عبادة العباد
ديسمبر 23, 2024رعاية الله للمرأة على تداول الأزمان حول الطلاق في الإسلام ( الحلقة الثالثة )
ديسمبر 23, 2024الدعوة الإسلامية :
حب النبي صلى اللّه عليه وسلم
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي *
ميزة العرب الكبرى :
إن العرب رغم مساوئهم المتعددة كانوا أصحاب محاسن متنوعة تميزهم عن غيرهم من الأمم والأقوام ، منها الصدق والوفاء . فإنهم كانوا بعيدين عن النفاق والكذب كل البعد ، وكانت ألواح قلوبهم صافيةً ، ليست بها بقع الغش والنفاق ، وكانت منافذها مفتوحةً للخير والصلاح . فعندما نشأ فيهم الحب الخالص الصافي للّه ولنبيه عليه الصلاة والسلام ونزل إلى قلوبهم حتى بلغ فيها كل مبلغ ، أتوا لحب نبيهم صلى اللّه عليه وسلم بنموذج لا نجد له مثيلاً على صفحات التاريخ الإنساني ، ويشهد بذلك ما وقع في غزوة بدر وأحد وغيرهما من الغزوات والأحداث .
فإذا درس أحد سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم عرف ما كان الصحابة رضي الله عنهم متسمين به من صفات التضحية والإيثار والفداء .
الحب الحقيقي :
إن الحب الذي ينبثق من العقل والقلب معاً هو حب ثابت لا يزول . وأما الحب الذي ينحصر في العقل أو يكمن في القلب وحده في خطر .
وكان الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله يقول : ” ليس يكفي أن يكون الإنسان مسلماً بعقله ولا أن يكون مسلماً بقلبه فحسب ، بل لابد أن يكون كل منهما مسلماً ، فإذا كان الإنسان مسلماً بعقله وقلبه وجسمه وروحه نشأت فيه قوة إيمانية صحيحة سديدة تبعث الإنسان على القيام بعزائم الأمور ومهامها ، وتهديها إلى فعل الخيرات والحسنات .
مقياس الحب :
وقد نبه اللّه سبحانه وتعالى من قدم شيئاً على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام قائلاً : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ ) [ التوبة : ٢٤ ] .
إنه وقت اتخاذ القرار حيث تقف أمامه الدنيا بما فيها من لذة وراحة وسهولة في كفة ، وفي كفة أخرى تتمثل له أحكام اللّه تعالى وتعاليم رسوله عليه الصلاة والسلام .
فهذا هو الوقت الحاسم القاطع . إلى أي جانب تميل نفس الإنسان وبمن يتعلق قلبه أكثر ، فهناك إخوان وزوجات وأقارب وأموال اقترفها وتجارة يخشى كسادها وبيوت فخمة فاخرة جذابة محببة بناها من أموال الربا ، وإنها تجذب الأنظار ، يعجب بها الإنسان ويحبها ، وسيارات جميلة اشتراها بقرض ربوي مما حرمه اللّه سبحانه وتعالى في جهة ، وفي جهة أخرى حكم اللّه ورسوله عليه الصلاة والسلام وتحذيره وتنبيهه .
ففي هذه اللحظات القاطعة يختبر حبه وعلاقته باللّه سبحانه وتعالى ، إنه يقف بين القرارين ، قرار الركون إلى الدنيا وزخارفها واتخاذها في كل حال من الأحوال ، وقرار الخضوع لأمر اللّه ورسوله عليه الصلاة والسلام وامتثاله في أحرج الأحوال وأصعبها .
فإذا كان الحب عقلياً وطبيعياً عندما يتجاوز الحب من العقل الى القلب ويستقر فيه ويتمكن منه أصبح التخلي عن هذه الأشياء أمراً سهلاً جداً ، ولا يجد أي صعوبة في اتخاذ قراره ، ولا يكترث للحظة بشيئ من الدنيا ، ولكن إذا كان الحب محصوراً ثابتاً في العقل ولم يصل بعد إلى المستوى الطبيعي ، فلم يكن من السهل هجر البيت أو التخلي عن السيارة أو مخالفة أهل البيت ، فإن هذه الأمور تصبح صعبةً عزيزةً على نفس الإنسان عندما لا يتجاوز الحب من عقلانية الإنسان المحدودة .
فخلاصة القول أن الإنسان إذا اتصف بالحب الحقيقي الإيماني الذي تمكن من عقله ورسخ في قلبه أصبحت له تضحية بكل شيئ من الدنيا من آباء وأبناء وأقارب وزوجات وتجارة وأموال أمراً بسيطاً عادياً .
حلاوة الإيمان :
لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ثلاث خصال ، فإنها إن وجدت في أحد ، نال حلاوة الإيمان . وإذا تأملنا قليلاً وجدنا أن هذه الخصال تتعلق بالحب بوجه خاص ، فالخصلة الأولى هي أن يكون اللّه ورسوله عليه الصلاة والسلام أحب إليه من كل شيئ ، فيتملك حب اللّه ورسوله عليه الصلاة والسلام على قلبه ، ويسيطر على قواه وأعصابه ، ويكون كل ما عدا اللّه ورسوله هيناً في عينيه .
فعندما يرى الإنسان أحداً لم ير مثله في الجمال من قبل ، يقع في بعض الأحيان في حبه حتى يبلغ منه كل مبلغ ، ويقلده في أساليب الحياة ، في ملبسه ومأكله ، ومشيه ونطقه . وهكذا يفعل الإنسان عندما استقر حب اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلبه ويتمكن منه .
إذ الحب بنفسه له أثر ملموس عميق في أساليب الحياة ، فإن الإنسان حينما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن بسنته ويتأسى بأسوته ويتبعه في كل شعبة من شعب الحياة .
والخصلة الثانية هي أنه حبه كله للّه ورسوله عليه الصلاة والسلام ، فلا يحب إلا من يحب اللّه ورسوله عليه الصلاة والسلام ، أو من يحبه اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم أو من يحب دين حبيبه محمد صلى اللّه عليه وسلم وشريعته أو من أمر اللّه تعالى بحبه ، ويحب كذلك كل ما يمت له بصلة حتى طريقه وموطنه ، فنتيجةً لهذا الحب الخالص يشعر بحلاوة الإيمان ، وبهذا الإيمان القوي الناتج عن الحب الصادق يحظى بنعمة الثبات والصمود والاستقامة على الدين .
والخصلة الثالثة التي ورد ذكرها في الحديث هي أن تكون العودة إلى الكفر بعد حصوله على نعمة الإيمان أمراً شديداً مخوفاً ، كما يكره أن يلقى في النار ، فإذا قيل لأحد: إنه سيلقى في النار انتابته رجفة ورهبة من مصيره ، وكذا من المستحيل لمن استغرق في حب اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم وتعمق حبهما في سويداء قلبه ، ونال لذة الإيمان وحلاوته ، وسعد بنعمة الاستقامة على دين اللّه تعالى أن يعود إلى الكفر باللّه تبارك وتعالى ، وكيف يمكنه وقد تفانى في حبه ، واستنار بنور معرفته واصطبغ بصبغته .
فمن البديهي أن الإنسان لا يمكن أن يتمرد على محبوب قد استقرت محبته في أعماق قلبه ، وكيف يمكنه أن يتصور فراق محبوبه الذي ملك قلبَه واستولى على ذهنه وقلبه وطبيعته .
فوائد محبته صلى اللّه عليه وسلم :
إن فوائد محبته صلى اللّه عليه وسلم لا تعد ولا تحصى ، ومن أعظم هذه الفوائد أن المحب يفدي نفسه من أجل حبيبه صلى اللّه عليه وسلم ، مما يسهل عليه طاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم . وقد أسلفنا ذكره بإطناب .
ومن أكبر فوائدها أن للمحب بشارة عظيمة قيمة ، وهي ما بشر به النبي صلى اللّه عليه وسلم أن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب . فقد روي عن أنس أنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم : مَتى السّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : ما أعْدَدْتَ لَها ؟ قالَ : ما أعْدَدْتُ لَها مِن كَثِيرِ صَلاةٍ ولا صَوْمٍ ولا صَدَقَةٍ ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ ، قالَ : أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ . ( صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، رقم الحديث : ٦١٧١ ) .
ويدل على ذلك ما رواه عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة قال : هاجر أبي صفوان إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهو بالمدينة ، فبايعه على الإسلام ، فمد النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه يده ، فمسح عليها ، فقال له صفوان : إني أحبك يا رسول اللّه ! قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : المرء مع من أحب . ( المعجم الأوسط ، رقم الحديث : ٢٠٠١ ) .
وروي عن الشعبي قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي ، ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت . وبكى الأنصاري ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ما أبكاك ، قال : ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين ، ونحن إن دخلنا الجنة كنا دونك ، فلم يخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم بشيئ ، فأنزل اللّه عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً . ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً ) . ( شعب الإيمان للبيهقي ، رقم الحديث : ١٣١٧ ) .
* معهد الدراسات العلمية ، ندوة العلماء ، لكناؤ .