البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم
مارس 1, 2020البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم
يوليو 25, 2020التوجيه الإسلامي :
عجائب الانقياد والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم
بقلم : الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي
ولم يزل الانقياد والطاعة من جنود ” الحب ” المتطوعة ، فلما أحبه القوم بكل قلوبهم أطاعوه بكل قواهم ، يمثل ذلك خير تمثيل مما قال سعد بن معاذ رضي الله عنه عن نفسه وعن الأنصار قبل بدر : ” إني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، والله لئن استعرضتَ بنا هذا البحر خضناه معك [1] .
وكان من شدة طاعتهم له صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى أهل المدينة عن كلام الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فما كان من الناس إلا أن أطاعوه وأصبحت المدينة لهؤلاء كأنها مدينة الأموات ليس بها داع ولا مجيب . يقول كعب : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، قال : فاجتنبنا الناس أو قال تغيروا لنا حتى تنكرت لي نفسي الأرض ، فما هي الأرض التي أعرف ، إلى أن قال : حتى إذا طال علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما ردّ عليّ السلام ، فقلت له : يا أبا قتادة ! أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فسكت فعدت فناشدته فسكت ، فعدت فناشدته ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيني وتوليت حتى تسورت الجدار [2] .
وكان من طاعته أيضاً وهو في موضع عتاب وجفوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه ويقول له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقال : أطلِّقها أم ماذا أفعل ؟ فقال : لا ، بل اعتزلها فلا تقربنها . فقال لامرأته : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله من هذا الأمر [3] .
وكان من حبه للرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على كل أحد في الدنيا أن ملك غسان يخطب وده ويستلحقه بنفسه ، وتلك محنة عظيمة في حال الجفوة والعتاب ، ولكنه يرفض ذلك قال : ” بينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدلني على كعب بن مالك ، فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه : أما بعد ! فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جافاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك . فقلت حين قرأتها : وهذه أيضاً من البلاء ، فتيممت بها التنور فسجرتها [4] .
ومن غرائب الطاعة وسرعة الانقياد ما حدث عند نزول النهي عن الخمر في مجلس شرب ، فعن أبي بريدة عن أبيه قال : بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر حلة إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وقد نزل تحريم الخمر ( يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ ) إلى قوله ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ) . فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ) . قال : وبعض القوم شربته في يده شرب بعضاً وبقي بعض في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ، ثم صبوا في باطيتهم فقالوا : انتهينا ربنا . انتهينا ربنا [5] .
ومن غرائب الطاعة للرسول وإيثاره على النفس والأهل والعشيرة ما روي عن عبد الله بن عبد الله بن أبي ، روى ابن جرير بسنده عن ابن زيد قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد الله بن أبي قال : ألا ترى ما يقول أبوك ؟ قال : ما يقول بأبي أنت وأمي ؟ قال : يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فقال : فقد صدق والله يا رسول الله ، أنت والله الأعز وهو الأذل ، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله ! وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبرّ مني ، ولئن كان يرضي الله ورسوله أن آتيهما برأسه لأتيتهما به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا . فلما قدموا المدينة قام عبد الله بن عبد الله ابن أبي على بابها بالسيف لأبيه ، ثم قال . أنت القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ؟ أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا يأويك ظله ولا تأويله أبداً إلا بإذن من الله ورسوله . فقال : يا للخزرج ، ابني يمنعني بيتي ، يا للخزرج ابني يمنعني بيتي !! فقال : والله لا يأويه أبداً . إلا بإذن منه . فاجتمع إليه رجال فكلموه ، فقال : والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال : اذهبوا إليه فقولوا له : خلِّه ومسكنه . فأتوه فقال : أما إذا جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فنعم [6] . ( تفسير الطبري ، ج 28 ) .
[1] أيضاً ، ص 130 .
[2] متفق عليه .
[3] متفق عليه .
[4] متفق عليه .
[5] رواه ابن جرير بسنده في التفسير عند قوله تعالى : ( يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ ) الآية ، تفسير الطبري 7 .
[6] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : 115 – 117 .