سِتُّ آيات ، ونبوة قرآنية في سورة الروم !

الافتتاحية : 
أكتوبر 20, 2020
فمن يهجو رسول الله منكم ويـــمـــدحه ويــنـصره سواء !
ديسمبر 15, 2020
الافتتاحية : 
أكتوبر 20, 2020
فمن يهجو رسول الله منكم ويـــمـــدحه ويــنـصره سواء !
ديسمبر 15, 2020

الافتتاحية :                بسم الله الرحمن الرحيم

سِتُّ آيات ، ونبوة قرآنية في سورة الروم !

بدأ الله سبحانه هذه السورة بانهزامية الروم إزاء الفرس ، ثم أخبر بأن هذا الوضع سيتغير بعد مضي مدة ، وهي نحو تسع سنين ، فستتغير خلال هذه المدة انهزامية الروم بإزاء الفرس ويتبدل الوضع عما كان عليه من قبل ، وقد سجل التاريخ هذه النبوة القرآنية ، وشهد التاريخ أن الروم كتبت لهم الغلبة لأنهم كانوا أصحاب دين ، وللفرس انهزامية كبيرة بإزائهم لأنهم كانوا وثنيين ، ويفرح المؤمنون بنصر الله للروم وغلبتهم على الفرس .

وفي خلال هذا البيان التاريخي العظيم ، ذكر الله تعالى نتائج الإقبال على الحياة الدنيا والغفلة عن حياة الآخرة ، وبيان عواقب أصحاب الحكم والقوة ، وعمارتها بمتاع الدنيا ، ولكن المؤمنين بالله ورسوله ممن وُفقوا إلى صالح الأعمال سوف يُستقبلون في روضات الجنة ويجبرون بأحسن ضيافة في الآخرة .

وفي ضمن بيان قدرة الله تعالى على امتحان عباده بالمحن والمنح وبيان قدرته على التغييرات الكونية ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساءً ، تحدث الله تعالى عن آياته الست التي يعيشها الإنسان والحياة والكون بأمر من الله سبحانه وتعالى :

الآية الأولى : إن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى من تراب وخلق زوجه من ضلعه الأيسر ، وأمر الملائكة بالسجود لآدم لأنه أول إنسان ، خلقه الله تعالى من تراب ثم خلق زوجه منه وقال لآدم ( عليه السلام ) : ( ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ ) وقدر أن يكونا أول أصل لبني آدم وانتشارهم في أرض الله تعالى .

الآية الثانية : إن الله سبحانه خلق للناس أزواجاً من أنفسهم لكي يعيشوا في سعادة وهناء وفي حب ومودة وفي رحمة من الله سبحانه وتعالى ، وهي لا شك من حكمة الله تعالى البالغة في خلقه ، وعمران هذه الدنيا بآية من خلقه ، سماه الله تعالى باسم الإنسان .

الآية الثالثة : خلقُ السماوات والأرض ، ثم اختلافُ الناس في الألسنة والألوان ، وأساليب التعبير ، وتغاير البيئات والبلدان ، ولكن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الإنسان ، كما قد صرح الله سبحانه بذلك في آيات أخرى من الكتاب .

الآية الرابعة : النوم في أوقات من الليل والنهار ، وذلك لأن النوم يساعد الإنسان في البحث عن فضل الله تعالى وطلبه ، ومعلوم أن فضل الله تعالى يغطي الحياة بجميع ما تحتاج إليه من رزق وعمل ، وجميع ما يفتقر إليه الإنسان في حياته الفردية والجماعية سواء في أوقات معلومة من الليل والنهار ، فإذا تدبر المرء في هذا الواقع النير لا يسعه أبداً أن يتكاسل في أداء واجبه نحو ربه الكريم ، فإن النوم له أهمية في بقاء الحياة ، ولذلك فإن كل خلق من المخلوقات يتمتع بهذه النعمة العظيمة ، وقد يستطيع الإنسان الذي يصيب بمرض مانع عن النوم أن يعرف قيمة النوم في    الحياة ، ويقدر قيمة نعمة النوم في قضاء الحياة بأداء مسئوليته الفردية والاجتماعية ، ومن هنا كان النوم حاجة الحياة كما كانت اليقظة حاجته في الشعور بالمسئولية وأدائها بإحسان وبنية صالحة ، لكي يستحق الأجر في الدنيا وفي الآخرة وينال منافع هذه النعمة الجليلة ، إذا تدبر في هذه الآية ويفهم مغزاها ، ويجرّبها في جميع أوقات الليل والنهار .

الآية الخامسة : نزول الأمطار من السماء ولا سيما إذا كان الجفاف قد شمل جميع نواحي الحاصلات الزراعية ، والناس يتطلعون إلى السماء وكلما أراهم الله تعالى برقاً يعلقون به الرجاء ويتمنون أن تتنزل الأمطار وتزول المخاوف من الجفاف والقحط ، وهنالك تنزل الرحمة وينزّل الله سبحانه من السماء الأمطار التي تسبب ذهاب المخاوف والمخاطر ، وتنال الأرض الجافة والأجواء المخيفة رحمةً من الله تعالى وتتنزل الأمطار الغزيرة التي تحيي الأرض بأمر من الله سبحانه وتعالى ، فلا شيئ أخوف لسكان المناطق الزراعية وأصحاب أراضي الزراعات والمزارعين من توقف الأمطار وامتناعها  أو من تأخرها عن الموعد .

الآية السادسة : قيام السماوات والأرض في الكائنات كلها بأمر من الله سبحانه ، ذاك أن السماء قائمة بدون عمد وأن الأرض مبسوطة من غير آلة أو ماكينات أرضية بأمر من الله تعالى وحده ، وإن الإنسان الذي يسكن في الأرض ثم يُدفن فيها بعد الموت أو تفنى جثته من غير دفن ، إنما ينال الحياة فور ما يُدعى من الله تعالى ويخرج أو يقوم من بعد الموت حياً ، أليس ذلك الواقع ، واقع الموت الجاري المستمر في المجتمعات الإنسانية آية من آيات الله الكبرى ؟

إنها آيات ست أرادها الله سبحانه أن يلفت نظر الإنسان إلى التأمل فيها من غير انقطاع فساقها في سياق واحد ، لأنها تبين موقف الإنسان من الدنيا إلى الآخرة ، ويذكره بالمراحل التي يواجهها في الحياة الدنيا ، ثم إلى الموت ، وأن شأنه يستمر بعد الموت كذلك حتى يُبعث من قبره ويواجه لحظات الحساب للوقت الذي قضاه في الدنيا من حيث الإنسان ، والنعم التي تمتع بها في العالم المادي ، ولما نال الحياة بعد الموت سُئل عنها وقيل  له : أرأيت كيف أننا وفرنا لك من نعم الحياة ثم شهدت الحياة بعد    الموت ، التي يتغافل عنها الإنسان ، وطالما يظن أن دوره في الحياة الدنيا والانتفاع من آثارها ونعمها قد انتهى وليس بعد ذلك عالم آخر يحييه الله تعالى فيه ويحاسبه على ما تمتع به في دنياه من أنواع الملذات ومن الزخارف والمتع ومن الحريات والنشاطات مع التمسك بأحكام الشريعة والعمل    بها ، وتطبيق برامج الحياة على الموعد المقرر الذي قضاه في العالم المادي .

قلما يركز الإنسان على هذه الجوانب المختلفة التي عاشها في الدنيا متقيداً بنظام السماء أو متحرراً من كل نظام مع الخضوع أمام الشهوات والرغائب متناسياً أن الله تعالى هو الذي خلقه إنساناً ثم أماته ثم يحييه ، ذاك أن كل من في السماوات والأرض قانت له من غير استثناء ، فكيف لا يكون شأن الخلق كله بيده ، وكيف لا يستطيع أن يعيد عمل الخلق والأمر ثم الإماتة والإحياء ما دامت السماوات والأرض كلها تحت أوامره ، رغم أن خلق السماوات والأرض أكبر عليه من خلق    الناس ، كما قد أكد ذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) .

وفي ضوء هذا التفسير الإلهي يمكننا أن ندرس كلام الله تعالى ونتبين موقف الإنسان في هذا الكون من الآيات التي تضمنتها سورة الروم من خلق آدم عليه السلام من تراب إلى خلق السماوات والأرض وما بينهما من آثار وما فيهما من كائنات يحتاج إليها الإنسان في جميع مراحل الحياة وأنشطة العمل فيها ، وهو لا يستطيع أن يستغني عنها في أي لحظة من الحياة والممات ثم الحياة بعد الممات ، فما أحوج الناس أن يعرفوا قيمة الدنيا والآخرة ، ويتدبروا في أساليب الانتفاع من كل ما خلقه الله تعالى في هذا الكون ، وكيف يمكن الإنسان أن يطلع على قدرة الخلق والأمر التي هي خالدة دائمة منذ وجود الكائنات كلها حتى يمكنه أن يرد على الأسئلة التي تنشأ من التدبر في هذه الحقيقة الواقعة الصارخة عن الخلق والأمر .

فما هي مسئوليتنا نحو هذه الحقيقة ؟ وكيف يمكن أن يكون الإنسان أداةً صغيرةً للاطلاع المستطاع على ركن صغير من الآيات الهائلة العظيمة التي لا تزال خافيةً على الناس في هذا العالم المادي الذي هو أصغر جزء من آيات الله تعالى الواسعة التي لا يأتي الحصر على أقل شيئ منها بل على ذرة صغيرة من صنائع الله الواحد القهار في هذا العالم المادي المشهود أمامنا ، الذي هو أقل شيئ من قدرة خلاق السماوات والأرض والليل والنهار ، فإذا اجتمعت جميع عقول الموجودات في هذا العالم وحاولت أن تتعمق إلى قدرة واحدة لله سبحانه لن تستطيع أن تدرك ذرةً منها ، يقول الله تعالى : ( ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ) .

ولنقرأ بالمناسبة ما جاء في كتاب الله تعالى في سورة الرحمن من آية تكررت 31 مرةً ( فَبِأَىِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) بعد ذكر نعم إلهية أنعم الله سبحانه بها على الكائنات .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

سعيد الأعظمي الندوي

28/2/1442هـ

15/10/2020م