دور الشباب في نهضة الأمة
مارس 24, 2025النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الرابعة )
مارس 24, 2025الدعوة الإسلامية :
في ظلال الإسلام
( الحلقة الأولى )
الدكتور أشرف شعبان أبو أحمد *
الدين عند الله الإسلام :
يحتوي القرآن الكريم على العديد من الآيات المبينات التي لو وضعتها البشرية جمعاء نصب أعينها واطمأنت لها ، لاهتدى لها قلبها ، وارتاحت نفسها لها ، وأنير بها عقلها ، ولتغير وجهها وانقلبت صراعاتها إلى سلام ووئام . من هذه الآيات ، قوله تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ ) [ آل عمران : ] ، وقوله عز وجل : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ) [ آل عمران : 85 ] ، وقوله سبحانه : ( وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) [ المائدة : 3 ] ، فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين الموحدين ، وهو دين الفطرة التي فطر الناس عليها ، ودعت إليه جميع الأنبياء ، ونادت به جميع الرسالات ، منذ عهد آدم أبي البشر عليه السلام ، ومروراً بسيدنا إبراهيم أبي الأنبياء ، وانتهاء بسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام خاتم الأنبياء والمرسلين . قال تعالى : ( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) [ الحج : 78 ] ، وقال عز وجل : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ) [ الشورى : 13 ] ، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ” إنا معاشر الأنبياء أخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد ” ، وقال عليه الصلاة والسلام : ” ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ” .
الإسلام دين ودنيا :
والإسلام دين ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بأخيه الإنسان ، ومن ثم علاقته بالكون وما فيه . وقسمت أحكامه إلى : عبادات ومعاملات . تشمل العبادات الأحكام التي تنظم علاقة العبد المكلف بالله ، مثل : الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرهم . ولقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام العبادات مجملة في حديثه حين سئل عن الإسلام قائلاً : ” الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ” ، ومن المعلوم أن الصلاة والزكاة والصيام والحج ، كانت مشروعةً في الأمم قبلنا ، وعدم ذكر للحج في كتب اليهود والنصارى لا يعنى أنه لم يكن مشرعاً لهم ، لأن ما بأيديهم من كتب دخلها التحريف والتبديل ، وقد أخبرنا المولى عز وجل في كتابه الكريم بقوله لخليله إبراهيم عليه السلام : ( وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ ) [ الحج : 27 ] ، وأما المعاملات فتشمل الأحكام التي تنظم أفعال المكلف وعلاقته بغيره ، كالأحكام المدنية والشخصية ، مثلاً في إطار الأسرة تشمل الزواج والطلاق وتربية الأبناء ، وفي المرافعات تشمل القضاء والشهادة ، والجنايات والحدود ، كما تشمل العلاقات بين الحاكم والمحكوم ، والعلاقات الدولية ، والأحكام الاقتصادية ، والمعاملات المالية والعقود ، وغيرها من المواضيع والأحكام الفرعية المتعددة ، كما تشمل أخلاقيات التعامل مع عباد الله بشتى أنواعهم وعقائدهم ، كالصدق والعدل والأمانة والنصح والرحمة والعفو والإنصاف والإحسان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الدين المعاملة ” . وقد أمرنا المولى عز وجل بقوله : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً ) [ البقرة : 208 ] بالدخول في جميع شرائع الإسلام عاملين بجميع أحكامه ، ولا نترك منها شيئاً ، كما يفعل أهل الكتاب من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض ، قال تعالى في سورة البقرة الآية 85 : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) ، والاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه تبارك وتعالى بالإيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر ، ومثلهم من يؤمن بالصلاة والزكاة والصيام والحج ، ويكفر بالجهاد وإقامة حدود الله ولا يتبع أوامر الله في المعاملات المالية ولا يتحلى بمكارم الأخلاق في معاملته مع الآخرين . والمثال البسيط على ذلك إذا أمرك طبيب بتناول عدة أدوية بجرعات محددة وفي أوقات معينة ، هل تستطيع أن تتناول بعضها وتترك بعضها ، فضلاً عن مخالفة أوقاتها وكمياتها ، ثم تذهب للطبيب تسأله عن سبب عدم شفائك !!! ولذا على المسلم أن يقيم الإسلام في قلبه وجوارحه ، ويظهر أثره في فكره وسلوكه ومعاملاته ، حتى يكون له كصبغة ، صبغ ولون بها نفسه وتصرفاته وما يحيط به ، فضلاً عن اصطباغ كل أجهزة الدولة به أيضاً ، قال تعالى : ( صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً ) [ البقرة : 138 ] ، وهذا الدين قد كتب الله له الرفعة والعلو ، قال تعالى في سورة التوبة الآية 33 : ( هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ ) ، وأن أهله لا يزالون في علو ومكانة حسنة ، ما داموا متمسكين به ، عاملين بأحكامه ، فما الدين إلا منهج رباني للحياة ، من صنع الله ليس من وضع البشر ، يعلو كل المناهج التي وضعتها العقول البشرية ، ففيه الحل لما نواجهه من مشاكل حياتية بكل أنواعها ، منذ الولادة حتى الممات ، ومن بداية الاستيقاظ حتى النوم ، سواءً كنا أفراداً أو دولاً . العزة للمؤمنين ، وقد أعزنا الله به ، ويأبى على معتنقيه أن يستذلوا ، فلا يجعل في قلب المسلم مكاناً للذل إلا ذل التواضع والرحمة لأخيه المسلم ، وقد كفل الإسلام للمسلمين من التشريعات ما يحفظ لهم عزتهم وكرامتهم ، ولكنهم أضاعوها بتركهم للجهاد ، فالجبان الرعديد الذي لا همَّ له في قتال الكفار ، ولا طاقة له بالذود عن حياضه ، يكون ذليلاً مستعبداً تابعاً غير متبوع في الدنيا ، وأما في الآخرة فإنه يهلك ما لم يتغمده الله برحمته بترك فريضة محكمة أنزلها الله في كتابه أعز بها الإسلام والمسلمين وأذل بها الشرك والمشركين . والقدرة على الجهاد لا تتوقف على كثرة المال ولا على كثرة السلاح ، فقد كان المسلمون الأوائل في كثير من غزواتهم التي انتصروا فيها ورفعوا بها راية الإسلام عاليةً ، في أشد حالات الفقر والضنك بل كانوا أقل عدة وعتاد من الأعداء .
تعلم الإسلام وتعاليمه :
وعلى المسلم أن يتعلم أمور دينه ، ويختار لنفسه ، إما أن يكون عالماً بدينه ، ينشغل بنشره ووعظ الناس ، أو يكون طالب علم ، يسعى في معرفة ما يهمه من أمور دينه ، فإن لم يستطع فليكن مستمعاً للعلم ، فإن لم يستطع فليكن محباً للعلم والعلماء الصالحين ، ولا يرتضي لنفسه أن يكن إمعة ، يقول برأيه أو مقلداً لرأي للآخرين ومتنقلاً بين آرائهم المتباينة ، بدون علم أو سند شرعي . قال أبو الدرداء رضي الله عنه : كن عالماً أو متعلماً أو محباً أو متبعاً ، ولا تكن الخامس فتهلك . روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ” ما من مؤمن ذكر ولا أنثى حر ولا مملوك إلا ولله عز وجل عليه حق أن يتعلم من القرآن ويتفقه في دينه ” ، ثم تلا هذه الآية ، قال تعالى : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّى مِنْ دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) [ آل عمران : 79 ] ، أي كونوا علماء حكماء حلماء عاملين معلمين ومربين للناس مصلحين لأمورهم بسبب ما تعلمتموه وما درستموه حفظاً وفهماً . ولا يمنعه هذا من تعلم علوم الدنيا والتفوق فيها بل وامتهانها والتربح منها وإفادة غيره بها ومساعدتهم بما يقدر في مواجهة أعباء الحياة ، وليكن بهذا مع حسن خلقه وجميل سلوكياته وجهاً مشرفاً للمسلمين ، وخير داعٍ للإسلام . فخير الناس أنفعهم للناس أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ” ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله ” ، ويقول عليه الصلاة والسلام : ” إن لله أقواماً أخصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم ” ، فبقدر ما تحمل من هموم الناس يكون قدرك عند الله ، والله لم يجعلك ملاذاً للعباد إلا وهو يعلم استحقاقك لهذا الشرف العظيم ، ثم هو لا يتركك تحمل العبء وحدك ، بل يمدك بقوته ويساندك بتوفيقه ويسدد خطاك في طريق الخير الذي هيأك له وهيأه لك . تحدثنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بحديث سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقوله : ” ما عظمت نعمة الله عز وجل على عبد إلا اشتدت إليه حاجة الناس ، ومن لم يحمل تلك المؤنة للناس فقد عرض نعمة الله عليه للزوال ” ، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام : ” لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً ” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اليد العليا خير من اليد السفلى ” ، وفسره فقال : ” واليد العليا المنفقة ، واليد السفلى السائلة ” .
( للحديث بقية )
* جمهورية مصر العربية .