التدابير الوقائية الصحية في السنة النبوية : دراسة موضوعية

التاريخ ظالماً ومظلوماً
يناير 28, 2025
النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الثانية )
يناير 28, 2025
التاريخ ظالماً ومظلوماً
يناير 28, 2025
النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الثانية )
يناير 28, 2025

الدعوة الإسلامية :

التدابير الوقائية الصحية في السنة النبوية : دراسة موضوعية

د . فريد الدين أحمد *

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فيعدُّ النبي محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أكبر       وأعظم شخصية شهدها التاريخ الإنساني ، ولا يوجد على وجه الأرض شخصية فذة مثله . إنه يتميز بصفات فريدة في علمه وعمله وخلقه وذكائه وبصيرته . فكان صلى الله عليه وسلم في وقت واحد أفضل قائد وأكبر مرشد وخير معلم وأحسن أسوة لكل من خلقه الله من الجن والإنس . وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر نفوذاً في العالم كله من حيث القدوة والقيادة ، لا نظير له في كافة مجالات الحياة . وقد مدح هذه الشخصية العظيمة كثيرٌ من الناس وأصحاب القلم ، وبوجه أخص الشاعر المخضرم الكبير حسان بن ثابت الأنصاري ( رضي الله  عنه ) الذي مدحه في شعره مدحاً بالغاً ، ومنها على سبيل المثال الأبياتُ التالية :

وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل مـــنـــك لم تلد النساء

خــلـقت مبرأً من كل عـــيـــب كأنك قد خلقت كما تشاء [1]

إنّنا إذا قمنا بدراسة السنن النبوية وجدنا فيها كثيراً من الأحاديث التي تتعلق بالتدابير الوقائية الصحية وصحة الإنسان العامة ؛ ومنها الأحاديث التي تعالج الطهارة المتعلقة بالبدن والملبس والمكان ، والخلوص من الأدناس والأقذار ؛ وهناك أحاديث كثيرة في آداب الأكل والشرب وضرورة تغطية الطعام ، والنوم الصحي ، والامتناع عن حَبْس البول ؛ وكذلك منع عن شرب الخمر ولحم الخنزير وغيرها . وعلاوةً على ذلك ، نرى هناك بعض الأطعمة النافعة التي فضّلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الكريمة ، منها أكل العسل والحبّة السوداء وغيرها .

الفوائد الصحية للطهارة الشرعية :

من المعلوم أنّ الطهارة هي من أهم أركان الإسلام ، ولها مكانة مرموقة في القرآن الكريم والسنة النبوية . وفي الحقيقة تعتبر الطهارة أساس العبادات الدينية ، لأنّ العبادات مثل الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغيرها تتطلب الطهارة ولا تصحّ إلا بها [2] . فقد قال الله تعالى في كلامه المجيد : ( إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ ) [3] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث الشريف : ” الطهور شطر الإيمان ” ، وقال في حديث آخر : ” مفتاح الجنة الصلاة ، ومفتاح الصلاة الطهور ” [4] .

إن المسلمين يقومون بالوضوء قبل أداء كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها ، وكذلك قبل تلاوة القرآن الكريم للتخلص من النجاسة الحكمية أو الحقيقية ، وهذا يفيدهم فوائد روحيةً بجانب فوائد جسدية . وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على غسل اليدين قبل الطعام وبعده . وفي هذا السياق نجد حديثاً رواه سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) وقال : ” قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته بما قرأت في التوراة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ” [5] . وورد في حديث آخر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه :   ” إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمِسْ يده في الإناء حتى يغسلها   ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يدُه ” . ( متفق عليه )

والجدير بالذكر أن الأطباء في العصر الحديث يحثوننا كثيراً على غسل اليدين . وفي أثناء تفشي الفيروس التاجي ( Corona ) في العالم كله ، رأينا أنّ منظمة الصحة العالمية ( WHO ) اهتمّت بمراعاة صحة الناس فشجّعتهم مراراً وتكراراً على الحفاظ بالتباعد الجسدي وغسل اليدين بشكل متكرّر والتجنب من لمس الأفواه والوجوه لكي يكونوا سالمين من هذا المرض المُعدي . وفي تلك الحالة الكارثة لوحظت في جميع أنحاء العالم ضرورة الطهارة وأهميتها كما يهتمّ بها المسلمون من خلال    ” الوضوء ” والتدليك الصحي الجيد أثناء أدائه بدقّة .

إن السواك سنّة من سنن النبيين والمرسلين ، وله أهمية كبيرة في حياتنا ولصحة أجسادنا ، وبه نستطيع أن نصون أجسادنا من شتى الأمراض ، وقد أكّد العلماء الأطباء للأسنان على مداومة السواك في حياتنا صباحاً ومساءً . إن نظافة الفم من الأسس الأساسية في الوقاية الصحية ( الطب الوقائي ) ، ولذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم استخدام السواك لنظافة الفم وتطهير الأسنان في أحاديث صحيحة كثيرة ، منها مثلاً رواية أبي هريرة ( رضي الله عنه ) في صحيح البخاري ، بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء ، وبالسواك عند كل صلاة ” [6] . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّ أن ينظّف الأسنان بالسواك قبل كل صلاة ويداومه في حياته الكريمة ، وأراد أن يطبّقها على الأمة المسلمة ، ولكنه لم يفعل ذلك معتبراً أنه سيكون عبئاً على الأمة .

عادات الطعام في الإسلام :

ومن التعاليم الإسلامية الحميدة أن يأكل الناس كمّيّةً قليلةً من الطعام ، ولا يجوز أن يسرف فيه ، كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) [7] . ويقترح الأطباء أيضاً أن نأكل قليلاً من الطعام لكي نحافظ على الصحة الجيدة والعافية ، وإذا تأملنا في الآداب الإسلامية وجدنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبّ أن يكون الرجل خفيف الجسم كثير النشاط ، ولا أن يكون سميناً كثير الوزن ؛ لأن الخفّة أفضل من السِّمنة التي تتسبّب في الكسل والبِطالة والخُمول . وأوصى صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي للإنسان أن يقسم معدته في الأكل إلى ثلاثة أقسام – جزء للطعام وجزء للماء والجزء الثالث يجب أن يتركه خالياً فارغاً ؛ كما نرى في حديث رواه المِقْدَام بن مَعْدِي كَرِبَ ( رضي الله عنه ) وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً من بطن ، بِحَسْبِ ابن آدم أُكُلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه ، فإن كان لا مَحَالةَ ، فَثُلُثٌ لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لِنَفَسِه ” [8] .

وفي الحقيقة أن المعدة هي مركز لكل مرض من الأمراض الصحية ، لكونها جزءاً من الجهار الهَضْمِيّ على شكلِ جِيبٍ يستقرّ فيه الطّعامُ والشّرابُ بعد أن يَنحدر من المَرِيْءِ وقبل أن يذهب إلى الأمعاء . ومن ثَمّ يُحرّضنا الحديث النبويّ على أنه يجب علينا أن نأكل طعاماً قليلاً . ومن يتعاطى هذه القواعد الغذائية ويُزاولها في الأكل والشرب يستطيع أن يَحمي نفسَه مما يضرّ الناسَ من الأمراض المعدية . إن الأكل بكثرة لا يُعطي الجسمَ قوّةً ، وإنما يتسبّب في أمراض مختلفة ، ومن بعضها كما ذكرها البروفيسور ريتشارد بيرد [9] – (١) أمراض المخ ، (٢) أمراض العيون ، (٣) أمراض الأنف والأذن والحنجرة ، (٤) أمراض الكبد والمرارة ، (٥) أمراض الصدر والرئة ، (٦) مرض بالسكر (٧) ضغط دم مرتفع ، وغيرها .

وكان من عادات النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرب الماء وأكل الطعام فإنه يشربه ويتناوله في حالة الجلسة . وفي هذا الصدد رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يَشْربنَّ أحدٌ منكم قائماً ، فمن نَسِيَ فلْيَسْتَقِئ ” [10] . وقد وافقَ الأطباء المعاصرون أيضاً على هذا الرأي أن شرب الإنسان للماء قائماً – لا    قاعداً – قد يؤدي لمرض مثل التهاب المفاصل . كذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمنع الناس عن الاِتّكاء عند تناول الأطعمة . ولا شك في هذا الأمر أن الاِتّكاء عند الأكل يعتبر من أسوأ العادات الغذائية . كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب هذه العادة ولا يمارسها في حياته ، كما نرى في هذا الصدد حديثاً رواه أبوجحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” لا آكل متكئاً ” [11] .

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب الماء في ثلاث مرات ، ونهى الناس عن شرب الماء مباشرةً من إناء ، كما نرى في حديث رواه أنس بن مالك رضي الله عنه : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفّس في الإناء ثلاثاً إذا شرب . . . ” [12] . وفي حديث آخر ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تَشْرَبُوا وَاحِداً كَشُرْبِ البَعِيرِ ، ولكن اشْرَبُوا مَثْنَى وثُلاثَ ، وسَمُّوا إذا أنتم شَرِبْتُمْ ، واحْمَدُوا إذا أنتم رَفَعْتُمْ ” [13] .

نحن نعلم أن الإنسان إذا تنفّس يستنشق الأكسجين ( O2 ) إلى الجسم تارةً ، ويُخرج ثاني الكربون أكسيد ( CO2 ) منه تارةً أخرى . وعادةً نتنفّس حوالي عشرين مرّةً في الدقيقة . ولكن إذا شربنا الماء في جرعة واحدة ، ففي هذه الحالة لا يمكن لنا أن نضع فمَنا بعيداً عن كأس الشرب ، ومن ثَمّ هناك إمكانيةُ تدخّل الغازات الضارّة غير الصحية مثل الكربون أكسيد في أجسامنا . ومن ناحية أخرى هناك إمكانية أخرى لتلوُّث الماء عن طريق اختلاط البكتيريا . فيتّضح أن شرب الماء في مرة واحدةٍ عادةٌ سيّئة كرهها النبي صلى الله عليه وسلم ومنع الناس عنه لكي يمتنعوا عن الضرر الجسدي .

وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على تغطية الطعام وتخميره ، كما نرى في حديث رُوِيَ عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ . . . ” [14] . ومن المعلوم أن تغطية الطعام عمل مفيد وضروريّ لجميع الناس لأنها تحمي طعامنا من أن يدخل فيه البكتيريا والأشياء الضارّة أو الموادّ الكيميائية . وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحذر في ذلك ، لذلك حرّض أصحابه الكرام رضي الله عنهم على تخمير الطعام والشراب . ووفاقاً لما ترى منظمة الصحة العالمية أنّ الطعام غير الآمن يخلق حلقةً مفرغةً من المرض ، وسوء التغذية يؤثر بشكل خاص على الرضع والأطفال الصغار وكبار السن والمرضى .

أصناف الطعام المفضلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم :

وقد سبق بأنّ النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان يفضّل بعضاً من الأطعمة ، ومن أهمها ” العسل ” . وقد فضل النبي صلى الله عليه وسلم تناول العسل في عاداته الغذائية تفضيلاً كبيراً . وقد ورد حديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الطعام الحلو والعسل [15] .

وفي حديث آخر ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يقول : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ” أخي يعاني من بعض المشاكل في البطن ” . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : فَلْيَشْرَب عسلاً . وقال الله سبحانه وتعالى عن فائدة العسل في القرآن الكريم : ( ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [16] .

والطعام الثاني الذي يفضل النبي صلى الله عليه وسلم أكله هو    ” الحبة السوداء ” . وهي تُسمى حبة البركة أيضاً ، يستخدم في علاج كثير من الأمراض . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الحبة السوداء علاج لكل مرض إلا الموت . وفي هذا الصدد ورد حديث في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام . قلت : وما السام ؟ قال : الموت ” .

يجدر بالذكر أن للكمون الأسود أو الحبة السوداء عديداً من الفوائد الصحية ، ومن أهمها : تعزيز المناعة ، والوقاية من بعض أمراض القلب والشرايين ، والوقاية من بعض الأمراض الالتهابية ، والحد من الالتهابات الرئوية ، وتعزيز صحة الجهاز الهضمي ، وتعزيز صحة الجلد والشعر .

خلاصة القول :

يتضح من الدراسة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معلماً جيداً ومرشداً كبيراً بالنسبة للصحة الإنسانية العامة . وتعد عاداته في هذا المجال أفضل طريقة وأجملها . نحن نجد في عاداته اليومية في الأكل والشرب والنوم ونظام الحياة أنفع شيئ مملوء بالأمور العلمية التي أثبتها العلماء في العصر الحديث ، وكان يحذر الناس عن بعض العادات الغذائية التي يوجد فيها سبب من أسباب الأمراض واضطرابات الصحة والعافية . وكذلك رأينا أنه كان يفضل بعض المواد من الغذاء ، وكان يحب أن يعتاد على تناولها في نظامه الغذائي الذي يظهر أثره على تعزيز صحتنا في الواقع كما يحمي عافيتنا من الأمراض الضارة .

* الأستاذ المساعد ، بقسم اللغة العربية ، جامعة كوتن ، غواهاتي ، آسام ، الهند .

[1] الندوي ، محمد الرابع الحسني ، الأدب العربي بين عرض ونقد ، مؤسسة الصحافة والنشر ، ندوة العلماء ، لكهنؤ ،  2013 ، ص 114 – 115 .

[2] الندوي ، شفيق الرحمن ، الفقه الميسّر ، مؤسسة الصحافة والنشر ، 2013م ،  لكنؤ ، الهند ، ص 11 .

[3] البقرة : 222 .

[4] رواه أحمد .

[5] أبو داود ، كتاب الأطعمة ، رقم 3781 .

[6] صحيح البخاري ، 887 .

[7] الأعراف : 31 .

[8] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد .

[9] Mahmud, (Dr.) Muhammad Tariq: Sunnat-e-Rasul Sallallhu Alih-e-wa Sallam O Adhunik Bigyan, vol. I& II, Rahmania Library, Ed. 2005., p.86

[10] رواه مسلم .

[11] رواه البخاري .

[12] سنن أبو داود ، كتاب الأشربة ، رقم 3727 .

[13] رواه الترمذي .

[14] صحيح البخاري ، 5624 .

[15] صحيح البخاري ، 5431 .

[16] النحل : 69 .