المؤامرة الغربية ضد المرأة المسلمة
مايو 28, 2023مشروعية الحوار وأهدافه والحاجة إليها
يونيو 23, 2023الدعوة الإسلامية :
التعليم النبوي : طرقه وأساليبه ووسائله
( الحلقة الأولى )
الباحث محمد فاروق *
الطريقة والأسلوب والوسيلة وأهميتها في التعليم :
الطريقة والأسلوب وإن كانا يستخدمان بالتبادل في بعض الأحيان إلا أنهما تختلفان بالمعنى الدقيق . في حين يشير الأسلوب إلى النهج الذي ينظر به المعلم إلى المحتوى أثناء اتخاذ قرار حول كيفية تدريسه ، تشير الطريقة إلى الكيفية التي يقرر بها المعلم تعليمه في نهاية المطاف . وفي حين يشير الأسلوب إلى الإطار النظري الذي يمهد اتجاه التعليم وزاويته ، تشير الطريقة إلى عملية التدريس خطوةً بخطوة [1] . أما وسيلة التعليم فهي مجموعة أجهزة وأدوات ومواد يستخدمها المعلم لتحسين عملية التعليم والتعلم بهدف توضيح المعاني وشرح الأفكار في نفوس التلاميذ . فالوسيلة لا تعتمد على استخدام الألفاظ وحدها ، بل على استخدام الخبرات الحسية المباشرة وغير المباشرة حيث يستخدم المتعلم فيها حواسه المختلفة من بصر وسمع ولمس وشم وتذوق .
وتجلب الأساليب والطرق اللاحقة بها والوسائل المستخدمة فيها أهميةً كبيرةً في التعليم وإدارة الفصول الدراسية وتعزيز الطلاب وتحقيق الأهداف . قال عالم النفس الأمريكي المعروف في القرن الماضي ب . ف . سكينر (B F Skinner ) : ” يمكنك تعليم أي شخص أي شيئ شريطة أن تعرف كيفية التدريس ” . وهذا يبرز أهمية الأساليب والطرق في جميع مستويات التعليم . لذلك ، إذا حلل المرء أي منهج لتعليم المعلمين ، وجد أن هناك وزناً أكبر لمنهج دورات التدريس [2] .
الأسلوب الحديث والأسلوب النبوي :
من بين الأساليب المختلفة الأساليب البارزة التي تناقش في الوقت الحاضر في المنتديات التعليمية هي الأساليب الأربعة : الأسلوب الاستنتاجي والأسلوب الاستقرائي والأسلوب المركز على المتعلم والأسلوب المركز على المعلم . الأسلوب الاستنتاجي تحليل الكليات للوصول إلى الجزئيات ، ويقدم المدرس الأسس العامة والقواعد والقوانين جاهزةً إلى الطلبة لتطبق على الأمثلة والحقائق الجزئية التـي تصـدق عليهـا تلـك القوانين والقواعد ، أو أنـه يفسر ويشرح لهم القواعد والحقائق التي سبق أن ألقيت عليهم [3] . الأسلوب الاستقرائي أسلوب يحاول به المعلم إشراك المتعلم في التعليم بجميع الجزئيات واستقصائها للوصول إلى الكليات ويستخدم عندما يراد الوصول إلى قاعدة عامة . الأسلوب الاستقرائي يمكن المعلم من تقديم حقائق جديدة جاهزة إلى الطلاب ، الأسلوب الاستنتاجي يبدأ بالنظريات ويتقدم إلى تطبيقات تلك النظريات ، والمنهج الاستقرائي يبدأ بالملاحظات والبيانات التجريبية ، والتي يقوم الطلاب بتحليلها وتعميمها ثم إيجاد طرق لتطبيق الاستنتاجات في حل مشاكل العالم الحقيقي [4] . ” إذا قام المعلم بترتيب أنشطة التدريس والتعلم في الفصول الدراسية بطريقة تزيد من مشاركة الطالب ، فإن هذا النوع من التدريس في الفصل الدراسي يسمى التدريس المركز على المتعلم ” [5] . في التدريس المركز على المعلم يؤكد المعلم السيطرة على المواد التي يدرسها الطالب والطرق التي يدرسها بها – أي متى وأين وكيف وبأي وتيرة يتعلمونها[6] .
وفي تعليمه نراه صلى الله عليه وسلم يستخدم مختلفةً من الأساليب حسب اختلاف مادة التدريس وقدرة المتعلمين وسائر الظروف . أحياناً يوصل النبي المعلم صلى الله عليه وسلم العلوم لأصحابه مباشراً بإيضاح القواعد والأحكام ، ولكن في بعض الأحيان يعدد صلى الله عليه وسلم الأحوال المخصوصة الجزئية أمام الصحابة ثم يؤكد القاعدة الكلية المستنبطة منها . ففي حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ، قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ، قال أبو بكر رضي الله عنه أنا . قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ، قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ، قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ” [7] . واضح هنا أنه صلى الله عليه وسلم عدد بعض الأمور الجزئية من الأعمال الخيرية ثم أكد حكماً كلياً من أن من اتصف بهذه الخصال فاز ، وفي حديث آخر رواه الإمام البخاري في صحيحه عن نافع ، عن عبد الله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول ، والرجل راع على أهله وهو مسؤول ، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول ” [8] ، أولا وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر الكلي المنطبق على أمور مختلفة ، ثم بين بعض الجزئيات منها لأصحابه . وفي حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ” . قيل : إن لنا في البهائم أجراً ؟ قال : ” في كل ذات كبد رطبة أجر ” أنه صلى الله عليه وسلم توصل بجزئي – وهو قصة امرأة مع كلب – إلى إيضاح حكم كلي وهو أن في كل ذات كبد أجراً [9] .
عن أنس بن مالك قال : ” نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيئ ، فكان يعجبنا أن يجيئ الرجل من أهل البادية ، العاقل ، فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية ، فقال : يا محمد ، أتانا رسولك ، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ؟ قال : صدق ، قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله ، قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله ، قال : فمن نصب هذه الجبال ، وجعل فيها ما جعل ؟ قال : الله ، قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ، قال : صدق ، قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ؟ قال : صدق ، قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟ قال : صدق ، قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ؟ قال : صدق ، قال : ثم ولى ، قال : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلن الجنة ” [10] . ففي هذين الحديثين يلعب صلى الله عليه وسلم دور السائل أكثر والمتعلم بنفسه يصل إلى الأحكام ويفهمها .
الطريقة الحديثة والطريقة النبوية :
الطرق التعليمية المتداولة المناقشة في أيامنا الحاضر كثيرة مشهورة . بعد تتبع المحاضرات والمناقشات حول الطرق التعليمية عرفت أن خمس طرق تعليمية كانت أكثر اشتهاراً واهتماماً . وتلك طريقة الإلقاء وطريقة المناقشة وطريقة الاستقصاء وطريقة العصف الذهني وطريقة القدوة . أما طريقة المحاضرة فهي الطريقة القديمة التي تناولها الإنسان للتعليم ويتولى فيها المعلم عرض موضوع معين وتقديم المعلومات بأسلوب شفهي يلائم مستويات المتعلمين من أجل تحقيق هدف أو أهداف الدرس ، ويدخل تحت هذه الطريقة أنواع من الطرق نحو المحاضرة والوصف والقصة والشرح وغيرها .
وعن الزبير رضي الله عنه قال : جئت حتى جلست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بطرف عمامتي من ورائي ثم قال : يا زبير ! إني رسول الله إليك خاصةً وإلى الناس عامةً ، أتدري ماذا قال ربكم ، قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : قال ربكم حين استوى على عرشه ونظر إلى خلقه ، عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم ، أرزاقكم بيدي ، فلا تتعبوا فيما تكفلت لكم واطلبوا مني أرزاقكم وإلي فارفعوا حوائجكم ، انصبوا إلى أنفسكم أصب عليكم أرزاقكم ، أتدرون ماذا قال ربكم ، قال الله تعالى : عبدي أنفق أنفق عليك وأوسع أوسع عليك ولا تضيق فأضيق عليك ولا تضر فأضر عليك ولا تحزن فأحزن عليك ، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سماوات متواصل إلى العرش لا يغلق ليلاً ولا نهاراً ، ينزل الله تعالى منه الرزق على كل امرئ بقدر نيته وعطيته وصدقته ونفقته ، من أكثر أكثر له ، ومن أقل أقل له ، ومن أمسك أمسك عليه ، يا زبير ! فكل وأعط ولا توك فيوكى عليك ، ولا تحص فيحصى عليك ، ولا تقتر فيقتر عليك ، ولا تعسر فيعسر عليك ، يا زبير ! إن الله تعالى يحب الإنفاق ويبغض الإقتار وإن السخاء من اليقين والبخل من الشك ، فلا يدخل النار من أيقن ولا يدخل الجنة من شك ، يا زبير ! إن الله يحب السخاء ولو بفلق تمرة والشجاعة ولو بقتل عقرب أو حية ، يا زبير ! إن الله تعالى يحب الصبر عند زلزلة الزلزال ، واليقين النافذ عند مجيئ الشبهات ، والعقل الكامل عند نزول الشهوات ، والورع الصادق عند الحرام والخبيثات ، يا زبير ! عظم الإخوان وجلل الأبرار ووقر الأخيار وصل الجار ولا تماش الفجار وادخل الجنة بلا حساب ولا عذاب ، هذه وصية الله إلي ووصيتي إليك يا زبير [11] .
أما طريقة المناقشة فمن أحدث طرق التدريس وجوداً تقوم على الحوار بين المعلم والمتعلم في صورة أسئلة ومناقشة لذلك يطلق عليها طريقة المناقشة .
حديث جبريل المشهور أشهر الأدلة في استخدام الحوار والمناقشة في التعليم النبوي ، والحديث ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس ، فأتاه جبريل فقال : ما الإيمان ؟ قال : الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وبلقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به ، وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : ما الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال : متى الساعة ؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربها ، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان ، في خمس لا يعلمهن إلا الله . ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة ) الآية ، ثم أدبر ، فقال : ردوه . فلم يروا شيئاً ، فقال : هذا جبريل ، جاء يعلم الناس دينهم[12] .
أما طريقة العرض فهي طريقة استخدام المعلم الوسائل المتنوعة والتجارب لتفهيم الأحكام وتوضيح المفاهيم . وهذه الطريقة أكثر انجذاباً وشيوعاً في العالم المعاصر حيث تطور فيه التقنيات التعليمية . ونرى في التعليم النبوي لمعات استخدام هذه الطريقة حسب الاستطاعة في ذلك الزمان .
عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامةً في القبلة ، فشق ذلك عليه ، حتى رئي في وجهه ، فقام فحكه بيده ، فقال : إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه ، أو ، إن ربه بينه وبين القبلة ، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدميه . ثم أخذ طرف ردائه ، فبصق فيه ، ثم رد بعضه على بعض ، فقال : أو يفعل هكذا [13] .
عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تنح حتى أريك ” فأدخل يده بين الجلد واللحم ، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ2 .
عن حمران مولى عثمان بن عفان : أنه رأى عثمان دعا بوضوء ، فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل كل رجل ثلاثاً ، ثم قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا ، وقال : ” من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه “[14] .
( للحديث بقية )
* قسم اللغة العربية ، جامعة مدراس ( الهند ) .
[1] www.differencebetween.com/
[2] DIFFERENT APPROACHES TO TEACHING :p.68-87
[3] أساليب قواعد اللغة العربية، كامل الدليمي : ص 79 .
[4] Prince, M. J., & Felder, R. M. (2006). Inductive teaching and learning methods: Definitions, comparisons, and research bases. Journal of Engineering Education, 95(2), 123–138.
[5] Nagarajan K (2019), Learning and teaching p.181
[6] Great School Partnership ( 2013), Student-centered learning definition
[7] صحيح مسلم : 1028 .
[8] صحيح البخاري : 2278 .
[9] صحيح البخاري : 2334 .
[10] صحيح مسلم : 12 .
[11] نوادر الأصول : الأصل السادس عشر في أن خوف الاقلال من سوء الظن بالله تعالى .
[12] صحيح البخاري : 50 .
[13] صحيح البخاري : 397 .
[14] صحيح البخاري : 157 .