حاجتنا إلى الإسلام في عصرنا الحاضر !
فبراير 7, 2023هيهات لا يأتي الزمان بمثله !
مايو 28, 2023الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام الصادق دافع عن كل بلاء نازل !
عمّر الله سبحانه وتعالى هذه الأرض من أول يومها بخلق من أحسن تقويم ، وسماه الإنسان ، وأكرمه على جميع أنواع المخلوقات عقلاً وشكلاً وفهماً وذكاءً ، وقد يسّر له أن يستخدم جميع هذه التميزات الإنسانية في الإيمان بالخالق العظيم والعيش في صالح الأعمال ، ومن ثَم أكرمه بالأجر العظيم والمثوبة الكاملة بإزاء الأعمال والإيمان والتودد إلى الله الخالق العظيم ، ثم ثبت بكل وضوح أن الله تعالى أحكم الحاكمين ، وأن الأعمال المرضية – وإن كانت صغيرة الحجم – لا تذهب سدىً في أي زمان ومكان .
لقد حملت إلينا الأنباء العالمية نبأ زلازل مفاجئة ذات شدة وعناء في كثير من أجزاء العالم البشري المعمور بالإنسان ، ومراكز العمل والإيمان من أول التاريخ البشري ، وقد كانت جزءاً من أجزاء العالم الإسلامي ، وكان أهلها المسلمون لهم تاريخ مشرق في جميع المجالات البشرية وفي العلم والصناعة ، والابتكار في كل ناحية من نواحي الحياة الدينية والمدنية ، والخير والنصح ، فكان هذا التاريخ لا يكتمل إلا بذكر تلك الجوانب العملية والصناعية .
إننا نقرأ اليوم في الجرائد اليومية بمختلف لغاتها ، أن بلاد تركيا وسوريا زُلزلت فيهما الأرض وتهدمت آثارها القديمة والجديدة في لمحة واحدة ، وذلك في الجزء الأخير من الليل ، حينما كان أهلها الساكنون في حالة نيام قبل بزوغ الفجر ، وكانت اللمحات تنقضي بسرعة هائلة لتسفر عن الفجر وبعده بالصبح ، وقد تهدمت البيوت والمنازل التي كانت عامرةً بأهلها وسكانها في ذلك الوقت ، ولذلك بلغ عدد ضحايا هذه الزلازل إلى ما لا يأتي عليه الحصر ، وقد بلغ عدد الهالكين فيها إلى الآن خمسة وعشرين ألفاً ممن أخرجوا من الركام ، ولكن عدد الآخرين من الخفايا والموتى الذين لم يتيسر إخراجهم من الركام كثير ، لم يطلع عليه الناس العاملون في إخراج ما يختفي في هذه المهدمات من الناس والمتاع .
لا يمكن المسجلين عن شدة الحادث أن يقدروا عدد أولئك الضحايا الذين لم يمكن الاطلاع عليهم رغم استمرارية البحث عنهم ، ولا غرو فإنه لم يكن حادث زلزال فقط ، بل كان مع ذلك عقاباً للذين لا يفكرون في مستقبلهم ومستقبل حياتهم ، وحياة وأعمال من خلقهم الله تعالى لأداء ضريبة الحياة الإنسانية التي أشار الله سبحانه وتعالى إليها في كتابه الخالد العظيم ، فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .
لا يخفى على أهل البصر والبصيرة أن موجة الأمراض والحوادث لا تجد لها طريقاً إلا بعد ما يقدر الله تعالى مناسبات عديدةً للامتناع عن المعاصي والعودة إلى الحقيقة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في المجتمعات الإنسانية ، وأنزلها الله تعالى بغاية من الوضوح مرةً بعد أخرى ، وبيّن ما يجب على الإنسان نحو ربه تبارك وتعالى وما حرّم عليه من المعاصي والذنوب ، سواءً كانت باديةً أو خافيةً ، ونأخذ لذلك مثلاً للإنسان المسلم الذي أعلن بإسلامه وانضم إلى صفوف المسلمين في أعمالهم التي يثاب عليها ، والتي تكون محرمةً ومقربةً إلى المعاصي التي لن يرضاها في أي حال ولا في مكان .
طالما يعيش الإنسان في عزة وهناء بال ، ولا يتوهم أن هناك مصيبةً كبرى تفاجئه من غير مهلة وتستحوذ عليه وهو في سعادة وغنى وفي غفلة عنها فإذا بها تكون ضجيعه في أقل من لمحة واحدة ، وتتحول كل سعادة وتنعّم شقاءً ونقمةً ، فقد شهد التاريخ أمثلةً كثيرةً لمثل هذه الأحوال والظروف في مجتمعات بشرية ، وهذه المفاجأة اليوم ليست إلا جزءاً من تاريخنا البشري الحديث ، حيث إن بنايات شامخةً وقصوراً عاليةً وقعت فريسة الزلزال الشديد الذي لا يوجد له نظير في التاريخ القريب ، رغم أن البلادين تركيا وسوريا تعتبران بلاد المسلمين وحدهم ، وتعتبران من التاريخ القديم من أمثال مراكز المسلمين الذين مثلوا نماذج عاليةً في التاريخ الإسلامي ، وقد قيل : إن عدد الضحايا المعلوم في هذا الزلزال بلغت الآن 25 ألف إنسان فقط ، ولا يزال يتزايد هذا العدد مع مرور الزمان بالأعمال البحثية وبتصفية أركام المهدمات من البيوت العامرة ، والساكنة بأهلها ، ولا تزال عملية التصفية والبحث عن الأسر الساكنة في المدمرات المنزلية في استمرارية مستمرة .
وقد جاءت في خلال هذه التدميرات أن أسراً إسلاميةً والمشتغلين بقراءة القرآن وجماعة المخلصين من أبناء الإسلام ممن كانوا مقبلين على عبادة الله تعالى في ذلك الوقت كعادتهم المستمرة ، إنما حفظهم الله تعالى ونجّاهم وأهلهم من سوءة هذه المصيبة الكبيرة ، ولا شك فإن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
يجب علينا في كل قطعة من الأرض معرفة أن الله سبحانه يطلع في كل حين على جميع ما يُنجز من أشكال وأعمال في أي منطقة أو بلد أو بيت ، أو مركز دعارة وفسوق ، ولكنه تعالى يقدّر الوقت المناسب لإنزال العقاب على كل ذلك ، وهو يرى بأم عينه ما يباشره الإنسان سواءً كان مسلماً أو غيره ، ويتربص الوقت المناسب للتنبيه أو التدمير .
لم تكن البلدان الإسلامية التي عُرفت بعلوّ مكانتها وكثرة العلم والعلماء فيها ، مجهولةً لدى المؤرخين الإسلاميين ، فكانوا يعتبرونها مراكز العلوّ والغلبة للمسلمين ، وكانت منها مراكز لعبادة الله تعالى والالتجاء إليه بطريق عبادة كبرى من الطواف والسعي والرمي ثم أداء حج بيت الله تعالى وأداء أركانه التي قرّرها الله تعالى وعمل بها رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم .
من هنا كان يعود علينا أن لا ننسى أن أوامر الله تعالى لا يملكها إلا هو وحده ، وليس للإنسان أو غيره أيّ دخل أو تجاوز من النقص أو الزيادة ، وليس له أن يعيّن وقتاً أو مكاناً في إنجاز قدرته أو إرادته ، بل الواقع الذي يصله بربه تبارك وتعالى هو أن يصوغ حياته ، وجميع أعماله – مهما كانت – في قالب العبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فذلك وحده المقياس الأول الصحيح الذي تبناه جميع عباد الله الصالحين من الأنبياء وورثتهم العلماء المخلصين المؤمنين الكاملين .
ولقد رأى المسلمون المخلصون الصادقون بأم أعينهم كيف عاش المسلمون الصادقون ممن كانوا مشغولين بذكرالله تعالى وقراءة كتابه العظيم بالهدوء والطمأنينة كأنهم في حياتهم العادية ولم يحدث لهم شيئ .
كل ذلك نتيجة لحب الله ورسوله وتلاوة القرآن والعزم الصادق بالعمل بما أنزل الله تعالى عن طريق خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدينه القيّم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .
سعيد الأعظمي الندوي
13/2/2023م