صور من التسامح في التاريخ الإسلامي : عمر بن عبد العزيز أنموذجاً
يوليو 25, 2020في باريس امرأة عظيمة اسمها السابق : المسْرَحيّة فالَنْتين Valentine de st.Point أما اسمها الثاني فهو : ( روحية نورِ الدين )
أغسطس 11, 2020الدعوة الإسلامية :
الأدب النبوي : دراسة انتقائية
د . قمر شعبان الندوي *
الملخص :
إن رسولنا ونبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم – كان نبراساً للإنسانية جمعاء في السراء والضراء ، وفي السر والعلن ، وفي الحياة الفردية والجماعية ، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم ، حيث قال : ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ” [1] ، وإن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يؤدِّب أصحابه ويعلِّمهم ما كان لهم وللخلق جميعاً مثالاً لصالح حياتهم ، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – : ” أدّبني ربي فأحسن تأديبي ” [2] .
لقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – معلِّم الإنسانية ، كما كان على أدب مثالي رفيع ، يتكلم كلاماً حكيماً وفصلاً وجامعاً ، وهو صاحب جوامع الكلم ، وهو أفصح اللسان ، وأجمل الأدب والبيان . وإن الأحاديث المأثورة عنه – صلى الله عليه وسلم – خير شاهد على أدبه وحكمته وأخلاقه المتفننة .
إنني في هذه الدراسة أنوي أن أعالج الأدب النبوي ، وسلوكه في ضوء ما أثر عنه – صلى الله عليه وسلم – من حديث وحكمة وجوامع كلم .
وتتمحور دراستي حول المحاور الآتي ذكرها :
- المقدمة
- انتقاء ما يعالج أدب النبي صلى الله عليه وسلم من كتب الحديث الشريف
- عرض النص المنتقى وتحليله
- استنتاج ما يكون نبراساً للأمة من أدب النبي صلى الله عليه وسلم
- بيان قيمته السلوكية في العصر الحاضر
المقدمة :
إن الأنبياء هم القدوة والأسوة للإنسانية ، والمثل الكامل في الأخلاق ، والأذواق ، والأخذ والرد ، والحب والرضا ، أحاطت العناية الإلهية والقبول الرحماني بنفوسهم ، وشملت أخلاقهم وعاداتهم ، وسننهم وطرق معيشتهم ، واختار الله طريق حياتهم من بين طرق الحياة ، وأخلاقهم من بين أخلاق الناس ، وعاداتهم من بين العادات الكثيرة التي تعود عليها الناس .
وإن نبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم – هو خاتم الرسل [3] بُعِثَ معلماً ومزكياً ونذيراً وبشيراً وقدوةً ، ولذلك أصبحت سيرته وأدبه ، وسننه ، وهديه – صلى الله عليه وسلم – أكبر محط العناية والرضا من الله تعالى ، وأصبح اتباعه واتخاذ شاراته وشعائره ، والتخلق بأخلاقه ، والتشبه به أقرب الطرق وأقواها للتقرب إلى الله تعالى ، ولجلب محبته ورضاه . لقد أعلن القرآن الكريم على لسان نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – : ” قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” [4] .
وهذا ما يدفعنا نحن المسلمين إلى أن نتأسى بأسوته ، ونتخلق بأخلاقه ، ونتأدب بأدبه ، وننتهج بمنهجه المثالي ، ونتخذه أسوةً وقدوةً ونبراساً لجميع شعب الحياة ، حتى تكون حياتنا كحياته ، وسيرتنا كسيرته ، وصورتنا كصورته ، وعلينا أن نتلفظ بكل قوة على لسان الشاعر العباسي أبي فراس الحمداني :
فـــلـــيـــتـك تحلو والحياة مــريرة وليتك ترضــى والأنام غــضاب
ولـــيــت الذي بـيني وبينك عامر وبــــيـــنـــي وبــين العالمين خراب
إذا صحَّ منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب [5]
والحق أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان نوراً تنورت به الأرض والسماء ، وأشرقت له ظلمات الدنيا :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء [6]
وإن الوحي السماوي الذي كان يأتي به جبريل الأمين عليه السلام كان بمثابة سلسبيل يرتوي به العالم كله :
والوحي يقطر سلسلا من سلسل واللوح والقلم البديع رواء [7]
فإن حياته – صلى الله عليه وسلم – أجمل النماذج وأروعها للخلق والمعاملة والإحسان والأخلاق الفاضلة ، والإنسانية ، والسماحة ، والمروءة ، والمرونة ، والحلم ، والأناة ، والرفق ، والتؤدة ، والعفو ، والتعليم ، والتزكية ، والمودة ، والمواخاة ، والمواساة ، والمواطنة .
فإنه حث صحابته البررة – رضي الله عنهم – على التخلق بكل هذه الأخلاق الجميلة النبيلة ، وبثها ، ونشرها في الأمة . وإن هذه الدراسة تتمركز على تناول بعض ما يعالج الأدب النبوي في مجال العلم والتعليم ، والترهيب عن النفاق ، وأهمية الرفق والأناة ، ومدى حاجة الناس إلى الخلق الحسن ، وأدب زيارة الإخوة ، وضرورة إعانتهم في حاجاتهم ، والاعتدال والسماحة في التعامل وفي شؤون الحياة ، والإحسان إلى الجيران ، وذم الظلم والبخل ، وأدب الأكل والشرب ، إضافة إلى معالجة الحكمة النبوية ، وأدب الإمامة في الصلوات المكتوبة ، وأدب التعامل مع النساء والأجراء ، والعناية بالنظافة ، وأدب الجنائز والموتى ، والسلوك مع أقاربهم وذويهم ، وتحاول الدراسة إضاءة أهمية كل هذه المواضيع المدروسة قبل جلب الأحاديث تمهيداً للكلام .
الحث على طلب العلم :
نجده – صلى الله عليه وسلم – يحث أتباعه على تلقي العلم ، ويرغبهم في طلبه ، فيقول : عن أبي الدرداء مرفوعاً : ” من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالِم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذه بحظ وافر ” [8] . ثم يحذرهم عن إضاعته ، ونسيانه ، وكتمانه ، فيقول :
عن الأعمش قال : ” قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آفة العلم النسيان ، وإضاعته أن تحدث به غير أهله ” [9] .
عن ابن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعاً : ” أيما رجل آتاه الله تعالى علماً فكتمه ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من نار ” [10] .
ترهيب من النفاق :
النفاق من أبغض ما يتخذه الإنسان للمنافع الشخصية الموقتة الدنيئة ، فقد بيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبحه وسيئاته ، وعلاماته :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) [11] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) [12] .
الرفق والأناة :
إن الرفق والمروءة والسماحة من أحب وأفضل ما أكد النبي – صلى الله عليه وسلم – أهميته ، وحبَّبه إلى الأمة ، وذكر فوائده ، وفضله عند الله تعالى :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله رفيق يحب الرفق ، وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ” [13] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْئ إِلا زَانَهُ ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْئ إِلا شَانَه ” [14] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقُ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ من الخَيْرِ ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخير ” [15] .
وقال : ” إن الله يحب الرفق في الأمر كله ” [16] .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجل يشتكي قسوة قلبه فقال له : ” أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم ، وامسح رأسه ، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك ” [17] .
وقال : ” إذا أردت أمراً فعليك بالتؤدة حتى يريك الله منه المخرج ” [18] .
الخلق الحسن :
إن الأخلاق الكريمة والعظيمة هي عطر تعاليم النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلاصتها ، ” كان خلقه القرآن ، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – بحد تعبير كتاب الله العزيز ، على خلق عظيم ، ” وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ” [19] ، وكان من أهم دوافع البعثة إتمام مكارم الأخلاق : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” [20] ، لقد تحدث العلامة سيد سليمان الندوي عن مثالية ونموذجية أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – في كتابه ” سيرة النبي ” ( المجلد السادس ) حول العنوان : ” اخلاقي معلموں مين آنحضرت صلى الله عليه وسلم كا امتياز ” ( ميزة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بين معلمي الأخلاق ) حيث قدَّم دراستَه عن الأخلاق على أسلوب مبتكر ورائع ، فإنه أولاً يقارن بين تعاليم الأنبياء السابقين وأخلاقهم ، وبين تعاليم الحكماء ، والفلاسفة ، وأخلاقهم ، وأما تعاليم الأنبياء السابقين فمصدرها الأمر الرباني أو الوحي الإلهي ولا غير .
وأما تعاليم الحكماء والفلاسفة فهي عبارة عن تحليل العلة والمعلول ، والتدقيق في نفسيات الإنسان ، والبحث عن خصائصها ، وتحديد الأغراض الأخلاقية ، فهي تعاليم فارغة عن التطبيق العملي ، وما هي إلا هتافات محضة ونعرات جوفاء .
وأما النبي الخاتم محمد – صلى الله عليه وسلم – فتعاليمه تجمع بين ذينك النوعين من التعاليم ، ففيها ” الوحي الإلهي والأمر الرباني ” في جانب ، وتتحلى هذه التعاليم بزينة الحكمة والبصيرة في جانب آخر .
ثم أشار العلامة سليمان الندوي إلى بعض العناصر الأساسية التي من دونها يستحيل أن يصل الإنسان الكامل إلى معيار الاكتمال ، وهي :
- أن يكون كل جانب من جوانب حياته مكشوفاً أمام أعين الناس .
- أن يوجد التطبيق بين تعاليمه وأعماله .
- أن تتوافر في حياته وسيرته نماذج ومُثل لكل نوع من المثقفين ، ولكل طبقة من المخلوقين [21] .
فتأملوا كيف كان فن النبي ” صلى الله عليه وسلم ” في تأصيل جذور الأخلاق ، وتوكيدها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : ” يَا خَلِيلِي ! حَسِّنْ خُلُقَكَ وَلَوْ مَعَ الْكُفَّارِ ، فَإِنَّ كَلِمَتِي سَبَقَتْ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ، أَنْ أُظِلَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِي وَأَنْ أَسْقِيَهُ مِنْ حَظِيرَةِ قُدْسِي ” [22] .
وعن أبي ذر ومعاذ بِن جبل رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ” [23] .
وقال : ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن : الصمت وحسن الخلق ” [24] .
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” أفضل المؤمنين إسلامًا ، من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وأفضل المؤمنين إيماناً ، أحسنهم خلقاً ، وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه ، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل ” [25] .
وعن عبدالله بن عمرو حين قدم مع معاوية رضي الله عنه إلى الكوفة فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ، وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أخيركم أحسنكم خلقاً ” [26] .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ ” قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارينَ ، مَا الْمُتَشَدِّقُونَ ؟ قَالَ : ” الْمُتَكَبِّرُونَ ” [27] .
الإعانة وزيارة الإخوة :
إن المواخاة والمواساة والتحابب من الدعائم الأساسية المتينة للمجتمع البشري ، له قوي الصلة بالقيم الإنسانية ، والقيم الاجتماعية ، فالإسلام بيد أنه دين يشمل جميع جوانب الحياة والمجتمع ، أكد أهمية هذه الدعائم الاجتماعية ، ودعا إلى إحكامها ، وتعزيز أسسها ليكون المجتمع الإنساني ذا حيوية ونشاط ، وتآخ قوي ، ومواطنة سليمة للتعايش السلمي :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أي عبد زار أخاً له في الله نودي أن طبت وطابت لك الجنة ، ويقول الله عَزَّ وَجَلَّ : عبدي زارني على قراه ، ولن أرضى لعبدي بقرى دون الجنة ” [28] .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا وُقِع في الرجل وأنت في ملأ فكن للرجل ناصراً وللقوم زاجراً وقم عنهم ” [29] .
الاعتدال والسماحة :
كل من التطرف ، والغلو ، والتشدد مرفوض رفضاً باتاً عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ، والتطرف لم يكن ولن يكون من ديدن أتباع الإسلام ، ورسول الخير والهدى أبداً ، أكد النبي – صلى الله عليه وسلم – أهمية الاعتدال والمرونة والسماحة في كل عمل ، وهذا من أهم ما أدّب به – صلى الله عليه وسلم – صحابته وأمته ، ” خير الأمور أواسطها ” ، و ” خير الناس من ينفع الناس ” والتطرف بصفته عبارة عن الإفراط والتفريط في السلوك ، مرفوض حتى في العبادة ، والأكل ، والشرب ، قال رسول الرحمة – عليه أفضل الصلاة والتسليم – لعبد الله بن عمرو حين بلغه أنه يعبد كثيراً ولا يهتم بشؤون المنزل :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ” قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله ! ألم أخبرك أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت : بلى يا رسول الله ! قال : فلا تفعل ، صم وأفطر . وقم ونم . فإن لجسدك عليك حقاً . وإن لعينيك عليك حقاً . وإن لزوجك عليك حقاً . وإن لزورك ( زوّارك ) عليك حقا ” [30] .
الإحسان إلى الجيران :
الجيران بمثابة الأقارب عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فانظروا كيف يعلِّم النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته فن الاهتمام بالجيران :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل بهن ؟ فقال أبو هريرة : فقلت : أنا يا رسول الله ، فأخذ بيدي فعدّ خمساً ، وقال : ” اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ” [31] .
تنديد بالظلم والبخل :
إن الظلم ظلمات ، وإن الشح مهلكة في ضوء أدب النبي – صلى الله عليه وسلم – :
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلُّوا محارمهم ” [32] .
أدب الطعام :
الطعام عنصر لازم للحياة ، لم يترك النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا وقد علمنا أدب الأكل والشرب ، وأدب المائدة الجَماعية حتى مقدار الغذاء :
عن ابْنِ عُمَرَ ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ” [33] .
وقال : ” إذا أكل أحدكم مع جماعة وشبع ، فلا يرفع يده حتى يرفع القوم ، إنه يُخجِل جليسَه ” [34] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : ” شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ” [35] .
الحكمة النبوية :
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – حكيماً جامع الكلام ، وأفصح اللسان ، يقدم للأمة وصفة مناسبة وجميلة في كل شيئ ، يقول عن الحب ، والتحذر عن الإفراط فيه ، ثم يوصي أمته بخمس حِكَم في حياته :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا ، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا ” [36] .
و ” من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ ، اغتنم حياتَكَ قبلَ موتِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وشبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ ، وغِنَاكَ قبلَ فقرِكَ ، وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ ” [37] .
أدب النبي صلى الله عليه وسلم في الإمامة :
ظل النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤم الناس في صلواتهم المكتوبة ، ويراعي فيها جميع من يصلي خلفه من شاب وشيخ وعجوز ، ولقن أن يكون الإمام مخففاً في صلاة الجماعة لكي لا يثقل على الشيوخ والضعفاء والمعذورين :
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض ، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء [38] .
أدب النساء :
إن المرأة أغلى جوهر في الإسلام ، وقد نبه الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمته عن الإساءة إلى المرأة ، وحثها على الاهتمام والعناية بها وفق فطرتها ، وطبيعتها :
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيئ فى الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً ” [39] .
أدب التعامل مع الأجير :
لم يترك النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى إنه علَّم أدب التعامل مع الأجير ، وإعطاء حقه إثر عمله ، فقال :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ، وفي رواية : حقه بدل أجره [40] .
أدب النظافة :
النظافة عنصر طبيعي للإنسان ، وأما الإسلام فقد أكد أهمية هذا العنصر ، وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته بالنظافة :
” الإسلام نظيف فتنظفوا ، فإنه لايدخل الجنة إلا نظيف ” [41] .
نصرة الظالم والمظلوم :
ورد في القرآن الكريم ” تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ ” ، فتدبروا في فن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر ، وحكمته في نصرة الظالم مع نصرة المظلوم :
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال : رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذا كان مظلوماً ، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟! قال : تحجزه أو تمنعه من الظلم ، فإن ذلك نصره ” [42] .
أدب اللقاء :
نرى في حياتنا اليومية مخاصمات فيما بين الناس في أمر تافه ، وقد قدَّم لنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – حلاً جميلاً لوقاية هذه المخاصمات عن طريق تعاملنا ، وأسلوب ملاقاتنا ، إذا كان هذا الأسلوب مستلهَماً من أسلوب النبي – صلى الله عليه وسلم – :
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ” [43] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو لا أدلكم على شيئ إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم ” [44] .
الترهيب من الفخر :
التواضع ما يرفع قيمة الإنسان عند الله تعالى ، وعند المثقفين أيضاً ، والفخر والتكبر ما يؤدي الإنسان إلى الذل والهوان ، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – على قمة من العز والشرف والمكانة ، ولكنه لم يكن من المتكبرين ، فانظروا كيف كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتواضع لله ، ويكره الفخر :
عن أنس ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إنه لم يكن نبي إلا له دعوة تنجزها في الدنيا ، وإني اختبأت دعوتي شَفاعة لأمتي ، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من ينشق عنه الأرض ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر . . . . ” [45] .
أدب الجنائز والموتى :
لم يعلِّم النبي – صلى الله عليه وسلم – أدب الحياة من الأكل والشرب ، والزيارة ، وطلب العلم فحسب ، بل زوّد أمته بأدب الجنائز ، وطريقة التعامل مع الموتى ، وأقاربهم ، وذويهم ، وما يكون خيراً لهم في الدنيا والآخرة ، فهاهي ذي تعاليمه – صلى الله عليه وسلم – في التعامل مع موتانا :
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا رأى أحدكم جنازةً فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو تُوضَع من قَبلِ أن تُخلفَه ” [46] .
وقال : ” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ” [47] .
وقال : ” إن الميت لَيُعذَّب ببكاء أهله عليه ” [48] .
و ” عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم : ” اجعل لنا يوماً فوعظهن وقال: أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجاباً من النار ” [49] .
وقال : ” إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي ” [50] .
الخاتمة :
لقد درست في هذه الورقة الأدب النبوي – على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم – دراسة انتقائية ( Selective Study ) ، إذ تم انتقاء الأحاديث التي تهدف إلى تهذيب الأخلاق ، وتلقين أساليب الحياة الفردية والجماعية ، فالأحاديث المدروسة في هذه الورقة تعالج أدب العلم والتعلم ، وأدب الأخلاق والمعاملة ، وأدب الأكل والشرب ، وأدب زيارة الإخوة والأقارب ، وأدب الأجرة والأجير ، وأدب التعامل مع النساء ، وأدب الجنائز والموتى ، وأقارب الموتى ، كما تناولت الورقةُ العناصرَ السلبيةَ المتواجدةَ في المجتمع ، أمثال : النفاق والظلم والشح والبخل ، والكذب والغضب والفخر .
فإن هذه الدراسة المستلهمة من الأحاديث المأثورة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته البررة – رضي الله عنهم – تستنتج أن حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – قدّمت مثالاً رفيعاً وقدوةً جامعةً لكل فرد من أفراد البشر في العقيدة والعبادة والمعاملة والسلوك ، رغم أن الورقة ما عالجت قضايا العقيدة والإيمان والعبادة ، وقضايا البيع والشراء ، واكتفت بأدب الحياة وأسلوبها ، ولكن الأدب النبوي على صاحبه الصلاة والسلام بكامله عبارة عن فن التعامل والمعاملة والخلق الحسن فرادى وجماعات ، لقد صدق القرآن الكريم حيث قال : ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ” [51] .
وإن حياته كلها نور أشرقت له الظمات ، واستنارت به الأرض والسماء والكواكب ، فقد قال الشاعر العربي الصحابي الجليل ، كعب بن زهير في قصيدته المعروفة بقصيدة البردة وقصيدة بانت سعاد :
إن الرسول لنور يُستضاء به مهنَّد من سيوف الله مسلول [52]
وقال حسان بن ثابت في مديحه – صلى الله عليه وسلم – :
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجــمـــل مــنـك لم تلد النساء
خـــلــقــت مبرءا من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء [53]
* أستاذ مساعد ، قسم اللغة العربية ، جامعة بنارس الهندوسية ، فارانسي ، الهند .
[1] الأحزاب : 21 .
[2] الشوكاني ، الفوائد المجموعة ، رقم الحديث : 1020 .
[3] الأحزاب : 40 .
[4] آل عمران : 31 .
[5] ديوان أبي فراس الحمداني ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1994م ، ص : 48 .
[6] أحمد شوقي ، الشوقيات ، كلمات عربية للترجمة والنشر ، القاهرة ، سنة الطباعة غير مذكورة ، ص : 39 .
[7] المصدر نفسه .
[8] الترمذي في سننه ، رقم الحديث : 2685 .
[9] علي بن سلطان محمد القارئ ، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، بيروت ، 2002 ، كتاب العلم ، رقم الحديث : 265 .
[10] الجامع الصغير ، ج 10 ، ص 426 .
[11] البخاري 34 ، مسلم 58 ، وأبو داود في السنن 4688 ، وأحمد بن حنبل في المسند 6768 .
[12] البخاري 33 ، ومسلم 59 .
[13] صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب الرفق في الأمر كله .
[14] المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة ، نقلاً عن صحيح مسلم ، رقم الحديث : 222 .
[15] الترمذي في سننه ، رقم الحديث : 2013 .
[16] البخاري 6395 .
[17] السمرقندي ، تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين ، رقم الحديث : 189 .
[18] أمالي ابن بشران ، رقم الحديث : 528 .
[19] القلم : 4 .
[20] أحمدبن حنبل في المسند ، رقم الحديث : 8939 .
[21] السيد سليمان الندوي ، سيرة النبي ، لاهور ،1991م ، ج 6 ، ص 21 .
[22] الثاني من أمالي أبي مطيع المصري ، رقم الحديث : 4 .
[23] ” الجامع الكبير ” حديث 1987م 2 .
[24] الصمت وآداب اللسان ، رقم الحديث : 27 .
[25] الطبراني .
[26] صحيح البخاري ، كتاب الأدب .
[27] السابع عشر من الفوائد المنتقاة للحرمي ، رقم الحديث : 51 .
[28] ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس .
[29] ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس .
[30] صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب حق الجسم في الصوم .
[31] سنن الترمذى ، باب الصحة والفراغ ، ج 4 ، ص 551 .
[32] السابع من فوائد أبي عثمان البحيري ، رقم الحديث : 52 .
[33] فوائد ابن حمكان ، تخريج الضياء المقدسي ، رقم الحديث : 12 .
[34] موسوعة النابلسي للعلوم الشرعية ، الدرس 047 – 119 ، ص : 6 .
[35] البخاري في صحيحه ، 5/1985 ، رقم 4882 ، كتاب النكاح ، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله .
[36] البيهقي في الشعب ، 8/515 .
[37] الحاكم في المستدرك ، رقم 7846 ، 4/ 341 .
[38] البخاري 671 ومسلم 467 في صحيحيهما .
[39] البخاري في كتاب النكاح ، باب الوصاة بالنساء ، حديث رقم 4787 ، ورواه مسلم في كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، حديث رقم 2671 .
[40] نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ، كتاب الإجارات ، ص 274 .
[41] أحاديث علي بن يوسف بن أحمد الشيرازي ، رقم الحديث : 5 .
[42] صحيح البخاري ، رقم الحديث : 2311 .
[43] البخاري ومسلم .
[44] صحيح مسلم ، كتاب البر ، حديث : 144 .
[45] صحيح مسلم ، كِتَاب الإِمَارَةِ ، رقم الحديث : 3437 .
[46] صحيح البخاري ، 61 .
[47] أحمد بن حنبل في مسنده : 1/296 .
[48] البُخَارِيُّ 1308 ومُسْلِمٌ 958 .
[49] صحيح البخاري ، 1631 .
[50] صحيح البخاري بشرح فتح الباري ، كتاب الجنائز ، الحديث : 1289 .
[51] الأحزاب : 21 .
[52] شرح قصيدة بانت سعاد ، لابن حجه الحموي ، مكتبة المعارف ، الرياض ، 1985 ، ص 26 .
[53] ديوان حسان بن ثابت الأنصاري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 1994م ، ص 21 .