لورد هيدلي داعية الإسلام بين قومه الإنجليز !!
مارس 31, 2021أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام )
مايو 3, 2021رجال من التاريخ :
الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي :
الداعية المتفاني في سبيل الله تعالى
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
كان الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي من أعلام القرن الرابع عشر الهجري ، الذين جعلوا الدين دعوةً عامةً بين الناس ، وكان يتميز بين دعاة الإسلام المعاصرين ومن سبقهم بأنه نهض بهذه الدعوة كدعوة عالمية ، وربط الخاصة بالعامة والعامة بالخاصة ، وجعل لهم نظام التجول في سبيل الله تعالى ، وقد بدأ هذا العمل من مسجد بنغله والي ( بدهلي ، الهند ) والده الكريم الشيخ محمد إسماعيل ، وأخوه الأكبر الشيخ محمد ميان ، اللذان كانا يجمعان بين التعليم والتدريس والدعوة والإصلاح ، ويشتغلان كذلك بالذكر والدعاء إلى الله تعالى ، وكانت حياتهما حياة الزهد والعفاف ، فكان كل واحد منهما يحيى الليل كله بالتناوب بين الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي والشيخ محمد ميان والشيخ محمد يحيى الكاندهلوي ، فلا تخلو لمحة من الليل والنهار من الذكر والدعاء ، ثم قيض الله تعالى لهذا العمل الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، فخرج بهذا الهم الدعوي الذي كان يعتلج قلبه وقلوب مشايخه ، وبدأ رحلته بمنطقة ميوات من ضواحي دهلي ، فلقي من أهاليها أذىً كثيراً ، لكنه تحمل ذلك كله بوجه طلق ، وسعى سعياً بالغاً في الخروج بهؤلاء الرجال في سبيل الله تعالى ، ليطلعوا على أسس الدين وشعائره ، ويعيشوا جواً إيمانياً خارجين من بيئتهم ونظامهم العادي ، فكان الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي يأتي بهؤلاء الناس إلى مسجد بنغله والي ، ويعلمهم تعاليم الدين ، فنشأت فيهم تدريجياً رغبة ملحة إلى معرفة الدين ، وشعروا بضآلة علمهم وضعف مكانتهم ، ثم سعوا إلى أن يبلغوا إلى الآخرين ما تعلموه من الدين وأحكام الشريعة .
وقد رافقه في هذا العمل أحد أقاربه وأخو زوجته الشيخ احتشام الحسن الكاندهلوي ، واشتغل معه في النشاطات الدعوية ، حتى صار الساعد الأيمن له ، فرتب نظام هذه الدعوة ، ودوّن أصولها ومناهجها ، ووافق عليها كبار علماء عصره ، وشاركوا معه في اجتماعات دعوية ، أخص بالذكر منهم الشيخ المفتي كفاية الله ، والشيخ ظفر أحمد التهانوي ، والمقرئ محمد طيب الديوبندي ، والشيخ عبد الشكور الفاروقي والشيخ حسين أحمد المدني ، وقد ساعد الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي بقلمه وكتاباته ، فألف مؤلفاً جامعاً ، وهو منهج متكامل لهذه الدعوة ، وهو مجموعة كتب الفضائل : فضائل الصلاة وفضائل رمضان ، وفضائل الصدقات ، وفضائل الحج ، وفضائل الذكر ، وفضائل القرآن ، وينضم إليها كتاب حكايات الصحابة رضي الله عنهم ، فأثرت هذه المجموعة أيما تأثير في حياة الناس ، كما ألف الشيخ احتشام الحسن الكاندهلوي بعض الكتب على إيعاز من الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، فكتابه : انحطاط المسلمين وحله الوحيد ، من هذه الكتب المؤلفة للدعوة والتبليغ .
ثم قام العلماء من مدرسة مظاهر العلوم بسهارنفور ، وندوة العلماء بلكناؤ ودار العلوم بديوبند بالموافقة على هذه الدعوة ، كان منهم الشيخ محمد منظور النعماني ، والشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والشيخ عبيد الله البلياوي ، والشيخ سعيد أحمد خان المكي والسهارنفوري ، فهؤلاء العلماء يحضرون في جميع الاجتماعات ويسافرون لها إلى مناطق بعيدة ، وكانت لهم صلة كبيرة بهذه الجهود الدعوية ، وكان الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي يقدر جهودهم ومساعيهم .
وقد ازدادت صلة الشيخ أبي الحسن علي الندوي بالشيخ محمد إلياس ، حتى كان الشيخ محمد إلياس يلاطفني ويحبني كثيراً بالنسبة إلى ، وقد حصلت لي مناسبتان ، وهما أغلى وأثمن في حياتي ، حينما قضيت معه وقتاً : مرةً حينما شرف مدينة لكناؤ ، وزار كذلك دارة الشيخ علم الله برائي بريلي ، وأخرى حينما كان خالي الشيخ أبو الحسن الندوي يذهب إلى بشاور ، فرافقني إلى دهلي ، وذهب إلى بشاور مع الشيخ عبد الغفار الندوي ، وتركني عدة أيام عند الشيخ محمد إلياس ، فلقيته وعرفت قلقه وهمه للدعوة ، ورأيته عن كثب : كيف وقف نفسه لإصلاح الإنسانية ، وكيف يبتغي رضا الله تعالى ؟ فإذا كان هذا حال المنتمين إلى دين الله تعالى ، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ؟ وقد صور الله تعالى في القرآن الكريم ، قال الله تعالى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً ( الكهف : 6 ) .
وخلال إقامتي هذه سافر الشيخ محمد إلياس إلى ميوات لشئون الدعوة والتبليغ ، ولم يكن هناك إلا مركب واحد ، يجره الفرس ، وكان معه الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي والشيخ إنعام الحسن الكاندهلوي ، فجعلني الشيخ محمد إلياس مرافقاً له حباً وكرامةً ، وكان الشيخ محمد يوسف والشيخ إنعام الحسن يُعرفان بين الناس بالاشتغال العلمي والتعليم والتربية ، فاستفدت منهما ، كما استفدت من لوعة قلبية وحزن بالغ للشيخ إلياس الكاندهلوي نحو الإنسانية ، ولا سيما الأمة المسلمة ، ولم يكن عمري آنذاك إلا 13/ أو 14/ عاماً ، لكن كان هذا العمر للعلم والتعلم ، فأفادتني هذه الرحلة كثيراً ، ووقع حب الشيخ محمد إلياس في قلبي كل موقع ، فلما صار الشيخ محمد يوسف أميراً بعد وفاة والده الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، وتوسع نطاق الدعوة والتبليغ ، سنحت لي فرصة السفر إلى الحجاز عام 1950م ، مع خالي العظيم الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، ومن ميزة هذا السفر أن الشيخ عبد القادرالرائيفوري كان أميراً في هذا السفر . يقول العلامة السيد سليمان الندوي وهو من كبار علماء عصره :
” إن منطقة ميوات التي تمتد في ضواحي دهلي يقدر عدد سكانها حوالي عشرة ملايين ، وكانت مهنتهم الزراعة وعلف الدواب ، لكن هؤلاء كانوا قطاع الطرق ، ومشهورين في السرقة والقتل والنهب ، يسمون مسلمين ، ليسوا مسلمين في العقيدة والعمل ، رأى الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي أحوالهم ، وتفقد جميع أمورهم ، فعرف أن الجهل والأمية سبب هذا الفساد ، فقام بجولات دعوية ، راجلاً وراكباً ، ولقي كل صغير وكبير ، وعلّم الناس تعاليم الإسلام ، ووعظهم وربط صلتهم بالمساجد والكتاتيب ، وأمرهم بأن يتناصحوا فيهما بينهم ، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ثم رتب لهم نظام الخروج والتجول في سبيل الله في كل قرية وبلد ، وذلك على نفقاتهم ، فأصبحت منطقة ميوات مركز المبلغين والدعاة إلى الله تعالى وتاب السراق والنهاب من ذنوبهم وتكونت منهم مجتمعات إسلامية .
وكان منهج دعوته ساذجاً ، وكان ذا إخلاص ، امتلأ قلبه بهموم الأمة ، ومحباً صادقاً للدين ، ومتفكراً في شئون المسلمين بوجه خاص ، متوكلاً على الله ، وقد ملكت الدعوة إلى الله قلبه ولسانه ، فكان خير داع ومبلغ في غدواته وروحاته وصباحه ومسائه ، فكانت الدعوة إلى الله هي خطبته ، وكلامه ، وغذاؤه ودواؤه ، وقوله لكل من يزوره .
أعجبت بالشيخ محمد إلياس الكاندهلوي في أول لقائه ، فكان يدعو الناس إلى الله تعالى ، ويدعو لنجاحهم ، ويصدر في دعائه كل كلمة من القلب فيؤثر في القلب ، وكان على طرف لسانه : يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ” . ( مقدمة العلامة السيد سليمان الندوي على كتاب الداعية الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ومنهجه في الدعوة للإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي ) .
تأسس مركز عالمي للدعوة والتبليغ في مسجد بنغله والي بحي نظام الدين بدهلي ، فكل من قضى وقتاً في هذا الجو الإيماني تجددت له حلاوة الحياة الإيمانية ، ومن نظام هذا المركز أن الجماعات لا تقيم فيه دائماً ، بل ترسَل إلى مناطق أخرى حسب مقتضياتها ، وذلك ما شاهدت في هذا المركز ، ولا يزال هذا المنظر مستمراً إلى يومنا هذا ، فإن الرجال الذين يكونون في النهار دعاةً ومبلغين يكونون في الليل قائمين بالصلاة ، فهم فرسان بالنهار ورهبان بالليل ، تتعالى أصوات المتهجدين والذاكرين لله تعالى ، فمنهم من يكون في ركوع ، ومنهم من يكون في سجود ، ومنهم من يكون في بكاء وخشوع أمام الله تعالى ، ومنهم من يكون في دعاء وتضرع لله تعالى ، يتضح من هذا المنظر أن شمس العلم والدعوة كيف تنير جميع نواحي البلاد ، وكيف تنتشر أشعتها إلى العالم .
إن الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي قد أضناه الضعف البدني، ومواصلة الدعوة وقلة استجمامه ، فقد أصيب بالإسهال ، وكان الضعف لا يزال يزداد يوماً فيوماً ، فلا يؤثر فيه العلاج ، لكن نشاط الدعوة لم يضعف ولم يفتر ، وأخيراً صعب عليه القيام والقعود ، فلا يقوم ولا يقعد إلا بالتكأة ، وكان الشيخ يصلي الصلوات الخمس بالجماعة قائماً ، لا ندري من أين تأتي إليه القوة البدنية ، وقد ألف خالي العظيم الإمام الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي كتاباً حول الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ومنهجه في الدعوة باللغتين الأردية والعربية ، ويكفي لمعرفة تألمه القلبي للدعوة والتبليغ دراسة رسائله ، وهي مطبوعة : باسم مكاتيب الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي .
وا أسفاه ! انتقل الشيخ محمد إلياس إلى رحمة الله تعالى في 21/ رجب 1363هـ ، الموافق 13/ يوليو 1944م ، ودُفن في خارج فناء مسجد بنغله والي في الجهة الجنوبية والشرقية في جوار والده وأخيه الكريمين . غفر الله له وأنزل عليه شآبيب رحمته ، وأغدق عليه الرحمة والرضوان .