الشيخ عبد الرشيد إبراهيم ( آية من آيات الله وحجة الله على الدعاة ) ( الحلقة الثانية الأخيرة )

الشيخ محب الله لاري الندوي : ذكريات وخواطر
يونيو 4, 2024
المحدث محمد مشاهد السلهتي وعلم الحديث
يوليو 3, 2024
الشيخ محب الله لاري الندوي : ذكريات وخواطر
يونيو 4, 2024
المحدث محمد مشاهد السلهتي وعلم الحديث
يوليو 3, 2024

رجال من التاريخ :
الشيخ عبد الرشيد إبراهيم
( آية من آيات الله وحجة الله على الدعاة )
( الحلقة الثانية الأخيرة )
بقلم : الدكتور غريب جمعة 
فزع إرساليات التنصير من نشاط الشيخ عبد الرشيد :
أصيبت إرساليات التنصير بالفزع الناصب والهمِّ الواصب حيث تجاوزها الشيخ بكثير وخلفها وراءه تعض عليه الأنامل من الغيظ ، وهي التي سبقته إلى آسيا بسنوات عديدة .
فقد رأت فيه خطراً ماحقاً على جمعياتها التنصيرية ومؤسساتها المالية ذات الموارد الضخمة والدعم السخي من حكوماتها ، ومن المضحك أن يرسل أحد القسوس في الصين إلى وزارة الخارجية في بلده بأن المسيحية تواجه عدواً شرساً يعجزها تماماً عن التقدم للأمام .
وردت وزارة الخارجية : كم يبلغ تعداد جنود هذا العدو ، وما مدى قوته العسكرية والمادية وكانت الإجابة المخزية :
إنه شخص واحد اسمه عبد الرشيد ذو إيمان قوي ومنطق سليم وأسلوب جذاب ، وفوق ذلك عزيمة لا تلين أبداً فنحن نجد أثره في كل مكان نذهب إليه .
ويستمر عبد الرشيد في رحلاته وتسجيل مشاهداته خلال تلك الرحلات التي ضمنها مجلدين كبيرين ، واختار لها عنوان : ” عالم الإسلام ” ولكن أين هذا الكنز الثمين .
الجهاد بالنفس والمال :
عندما قامت البربرية الإيطالية ممثلة في جيوشها الجرارة بالعدوان على ليبيا واحتلالها عام 1912م سارع الشيخ عبد الرشيد إلى مشاركة إخوته الليبيين في دفاعهم عن وطنهم وقد بلغ الستين من العمر ، ثم أخذ يتجول في العالم الإسلامي هنا وهناك ليجمع لهم التبرعات وكل ما يعين على مواجهة هذه البربرية الطاغية .
ثم كانت النهاية المشرفة لشيخ المجاهدين عمر المختار الذي لقى ربه شهيداً – إن شاء الله – .
ولما اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى هبَّ مسرعاً ليشارك الجيش العثماني في تلك الحرب عندما ذهب إلى القوقاز .
ثم سافر ألمانيا ليتصل بالأسرى المسلمين . وهكذا كان الرجل أشبه بمركز جهادي متنقل حتى وضعت الحرب أوزارها .
العودة إلى اليابان :
عاد الرجل إلى اليابان بعد أن وضعت الحرب أوزارها ليواصل جهاده الموصول بتبليغ رسالة الإسلام ونشر دعوته على أوسع مدى من خلال مسجد طوكيو .
وكان الزائر لهذا المسجد يعجب من أمر هذا الرجل فعلى الرغم من علو سنه حيث بلغ الخامسة والتسعين !!
إلا أنه يستيقظ ليتهجد ما شاء الله له قبل الفجر ثم يؤم المصلين في صلاة الفجر حتى إذا ما فرغ من أذكاره وأوراده إدبار الصلاة التفت حوله مجموعة من تلاميذه ومحبيه ليفسر لهم كتاب الله تعالى ويشرح لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا ما أشرقت الشمس انتقل إلى غرفة الدراسة الملحقة بالمسجد ليجد مجموعةً من أطفال المسلمين في انتظاره ليعلمهم حفظ القرآن ، ولم يستنكف الشيخ وهو في تلك السن ومن كبار زعماء العالم الإسلامي أن يكون معلم صبيان حفظ القرآن الكريم وشيئاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عبد الرشيد في أعين معاصريه :
(1) واصل الرجل جهاده ومساعيه حتى اعترف البرلمان الياباني بالإسلام كواحد من أديان الدولة الرسمية ، وهذا الاعتراف حقق له أكثر مما يأمله فبنى مسجدين في طوكيو وكانت أمنيته أن يبني ولو مسجداً واحداً ولكن اعتراف البرلمان الياباني بالإسلام فتح الطريق أمامه ليحقق أكثر مما كان يحلم به . . وهكذا يصنع الإخلاص والصدق مع الله تعالى .
ولنقرأ ما كتبته جريدة البلاغ المصرية بخصوص هذا الموضوع في أحد أعداد شهر مارس عام 1939م تقول الجريدة ( بتصرف ) : أرسل الأستاذ عبد الرشيد إبراهيم رئيس الجمعية الإسلامية بطوكيو رسالةً يقول فيها : ” إن وزير المعارف الياباني عرض في أول يوم من مارس عام 1939م على البرلمان مشروع قانون يسمى : زيزال أزاكى – يقضي باعتبار الدينين البوذي والمسيحي دينين رسميين في اليابان فاعترض بعض الأعضاء قائلين : وأين الإسلام ؟
وطالت المباحثات في ذلك لمدة ثلاثة أيام انتهت برد المشروع إلى وزارة المعارف حتى تضمنه الاعتراف بالدين الإسلامي مع الدين المسيحي والبوذي ، وقد تم ذلك وصادق عليه البرلمان .
ونشرت الجرائد اليابانية هذا الخبر فأخذ الناس يتوافدون عليه ويطلبون من الجمعية الإسلامية كتباً عن الإسلام باللغة اليابانية .
(2) رحلات ابن بطوطة دون رحلات عبد الرشيد إبراهيم : يقول الدكتور محمد رجب البيومي – رحمه الله في مؤلفه ” النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ” : ( بتصرف )
كنا نصلي الجمعة في مسجد الأديب المجاهد الغيور عبد الوهاب عزام ، وبعد أن انتهينا من الصلاة أخذ يحدثنا عن دعاة الإسلام في العصر الحديث ثم تطرق إلى الشيخ عبد الرشيد فكان مما قاله آنذاك : ” إن من العجب العجاب أن يصدر الشيخ عبد الرشيد مؤلفه ” عالم إسلام ” ولا ينتشر ولا يذيع صيته ولا يترجم ولا نجده في كل مكتبة إسلامية في أنحاء العالم الإسلامي مع أنه مجمع مشاهداته الشخصية البصيرة في شتى ربوع الإسلام في آسيا وأفريقيا وأوروبا ويصف أدواء المسلمين وعللهم مما لم يتيسر الإلمام به لأحد إلا أن يكون الأمير شكيب أرسلان ! ” .
ونحن نرى طبعات متكررةً لرحلة ابن بطوطة وأمثاله فأي شيئ تكون هذه الرحلة إذا قيست برحلة أكبر داعية في العصر الحديث ؟
إن ابن بطوطة كان يرحل ليتزوج ويرى ويتمتع دون أن يكون له هدف غير تسطير الخرافات والكرامات وتدوين ما يسمع من الأعاجيب .
أما عبد الرشيد فقد ركب البر والبحر والجو ليدعو إلى الله وكم احتمل من عنت ذوي الجهالة وسفاهة أولي الضلالة .
لقد أصدر الرجل كتبه النافعة ودون رحلاته الممتعة فلم تجد من الذيوع والانتشار ما وجدت رحلات الغرائب والخرافات .
(3) رثاء الدكتور عبد الوهاب عزام كلمة رثاء لهذا الشيخ الجليل عند وفاته نشرها بإمضاء مستعار مجلة الثقافة العدد 312 جاء فيها :
وكان مجلس عبد الرشيد يجمع المختلفين في المآرب والمذاهب على الإعجاب به والعجب منه من مصغ إلى شيخ رحالة مسلم يتحدث عن جماعات المسلمين ويصف أدواءهم وأدويتهم ومن منصت إلى عجائب الأسفار وغرائب الأوطان ومن مكبر لهذا الشيخ الوقور الذي لم تقعد به السن عن الأسفار البعيدة ، بل رأيت الصبيان يتطلعون إلى مجلسه ليروا الرحالة التركي الهرم الذي جاب مشارق الأرض ومغاربها .
وكانت إحدى أمانيه أن يرى مسجداً في طوكيو فاستجاب الله له وحقق أمنيته فأراه في اليابان مسجدين ” .
(4) لم يكن عبد الوهاب عزام هو وحده المعجب بالشيخ عبد الرشيد بل شاركه ذلك الإعجاب شاعر الإسلام في تركيا محمد عاكف صديق الدكتور عزام ومن شدة إعجابه بالشيخ جعله بطلاً لإحدى قصصه الأدبية الهادفة إذ تخيله واعظاً وقوراً يقوم بين المسلمين في مسجد الخليفة العثماني ( سليمان القانوني ) فيشرح للناس بالمسجد الجامع أدواء المسلمين وعللهم وكيف يعالجونها ويدعوهم إلى الرشاد بعد الغي ، والهدى بعد الضلال واليقظة بعد النوم .
(5) كان بين أستاذي السيد المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد وبين الشيخ عبد الرشيد علاقة وصداقة من أخلص الصداقات حيث جمعت بين الرجلين أخوة الإيمان ووحدة الغاية النبيلة والهدف السامي حتى أن الشيخ عبد الرشيد حينما سافر إلى اليابان داعياً إلى الإسلام لم يجد أمامه ما يقدمه للتعريف بالإسلام إلا الرسالة التي أصدرها المهندس محمد توفيق باللغة اليابانية وعنوانها : ” الإسلام دين الجميع ” ، واعترافاً بفضل الشيخ عبد الرشيد في خدمة الإسلام ووفاء بشيئ من حقه وضع المهندس محمد توفيق صورة مسجد طوكيو وبجوارها صورة الشيخ عبد الرشيد أول إمام لمسجد طوكيو .
وقد كتب أسفل هذه البطاقة : تذكار نشاط دار تبليغ الإسلام في بلاد اليابان .
وقد سمعت من السيد المهندس محمد توفيق وصفه للشيخ عبد الرشيد – رحمهما الله – حيث قال : ” هذا الرجل كان عالماً وداعيةً ورحالةً ومؤلفاً وخطيباً وعابداً مخبتاً ومعلماً لأطفال المسلمين ، كل ذلك في تناسق عجيب وعزيمة لا تعرف الكلل ودأب لا يعرف الملل ، وكفاح صبور وهو في الخامسة والتسعين من العمر !! ” .
فهذا غيض من فيض عن أكبر داعية في العصر الحديث فليتأمل الدعاة ماذا يصنع الإخلاص والصدق مع الله جل جلاله .
إن هذا الداعية العظيم قد جعله الله حجةً على الدعاة حتى لا يزكى أحد نفسه بأنه قدم للإسلام كذا وكذا وهو لا يدري .
إن كان كل ما قام به من أجل دينه مقبولاً عند ربه أم مردود عليه ؟
وكأن لسان حال الدعوة يقول :
هؤلاء هم الدعاة فسيروا على دربهم إن كنتم صادقين .