العلامة السيد سليمان الندوي : مآثره العلمية
سبتمبر 15, 2020الشيخ العلامة السيد حسين أحمد المدني رحمه الله : عالماً كبيراً وقائداً حكيماً
نوفمبر 10, 2020
الإمام أشرف علي التهانوي
المصلح الكبير والكاتب الجليل
1280هـ – 1863م –––– 1362هـ – 1943م
بقلم : العلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب: محمد فرمان الندوي
مجدد القرن العشرين الميلادي :
ظهرت شخصية المصلح الكبير والكاتب الجليل ومجدد القرن العشرين الميلادي ، الإمام أشرف علي التهانوي في فجر القرن الرابع عشر الهجري بإنجازاته العلمية والروحية ، عندما كان الشعب الهندي في هذه البلاد غير المنقسمة بين الهند وباكستان يرزح تحت وطأة الاستعمار البريطاني ، وكانت الوسائل التربوية الإسلامية قليلةً ، وذلك بتأثير ظروف القهر والكبت من المستعمر الظالم ، وبخاصة للمسلمين وفي شئونهم الإسلامية ، ولكن رغم ذلك كانت الشخصيات النابهة الممتازة تسعى سعيها في نشر الوعي الإسلامي وتصحيح الاتجاه الديني ، وتؤدي أدوارها بحسب توفيق الله تعالى ، وبما رزقهم الله من همة وفكر إسلامي مستقيم ، وكان من أهم هذه الشخصيات العالم المفكر الإسلامي الجليل الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله تعالى ، فقد قام بإصلاح النفوس وتزويد الناس بالعلم الديني الصحيح ، وتصحيح المسار الإسلامي بمواعظه ومحاضراته وتأليفاته ، وبدروسه التربوية ومجالسه الدينية المفيدة .
دراسته وتربيته :
بدأ الإمام أشرف علي التهانوي حياته بدراسته في دار العلوم بديوبند على أساتذة عباقرة ، وفي مقدمتهم الشيخ محمود الحسن الديوبندي والشيخ محمد يعقوب النانوتوي ، وقد أشرف عليه الشيخ رشيد أحمد الغنغوهي ، وظلت عنايته هذه من زمن دراسته إلى يوم وفاته ، فأراد الشيخ التهانوي أن يبايع على يده ، لكنه منعه عن البيعة ، لئلا تكون الأوراد والأذكار عائقاً في طلب العلوم الإسلامية ، ثم بايع الشيخ أشرف علي التهانوي على يد الشيخ الرباني الحاج إمداد الله المهاجر إلى مكة ، ولم يلبث إلا أن جعله الشيخ إمداد نائباً له في إصلاح النفوس وتزكية القلوب ، ولما هاجر إلى مكة أحل محله في تهانه بهون ، فجعل يفيد الناس بعلمه وتقواه .
دوره في مجال الإصلاح والتزكية :
ولما تخرج من دار العلوم بديوبند انتخب أستاذاً في مدرسة جامع العلوم بمدينة كانفور ، وظل يدرس فيها إلى مدة ، ثم عاد إلى وطنه ، واشتغل بالإصلاح والتزكية والوعظ والإرشاد واهتدى به خلق كثير ، قلما استفاد كمثله من عالم آخر ، وقد استفاد منه كبار العلماء والمفكرين استفادةً روحيةً ، بلغوا بها مبلغ المصلحين والمربين العظام ، كان منهم العالم الرباني عبد الغني الفولفوري ، والشيخ وصي الله الإله آبادي ، والشيخ المفتي محمد شفيع العثماني ، والشيخ المقرئ محمد طيب القاسمي ، والشيخ السيد سليمان الندوي ، والشيخ عبد الباري الندوي ، والشيخ محمد يوسف البنوري ، والطبيب عبد الحي العارفي ، والشيخ محمد حسن الأمرتسري ( الجامعة الأشرفية ، بلاهور ) والشيخ فقير محمد البشاوري ، والشيخ مسيح الله خان الشيرواني ، والشيخ أسعد الله ( رئيس جامعة مظاهر علوم ، بسهارنفور سابقاً ) ، والشيخ عبد الرحمن الكانفوري ، وابن أخت التهانوي الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي ، وفي آخرهم الشيخ أبرار الحق الحقي ، فإنهم قاموا بمهمة الإصلاح والتربية وتزكية النفوس على أوسع نطاق . هذه الأسماء كانت على سبيل المثال ، وإلا كان هناك عدد لا بأس به ، وأخص بالذكر منهم الشيخ عبد الماجد الدريابادي والشيخ عبد الرب الأناوي ، وقد درس منه علماء ومشايخ وأخذوا منه العلم الديني ، كان منهم الشيخ السيد عبد الحي الحسني رئيس ندوة العلماء سابقاً ، وهناك علماء لم يدرسوا منه ، بل زاروه حيناً لآخر ، واستفادوا من علمه الغزير ، كان منهم الطبيب السيد عبد العلي الحسني ، والشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، ( وكلاهما خالي ) ، فسعدت أنا أيضاً برؤيته وزيارته حينما جاء إلى لكناؤ لعلاجه ، وأقام فيها طويلاً ، فكان الشيخ عبد العلي والشيخ أبو الحسن رحمهما الله يحضران مجلسه للاستفادة منه . فوقر حبهما في قلب الشيخ أشرف علي رحمه الله ، حتى شرَّف بيتهما في لكناؤ بقدومه على طلب منه ، فكان ذلك اليوم يوماً مشرفاً لأعضاء أسرتي ، وكنت في مرحلة الثانوية طالباً بدارالعلوم لندوة العلماء إذ سمعت نبأ وفاته المفجع ، فكأن صاعقةً قد ألمت بأسرتي ، وغربت بوفاته شمس إصلاح النفوس والتزكية والمعرفة الربانية ، وحرم العالم طبيباً نطاسياً يعالج أمراض الأمة بنفثات روحه وحرقة قلبه ، اللهم اغفر له ، وارحمه وأكرم نزله ، وأدخله في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً .
رأي العلامة السيد عبد الحي الحسني فيه :
وكتب عنه العلامة الشيخ السيد عبد الحي الحسني في نزهة الخواطر : ” الشيخ العالم الفقيه أشرف علي بن عبد الحق الحنفي التهانوي ، الواعظ المعروف بالفضل والأثر ، وُلد بتهانه بهون قرية من أعمال مظفر نغر ، لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمانين ومأتين بعد الألف ، وقرأ المختصرات على مولانا فتح محمد التهانوي ، وقرأ أكثر كتب المنطق والحكمة وبعض الفقه والأصول على مولانا محمود حسن الديوبندي المحدث ، وأكثر كتب الفقه والأصول وبعض الحديث على مولانا محمود ، والفنون الرياضية والمواريث على شيخنا السيد أحمد الدهلوي ، والحديث والتفسير على مولانا يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي ، كلها في المدرسة العالية بديوبند ، وقد كانوا من كبار العلماء الربانيين الذين نفع الله بمواعظهم ومؤلفاتهم .
وقد بلغ عدد مجالس وعظه التي دُونت في الرسائل وجُمعت في المجاميع إلى أربع مأة مجلس ، وقد كان نفع كتبه ومجالس وعظه عظيماً في إصلاح العقيدة والعمل ، واستفاد منها ألوف من المسلمين ، وكانت له يد طولى في المعارف الإلهية ، ومهارة جيدة في التصنيف والتذكير ، ورُزق من حسن القبول ما لم يُرزق غيره من العلماء والمشايخ في العصر الحاضر ، قرأت عليه شطراً من أصول الشاشي ، وجزءاً من شرح الكافية للجامي ، وبعضاً من شرح الشمسية للرازي .
وكان مشكلاً ، منور الشبيه ، أبيض ، مشرب الحمرة ، ربعة من الرجال ، حسن الثياب في غير إسراف وتجمل ، حلو المنطق ، لطيف العشرة ، فيه دعابة مع مهابة ووقار وسكينة ورزانة ، كثير المحفوظ ، حسن الاستشهاد بالأبيات ، كثير الإنشاد لأشعار المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي في المواعظ والمجالس في محالها ، شديد العناية ، كثير الحسبة على أداء الحقوق إلى أصحابها ، وإصلاح المعاملات مع الناس ، لا يحتمل في ذلك تساهلاً وتغافلاً ” . ( نزهة الخواطر ، ج 8 ، ص 187 – 188 ) .
مؤلفاته ودراساته العلمية :
توفي الشيخ أشرف علي التهانوي عام 1943م ، لكن عمله العلمي والإصلاحي استمر بمؤلفاته ودراساته وخطبه ومواعظه ، وتلامذته ، الذين وسَّعوا نطاق الاستفادة منها ، بمجهوداتهم البالغة ، وكان من أتباعه المعروفين الشيخ عبد الباري الندوي ، الذي بدأ يصوغ أفكاره ومؤلفاته في أسلوب قشيب بعنوان سلسلة تجديد الدين ، وسماها : جامع المجددين ، وتجديد تعليم وتبليغ ، وتجديد معاشيات وتجديد تصوف وسلوك وغيرها ، فنالت هذه الكتب قبولاً واسعاً . وكان من بينهما تجديد التصوف والسلوك ، وقد كلفني الشيخ عبد الباري نقله إلى اللغة العربية ، وكنت في ريعان شبابي ، فترجمت هذا الكتاب ، بذلك درست عن قرب أفكار الشيخ أشرف علي التهانوي ، وقد صدر الكتاب أولاً باسم بين التصوف والحياة ، ثم باسم : المنهج الإسلامي لتربية النفس من المجمع الإسلامي العلمي بلكناؤ .
أما مؤلفات الشيخ التهانوي ودراساته العلمية فكان في مقدمته ترجمة معاني القرآن باللغة الأردية وشرحها ، وصدرت باسم بيان القرآن ، ونالت قبولاً واسعاً ، وأثرت تأثيراً كبيراً في تربية وتكوين الجيل الجديد ، وصياغة ذهنه ، ومع هذا العمل المبارك الجليل كان له مؤلَّف قيم أكثر شهرةً وذيوعاً يُعرف بـ ( بهشتي زيور [ حلية أهل الجنة ] [1] ) باللغة الأردية ، ثم كانت له خطب ومواعظ ورسائل وإفادات وكلمات بلغت إلى ألف ، وقد أودع الله فيها أثراً كبيراً بحيث لا يستغني عنها مصلح ومرب أو عالم وداع في شبه القارة الهندية خاصةً .
منهجه في الإصلاح والتربية :
وإن منهج الإصلاح والتربية الذي قد اختاره الشيخ الجليل رحمه الله تعالى كان فريداً من نوعه ، فلقد كان ينظر بدقة إلى الأدواء الخلقية والتقصيرات الدينية المتغلغلة في المجتمع الإسلامي في عصره ، فكان يبني منهج إصلاحه على معالجة هذه الأدواء ، ولقد كان منها ما لم يكن يفطن لخطورتها أكثر العلماء المسلمين والمصلحين أيضاً في ذلك العصر .
وكانت النقطة المهمة في هذا المنهج هي توفيق توجيهاته بما ورد في الشرع الإسلامي من حِكَم في المصدرين الشرعيين ، وكان يذم ذماً شديداً اللامبالاة التي كان يراها قد عمت في اختيار العمل الأوفق ، وكان سعيه الأكبر هو تصحيح العمل الإسلامي المنحرف عن جادة السنة السنية ، وكان ذلك هو الهدف الأكبر لجهوده الإصلاحية والتربوية ، ولأهمية هذه النقطة من الدعوة والإصلاح عدَّه المطلعون على جهوده من مجددي هذه الأمة في زمنه لضربه على الوتر الحساس ينشد به الإصلاح وتصحيح مسار العمل في المسلمين .
كتاب يتحدث عن شخصيته وأعماله باللغة العربية :
لقد أصبحت شخصيته معروفةً كل المعرفة في شبه القارة بعظمة عمله الديني التربوي ، ولكنها لم تعرف في العالم العربي لدى أصحاب اللغة العربية ، ولقد جرى على منهجه مسترشدوه من بعده في شبه القارة الهندية ، وقاموا بواجبهم نحو ذلك بدقة وسعة ، ولكن لم ينقل إلى اللغة العربية شيئ مهم من ذلك ، ولم تعرف شخصيته في الناطقين باللغة العربية معرفةً كاملةً ، فنشط أحد إخواننا الندويين وهو الأخ رحمة الله الندوي ( المقيم في الدوحة بدولة قطر ) ، وكان أعد قبل هذا التعريف بعض الكتب من هذا القبيل ، وأحسن العرض والاستعراض فيها ، فكان من المأمول أن يكون عمله في تقديم شخصية الشيخ أشرف علي التهانوي المربي الحكيم ، والمصلح الكبير ، والمفسر ، والداعية الفقيه ، عملاً لائقاً ، ومؤدياً لما يجب في هذا المجال ، وقد بنى كتابه هذا على سبعة أبواب ، في كل باب طائفة من الفصول ، يتحدث فيها الكاتب المؤلف عن جوانب مختلفة من شخصيته وأعماله [2] .
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه وبارك وسلم تسليماً كثيراً كثيراً .
[1] وطبع الكتاب باسم المختصر في الفقه الحنفي بالعربية ، بتعريب الشيخ رياست علي ، الأستاذ بمدرسة ابن عباس ، كراتشي ، من مكتبة البشرى ، كراتشي ، باكستان ، عام 1435هـ – 2013م .
[2] صدر الكتاب من دار القلم ، دمشق ، عام 2006م ، وهو يغطي 560/ صفحة .