مجلة ” الضياء ” رائدة الصحافة العربية في الهند
نوفمبر 22, 2024موقف الزمخشري في البلاغة القرآنية : دراسة تحليلية
ديسمبر 23, 2024دراسات وأبحاث :
مكتبة شبلي النعماني العامة لندوة العلماء
تاريخها ، وذخايرها العلمية
( الحلقة الأولى )
الأستاذ محمد فيضان النغرامي الندوي *
المكتبة أهميتها وحاجتها :
كما يحتاج الإنسان إلى حصون حصينة لصيانة نفسه ، كذلك تكون المكتبات قلاعاً للكتب والمؤلفات ، والمكتبات هي المراكز التي تروي ظمأ عُشاق العلم والتحقيق ،حيث تكون العلوم والفنون متنوعةً ، وحيث يُكرس الباحثون لاكتشاف بحوثهم جهودهم ، ويتذوقون بها تذوقاً ، والمكتبة هي منطقة كبيرة وواسعة يحكم فيها تشجيعاً على القلب والعقل ، وتحمل المكتبة في المجتمع مكانة العمود الفقري بالنسبة لأي مؤسسة .
حينما أسس أسلافنا الكبار المخلصون ندوة العلماء في سنة 1894م كمدرسة فكرية جديدة لنشر التعليم والحكمة وتدريب العلماء ، في نفس الوقت هجس في أذهانهم إنشاء مكتبة توجد فيها كتب مهمة ومخطوطات نادرة ، وتكون من ميزاتها الرائعة أنها لا تقتصر لأي مذهب فكري معين ، بل يمكن أن تتيح لكل شخص فرصةً للاستفادة منها .
أعرب العلامة شبلي النعماني ( المتوفى 1914م ) عن هذه الحاجة قائلاً : ” إذا كان من حاجيات المسلمين الدينية والوطنية تأسيس مدرسة قومية وكلية وطنية وجامعة وطنية فتأسيس المكتبة أيضاً من حاجياتهم ، إذا كنت تريد الحفاظ على تاريخ المسلمين ودينهم وعلومهم ، فلابد من إنشاء مكتبة تحتوي على مؤلفات نادرة وقيمة في العلوم الدينية ، وأيضاً توجد فيها كتب للعلوم التي تم اختراعها من قبل المسلمين ، ومع ذلك توجد فيها الكتب لكل فن من الفنون التي تشهد زمن رقيها ، وآثاراً توجد فيها للسلف ، ولا تكون هذه المكتبة ملكاً خاصاً لأحد ، بل تكون وقفاً مشتركاً لجميع مسلمي الهند ، يمكن الاستفادة منها بجميع كتب المصنفين وطلاب العلم ” .
ويمكن قراءة هذه العبارة الغالية على أول صفحة لقائمة منشورات دار المصنفين أكاديمية شبلي بأعظم جراه . وتدل مقالات ومناشدات للعلامة شبلي النعماني والشيخ أبو الكلام آزاد في المجلات والصحف في ذلك الوقت ، على أن إنشاء المكتبة وأهميتها لم يكن أمراً فرعياً ، بل كان إنشاؤها جزءاً مهماً من أهداف حركة ندوة العلماء .
إنشاء مكتبة ندوة العلماء :
في فبراير 1906م قال الشيخ أبو الكلام آزاد في مناشدة له : قررت ندوة العلماء ضمن إعداد رجال مثقفين يدافعون عن العلوم الإسلامية ، وتريد تأسيس مدرسة عربية لإصلاح أحوال المسلمين الخلقية في البلاد ، لتكون مركزاً كبيراً للعلوم ، تلبيةً للاحتياجات الدينية مع وجود مركز كبير للعلوم الدنيوية ، فكان من واجباتها الرئيسية إنشاء مكتبة كبيرة للعلوم العربية والدينية ، فالذين يريدون قضاء حياتهم لخدمة الدين والعلم بالانضمام إلى دائرتها العلمية لا يكونون محرومين من الكتب العلمية التي تكون بمثابة أساتذة ومعلمين ، وركزت ندوة العلماء اهتمامها على هذه الحاجة ، وقامت بواجبها إلى حد بتأسيسها ، فعلى الأمة أن لا تدخر وسعاً في تحقيق غاياتها .
وبدأ فعلاً حسب الخطة إنشاء مكتبة عامة في اجتماع شاهجهانفور في 1899م ، أولاً أهدى نائب رئيس المديرية الشيخ عبد الرافع نحو ثلاثة آلاف كتاب ، ثم أهدى الشيخ عبد العظيم مأتي كتاب في دورة ندوة العلماء السنوية ببتنه في 1900م ، وأهدى الشيخ السيد عبد الغني واحداً ومأة كتاب للتاريخ والأدب ، وظل يتوسع هذا النطاق لكثير من التبرعات العلمية حيناً لآخر ، والجدير بالذكر هنا أن الهدايا العلمية التي حصلت لندوة العلماء كانت للإقطاعي عالمغير محمد خان بهادر من بهوفال ، والسيد حميد الدين رئيس بتنه ، ومحمد يحيى من لكناؤ ، ومن دائرة المعارف حيدر آباد [1] .
ويعرف مدى إخلاص هؤلاء المخلصين أن عدد الكتب في هذه المكتبة أكثر مأتي ألف ، ومنها عدد كبير للكتب التي تم الحصول عليها بالتبرعات ، ووقف لها بعض الأغنياء والأمراء والعلماء مكتباتهم بأكملها ، فتوجد هناك حالياً ثروات علمية وذخاير دينية أمثال مجموعة النواب السيد نواب علي حسن خان ، ومولانا السيد عبدالحي الحسني ، والنواب رشيد الدين المعروف باسم اشي ميان ، والسيد عبد الجليل ، والسيد واجد علي ، ومولانا افتخار الفريدي ، والنواب السيد نجم الحسن ، والنواب السيد ظهور الحسن ، ومكتبة للشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي باسم مكتبة المجمع الإسلامي العلمي ، وبالإضافة إلى الكتب القيمة للدكتور عبد الله عباس الندوي ، والبروفيسور ولي الحق الأنصاري ، والشاه شبير عطا السلوني التي تحتوي على كتب نادرة وقيمة ما بين خطي ومطبوع ، محفوظة في مكتبة ندوة العلماء ، وكثير من الكتب الخاصة لمكتبة العلامة شبلي النعماني الشخصية موجودة فيها ومثبت عليها توقيعه ، وأيضاً مجموعة من الكتب الإنجليزية القيمة للشيخ عبد الماجد الدريابادي موجودة في هذه المكتبة .
الشخصيات التي أهدت مجاميع كتبهم إلى ندوة العلماء :
والأشخاص الذين أهدوا مجموعات كتبهم القيمة لهذه المكتبة هم الشيخ نثار أحمد محامي سيتافور ، والقاضي حامد الله خان من مديرية غوندا ، والشيخ يوسف الزمان الفاروقي ، والمنشي عبد الأحد من كلكتا ، والشيخ عبد الباري الندوي ، والطبيب شكيل أحمد الشمسي ، والشيخ محمد أويس النغرامي الندوي ، والمحدث الشيخ منور علي الرامفوري ، والأستاذ مسرور خان الدهلوي ، والأستاذ عابد سهيل اللكنوي ، والدكتور محمد إقبال الأنصاري من عليجراه ، والدكتور السيد لقمان الأعظمي الندوي ، والصحافي عشرت علي الصديقي اللكنوي ، والصحافي الشيخ محمد عثمان غني الهاشمي اللكنوي ، والشيخ سعيد مرتضى الندوي ، والعلامة أبو محفوظ الكريم المعصومي من كولكاته ، ومجموعة الكتب النادرة والبحوث للماجستير والدكتوراه التي تم إعدادها تحت إشراف البروفيسور إقبال حسين الندوي من حيدر آباد ، والبروفيسور ضياء الحق شودهري السنديلوي ، والأستاذ عبد الودود الأعظمي الندوي ، والبروفيسور رياض الرحمن خان الشيرواني من عليجراه ، وهذه هي الشخصيات التي أهدت مجاميع كتبها إلى هذه المكتبة ، مما زاد أهميتها ورفع شأنها .
فعاليات مكتبة ندوة العلماء :
قبل قرن تقريباً ، عند ما كان عدد الكتب في هذه المكتبة أربعة آلاف فقط ، فحينئذ توجد فيها مؤلفات نادرة وجواهر قيمة ، وهي كانت موضع إعجاب للعلماء والباحثين ، ونظراً لأهميتها كتب الشيخ أبو الكلام آزاد مقالةً تعريفاً ببعض المخطوطات لهذه المكتبة .
” كان يعقوب الكندي حكيماً شهيراً في زمن الخليفة مأمون الرشيد ، الذي نال لقب الفيلسوف الأول في الإسلام ، توجد مجموعة رسائله النادرة في مكتبة دار العلوم هذه ، وكذلك رسائل مدينة العلوم أرنيقي ، وتذكره هفت إقليم لأمين رازي من أهم الكتب الخطية في هذه المكتبة ، ويكفي لتعريف كتاب مدينة العلوم بأنه هو من مصادر كشف الظنون الذي يُعتبر قائمةً وحيدةً لعلوم المسلمين وفنونهم ، وتذكرة أرنيقي هي تراجم ممتازة للشعراء بالفارسية ، وهي لم تطبع حتى الآن ، لكنها هي محفوظة في هذه المكتبة .
تدوي أصداء الترجمات العلمية للزمن الأكبري في الهند منذ فترة طويلة ، ولكن لم يُعرف منها شيئ سوى القصة التي تؤثر على قدرتنا السمعية من أبي الفضل ، وتوجد في مكتبة دار العلوم بعض الكتب التي يمكن أن تضيف في معرفتنا كثيراً من العلوم ، وأيضاً الكتب التي تمت ترجمتها من اللغة السنسكريتية خلال زمن شاهجهان ، ووصل إلينا كتاب شامل عن فن الموسيقى ” المبسوط ” ، بفضل مكتبة دار العلوم ، وهي تكشف لنا نوابغ الموسيقى ، ويمكن خلال قراءتها أن نعرف عن خدمات معظم هؤلاء النبغاء في زمن المغول ، وأهدى السيد أحسن شاه كتابين قيّمين : كتاب لحجة الإسلام الإمام الغزالي ” جواهر القرآن ” ، وهو كتاب فريد من نوعه ، بالرغم أنه شاع مطبوعاً إلا أنه لا يفي برغبتنا العلمية بسبب نقصه ، وأهدى السيد المذكور نسخةً مخطوطةً لجواهر القرآن وهي واضحة ، والكتاب الثاني هي نسخة ملكية ” للقاموس ” سجلت عليه ختمات لعدد إمبراطور المغول ، ويمكن قراءة الختم العالمغيري بوضوح ” [2] .
اقترح الشيخ صفي الدولة حسام الملك النواب السيد علي حسن خان في كلمته القصيرة بتأسيس تذكار العلامة شبلي النعماني في دار العلوم في المقترح السادس في الدورة الرابعة لندوة العلماء المنعقدة في لكناؤ 1915م :
” ويرى هذا الاجتماع أنه من المناسب أن يُنشئ مجمع تذكاري لشمس العلماء الشيخ شبلي النعماني في دار العلوم ، وأحسن صورة له تأسيس مبنى للمكتبة ، وتطلب مساعدات من وجهاء البلد في هذا الأمر بوجه خاص ” [3] .
بعد ذلك ألقى تلميذه الشهير العلامة السيد سليمان الندوي ( 1953م ) كلمات ، وهي على ما يـأتي :
خطبة العلامة السيد سليمان الندوي لإنشاء مكتبة ندوة العلماء :
أيها السادة المحترمون ! ماذا أقول لكم بهذه المناسبة ! الشخص الذي كان مؤسساً لجميع الحركات الوطنية والعلمية حتى الأمس ، اليوم أقوم بتأسيس المكتبة في ذكرى إمام الهند العلامة شبلي النعماني ، الذي وقف كل لحظة من حياته لخدمة العلم والأمة ، وانتقل إلى رحمة الله قبل خمسة أشهر ، وقد خدم العلامة رحمه الله ندوة العلماء بشغف وحماس بالغين ، والواقع أن ذكر خدماته وإنجازاته بهذه المناسبة يُعتبر إهانةً لأعماله الجليلة في الأيام الأخيرة ، سعدت الهند في الزمن الأخير بأحد علماء الأمة الذي جاء وخدم الإسلام ، وفاضت روحه في هذا العمل ، وكان اسم الله المقدس على لسانه عند الموت .
أيها الأحبة ! كان العلامة شبلي علماً بأكمله ، عندما ينام فتكون وسادته وسريره كومةً من الكتب ، وكان يعيش منفرداً ، ومع ذلك لم يكن وحيداً ، بل مع مأة من أصدقائه الساكتين : وخير جليس في الزمان كتاب .
أيها الأحبة ! لقد نور العلامة قلوبنا بكتبه ومؤلفاته ، فأين نؤسس تذكاره ؟! في القلب ! أين يسكن قلبه ؟ في الكتب ؟ أين مسكن الكتب ؟ في المكتبة ؟ فنحن نؤسس مكتبةً لأنها هي مسكن روحه ، المساجد بيت الله ؟ فهل تسكن روح الله هناك ؟ لا ، بل يعيش حبه هناك ، وستكون مكتبتنا أيضاً مسكن حبه .
ومكتبة ندوة العلماء هي من المكتبات النادرة في الهند ، واهتم العلامة رحمه الله اهتماماً كبيراً بجمع كتبها وترتيبها ، واشترى الكتب من جهات شتى ، وأهدى كتباً قيمةً من مكتبته الشخصية إليها ، وخلال إدارته تضاعف حجم المكتبة تقريباً ، وكان يشتري كل شهر كتباً جديدةً بطرق مختلفة ، ويأخذ الكتب من مكتبة أصدقائه ، وفي أثناء إقامتي بدار العلوم أنا كنت أيضاً أكثر اهتماماً بالمكتبة في جميع أموري ، ولن أكون مبالغاً إذا قلت فأقول لكم ! إن العلامة كان روح المكتبة ، وكنت أنا يدها ، وجئت بكتب كثيرة من مكتبة سكندر نواز جنغ ، وعماد الملك ، وعماد جنغ ، وحسام الملك ، وعلي حسن خان إلى مكتبة ندوة العلماء ، وللحصول على هذه الكتب سافرت إلى حيدرآباد وبانكيبور وما إلى ذلك ، وجئت بجميع الكتب في زمن العلامة في المكتبة باشترائها ، فلا استغراب إذا قمت اليوم لبيان أهمية إنشاء مكتبة علمية كبيرة تذكاراً له .
أيها الشيوخ والأصدقاء ! من الذي لم يستعد لتقديم الشكر إلى هذا المحسن ؟ فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، لكن انظروا إلى أنانية الرجل الشحيح فإنه يختار لشكر الآخرين الطريقة التي يحصل منها مكاسبه الشخصية ، هل نحن نشكر العلامة ببناء هذه المكتبة في ندوة العلماء ؟ أو نطلب منه معروفاً جديداً بعد وفاته ، وما هي الهدية التي يمكن للمسافر إلى دار فانية أن يقدمها لأهل دار البقاء ! ندعو الله أن يقبل للعلامة مجموعة أوراق قليلة هذه تسمى المكتبة ، والمبنى من الآجر والحجر ، ويوفقنا بتأسيس تذكار المرحوم .
أيها السادة المحترمون ! انظروا إلى هذا البعد والاتصال أن مدرسة ندوة العلماء موجودة هنا ، ولكن مكتبتها تقع على بُعد ميلين . وهذا سر لافتقار طلاب العلوم العربية بأن لا توجد مكتبة كبيرة في تلك المدرسة التي يدرسون فيها ، وأحياناً يحصلون على كتب دراسية بالسؤال أو الشراء ، وكانت هناك مكتبة ، فهناك يجلس ثعبان على هذه الخزانة ، لا يسمح المدير للطلاب العاديين بالمرور من قربها ، وإن نجاح دار العلوم في الدراسة والعلم وشوق المطالعة لطلابها هو نتيجة هذه المكتبة .
أيها الحفل الحضور ! إن ضرورة وأهمية هذه الحركة واضحة جداً ، ولا داعي لمزيد من المناقشة ، تعالوا نؤسس مكتبةً تذكاراً لاسمه ، وقال الشاعر : لا تبحث عن قبري في مقبرة ، فإن ذكراه في صدور العارفين والرجال الربانيين في نفس الوقت [4] .
وفي هذه المدة تم نشر إعلان عن تأسيس مكتبة .
” هناك حاجة ماسة لإنشاء مكتبة ضخمة في دار العلوم لندوة العلماء ” .
( للحديث صلة )
* أمين مكتبة شبلي ، ندوة العلماء ، لكناؤ ( الهند ) ، البريد الإلكتروني : shiblinomanilibrary@gmail.com
[1] مجلة الندوة الشهرية ، عدد فبراير 1906م
[2] مجلة الندوة : عدد فبراير 1906م .
[3] التقرير السنوي الرابع عشر لندوة العلماء في 3–4–5/1915م ، ص : 75 .
[4] المرجع السابق : 76 – 78 .