تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ

هل لهذه الوقاحة من حد ؟!
يناير 1, 2020
جائحة كورونا وانعكاساتها السلبية والإيجابية على المجتمع
يوليو 3, 2020
هل لهذه الوقاحة من حد ؟!
يناير 1, 2020
جائحة كورونا وانعكاساتها السلبية والإيجابية على المجتمع
يوليو 3, 2020

محمد فرمان الندوي

كذا فليجل الخطب …….. :

تندلع في الهند نار المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ، من كل الأعراق والديانات حتى الأحزاب السياسية ، وذلك ضد السجل القومي للمواطنين N.R.C. ، وقانون تعديل المواطنة C.A.A. ، وتسجيل السكان القومي N.P.R. ، وهذه الأسماء كلها مسميات لمعنى واحد ، وهو اعتبار المسلمين مواطنين في الدرجة الثانية ، وإلغاء جنسيتهم ، وإسكان غير المسلمين في الهند من الدول المجاورة خاصةً من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش ، وقد صيغ هذا القانون كأنه مساعد للأقليات ، لكنها ظلم واعتداء على المسلمين ، وبالتالي على الطبقات المتخلفة ، بحيث تنسخ جنسيتهم ، وتلغى نُظم معيشتهم ، وقد بلغت هذه الاحتجاجات إلى صراعات دموية ، حتى ذهب ضحيتها عدد ملحوظ من السكان ، ولا يُلمس  أدنى تراجع في موقف الطبقة الحاكمة ، بل يشتد ويزداد تفاقماً مع مرور الأيام ، ولا تتوقف الاحتجاجات ولا خروج المسيرات في بلد دون بلد ، ومدينة دون مدينة . وقد رفعت المرافعات إلى المحكمة العليا ، لكنها  خصصت لها مدةً  لا بأس بها – فلعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً – .

ليست هذه القضية أولى القضايا التي نُسجت خيوطها ضد المسلمين في الهند ، بل كان المسلمون قد تعرضوا لخطر الشريعة الإسلامية إبان الزمن الإنجليزي ، فلم يتمكنوا من تطبيق أحوالهم الشخصية في تلك الآونة ، فجاهدوا وحاربوا ، وتظاهروا حتى سمحت لهم الحكومة الإنجليزية بقانون تطبيق الشريعة (Shariat Application    Act ) ، وذلك في عام 1937م ، ثم كانت قضية الأحوال الشخصية عام 1972م ، فشكلت هيئة قانون الأحوال الشخصية للسلمين لعموم الهند ، واجتمعت رموز إسلامية في الهند ضد هذه القضية ، وألقوا خطباً وكلمات مثيرةً ، أثرت في الحكومة الحاكمة آنذاك أيما تأثير ، وتراجعت عن موقفها ، ولا يعزبن عن البال أن قضية ” شاه بانو ” كانت من القضايا المحركة للضماير زمن رئاسة الإمام الندوي رحمه الله تعالى لهيئة الأحوال الشخصية ، فتظاهر العلماء وعامة المسلمين ضد هذه القضية ، حتى جرى تعديل في هذا القانون واطمأنوا به ، لكن قضية تعديل المواطنة والسجل القومي للمواطنين تختلف عن القضايا السابقة ، أثيرت هذه القضية من الطبقة التي تنتمي إلى نظرية الهندوسية ، وتعتقد أن تجعل الهند دولةً هندوسيةً – لا قدَّر   الله – .

ردود فعل عالمية على قانون تعديل المواطنة :

بلغت انتقادات تعديل المواطنة خارج الهند ، فاستنكرت البلدان والدول والجمعيات والمنظمات العالمية ونشرت تقارير الاحتجاجات في الصحف والجرايد الدولية ، كما تناولت وسائل الأعلام الإلكترونية أيضاً بتغطية أحداثها المؤلمة ، وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان : القانون ينطوي على تمييز جوهري في طبيعته ، وقال رئيس ماليزيا : نحن أيضاً نسنّ قانون الجنسية في بلادنا ، حتى نخرج الوافدين ، خاصةً الهندوس من أرضنا ، ونددت تركيا بهذا القانون الجائر ، واعتبرته ظلماً على المواطنين الهنود . كما نددت بنغلاديش بهذا القانون ، وألغت زيارة وزيرين للهند احتجاجاً على هذا القانون ، وقال وزير الخارجية البنغلاديشي عبد القادر عبد المؤمن : هذا القانون قد يضعف الشخصية التاريخية للهند كدولة علمانية ، وقد ألغى رئيس اليابان رحلته إلى الهند نظراً إلى خطورة الأوضاع ، وقد أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً صارماً حول هذا القانون ، ووصفه بأنه عنصري ، وجرى منه استنكار شديد تجاه القانون الجائر ، هذه رشحة من البيانات رغم أن الموضوع يتطلب أن يكون العالم الإسلامي يداً واحدةً نحو هذا الموقف السلبي .

لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً :

وُجد القانون منذ وجد الإنسان ، بل منذ أن خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ، وكان في قدرته سبحانه أن يخلق في دقائق وثوان ، لكنه خلق في زمن خاص ، هذا دليل على ظهور النظام الإلهي في الكون في بدايته ، وحينما خلق الله الإنسان ، فرتب له نظام العيش في هذه  الدنيا ، فأرسل الأنبياء والرسل ، وأنزل الكتب والصحائف ، فهذه الكتب والصحائف قوانين إلهية من الله تعالى لبني البشر ، فإن هذه القوانين كانت مختلفةً في زمن دون زمن ، فكل نبي له قانون ، وآداب حياة ، وكل شعب له أصول وجذور يتشبثون بها ، والجدير بالذكر أن أساس كل نبي الإسلام ، لكن دعائمه الشرائع التي نزلت في زمن كل نبي ، فلليهود قانون ، وللنصارى قانون ، ولأهل الزبور قانون ، ولأتباع سيدنا آدم ونوح وإبراهيم قوانين . فالأساس ما تغير ، لكن الشرائع كانت تتغير حسب تطورات الزمان . هذا معنى قوله تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ( المائدة : 48 ) . قال ابن عباس : أي شريعة وسنة ( ابن كثير : تفسير الآية ) .

أما القانون  الأخير فهو شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قانون جامع شامل يتطلب مقتضيات كل زمان ومكان ، أنزله الله تعالى من فوق سبع سماوات ، يتصف بالعدل والنصفة . وليعلم أن القوانين تُسن لصالح العباد والبلاد ، وإدخال الطمأنينة في قلوب الناس ، وصيانة  النفس ، والمال والعرض ، وتُشرع هذه القوانين لابتعادهم عن الهمجية والتطرف والوحشية ، كما تهدف إلى أن يعيش الناس في هدوء    وطمأنينة ، ولا يصابوا بإفراط وتفريط ، ولا يخرقوا الحقوق ولا ينتهكوا الحرمات . بل تكون أعراض الناس وأموالهم سالمةً ومصونةً من كل  خطر .

ثلاثة أنواع من نظام الحكم :

وتوجد الآن على هذه الأرض ثلاثة أنواع من القوانين : الملوكية ، والجمهورية والإسلامية ، فالملوكية هي كما جاء في بعض الأمثال : الناس أتباع من غلب ، لا قانون  فيها ولا إرادة ، ولا شرعية ونظام ، بل جميع الناس يكونون تحت إرادة الملوك كما كان في الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطنية ، والجمهورية هي التي تسن قوانينها في ضوء اتجاهات المواطنين ومصالحهم ، وتكون فيها مراعاة جميع النظرات والأيدلوجيات ، أما الإسلامية فهي التي يكون فيها الكتاب الإلهي قانوناً ودستوراً شرعياً ، ويكون القانون مواقفاً للفطرة ، شهد الناس خلال القرون الماضية أفكاراً حديثةً مثل الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية ، كلها لعبت دوراً في عصورها ، وقام رجالها ودعاتها إلى تطبيقها على الحياة والمجتمع ، فأثرت هذه النظريات فترةً من الزمن ، وأعجب بها الناس ، وخاصة الشباب المسلم ببريقها ولمعانها وسحرها ، ثم ماتت ومات رجالها  في عقر دارهم ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .

وما أدراك ما الدستور الهندي ؟

إن أقدم قوانين الجمهوريات في هذه الدنيا لبريطانيا ، وهي أساس لجميع الدول وأمها ، ثم يأتي دور دستور أمريكا ، ويشتمل على سبعة بنود مركبة من أربعة آلاف كلمة ، يغطي عشر صفحات أو اثنتي عشرة صفحةً ، وهو نموذج في الإيجاز والاختصار ، يستطيع أن يقرأها القارئ في نصف ساعة أو أقل ، ويغطي الدستور الروسي 174/ صفحةً ، والدستور الياباني مأة وثلاث صفحات ، والدستور الإيطالي في 157/ صفحة ، والدستور الكندي في 127/ صفحة ، والدستور الأوسترالي في 128/ صفحة . لكن الدستور الهندي أطول الدساتير العالمية تشتمل على 395/ صفحة ، ويغطي أربع مأة صفحة وخمسين صفحة ، استفاد مشرعو هذا الدستور من الدساتير العالمية ، فهو دستور جامع ، ويتميز بين دساتير العالم أنه جمهوري وعلماني ، انخرط سكان الهند في سلك  واحد ، ولكل مواطن حرية كاملة في تطبيق شعائره وعباداته وإبداء آرائه وإجراء تعاملاته .

هل من مجيب ؟

تم الاتفاق في مجلس النواب ومجلس الشيوخ على قانون تعديل المواطنة ، وهو خارق للدستور الهندي ، ومضاد له ، فإن الحكومة الحاكمة لا تتنازل عنه قيد شبر ( كما يصرح بذلك بعضهم ) ، وتتمنى أن يلغى هذا الدستور ، ويحل محله نظام آخر للهندوسية ، التي تؤمن بالتفاوت الطبقي ، وكثرة الآلهة وغير ذلك من المعتقدات الباطلة . رغم أن الهند مهد للديانات والثقافات ، فكيف ينال هؤلاء غايتهم ، وكيف يجدون بغيتهم ؟ على كل ، تتضاعف المسئوليات والواجبات على أصحاب الضماير الحية في العالم كله أن يبذلوا في الحفاظ عليه مجهوداتهم ، فإن سعياً حثيثاً منهم يجعل الأمر سهلاً ميسوراً . بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ .