القصة القصيرة عند الشيخ الطنطاوي : دراسة فنية تحليلية
يناير 6, 2021عوائد البعثات العلمية في العصر الحديث : ” مصر نموذجاً “
يناير 6, 2021دراسات وأبحاث :
إضاءات على مفهوم ” التجديد ” ومشروعيته في الإسلام
د . محمد منصور الهدوي الفلوري – جمهورية الهند
التجديد قضية حيوية في خضم تاريخنا الفكري ، ارتبط وجوده وممارسته أو انعدامه وغيابه ، بازدهار الأمة وانحطاطها ، وأمتنا منذ عقود ممثلة في طلائعها الفكرية والإصلاحية التغييرية تحاول استنطاق هذا المفهوم ، وتعمل على تجسيده في نتاج – فكري – ابتداء – يتلمس طريقه إلى واقع حي في شتى مجالات الحياة . ولا أحسب أني أعدم من يشاطرني الرأي في الحاجة الماسة إلى معاودة الحديث عن الإطارين ” المفهومي ” و ” الشرعي ” للعملية التجديدية ، وهو ما جاء هذا الجهد المتواضع لإنجازه .
نبدأ بتحديد مصطلحي ” التجديد ” و ” الفكر الإٍسلامي ” لكون التجديد يكون ابتداءً تجديداً فكرياً ، هذا التجديد المعبّر عن موقع القضية – قضية التجديد في الفكر الإسلامي من المذهبية الإسلامية .
أولاً : مفهوم التجديد :
التجديد ومنه جدّد يرد في الاستعمال اللغوي – كما ورد في لسان العرب – بمعنى ” قطع ” يقال ” جددت الشيئ أجده ( بالضم ) جداّ : قطعته ، ويقال : ملفة جديد وجديدة حين جدّها الحائك أي قطعها . ويقول ابن منظور : ” فأما ما جاء منه في غير ما يقبل القطع فعلى المثل بذلك ، كقولهم : جدّد الوضوء والعهد ، وكساء مجدد : فيه خطوط مختلفة ، ويقال : كبر فلان ثم أصاب فرصةً وسروراً فجدّ جدّه كأنه صار جديداً ” .
يلاحظ من هذا الاستعراض اللغوي أن مما يرد في الاستعمال على سبيل المثال : قولهم ( جدد العهد ) وقولهم ( جدّد الوضوء ) ” فكأن الزمان قطع العهد فاحتاج إلى الوصل والتجديد كذلك في الثاني .
وكل ما لا تأتي عليه الأيام جديد ، ومنه تسميتهم الليل والنهار ” بالجديدين ” أو” الأجدين ” . ومن لوازمه اللغوية : أن الشيئ الذي يقع التجديد عليه سواءً كان حسياً أو معنوياً لا بد أن يكون قد وجد وتحقق وكان للناس به عهد ، ثم أدركه البلى وعوامل التغيير بطول الأمد ومرور الزمان ، فصار خلقاً قديماً لا يلبي الحاجة فاحتاج إلى ما يعيده إلى حاله الأول الذي كان عليه قبل أن تدركه عوامل التغيير والبلى ، ليستطيع أن يؤدي مهامه من جديد ، ما دام الشيئ الذي يقع عليه التجديد ويطوله قد يكون حسياً كما قد يكون معنوياً من جهة ، ومن جهة أخرى لا يقتضي أن يوجد من فراغ أي أن للناس به عهد وسابق معرفة ، ومنه فلا يعني التجديد بإيجاد ما لم يكن موجوداً أصلاً ، فإن التجديد ” اصطلاح موضوع للدلالة على الجهود والاجتهادات التي يقوم الناس بها لمقاومة عوامل البلى والتغيير في سائر الأمور المعرّضة لذلك ( حسيةً كانت أو معنويةً ) ولإعادة القديم الذي سبق أن كان موجوداً إلى حالة التواصل والاستمرار والفاعلية والصلاح ” .
نلاحظ أن هذا التحليل البسيط للمعنى اللغوي قد أمّن لنا وصلاً لطيفاً بين المعنى اللغوي والوضع الاصطلاحي ، لذا فإن التجديد لا يعني به التوجه إلى إيجاد مالم يكن موجوداً أصلاً ، بل هو أسلوب حيوي يقاوم عوامل البلى التي تلحق سائر الأمور ( حسيةً أو معنويةً ) المعرّضة لذلك ، أو إعادة القديم إلى حالة التواصل والفعالية مع الحاضر .
ومن هذا ” فالتجديد لا يعني فناء القديم بجوهره بل تدخل مادته في شكل جديد ” فتجديد شيئ ما هو ” محاولة للعودة به إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر ، بحيث يبدو مع قدمه كأنه جديد ، وذلك بتقوية ما وهن منه ، وترميم ما بلى ، ورتق ما انفتق حتى يعود أقرب ما يكون إلى صورته الأولى . فالتجديد ليس معناه تغيير طبيعة القديم أو الاستعاضة عنه بشيئ آخر مستحدث مبتكر ، فهذا ليس من التجديد في شيئ ” .
مما تقدم يمكن استخلاص شروط المجدد كالتالي :
- أن يكون هذا الشيئ المجدد قد وقع ووجد وكان للناس به سابق عهد ومعرفة فلا يوجد من فراغ .
- أن يكون قد أصيب بالتغيير أو التبديل أو التحريف أو الجمود ، أن يعاد إلى جوهره وحقيقته – إلى ما كان عليه .
- أن تحدث الاستمرارية .
لنأخذ معنا هذا الذي تقدم ونحاور الوقوف على مفهوم ” تجديد الدين ” بوصفه أشمل من تجديد الفكر – كما سنبين – لنحدد موقعه من عملية التجديد الشامل .
تجديد الدين :
من خلاله نستعرض جملة من آراء بعض العلماء الذين تعرضوا للموضوع ، المناوي : قال بصدد شرحه لحديث ” يبعث الله على رأس كل مأة سنة من يجدد للأمة دينها ” عند وقوفه لدى قوله صلى الله عليه وسلم ” يجدد لها دينها ” أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم ” ، وقال : يجدد ما اندرس من أحكام الشريعة ، وما ذهب من معالم السنن وما خفي من العلوم الظاهرة والباطنة ” ، كما قال العلقمي : ” معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة ، والأمر بمقتضاهما ” .
والآن ما هو موقع ” تجديد الفكر ” من عملية تجديد الدين ؟
قبل ذلك ينبغي الإشارة إلى أن المقصود ” بالفكر ” هنا هو ” الفكر الإسلامي ” من جهة ، وتحديد معنى هذا المصطلح من جهة أخرى .
تعريف الفكر : في اللغة يعني إعمال النظر في الشيئ أي التأمل والنظر الذي ينتج عنه نتيجة معينة في أغلب الأحيان ، واصطلاحاً : عرفه الإمام الغزالي رحمه الله بقوله : ” الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة ” . وهو كذلك ” اسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكّرة في الإنسان ، سواء أكان قلباً أو روحاً أو ذهناً ، بالنظر والتدبر لطلب المعاني المجهولة من الأمور المعلومة ، أو الوصول إلى الأحكام أو النسب بين الأشياء ” .
فالفكر – إذن – في الاصطلاح واللغة يتضمن معاني :
التأمل والنظر والتدبر التي ينتج عنها الوصول إلى المعاني والمعارف الجديدة . إنه ملكة يختص بها الإنسان ، فلا يمكن نسبته إلى المخلوقات الأخرى كالحيوانات مثلاً ، فوصف الإنسان بأنه ” حيوان ناطق ” يعني بها ترجمة الكلمات والألفاظ لمعاني الفكر .
وهنا يطرح سؤال : هل يمكن وصف مصادر المعرفة الإسلامية كلها بأنها ” فكر ” ؟
للإجابة على هذا السؤال ننطلق من مستلزمات التعريف اللغوي والاصطلاحي السابقين فنقول : إن كل ما كان فيه للفكر دور من جهة الغرض والاستنتاج والاجتهاد والإبداع يمكن وصفه بالفكر ، فنصف تراثنا الفقهي – مثلاً – بالفكر التشريعي أو القانوني ، أما ما كان وضعه وحياً ونعني به ” القرآن الكريم والسنة الصحيحة ” فلا يمكن وصفهما بالفكر فلا نقول الفكر القرآني أو الفكر النبوي ، لأن الوحي منزه عن تأثيرات المكان والزمان والعواطف والأهواء .
ولهذا يمكننا تعريف :
الفكر الإسلامي : بأنه ” المحاولات العقلية من علماء المسلمين لشرح الإسلام في مصادره الأصلية : القرآن الكريم والسنة الصحيحة ، إما تفهماً واستنباطاً لأحكام دينية ، وإما توفيقاً بين مبادئ الدين وتعاليمه من جانب ، وفكر أجنبية دخلت الجماعة الإسلامية من جانب آخر ، بعد أن قبلت هذه الفكر كمصدر آخر للتوجيه ، أو دفاعاً عن العقائد التي وردت فيه ، أو ردّاً لعقائد أخرى مناوئة ما حاولت أن تحتل منزلة في الحياة الإسلامية العامة لسبب أو لآخر ، إلى غير ذلك من الدوافع والأسباب التي تدعو إلى إعمال الفكر في المحافظة على الطابع الإسلامي كما يراد له أن يكون أو يبقى ذا صبغة إسلامية أو هو ” كل ما أنتج فكر المسلمين منذ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم في المعارف الكونية العامة المتصلة بالله والعالم والإنسان ، والذي يعبّر عن اجتهادات العقل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ الإسلامية عقيدةً وشريعةً وسلوكاً ” .
لذا يخرج ” كل فكر بشري نتج عن فكر مستقل ولم ينطلق من مفاهيم الإسلام الثابتة القاطعة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لأنه – في هذه الحالة – فقد مبرر وصفه بصفة الإسلامية حتى وإن اقترب من الإسلام أحياناً ، لأن صاحبه لا يتخذ من الإسلام في مصادره الأصيلة الأساسية مرجعية فكرية تحكم نظرته وتؤطر منهجه .
والآن ما موقع ” تجديد الفكر الإٍسلامي ” من تجديد الدين ” ؟ مما تقدم يتضح أن الذي يقع عليه التجديد ليس الدين في نصوصه الثابتة المعصومة ، إنما هو الفكر المتفاعل مع هذه النصوص ، ومن ثمة السلوك والعمل الذي يصدر عن المكلّف ، لأن ” كلمة ( الدين ) ومثلها كلمة ( الإسلام ) إذا أطلقت تعني أحد أمرين :
أولهما : المنهج الإلهي الذي بعث الله – تعالى – به رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه ( من العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع ) لينظم بها علاقة الإنسان بربه ، وعلاقة الناس بعضهم ببعض ، وهو ما عبر عنه العلامة ابن خلدون بأنه ( وضع إلهيّ سائق للبشر باختيارهم إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم ) . وهذا المعنى – بالنظر إلى أسسه وأصوله – ثابت لا يقبل التغيير ولا التجديد من حيث هو حقيقة خارجية .
والثاني : الحالة التي يكون عليها الإنسان في علاقته بالمعنى الأول فكراً وشعوراً ، وعملاً وخلقاً ، وفي هذا المعنى يقال : فلان ضعيف الدين أو قويّه ، حسن الإسلام أو ردئ الإسلام ، والدين هنا متغير متحرك ، فهو يزيد وينقص ، ويضعف ويقوى ، ويصفو ويعكر ويستقيم وينحرف ، بحسب فهم الإنسان له ، وإيمانه به والتزامه بتعاليمه .
وهذا المعنى الذي يقبل التجديد ، ولا غرو أن جاء الدين في الحديث ( أي حديث يبعث الله . . . . . ) مضافاً إلى الأمة ، وليس مضافاً إلى الله ( ليجدد لها دينها ) فالتجديد ينصب على دين الأمة وليس على دين الله تعالى .
ومن هنا يسوغ لنا القول بأن ” الذي يتجدد ويتقادم ويبلى إنما هو الفكر الإسلامي ، وعقل الجيل من المسلمين الذي يضطلع بالتفكير في الإسلام فهو يتكيف بنوع وكمية المعارف العقلية والتجارب التي يحصلها في كل زمان ، إذا ضاقت هذه المعارف ضاق ، واذا اتسعت اتسع ، ولأنه يتكيف وينفعل بالظروف الراهنة التي تحيط به وبالحاجات التي يحسها الناس وبالوسائل التي تتيحها له ظروف الحياة . إذن فتجديد دين الأمة يشمل النواحي الفكرية والروحية والعملية ، أما تجديد فكرها المنفعل بدين الله فيتوقف على حركية الجانب الفكري الذي يعد الموجه والضابط لأساليب ومناهج تحقيق خطاب الشارع وفقاً لحاجيات ومتطلبات المرحلة الحضارية التي تكون فيها الأمة . ومن هنا جاءت أهمية الحديث ودراسة ( تجديد الفكر الإسلامي ) وأسلوب تحقيقه ونراه متمثلاً في مشروع ” إسلامية المعرفة ” .
ثانياً : مشروعية التجديد :
دلّ على مشروعية التجديد بالمعنى الذي تحدثنا عنه ، وباللفظ أيضاً : فمن السنة ما رواه أبو داود في سننه قال : عن أبي هريرة – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مأة سنة من يجدد لها دينها ” وقد أثير حول هذا الحديث سؤال هام ، ألا وهو : هل الاسم الموصول ” من ينصرف إلى المفرد فحسب ؟
وذلك أن ( من ) في أصل وضعها صالحة لهذا وذاك ، وفي القرآن الكريم ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ ) . إذا عرفنا هذا فقد يكون المجدد فرداً يهيؤه الله ليقوم بمهمة الإحياء والتجديد ، وقد يقوم بالتجديد جماعة أو مدرسة أو حركة : فكرية أو تربوية أو دعوية ، يتواصى أهلها بالحق والصبر ويتعاونون على البر والتقوى .
وقد يقوم بمهمة التجديد أفراد أو مجموعات متناثرة ، كل في موقعه ومجال اهتمامه واختصاصه ، هذا في مجال العلم والفكر ، وذاك في مجال السلوك والتربية ، وثالث في خدمة المجتمع ورابع في مال الحكم والسياسة ، وآخرون في مجال الدعوة والمقاومة ، وكل على ثغرة من ثغر الإسلام اتحدت أهدافهم ومبادؤهم ، واختلفت مواقعهم وطرائقهم ” .
وأدلته على توجيه الحديث على هذا النحو ما يلي :
” هذا الفهم يوافق الأحاديث التي ربطت نصرة الدين في الزمن الأخير بطائفة تقوم على الحق ، لا يفرد واحد منها : ” لا تزال طائفة من أمتي قائمين على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك .
وموافق لكتاب الله ( وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ) ويؤكده قوله ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ) وهلم جراً ، والحق أن الفرد مهما تكن مواهبه ومهما يكن عطاؤه فهو محدود الطاقة والقدرة ، مالم يكن معه أعوان يشدون أزره ، ويقوون أمره ، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ، ضعيف بمفرده ، وثمرة هذا التوجيه أن نشرك الأمة كلها في التجديد المنشود ، فهي التي تفرز المجددين وتصقلهم وتمدهم بالزاد والوقود في رحلتهم الطويلة إلى ما ينشدون .
وفي الختام ، والمتأمل في طبيعة العصر من جهة كثرة معارفه وعلومه وتنوعها ودقة تشعباتها – هذا إذا نظرنا إلى التجديد الفكري – يؤكد ضرورة التجديد الجماعي أو ما عرف بالاجتهاد الجماعي لأن في الصورة الجماعية يمكن أن تتكامل الثقافتان بأن يضم مجلس المجتهدين العلماء الراسخين في العلوم العصرية إلى جانب ، العلماء الجهابذ في العلوم الشرعية ، وهي فيما نحسب الصورة الأنسب لعصرنا لممارسة التجديد والاجتهاد .
ثبت المصادر والمراجع :
- ابن منظور : لسان العرب ( بتصرف )
- د . طه جابر العلواني : جريدة الشرق الأوسط الدولية ، العدد : 3953
- د . حسن الترابي : تجديد الفكر الإسلامي : الشهاب – الجزائر ( ص 147 )
- د . محمد البهي : الفكر الإسلامي في تطوره ( ص 70 )
- د . محسن عبد الحميد : تجديد الفكر الإسلامي ( ص 18 )
- أبو داود : سنن أبي داود ، ج 4 ( ص 156 )
- د . جمال الدين عطية : مجلة المسلم المعاصر ، عدد 70