قضايا مستجدة حول نفقة المطلقة ( الحلقة الرابعة الأخيرة )
يناير 28, 2025الفقه الإسلامي :
بعض قضايا معاصرة من مفطرات الصوم
( الحلقة الأولى )
د . المفتي محمد مصطفى عبد القدوس الندوي *
هناك بعض قضايا معاصرة مستجدة متداولة تحتاج إلى تقديم حلول شرعية للناس ، لكي يكون صيامهم صحيحاً تاماً للنجاح في الآخرة ، وها هي :
(1) حكم السعوط في الأنف :
الأنف منفذ إلى الحلق وما وراءه قطعاً ، ومنفذ الدماغ إلى الدماغ بناءً على تحقيق الفقهاء الأقدمين ، ثم التحقيق عندهم أن بين الرأس والمعدة منفذاً أصليّاً ، فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن لا محالة ( رد المحتار : 3/376 ) .
والمعلوم أنه في كثير من العمليات الجراحية يُدخَل الأنبوب من الأنف ، يكون طرفه بالمعدة وطرفه الآخر خارجاً من الأنف ، يوصل منه الغذاء إلى المعدة . ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المبالغة في الوضوء للصائم ، كما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ” بَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ ، إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِماً ” ( أخرجه أبو داود في الصوم ، بَابُ الصَّائِمِ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنَ الْعَطَشِ وَيُبَالِغُ فِي الاسْتِنْشَاقِ ، برقم : 2366 ، قال الأرنؤط : حديث صحيح ، والترمذي ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَالَغَةِ الاِسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ ، برقم : 788 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، والنسائي في الطهارة ، الْمُبَالَغَةُ فِي الاسْتِنْشَاقِ ، برقم : 87 ، والحاكم في المستدرك برقم : 522 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافقه الذهبي بقوله : صحيح ) ؛ لذا منع الفقهاء من مبالغة الاستنشاق للصائم احتياطاً ؛ لئلا يصل الماء إلى الحلق ثم منه إلى المعدة ؛ فقالوا : ” والصائم لا يبالغ حفظاً للصوم عن الفساد ” ( حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح : 1/64 ) .
قالت الحنفية في القضية المبحوث فيها : إن ما يدخل من الأنف مفطر إذا بلغ ما وراء الحلق – وهو السعوط – أو أسعطه إياه ، كما ذكره العلامة ابن نجيم المصري وغيره في صدد نواقض الصوم ( البحر الرائق : 2/85 ، والهندية : 1/204 ، ورد المحتار : 3/373 ) ، وتحدث خاتمة المحققين العلامة ابن عابدين الشامي تعليقاً على قول المتن ( أو استعط ) : وَالسَّعُوطُ الدَّوَاءُ الَّذِي صُبَّ فِي الأَنْفِ وَأَسْعَطَهُ إيَّاهُ مُوجِب للإِفْطَار والقضاء ؛ لأن السعوط يقع بدون ابتلاع ، والابتلاع هو الصورة . ( رد المحتار : 3/376 ) .
والمالكية يرون مرور المائع من الحلق عبر الأنف موجباً للفطر ، وإن لم يكن مائعاً بل جامداً من الأشياء ؛ فلا يفسد الصوم بوصوله إلى الحلق ، حتى يصل إلى المعدة ( الشرح الصغير : 1/608 ) . يقول العلامة الْبُرْزُلِيُّ المالكي : ” مَنْ رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى حَلْقِهِ فَلا شَيْئ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ مَنْفَذَ الأَنْفِ إِلَى الْفَمِ دُونَ الْجَوْفِ ، فَهُوَ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْجَوْفِ لا شَيْئ فِيهِ ” . ( مواهب الجليل : 4/347 ) . وفي الموسوعة الفقهية الكويتية نقلاً عن جواهر الإكليل : والمذهب أن الواصل إلى الحلق مفطر ولو لم يجاوزه إن وصل إليه ، ولو من أنف أو عين نهاراً ” . ( الموسوعة الفقهية الكويتية : 28/36 ، معزياً إلى جواهر الإكليل : 1/149 ) .
وأما الشافعية فقالوا : السعوط مفطر بلا خلاف إذا وصل إلى الدماغ ؛ فقال في زاد المحتاج ( 1/511 ) : ” مفطر بالاستعاط راجع للدماغ ” . وقال الإمام النووي : ” قَالَ أَصْحَابُنَا : وَمَا جَاوَزَ الْخَيْشُومَ فِي الاسْتِعَاطِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حد الباطن وَحَصَلَ بِهِ الْفِطْرُ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ وَالْخَيْشُومِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ ” . ( المجموع : 6/313 ) .
وذكر الشيخ الشربيني : أن الاستعاط مفطر سواء اشترطنا أن يصل إلى الجوف الذي فيه قوة تحيل الدواء أو لم نشترط ذلك ؛ لأن الاستعاط يصل إلى باطن الدماغ الذي فيه قوة ” . ( مغني المحتاج : 1/428 ) .
والحنابلة جعلوا السعوط مفطراً للصوم أيضاً ؛ لأنه يصل إلى الدماغ كما جاء في الشرح الكبير : ويُفْطِرُ بكلِّ ما أدْخَلَه إلى جَوْفِه ، أو مُجَوَّفٍ في جَسَدِه ، كدِماغِه ، وحَلْقِه ، ونحْوِ ذلك ، ممّا يَنْفُذُ إلى مَعِدَتِه ، إذا وَصَل باخْتِيارِه ، وكان مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه ، سَواءٌ وَصَل مِن الفَمِ على العادَةِ أو غيرِها ، كالوَجُورِ ، واللَّدُودِ ، أو مِن الأنْف ، كالسَّعُوطِ ” . ( الشرح الكبير مع متن المقنع : 7/411 ، راجع أيضاً : المغني لابن قدامة : 4/353 ) .
والحاصل أن المذاهب الأربعة المتبعة في العالم كله ، اتفقت على أن السعوط مفطر إذا تجاوز الأنف ، إلا أنهم اختلفوا في تعليله ؛ فعلّل الحنفية بنفاذه إلى المريئ ، والشافعية والحنابلة بأن السعوط مفطر لصعوده إلى الدماغ ، والعلم التجريبي يؤيد وجهة النظر الأولى ، كذلك يفطر الصوم بالاتفاق إذا نزل في الحلق ودخل في المعدة .
(2) حكم إلقاء شيئ في العين :
اختلف الفقهاء في قضية العين ، أيصل منها ما أُلقي فيها إلى الحلق كمنفذ أو كتشرب من المسام ؛ فيرى الحنفية أن الكحل لا يفسد الصوم ولا يكره في نهار رمضان ، كما قال العلامة الحصكفي عادّاً لما لا يفطر الصوم : ” أو اكتحل أو احتجم ، وإن وجد طعمه في حلقه ” . ويعلل المحقق ابن عابدين الشامي بقوله : ” لأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرٌ دَاخِلٌ مِنْ الْمَسَامِّ الَّذِي هُوَ خَلَلُ الْبَدَنِ وَالْمُفْطِرُ إنَّمَا هُوَ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَنَافِذِ لِلاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ فِي مَاءٍ فَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي بَاطِنِهِ أَنَّهُ لا يُفْطِرُ ” . ( الدر المختار ورد المحتار : 3/367 ) .
وفي الفتاوى الهندية من كتاب الصوم :
” وَلَوْ أَقْطَرَ شَيْئاً مِنْ الدَّوَاءِ فِي عَيْنِهِ لا يُفْطِرُ صَوْمَهُ عِنْدَنَا ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ ، وَإِذَا بَزَقَ فَرَأَى أَثَرَ الْكُحْلِ ، وَلَوْنَهُ فِي بُزَاقِهِ ، عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لا يُفْسِدُ صَوْمَهُ ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ، وَهُوَ الأَصَحُّ هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ ” . ( الهندية : 1/203 ، راجع أيضاً : البحر الرائق : 3/476 ، وتحفة الملوك : 1/144 ، والجامع الصغير : 1/139 ، ومراقي الفلاح ، ص : 246 ، والهداية : 1/120 ) .
اتضح من ذلك أن الحنفية لا يرون العين منفذاً إلى الحلق على الراجح .
وسوّى المالكية بين الآذان والعين ، واعتبروا العين منفذاً إلى الحلق ، فقالوا : إن كان وصول المائع للحلق من غير فم كعين ( المدونة الكبرى : 1/177 ) . ونصّ العلامة الدسوقي المالكي بأن تحقق عدم وصوله للحلق من هذه المنافذ فلا شيئ عليه . ( المجموع للنووي : 6/315 ) . وصرّح الإمام مالك بأن الكحل إن وصل إلى الحلق فسد الصوم ووجب القضاء ، كما جاء في المدونة الكبرى : ” قُلْتُ : فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ ؟ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ : هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ ذَلِكَ حَلْقَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَدْخُلُ ذَلِكَ حَلْقَهُ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُ ذَلِكَ حَلْقَهُ فَلا يَفْعَلُ . قُلْتُ : فَإِنْ فَعَلَ أَتَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ ؟ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ : إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ الْكُحْلُ إلَى حَلْقِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ” . ( المدونة الكبرى : 1/177 ) .
وثبت من ذلك أن المالكية يرون العين منفذاً إلى الحلق ؛ فإن أقطر في العين أو اكتحل بها في نهار رمضان أفطر ووجب عليه القضاء إذا وجد طعمه في الحلق .
وللشافعية في هذا الأمر وجهان : أحدهما أنه لا يفطر ، وصححه الإمام الغزالي ، واختاره الإمام النووي ؛ لأنه لا منفذ بين الأذن والدماغ ، وإنما يصله من المسام ( المجموع : 6/315 ) . ولأن العين ليست بجوف . ( روضة الطالبين : 2/357 ) .
وأما الحنابلة فهم يرون القناة بين العين والمعدة واصلة ، فما بلغ الحلق من العين كالكحل يفطر الصوم ويجب القضاء ؛ فيقول الفقيه الحنبلي النابغ ابن قدامة : ” إن اكتحل فوصل الكحل إلى حلقه أفطر ؛ لأن العين منفذ ، ولذلك المكتحل يجد مرارة الكحل في حلقه وتخرج أجزاؤه في نخامته ، وإن شك في وصوله لكونه يسيراً ، كالميل ونحوه ولم يجد طعمه لم يفطر ” . ( الكافي : 2/239 – 240 ) .
فالحاصل أن الحنفية والشافعية لا يرون العين منفذاً إلى الحلق ، بخلاف المالكية والحنابلة ، فهم يرون القناة بين العين والمعدة واصلة ؛ فمن أقطر في عينيه أو في إحداهما في نهار رمضان أو اكتحل أفطر وعليه القضاء عند المالكية والحنابلة ، ولا يفطر عند الحنفية والشافعية .
فمن رأى الإفطار من القطرة في العين والاكتحال ، قاسه على الأكل والشرب ، أي أن فساد الصوم بالأكل والشرب ليس تعبدياً ؛ بل منوط بوصول شيئ من الخارج إلى المعدة ، وذلك يتحقق في قضية العين أيضاً أنه إذا بلغ الدواء أو الكحل عن طريقها إلى المعدة فسد الصوم .
ومن لا يرى فساد الصوم من القطرة في العين والاكتحال استدلوا بحديثين ، روى أحدهما أنس بن مالك رضي الله عنه ، أنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اشْتَكَتْ عَيْنِي ، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . ( أخرجه الترمذي في الصوم ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الكُحْلِ لِلصَّائِمِ ، برقم : 726 ، وقال : حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيِّ ، وَلاَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَابِ شَيْئ ، وَأَبُو عَاتِكَةَ يُضَعَّفُ ) .
والحديث الثاني روته عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ” اكْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ ” . ( أخرجه ابن ماجه في الصيام ، بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ وَالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ ، برقم : 1678 ، قال الأرنوؤط : إسناده ضعيف لضعف بقية – وهو ابن الوليد – ، ولضعف الزبيدي – واسمه سعيد بن عبد الجبار ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده ، برقم : 4792 ، قال المحقق حسين سليم أسد : إسناده ضعيف ) .
وقد تكلم الحافظ ابن حجر رحمه الله على حديث عائشة رضي الله عنها بقوله : ” قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ ، وَسَعِيدٌ ضَعِيفٌ قَالَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَجْهُولِينَ مَرْدُودَةٌ انْتَهَى . وَلَيْسَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ بِمَجْهُولٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفَرَّقَ ابْنُ عَدِيٍّ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ فَقَالَ هُوَ مَجْهُولٌ ، وَسَعِيدِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَقَالَ هُوَ ضَعِيفٌ وَهُمَا وَاحِدٌ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ محمد بن عبد اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ فِي مُحَمَّدٍ : إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ ” . ( تلخيص الحبير : 2/412 ، رقم : 885 ) .
وأشار الإمام النووي في هذا المقتبس إلى حديث أبي رافع عن أبيه رواه الطبراني في معجمه والبيهقي في سننه أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد وهو صائم . ( المعجم الكبير للطبراني ، باب الألف ، رقم : 939 ، السنن الكبرى ، باب الصائم يكتحل ، رقم : 8047) ؛ ولكن ضعّفه الهيثمي من قبل إسناده ؛ لأن حبان ومحمد بن عييد راويان ضعيفان ( مجمع الزوائد ،باب الكحل للصائم ، رقم : 4971 ) ، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان وضعّفه ، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وتكلم على تضعيفه الحافظ الزيلعي في كتابه الشهير ” نصب الراية ” ( كتاب الصيام ، باب ما يوجب القضاء والكفارة : 2/455 ) مفصلاً .
واتضح مما سبق أن الأحاديث التي وردت في صدد الاكتحال في نهار رمضان ، كلها ضعيفة غير ثابتة عن طريق صحيح . ثم من لا يرى فساد الصوم بالاكتحال والسعوط في العين ، يتردد في أن من العين منفذاً فطرياً يصل إلى الحلق ، موجود أم لا ؟ ٍلكن علماء الطبيعية الطبية أثبتوا بالتحقيق أن في العين منفذاً يصل إلى الحلق بسرعة ؛ فذهب كثير من العلماء المعاصرين إلى فساد الصوم بالدواء المائع في العين ، وكراهة الاكتحال في نهار رمضان ، ويؤيده حديث ضعيف مروي عن معبد بنِ هَوذة رضي الله عنه ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه أمرَ بالإثمدِ المُرَوَّحِ عندَ النومِ ، وقال : ” لِيتَّقِهِ الصَّائِمُ ” ( وأبو داود في الصيام ، باب في الكحل عند النوم ، برقم : 2378 . قال الأرنوؤط : إسناده ضعيف ؛ لأن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة ضعيف ، ووالده النعمان بن معبد مجهول ) . وقالوا بعدم فساد الصوم بالاكتحال إذا تحقق عدم الوصول للحلق ، وإن تحقق وصوله إلى الحلق بأن يجد الصائم طعمه في حلقه أفسد الصوم ، ورجحوا رأي المالكية والحنابلة . وممن رحجوا فساد الصوم بإلقاء المائع في العين والاكتحال بها الذي تحقق وصوله للحلق بحيث وجد الصائم طعمه في حلقه : الشيخ محمد المختار السلامي – مفتي الجمهورية التونسية ( مجلة الفقه الإسلامي ، جدة ، العدد العاشر ، الجزء الثاني ، ص : 39 ، معزياً إلى المفطرات في مجال التداوي للدكتور البار ، ص : 13 ) ، والشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان ، وقال : قد ذهب جمع من أهل العلم إليه ( المنتقى من فتاوى الفوزان : 4/104) . وقال في موضع من فتاواه : ” وقد قال الكثير من أهل العلم بمنع الكحل للصائم ، أو أن يضع شيئاً بعينه ؛ كالقطرة وغير ذلك ؛ لأن العين منفذ ويتسرب منها الشيئ إلى الحلق ، دون أن يستطيع الإنسان منع ذلك ” . ( المنتقى من فتاوى الفوزان : 3/129 ) ، وبه قال أستاذي المبجل المحقق – المعروف بفقيه العصر في الهند – فضيلة الشيخ خالد سيف الله الرحماني ( أمين عام لمجمع الفقه الإسلامي – الهند ، وبه آخذُ نظراً إلى الأدلة السالفة بهذا الخصوص .
( للبحث صلة )
* عميد كلية البحث والتحقيق بجامعة العلوم ، غرها – غجرات .