الانتصار والفتح لأهل الحق وحملة الرسالة العالمية الخالدة
يناير 14, 2024ازدواجية العلم والتربية من أرجحيات الإسلام
أبريل 27, 2024الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
أبعاد المؤامرات ضد الإسلام ، وطرق التفادي منها
تتألب المعسكرات القوية في العالم كله شرقاً وغرباً ضد الإسلام والمسلمين ، وهي تحلم بالقضاء على نور الله الذي أضاء العالم كله بإشراقاته الساطعة ، فخططت لتحقيق هذه الخطة مشاريع عملاقةً ومخططات جبارةً ، وقد ساعدتها الحركات الهدامة المنبثة في أرجاء المعمورة من اللوبي اليهودي ، ومنتحلي عقيدة التثليث والوثنيين المشركين ، وقد أجمعوا على ألا يبقى نظام ولا دستور ينتمي إلى الإسلام ، وله علاقة وطيدة بالكون والحياة والإنسان ، فهذا السعي الحثيث لإحباط مساعي المؤسسات الإسلامية في مجال الدعوة والفكر ، وإخراج هيبة الشريعة الإسلامية من القلوب ، والعبث بها بجميع الوسائل االمتوافرة لدى زعماء هذه الجهات المعادية ، الذين لا يدخرون اليوم وسعاً في القضاء على ما يدعى بالروح الإيمانية ، والغيرة على شريعة الله الخالدة ، لا ولن ينال طريقاً إلى العمل والتطبيق بإذن الله ، لأن الله عز وجل يقول : ( كَتَبَ ٱللَّهُ َلأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [ المجادلة : 21 ] .
ولما تأكد لدى هؤلاء المناوئين أن الإسلام يحث على العلم بجميع أنواعه ، ويعتبره العنصر الأساسي في بناء الحضارة الإنسانية ، والمنظومة الاجتماعية المتكاملة ، وعلموا أن علماء المسلمين هم الذين أيقظوا أوربا من سباتها ، وأثاروا في أبنائها روح العلم ، والحرص على الانضمام إلى الأمم المتحضرة ، وتقليد المسلمين الذين أضفوا على العالم الأوربي لون الحضارة الإنسانية ، وعلَّموا الناس فيه طريقة العيش ، والتقدم في مجالات الحياة المختلفة ، لما تأكد ذلك لدى زعماء أوربا أنكروا هذا الجميل الذي أسدى به المسلمون إليها ، فاستخدموا سلاح العلم والثقافة نفسه لإبعاد المسلمين عن منابع العلوم والحكمة ، والعودة بهم إلى ساحة الجهل والأمية ، وتجريدهم عن لباس المعارف الإيمانية التي بوأتهم منصب القيادة في جميع مناحي الحياة ، ومنها إلى القيادة العالمية ، والتاريخ يزخر بذكر هذه الإجراءات المعادية ، التي ظهرت منهم ، يوم صمموا على إخراج المسلمين من أرض الأندلس ، وطمس المعالم الحضارية التي أثبتوها في هذا القطر الأوربي ، وذلك بالرغم من أن القيادة الإسلامية في الأندلس هي التي أخرجتهم من الوحشية إلى الحضارة ، ومن الأمية السائدة إلى العلم والحكمة ، وهذا أول ما سجَّله قلم التاريخ من نكران وكفران ، بل وأحقاد وأضغان تكنها صدور قوم منكرين ضد من أحسن إليهم .
ولكن المؤامرة لم تنته إلى هذا الحد ، وإنما تمثلت في صور مختلفة ، ولا سيما في الحروب الصليبية ، التي كانت أوربا ابن بجدتها ، وحاولت عن طريقها السيطرة على العالم الإسلامي ، وما فيه من المقدسات والخيرات ، مع قمع جميع القوى والطاقات التي يمتلكها المسلمون بحكم من دينهم وحضارتهم الإسلامية ، وإماتة الروح الإيمانية ، التي تدفعهم إلى أداء دور العمل الاستشهادي ، والجهاد في سبيل الله ، انتصر الإسلام في هذه الظروف ، الذي كان فيها الخصم الوحيد بإزاء النصرانية الصليبية التي أضمرت أحقاداً طويلة المدى على الإسلام ، وقادته وأتباعه المسلمين ، واستهدفتهم لدى كل مناسبة سنحت لها في أي فترة من التاريخ ، ولم تبخل بتدبير مؤامرة تنال من خصائصهم وتميزاتهم الإسلامية .
لا شك أن تاريخ الإسلام يبتدئ بأهوال وتهديدات موجَّهة إلى الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه المعدودين ، ومن ثم اعتزم رؤساء القبائل المكية على اقتلاع جذور هذا الدين الجديد الذي كانوا يعبرون عنه بـ ” فتنة ” ، وحشروا جميع الوسائل للقضاء على ” الفتنة ” ، التي إذا لم تخمد نارها ، فستعم البلاد والعباد ، ومنذ ذلك الوقت تجمعت القوى من كل نوع ، وانتظمت مجالس التشاور لاجتثاث هذه ” الفتنة ” من جذورها ، تطهيراً لأرض مكة من أي دعوة تكون ضد تقاليد القوم وعاداتهم ، وقد سجل التاريخ تلك المحن الشداد والبلايا الطاحنة التي مُني بها صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام ، وأنصاره القليلون ، واستمر هذا الوضع الرهيب إلى مدة طويلة بذلت خلالها جميع الوسائل والإمكانيات لإسكات هذا الصوت الغريب للأبد ، وتطهير العقول والقلوب ، مما إذا صادفته أو صادفت جانباً من اللين نحوه ، لكن التاريخ يشهد كذلك بأن صوت الإسلام نال قوةً وقبولاً واستجابةً ، ووسائل الإعلام ضعفت ، وعواطف الحقد والعناد خمدت ، وقوة الحديد والنار اضمحلت ، وتوسع نطاق الإسلام ، وتزايد الإقبال عليه ، واندحرت القوى المحاربة ضده ، وانتشر الإسلام بقوة ، وعمت دعوته في الجزيرة العربية كلها ، وأصبحت مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة منطلقاً كبيراً واسعاً للدعوة الإسلامية .
لكن الحقد الأسود الذي امتزج بلحم ودم الكتلة اليهودية ضد الإسلام والدعوة الإسلامية ، والمنهج الإسلامي للحياة ، يتجلى اليوم في جميع الممارسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما إليها ، بغاية من الجلاء ، وما تجتاز به اليوم من ظروف صعبة في جميع الأقطار والدول التي يسكنها المسلمون ، إنما هو جزء من المخططات اليهودية العالمية التي لا ترى بأساً في اتهام الإسلام بدين الإرهاب وتسمية الأمة المسلمة بأمة إرهابية ، ثم تبرير عمليات إجرامية لضربها واستخدام كل سلاح لتشويه صورة الإسلام أو تعديله بإخراج بعض الشرائع ، وإدخال بعض الأفكار والنظرات الوضعية التي لا تمت إلى الوحي السماوي بأي صلة .
وما يجري الآن في فلسطين من مجازر ومذابح صهيونية على أوسع نطاق من قتل وقمع وتشريد وتعذيب ، إنما هو فوق التصور ، وتقشعر منه الجلود ، وليس الغرض من كل ذلك إلا كبت العواطف الإيمانية ، وقتل الروح الدينية ، واقتلاع جذور الثوابت العقدية من القلوب ، لكن رغم هذه المحاولات لا تزال جذوة الانتفاضة تشتعل ، ويدخل اليأس والقنوط والخوف إلى صفوف القوات الصهيونية ، وقد صرح أحد أبطال قوات حماس : إن العمليات الاستشهادية والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي مستمرة ما بقي جاثماً على الأرض الفلسطينية ، وهناك آلاف من الشباب يتغنون بنغمة الجهاد ويسجلون أسماءهم في سجل الشهداء الخالدين ، ويترقبون الشهادة في سبيل الحق ، وينتظرون الموت في سبيل الله تعالى ، إيماناً جازماً بأن الشهادة حياة ، وأن الشهيد في جنات ونعيم ، وهم يقرؤون قول الله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلـٰكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) ، انظروا إلى أحد الأبطال الشهداء ، البالغ من العمر ستة وعشرين عاماً ، وقع شهيداً في هذا الجهاد ، كيف ودَّع أمه بنشيد الجهاد :
أماه إني ذاهب فلتفرحي بعد المنية جنة الرحمن
وأوصى أهله وإخوانه من شباب فلسطين بتقوى الله العلي ، وقال : أوصيكم بالصبر والتزود بالطاعة والثبات أمام العدو الحقير ، ولا تنسوا مطاردة اليهود في كل مكان ، وبذل كل شيئ من أجل تحرير المسجد الأقصى ، والأرض المباركة ، حتى يرضى الله عنا .
أنى للقوات الصهيونية وشبابها مثل هذه الدوافع الاستشهادية التي ترخص أمامها كل شيئ ، مهما كان غالياً ، وتستهين بالنفس والمال ، والأهل والأولاد ، والمستقبل في شوق الحصول على جنة عرضها السماوات والأرض ، إن هذه الصناعة الاستشهادية التي اعتنق بها شباب فلسطين الغيارى وأهلها ، وهذه التجارة الرابحة التي اشتغل بها أبطال حركة المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال الغاشم أقوى من كل صناعة عسكرية ، وطاقات ذرية ، وأسمى غاية للمسلم ، وأكرم أمنية لكل فرد مؤمن ، قال الله تعالى : ( وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )[ آل عمران : 133 ] .
بهذه الروح الإيمانية يمكن التفادي من أبعاد المؤامرات التي تستمر منذ أمد طويل ، وقد اختزنت ذاكرة التاريخ الإسلامي نماذج رائعةً للإيمان والعمل الصالح اللذين كانا شعار الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، ففتحوا البلاد ، وجابوا القارات ، ووصلوا إلى مناطق شاسعة ، لا يتصور آنذاك بفقدان وسائل الحمل والنقل ، لكن إيمانهم العميق المتغلغل في أحشاء القلوب ، واليقين الراسخ في النفوس ثبات الجبال الراسيات ، والاستماتة في سبيل الله ، وتقديم كل نفس ونفيس في سبيل الله تعالى دفعهم إلى أن يجدوا غايتهم المنشودة ، ويدركوا ضالتهم المفقودة ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم ، وهو يبين طرق الخلاص من سيطرة المؤامرات والدسائس : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) [ آل عمران : 139 ] ، وقال في موضع آخر : ( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) [ الأنفال : 60 ] .
والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل .
سعيد الأعظمي الندوي
21/جمادى الثانية/1445هـ
3/يناير/2024م