، ومركز المساعدة في حالة المصائب المفاجئة والحوادث السانحة الأخرى . ويجدر بالمسلمين أن ينظموا بيت المال الجماعي دون الانفرادي ، كما فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، وأقام له أربعة أقسام : (1) قسم العاملين على الصدقات (2) قسم الكاتبين لشؤون الصدقات (3) قسم الخارصين (4) قسم العمال على الحمى . وينبغي أن يدار هذا النظام على طريقة ” إفريقيا الجنوبية ” ، و ” ماليزيا ” ، حيث وزع الفقراء فيهما إلى قسمين : (1) قسم المنتجين ( Productive ) (2) قسم غير المنتجين ( Unproductive ) . ومما لا يخفى أن دستور الهند لا يمنع من إقامة هذا النظام . كما أنه يجدر بنا أن نهتم بالاستثمار غير الربوي ، الذي يسع له الدستور الهندي .
وبما أن النظام الاقتصادي للمساواة للاشتراكية ، والنظام الرأسمالي كليهما معرضان للتدهور ، فيميل الناس إلى الخدمات المصرفية الإسلامية اللاربوية والاستثمار الإسلامي في مثل هذه الظروف ، حتى تقبل هذا النظامَ الاقتصادي : بريطانيا ، وباريس ( Paris ) ، وألمانيا ( Germany ) ، وهونغ كونغ ( Hong Kong ) ، وسنغافورة ( Singapore ) ، وسويسرا ( Switzerland ) ، وقد جعل بعض الخبراء الاقتصاديين هذا النظام بديلاً وحيداً عن غياب الاستقرار الاقتصادي ، ومن هنا تمت مبادرات الاستثمار اللاربوي في بعض مدن وطننا العزيز ، كمدينة كوتشي ، ومؤمبائي ، وهو يجري بنجاح منذ مدة ، حتى ساهمت حكومة كيرالا مع ” مؤسسة البركة ” في الاستثمار اللاربوي بنسبة 11% ، وجعلتها محكمة كيرالا موافقةً لقانون الهند .
وحري بنا أن ننفذ في المجتمع للرقي الاقتصادي للمسلمين تمويل المشاريع الصغيرة ( Microfinance ) ، والتكافل ، وبعض الصور للتأمين التي أباحها العلماء ، كما أنه يجدر بنا أن نتقدم بالنساء إلى الأمام في الصناعة المنزلية ، أو ننشئ شركة النساء ، كما أن النساء يقمن بخدمات تربوية فاضلة في الروضة السفلى ( Lower Kindergarten : LKG ) ، وروضة الأطفال العليا ( Upper Kindergarten ) ، وما إلى ذلك من الصفوف ، ويستطعن القيام بالعلاج ؛ لأننا نجد ذكر بعض الصحابيات بالتجارة ، والمحاسبة ( Accounting ) ، ومهنة معالجة المرضى ، فتتقوى معيشة المسلمين بهذه المبادرات والإجراءات .
أما إجراء الخدمات المصرفية اللاربوية ، فإنه لا يسع له قانون البنك الاحتياطي الهندي ( Reserve Bank of India RBI: ) ، والحاجة ماسة لذلك إلى التعديل في القانون ، والتغيير اليسير في نظام الضريبة ( Tax ) ، وتمت لذلك اتخاذ خطوات ومبادرات عدة ، ولم يُضيِّع المركز الهندي للتمويل الإسلامي ( Indian Centre For Islamic Finance ) فرصة بوجه أخص ، فهو يسعى إلى فتح شباك ( Window ) لا ربوي في بنوك الهند على الأقل سعياً كاملاً ؛ لأنه أنشئ لتحقيق هذا الغرض .
وتمس الحاجة كذلك إلى أن يتقدم المتخرجون من المدارس إلى حل المشاكل الاقتصادية ، والقيام بهذه الخطوات . وهم في حاجة إلى مؤسسة يجري فيها تعليم النظام الإسلامي اللاربوي وأجزائه وعناصره ومقوماته ، والنظام السائد في الوقت الحاضر ، والتطبيق الشرعي بينه وبين النظام الإسلامي ، حتى تحصل لهم المهارة التامة . والحاجة ماسة كذلك إلى توعية المسلمين خاصة ، وتوعية سكان البلاد عامة بهذا النظام ، وأن يتم لفت انتباه الحكومة الحالية و البنك الاحتياطي الهندي ( Reserve Bank of India RBI: ) إلى ذلك بين الفينة والفينة الأخرى ، والمهم أن تتم جميع الأعمال والشؤون بالصلاح والكفاءة .
ومما يؤخذ على الكتاب المذكور أنه لا يخلو من التكرار ؛ لأنه في الأصل مجموع خطب كتبت في أوقات مختلفة ، فحري بالمؤلف أن يرتبه في الطبعة الثانية بصورة ترتيب الكتاب ، وأن يحذف منه المكررات ، حتى يقل حجمه ، ويذهب الملل الذي ينشأ بسبب التكرار ، وينال الكتاب قبولاً أكثر ، وينبغي تخريج الأحاديث وتحقيقها ؛ لأن الأحاديث المقبولة هي الدليل ، وبهذا يحظى بالقبول لدى العلماء .
وعلى كل ، فإن محتويات الكتاب جميلة ، وأسلوبه أسلوب دعوة ونصح ، وكلماته تهز أوتار القلب ، والمضامين خلابة ، وقد وفّى حقها كما ينبغي ، ولم يترك جانباً من الجوانب مهملاً ، سواء كان يتعلق بالتحقيق أو الإيضاح .
جزى الله تعالى المؤلف ومساعديه أجراً جزيلاً ، ووفق المسلمين للعمل بمشورته السديدة ، ورأيه الصحيح .