من العداوة إلى الصداقة

الاتجاه المتنامي للكراهية مصدر الفساد في العالم
أبريل 28, 2025
الاتجاه المتنامي للكراهية مصدر الفساد في العالم
أبريل 28, 2025

صور وأوضاع :

من العداوة إلى الصداقة

محمد فرمان الندوي

يشاهد العالم وحدةً ثنائيةً ، وتضامناً ممقوتاً ، مكوناً من اليهودية والنصرانية في الغارة على العالم الإسلامي ، ولا سيما في الهجمات المتتالية على غزة العزة والصمود ، وهي وحدة مشئومة استوت على أسس ضعيفة ، ودعائم منهارة ، رغم أن بينهما حروباً داميةً ، وصراعات عنيفةً سجَّلها التاريخ الإنساني عبرةً لأولي الألباب ، فلو تذكرت كل طائفة هذه التداعيات وخاضت في أعماقها ، لكرهت أختها وعافتها ، وبدأت ضدها محاربات ومناوشات جديدة ، لكن يا لكراهية الإسلام والمسلمين أن قوى الشر والفساد قد اجتمعت ضد الإسلام ، وتناست الخلافات الداخلية ، وبدأت تشن الغارات والهجمات على دول العالم الإسلامي ، إيذاناً بأن الكفر ملة واحدة .

تأصلت اليهودية منذ زمن سيدنا يعقوب عليه السلام ، وهو ولد إسحاق عليه السلام ، وقد سُمي يعقوب بإسرائيل ، معناه عبد الله ، فسمي أولاده ببني إسرائيل ، فاليهودية ديانة سلالية ، وليست هناك إرساليات لنشر اليهودية ، فكل من كان مولوداً في أسرة يهودية كان يهودياً حسب المعتقدات المتوارثة لدى حاخاماتها ، فنشأت اليهودية وامتدت أغصانها وفروعها نسبةً إلى ابن يعقوب عليه السلام ، وهو يهوذا بن يعقوب ، وقد مرت اليهودية بمراحل وفترات ، ظهرت فيها طبيعتها النجسة ، ووجهها الكالح ، فاليهود سوس البشرية وسرطانها ، وهم حسب التعبير القرآني الحمير والجبناء ، والمحرفون المزيفون ، والعصاة المجرمون ، إنهم سماعون للكذب ، وأكالون للسحت ، وأنجاس وأنكاد ، وقردة وخنازير ، وعبيد الطواغيت ، وقد لُعنوا على ألسنة الأنبياء ، تحسبهم متحدين ومتضامنين ، وهم شتات ، وهم حمقى وأغبياء ، وقتلة الأنبياء ، وقد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة ، ذلك بما عصوا ، وكانوا يعتدون .

واليهودية تؤمن بالتوراة ، والتوراة تُعرف أيضاً بالعهد القديم ، فالعهد القديم يتكون من خمسة أجزاء : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر اللاوي ، وسفر التثنية ، وسفر العدد ، وهناك سفر آخر ، وهو يعرف بالتلمود ، ويدعي اليهود أن موسى عليه السلام ألقى التلمود على بني إسرائيل من فوق طور سيناء ، ثم حفظه عنه هارون ، ثم تلقاه من هارون يشوع ، ومنه أخد الحاخام يهوذا ، وكلمة تلمود كلمة عبرية تعني الشريعة الشفوية والتعاليم ، وهو كتاب تعليم للديانة اليهودية ، فإن اليهود يعتبرونه الكتاب الثاني للتشريع ، وقد أثبتت الدراسات أن توراة اليهود وتلمودهم ليست توراة الرحمن ، فقد لعبت بهم الشياطين ألاعيب ، فأخذوا يكتبون ما تملي عليه نفوسهم من خرافات وخزعبلات ، فهي مجاميع سفاهات وحماقات .

وتُعد المسيحية والنصرانية أكثر الناس عدداً في العالم ، وهي تنتمي إلى قرية الناصرة ، وهي تؤمن بالإنجيل المنزل على سيدنا عيسى عليه السلام ، وتعتبر أربعة أناجيل ،( مرقص ، لوقا ، متى ، يوحنا ) موثوقاً بها عندها ، وهي تسمى بالعهد الجديد ، وقد وقع المسيحيون في ضلالات عديدة منها : عقيدة التثليث ، وعقيدة الحلول ، وعقيدة الكفاره ، وعقيدة الفارقليط ، فإن هذه السفاهات والضلالات جعلت المسيحية ألعوبةً في أيدي الصبيان والغلمان ، فلم تكن النصرانية سالمةً من التحريفات والإضافات ، بل أصبحت فريسةً لكيد الكائدين ومكر الماكرين ، وكان وراءها يد بولس الذي كان يهودياً ، فآمن بالنصرانية ، وقام بالتحريف والتبديل فيها ، إن سيدنا عيسى عليه السلام بُعث إلى بني إسرائيل وأشرار اليهود لإصلاح أحوالهم ، فدعاهم إلى التوحيد ، وإفراد الألوهية لله تعالى ، فبدلاً من أن يؤمنوا به بدؤوا يحيكون ضده ، وقد بلغ الأمر إلى أن يصلبوه حسب زعمهم .

صفحة سوداء من اليهودية :

كانت اليهودية ديانةً ، وكانت النصرانية ديانةً ، لكن لما أراد سيدنا عيسى عليه السلام إصلاح هذه الشرذمة من بني إسرائيل أصبحوا أعداء ألداء له ، وبدؤوا يؤامرون ضده ، فأصحاب الأخدود الذين لعنهم الله في القرآن الكريم قد أحرقوا آلافاً من النصارى عام 524م في نجران ، وكان رئيسهم ذا نواس اليهودي ، وجاء في التلمود : يجب على يهودي أن يلعن كل يوم النصارى ثلاث مرات ، ويطلب من الله أن يبيدهم ويفني ملوكهم وحكامهم ، وعلى كهنة اليهود أن يصلوا ثلاث مرات في كنائسهم بغضاً للمسيح الناصري ، وعلى اليهود أن لا يفعلوا مع الوثنيين لا خيراً ولا   شراً ، وأما مع النصارى فليسفكوا دمهم ويطهروا الأرض منهم ، وجاء في التلمود الجديد : إن تعاليم يسوع كفر ، وتلميذه يعقوب كافر ، وإن الأناجيل كتب الكافرين ( نهاية اليهود للأستاذ أبي الفداء محمد عزت محمد عارف ، طبع دار الاعتصام ) ، هذا ما كان يعتقد اليهود منذ قديم زمانهم .

وقد ثارت حمية النصارى قديماً ضد اليهود ، ففعلوا بهم من الأفاعيل ، وقتلوهم وشرَّدوهم من دولة إلى دولة أخرى ، نظراً إلى خبثهم الداخلي ، ومكرهم المترامي الأطراف ، وكانوا يعتبرونهم خطراً على جميع الشعوب ، وخاصةً على النصرانية ، وقد عبر القرآن الكريم عن صراعات ونزاعات بينهم قائلاً : ( وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ ) ، ويعلم الباحثون أن محاكم التفتيش هي سلطة قضائية كنسية أقامها البابا التاسع المعروف بغريغوري لإزالة الجرائم والانتهاكات اليهودية ضد المسيحية ، وقد قامت هذه المحاكم في الدول المختلفة ، وقد نشطت هذه المحاكم منذ القرن الثالث عشر إلى السادس عشر الميلادي ، وذهب ضحيتها خمسة ملايين إنسان ، فأعدمت آلاف مؤلفة من الناس جراء مخالفات عامة ، ثم كانت التشريدات لليهود من دول شتى في مختلف أزمنة التاريخ ، وقد طُرد اليهود من إنجلترا عام 1290م ، ومن فرنسا عام 1390م ، ومن النمسا عام 1420م ، ومن أسبانيا عام 1662م ، وقد أُخرجوا من ألمانيا عام 1719م ، ومن روسيا سنة 1727م ، ثم جاء هتلر ، فقتل منهم من قتل ، هكذا     ما زالت العداوة العنيفة والاضطهاد العظيم مستمراً بين اليهود والنصارى ، لكن اليهود ما زالوا يفكرون جدياً بإزالة هذه العداوات ، لأنهم يشعرون بأنهم شعب الله المختار .

عداوة تحولت إلى صداقة :

وقد مرت أوروبا بأصعب فترات المجاعة والقحط ، والخواء الروحي ، وظلم الكنيسة ، ثم جاءت فترة الثورات سواء كانت من مارتن لوثر في القرن السادس عشر أو كانت من نابليون ( 1789م ) ، وقد تظاهر عدد من الحاخامات بالدخول في النصرانية لكسب مودة النصارى وثقتهم ، وأنشأوا تحقيقاً لهذا الغرض منظمات ومؤسسات ، ترفع شعارات الحرية والعدالة والإخاء والمساواة ، ومن هنا حصلت لليهود علمنة الحياة في أوربا ، وسيطرة واسعة على ثروات العالم ، فخففوا العداء والمناوءة ، وسلكوا في ذلك مسالك شتى ، حتى تمكنوا من إحياء التحالف اليهودي والنصراني ، وتركز جل عناية هذا التحالف على إلغاء الخلافة العثمانية التي كانت النصارى تتحين الفرص لأخذ ثأر الحروب الصليبية ، وكان اليهود ينتظرون تسخير مآربهم التلمودية وراء هذا الثأر ، فصدر قرار بين اليهود والنصارى لتبرئة اليهود من دم المسيح ، وإزالة كل عداء مسيحي لليهود عبر التاريخ ، ثم احتال اليهود ، فجعلوا هذا الأمر عقدياً وتعبدياً ، بنزول المسيح حسب معتقداتهم ، فلن تتزحزح عنه اليهودية والنصرانية حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

فاليهود والنصارى لهم تاريخ طويل للعداوات والحزازات ، والتناحرات والاشتباكات ، لكنهم متحدون ومتضامنون ، وقائمون جنباً إلى جنب لمحو الإسلام والمسلمين ، أما العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه فهو مبعثر وموزع ومشتت مثل حبات سبحة ، فلا قيمة ولا مكانة له في مصاف العالم بالتفرق والتشرذم ، فإذا كان أعداؤنا متحدين رغم معارك ضارية ، وحروب طاحنة ، فلماذا لا نتضامن ونتحد في الأوضاع الخطيرة للغاية ؟ هذه وقفة تأمل ، فليتأمل فيها أولو البصر والبصيرة .