صور وأوضاع :
جائحة كورونا
وانعكاساتها السلبية والإيجابية على المجتمع
محمد فرمان الندوي
أكبر تحد بعد الحرب العالمية :
انتشر فيروس كورونا المستجد في العالم كله ، وقفزت الإصابات دول العالم ، وشكلت صورة مرض عالمي ، فظهرت على مسرح العالم كتحد كبير بعد الحرب العالمية ، كما أفاد بذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غويترس ، يشعر بفداحتها جميع سكان الأرض ، وقد عجزت الدول الأكثر تطوراً واختراعاً في مكافحة جائحة كورنا ، أمثال الصين ، وإيطاليا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، فتعطلت الشوارع ، وفُرض الحظر على الجمعات والصلاة بالجماعة في المساجد ، فأُغلقت المساجد والمعابد والكنايس ، وأُقفلت المتاجر والمقاهي والمسارح ، كما قد تم إغلاق دور السينماهات ، حتى إن أمريكا خفضت سعر المنافع الربوية ، وكل ذلك ذعراً من الفيروس غير المرئي الذي يصيب الجسم الإنساني من غير شعور ، فيلقى الإنسان حتفه بين عشية وضحاها .
إنذار من الله أم حكمة بيولوجية :
كلما حدث حادث انقسم الناس إلى فئات وأحزاب : فئة تعتبره إنذاراً من الله تعالى ، وتنبيهاً على ما اقترفه العباد من ذنوب وسيئات ، وذلك لقوله تعالى : وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ( الشورى : 30 ) ، وفئة تقول : إنه امتحان من الله لعباده المخلصين ، قال الله تعالى : وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( الأنبياء : 35 ) ، وفئة تقوم بتأويل مادي ، وتربط سببه بظاهرة كونية ، تتقلب حيناً لآخر ، فإذا حدثت زلازل وقلاقل في الأرض نسبتها إلى اسراتيجية بيولوجية ، وإذا كان المد البحري قد ارتفع وتزايد أرجعوه إلى نصاب مادي ، ولا يدور بخلدهم أن الله عزو جل وراء هذه الخوارق كلها ، لا تقطر قطرة ، ولا تهبّ ذرة، ولا تسقط ورقة إلا بإذنه ، فكيف بهذه الأوبئة والأمراض التي تهلك الحرث والنسل ؟ فالمؤمن الغيور القائم على حدود الله لا يركن إلى هذا وذاك ، بل يقرأ قول الله تعالى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( السجدة : 21)، وقد شرحت المجاميع الحديثية أن العذاب الأدنى يظهر في صورة أشراط الساعة ، سواءً كانت الصغرى أو الكبرى ، فمن علامات القيامة الصغرى : بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ، وشرب الخمر علناً وجهاراً ، وشيوع الزنا والخسف والمسخ والقذف ، والفتنة العمياء الصماء وغيرها، ومن العلامات الكبرى : خروج المسيح الدجال ، وابن صياد ، ونزول عيسى عليه السلام ، وقتل الخنازير وخروج يأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من المغرب وغيرها .
إن دراسة التاريخ الماضي وكشف الأوضاع المعاصرة يبيّن لنا أن بعض أشراط الساعة الصغرى قد وقعت ، وقد أشار المحدثون العظام إلى أن الإيمان بالغيب يقوى ويزداد من التأمل في هذه الأشراط ، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، وهي تتحقق رويداً رويداً أمام أعيننا ، فتطمئن القلوب وتنشرح الصدور ، والغاية الثانية لمجرد بيان هذه العلامات تعبئة النفوس على إطاعة الله تعالى ، وتزويدها بالأعمال الصالحة يوم القيامة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، وحينما يكثر ذكر هذه العلامات فإن النفوس الأمارة بالسوء تنال ردعاً عن السيئات ، وتستيقظ القلوب النائمة في سبات الغفلة واللامبالاة .
فحذار أن تنسب ..يا ترى . هذه العلامات إلى ظواهر كونية ، ونواميس فطرية ، تتقلب وفق مشيئة الله تعالى ، بل إنها إنذار وتنبيه من الله تعالى ، ليرجع الناس إلى الله ، ويقلعوا عن معاصيهم ، قبل أن يغرغروا ، فلات حين مناص . قال الله تعالى : يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً ( الأنعام : 158 ) .
جائحة كورونا والحجر الصحي ( Quarantine ) :
استولت فظائع فيروس كورونا المستجد على الصغار والكبار ، والبنات والنساء ، وعلى الأمراء والفقراء ، فتباعد الناس بعضهم عن بعض تباعداً اجتماعياً ( Social Distancing ) ، حتى عزلوا أنفسهم في البيوت ، فلا يخرجون منها ، ولا يصلون إلا فيها ، والذين أصبيوا بشيئ من هذا المرض وُضعوا في الحجر الصحي ( Quarantine ) من المستشفيات ، وكل ذلك تحت رعاية طبية ، ويُنادىَ على مختلف المستويات : الزموا البيوت ، وإلا تسري إليكم جائحة كورونا المستجد ، وقد احتد النقاش وجرت حرب كلامية بين أمريكا والصين ، فصدرت تقارير وأبحاث متناقضة من كلا الجانبين ، فالناس بين مؤيد ومعارض ومنكر ومعترف ، على كل ، فإن الفترة التي يمر بها الناس على مستوى العالم ينتج عنها آثار من السلبيات والإيجابيات :
آثار سلبية لفيروس كورونا :
فأما السلبيات فهي في عدة نقاط :
آثار إيجابية :
انعكست آثار إيجابية لهذه الجائحة على المجتمع الإنساني ، وهي تتلخص في أمور :
عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم :
هذه بعض انعكاسات فيروس كورونا السلبية والإيجابية ، فالمسلمون متفائلون بكل أمر وقع في أي مكان ، وليسوا متشائمين أو متكاسلين ، وهم يؤمنون بقول الله تعالى إيماناً صادقاً : كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ، وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ( البقرة : 216 ) ويقول الله : فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين (المائدة : 52)