رحلة الإسراء والمعراج : تأملات إيمانية وحقائق معجزة

النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الثانية )
يناير 28, 2025
النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الثانية )
يناير 28, 2025

الدعوة الإسلامية :

رحلة الإسراء والمعراج : تأملات إيمانية وحقائق معجزة

د . فردوس مون . ك *

الأخ خالد . ك §

كانت رحلة الإسراء والمعراج حدثاً فريداً في تاريخ الدعوة الإسلامية ، جاءت في لحظة حرجة من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد فقدانه لعمِّه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها ، ومع تصاعد الأذى من قريش . جاءت هذه الرحلة كمعجزة إلهية وكمنحة ربانية لتعزيزه وتثبيته ، حيث انتقل فيها بقدرة الله من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس ، ثم عُرج به إلى السماوات العلى ، مشاهداً آيات الله الكبرى ومقابلاً الأنبياء ، ومكلفاً بأداء الصلوات الخمس ، لم تكن هذه الرحلة مجرد تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل جاءت لتؤكد وحدة الرسالات السماوية وتثبت مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وتعزز إيمان المؤمنين ، وتذكرهم بقدرة الله وحكمته ، ما يجعل من هذه الرحلة درساً خالداً في الإيمان والصبر والاستعداد للآخرة .

شهر رجب من الأشهر الحرم :

شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم في قوله : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) [1] ، وقد ورد في الحديث الشريف أن الأشهر الحرم هي ” ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرّم ، ورجب ” [2] ، ورجب يُعد شهراً حراماً ، وهو من الأشهر التي حرم فيها القتال ، وكان العرب في الجاهلية يعظمونه .

لكن فيما يتعلق بالأحداث الخاصة التي وقعت في شهر رجب ، مثل معجزة الإسراء والمعراج ، لا يوجد دليل قطعي في السنة النبوية يثبت أن الإسراء والمعراج وقع في السابع والعشرين من رجب ، رغم أن هذا هو الرأي الشائع بين بعض المسلمين ، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد تاريخ دقيق لوقوع هذه المعجزة ، ولذلك لا يمكن اعتبار الاحتفال أو صيام هذا اليوم من الأمور التي لها أصل شرعي مثبت .

بناءً على ذلك ، فإن شهر رجب يعد من الأشهر الحرم التي لها فضيلة من حيث تعظيم الزمان ، لكن الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب يعتبر من الأمور المبتدعة التي لم تثبت في السنة النبوية .

معجزات النبي صلى الله عليه وسلم :

لقد أيد الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالعديد من المعجزات لتكون دليلاً على صدق رسالته ، ومن أبرز هذه المعجزات هي القرآن الكريم ، والذي يمثل المعجزة الكبرى والدائمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، إضافةً إلى معجزة الإسراء والمعراج التي جاءت لتمكين المؤمنين وتثبيتهم على دينهم ، قال الله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) [3] .

معجزة الإسراء :

تبدأ الرحلة بمعجزة الإسراء ، وهي انتقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس ، في ليلة واحدة ، هذه الرحلة القصيرة في الوقت ، والمنجزة بقدرة الله تحمل في طياتها العديد من المعاني العميقة ، منها إظهار مكانة المسجد الأقصى الذي يربط بين مكة وبيت المقدس ، وإثبات قدرة الله عز وجل .

معجزة المعراج :

بعد الإسراء ، بدأت معجزة المعراج ، حيث صعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى ، وشاهد من عجائب السماوات وملكوت الله ما لا يتصوره عقل ، قابل في هذه الرحلة الأنبياء واطلع على أحوال أهل الجنة وأهل النار ، وقد روى البخاري ومسلم من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرج به حتى وصل إلى سدرة المنتهى ، حيث فُرضت عليه الصلاة ، مما يدل على أهمية هذه الرحلة في التشريع الإسلامي .

الدروس والعبر من الإسراء والمعراج :

(أ) عقيدة الإيمان بالغيب :

من أعظم الدروس التي يمكن استخلاصها من حادثة الإسراء والمعراج هي تعزيز عقيدة الإيمان بالغيب ، فهذه الرحلة معجزة إلهية تخترق قوانين الطبيعة ، إذ أخذ الله نبيه صلى الله عليه وسلم في رحلة ليلية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ومن ثم عروجه إلى السماوات   العلى ، هذه الحادثة تدعونا إلى التصديق بقدرة الله المطلقة ، والإيمان بالأمور الغيبية التي لا يستطيع العقل البشري استيعابها بشكل كامل .

الدليل القرآني : يقول الله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَى ) [4] .  هذه الآية تذكر الإسراء وتبرز قدرة الله العظيمة ، مما يعزز الإيمان بالغيب وقدرة الله على تحقيق ما يتجاوز قدرات الإنسان .

الدليل من السنة : ورد في حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ” أتيت بالبراق . . . فركبته حتى أتيت بيت المقدس . . . ” [5] ، هذا الحديث يعكس حدوث الإسراء كواقعة حقيقية ، وليست مجرد    رؤيا ، مما يعمق فهم المؤمنين لضرورة الإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .

(ب) الصبر والثبات في المحن :

رحلة الإسراء والمعراج جاءت تكريماً للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً لقلبه بعد فترة عصيبة من الأذى والاضطهاد من قريش وفقدان أحبائه مثل زوجته خديجة وعمه أبي طالب ، جاء الإسراء والمعراج كرسالة من الله إلى نبيه تؤكد دعمه وثباته .

الدليل من السنة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة ، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي . . . ” [6] ، هذا الحديث يظهر كيف أكرم الله نبيه بلقاء الأنبياء ، مما كان دعماً معنوياً له وتعزيزاً لصبره وثباته في رسالته رغم المحن .

الدليل من القرآن في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ ) [7] ، هذه الآية تشير إلى التوجيه الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر والتسبيح كوسيلة للتغلب على المشقات .

(ج) أهمية الصلاة :

فرض الصلاة على المسلمين كان في ليلة المعراج مباشرةً من الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم ، بدون واسطة من جبريل عليه السلام ، مما يدل على عظم مكانتها وأهميتها كركن أساسي من أركان الإسلام ، والصلاة هي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء ، وهذا يؤكد ارتباط الصلاة بالعروج الروحي للمسلم .

الدليل من السنة : جاء في حديث صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” خمسين صلاة كل يوم ، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى ، فقال : ما الذي فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . . . ” [8] حتى انتهى الأمر إلى خمس صلوات ، هذا الحديث يوضح أهمية الصلاة كأعظم فريضة من الله ، ويرسخ مكانتها كصلة مباشرة بين العبد وربه .

الدليل من القرآن : يقول الله تعالى في شأن الصلاة : ( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى ) [9] ، في هذه الآية ، يربط الله الصلاة بذكره ، مما يعزز فهم المسلمين لدور الصلاة في الحياة اليومية وأهميتها في تقوية إيمانهم وتواصلهم مع الله .

(د) التوحيد والتنزيه :

الإسراء والمعراج تظهر مدى عظمة الله وتفرده بالقدرة المطلقة ، مما يعزز عقيدة التوحيد في قلوب المسلمين ، فقدرة الله تعالى على تحقيق المعجزات ، وتجلياته في كل تفاصيل هذه الرحلة تؤكد وحدانية الله وعظمته ، مما يستدعي تنزيهه وتسبيحه .

الدليل من القرآن : الآية الأولى في سورة الإسراء تقول : ( سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ) [10] كلمة ” سبحان ” تحمل معاني التنزيه والتوحيد ، وهي دعوة للمسلمين إلى تمجيد الله ، الذي لا يعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء .

الدليل من السنة : ورد في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ثم عُرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل . . . ” [11] ، حديث المعراج يعرض مراحل الصعود وما شاهده النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يعزز التفكر في قدرة الله وعظمته ، ويدعو إلى توحيده وتنزيهه .

الخاتمة :

حادثة الإسراء والمعراج تعد من أعظم المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتثبت الإيمان بقدرة الله وحقائق الغيب ، وتدعو إلى تنزيه الله وتعظيمه ، وقد جاءت الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة لتدحض الشبهات وتؤكد أن هذه الرحلة كانت حقيقية روحاً وجسداً ، وأنها من معجزات الله التي تقع خارج حدود الزمان والمكان المعتادة .

* الأستاذ المساعد قسم اللغة العربية بكلية أم إي أس ممباد ، كيرالا .

  • باحث الدكتوراه ، قسم اللغة العربية بكلية أم إي أس ممباد ، كيرالا .

[1] التوبة : 36 .

[2] أخرجه البخاري (4406 ) ، ومسلم (1679) .

[3] الإسراء : 1 .

[4] الإسراء : 1 .

[5] أخرجه مسلم (162) .

[6] أخرجه مسلم (167) .

[7] الحجر : 97 – 98 .

[8] صحيح البخاري (7517) .

[9] طه : 14 .

[10] الإسراء : 1 .

[11] أخرجه مسلم (162) .