صياغة الأذهان أولى وأهم من صياغة القرارات
يوليو 11, 2022استراتيجية ……… وإخفاق
سبتمبر 12, 2022صور و أوضاع :
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
محمد فرمان الندوي
يصلي عليه الله جلَّ جلاله :
شهد العالم الإسلامي في الأيام الأخيرة مظاهرات واحتجاجات على المستوى العالمي ضد بيان صادر من ناطقة باسم حزب هندي خلال حوار إعلامي ، ضد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وأم المؤمنين السيد عائشة رضي الله عنها ، وقد أثار هذا البيان موجة غضب عارمة ، فجرت المقاطعات للبضائع الهندية والمنتوجات الوطنية ، وقد أرسلت بعض الدول الاسلامية قراراً رسمياً إلى الهند ، إدانةً بما وُجه إلى ذات الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي لا تخلو لمحة من لمحات اليوم والليلة ، من مدحه والثناء عليه في الأذان والإقامة وفي الصلاة ، وقد صلى عليه الله وملائكته ، وأُمر المؤمنو ن بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ، يقول أحد الشعراء :
يصلي عليه الله جلَّ جلاله بهذا بدا للعالمين كماله
مثل هذه الإساءات إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ليست أمراً مستحدثاً ، وبدعاً من الأمر ، وليس وليد اليوم ولا بنت الأمس ، وهي تتكرر بعد كل سنوات ، ولم يكن وراء ذلك إلا أن الهلع والخوف ، والحسد والبغض قد استولى على المسيئين إلى ذات الرسول صلى الله عليه وسلم الذي طبق ذكره الخافقين ، فهم يتظاهرون بمثل هذه التُرَّهات حيناً لآخر ، وقد وصلت جذور ذلك إلى خير القرون أيضاً ، حيث كانت هناك شرذمة من الناس ، يسيئون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويهينون حرمته وكرامته ، فيدافع شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم عن عرضه وحرمته ، ويلجمون أفواه المسيئين بأبياتهم الشعرية ، فشعراء الرسول صلى الله عليه وسلم بذلوا كل غال ونفيس في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو يخاطب أبا سفيان :
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الـــجزاء
هجوت مــحمداً بـــراً تـــقــياً رسول الله شــيــمـته الوفاء
فــإن أبـي ووالده وعـــرضــي لعرض محمد منكم وقاء
مزق الله ملكه وسلطانه :
وإذا دققنا النظر في تاريخ الأنبياء والرسل عرفنا أنه كلما قام نبي أو رسول في مجتمع يدعو إلى الخير ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر اجتمع الناس حوله ، وبدأوا يؤامرون ضده ، واتهموه باتهامات كاذبة مزورة ، حتى هددوه بإجلائه من وطنه ، وكان الوحي ينزل على الأنبياء ، وكان الله يرى سوء التعامل مع أحب العباد إليه ، فينزل عذاباً أليماً في الدنيا على هؤلاء العصاة المجرمين نكالاً للآخرين .
وقد سجل التاريخ أن نمرود من أكبر ملوك العالم الذي كان في زمن إبراهيم عليه السلام ، وهو الذي حاجّ إبراهيم في ربه ، وأجج له النار ، وأدخله فيها ، لكن الله جعل النار لإبراهيم برداً وسلاماً ، وكيف كانت عاقبة نمرود ، يتحدث عن ذلك ابن كثير رحمه الله في قصص الأنبياء ( طبع دار المنصورة ، مصر 1997م ) : ” قال زيد بن أسلم : وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ، ملكاً يأمره بالإيمان بالله ، فأبى عليه ، ثم دعا الثانية ، فأبى عليه ، ثم دعا الثالثة فأبى ، وقال : اجمع جموعك وأجمع جموعي ، فجمع النمرود جيشه ، وجنوده ، وقت طلوع الشمس ، فأرسل الله عليه ذباباً من البعوض ، بحيث لم يروا عين الشمس ، سلطها عليهم فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً ” . ( ص : 179 ) ، وقصة سيدنا موسى مع فرعون مذكورة في القرآن الكريم بكل تفصيل ، أساء فرعون إلى موسى إساءةً كثيرةً ، جمع السحرة ليهزموه على رؤوس الأشهاد ، لكن الله قلّب الأمر ظهراً لبطن ، وفي نهاية المطاف تبع فرعون مع جنوده موسى وبني إسرائيل ، وكاد أن يمزقهم شر تمزيق ، لكن الله نبذه وجنوده في اليم ، وكان من الهالكين . وقد جاء في السيرة النبوية أن الصحابي عبد الله بن حذافة السهمي حمل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس ، فلما قرأها صاح بأن محمداً صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه : من محمد رسول الله إلى كسرى ملك الفرس ، ثم مزَّق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر شعر بألم ووجع بالغين قائلاً : مزق الله ملكه ، ولم يكتف هذا الملك البذيئ بهذا ، بل أرسل رجلين لأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلال هذه الوقفة الوجيزة قامت ثورة كبيرة ضد الملك ، فقتله ابنه شيرويه ، هكذا كانت عاقبة الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
انتصار لحرمة المصطفى صلى الله عليه وسلم :
فالإساءة إلى الأنبياء والرسل ، والإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أي زمن كان ، سببت إلى نتائج سيئة للمسئين والمسيئات إليه ، إما بالعذاب من الله تعالى مباشرةً أو كان ذلك مبعث ندامة وخزي له في الدنيا ، وإذا كانت هناك حكومة إسلامية على أساس الكتاب والسنة ، وكان هناك نظام القضاة الإسلاميين ، فكل من ارتكب هذه الجريمة النكراء من مسلم أو كافر ، وجب قتله من قبل الحكومة ، وقد أجمع على ذلك جميع أهل العلم ( الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم : 3 ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، طبع عام 983م ) ، وقد كان في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مغنيتان : غنت إحداهما في هجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وغنت أخراهما في هجاء المسلمين ، فأصدر سيدنا أبو بكر رضي الله عنه قرارين بمعاقبة مغنية النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالعفو عن مغنية قامت بهجو المسلمين ، فالإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس أمراً هيناً ، لأنه أساس الدين وشريعة الله الغراء ، فإذا انتقص من عرضه تهدَّم بناء الدين ، لكن كل ذلك تحت ظلال حكومة إسلامية ، لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يقوم بمثل هذه العملية ، وقد نهى الإسلام عن ذلك نهياً باتاً ، فإذا كانت هناك دول ذات جمهورية ، وليست فيها قوانين رادعة فلا بد لهذه الحكومات أن تسن قوانين شديدةً لمثل هذه الإساءات إلى الشخصيات والرموز الدينية ، وقد أثبتت الدراسات أن دستور الهند لا توجد فيه مادة تفرض الحظر بكل شدة على هذه العملية ، مثل أمريكا والدول الأخرى ، فتتكرر أمثال هذه الإساءات والإهانات في هذا البلد ، ولو كان الأمر بالعكس لما أقدم أحد على هذه الجراءة الوقحة ، وعاش الناس من مختلف الفئات والديانات في هدوء وراحة .
لن يضرنا كيدهم شيئاً :
التساؤل البذيئ الذي وُجه إلى ذات الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنه تزوج لمتعة جنسية – العياذ بالله – ، هذا ما ردده المستشرقون من قبل ، وسودوا فيها مآت من الصفحات ، لكن لم يضر كيدهم هذا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان ولا يزال كالشمس الساطعة في رابعة النهار ، وقد عيَّره الأعداء في فجر التاريخ بأن ذريته بتراء لا تستمر إلى مدة مديدة ، لكن الواقع كذب هذا الزعم الخاطئ ، فإن ذريته من بناته الطاهرات قد جرت سلسلتها وتبقى إلى يوم القيامة ، كما أن عدد أتباعه وأنصاره الذين يؤمنون به لا يزال يتزايد ، وقد بلغ إلى ما يقارب مليارين ، فليس شأن محمد أبتر ، بل إن شانئه هو الأبتر والأخدج .
أما تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لأسباب دينية ، إنه تزوج في بداية عمره أم المؤمنين السيد خديجة بنت خويلد البالغة من عمرها 40/ عاماً ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم 25/ عاماً ، فلو كانت غاية النبي صلى الله عليه وسلم التكالب على زينة الدنيا لتزوج بكراً ، لا ثيباً ، وكان أكثر أزواجه ثيبات لا أبكاراً ، تزوج من زينب بنت جحش لإبطال عادة التبني ، وتزوج من سودة بن زمعة تعويضاً عن زوجها بعد رجوعها من هجرة الحبشة الثانية ، وتزوج من أم سلمة تعزيةً بفقد زوجها ، وتزوج من أم حبيبة تأليفاً لقلوب قومها ، وإدخالهم في الإسلام ، وتزوج من زينب بنت خزيمة الملقبة بأم المساكين تعويضاً عن زوجها عبد الله بن جحش الذي قُتل في أحد ، وتزوج من عائشة وحفصة لإكرام صاحبيه ووزيريه ، ولم يكن زواج عائشة رضي الله عنها في السنة السادسة من عمرها ، والبناء عليها في السنة التاسعة عيباً لها ، فإن هذا العمر كان صالحاً في ذلك الزمان للزوج وعقد القران ، لأن هذه المناطق قد تبلغ فيها البنت إلى عمر الزواج ، فلم يكن عمرها تسعة عشر كما يقول بعض المؤرخين ، الراجح هو الأصل ، ولا مانع فيه .
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ :
هذه التساؤلات التي تُثار حيناً لآخر من قبل مناوئي الإسلام تطالب منا بأن نكون على بصيرة تامة من رودوها وأجوبتها ، ونطالع السيرة النبوية على صاحبها ألف ألف تحية وسلام بكل جدية وإتقان ، ونعقد برامج ومسابقات لتعليم الجديد الناشئ أمثال هذه المعلومات الدينية ، وننشر كتيبات ورسائل على شتى المستويات حتى تقل نسبة سوء التفاهم ، وتخيب محاولات المتسائلين المزورين ، قال تعالى : ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ . ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ . وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ ) ( الحجر : 95 – 99 ) .