أسرار التكرار في القرآن

زبدة التفاسير للقدماء المشاهير لشيخ الإسلام بن قاضي القضاة عبد الوهاب الغجراتي : دراسة تحليلية ( الحلقة الأولى )
يونيو 4, 2024
نبوءة وجود سبعة محيطات في الأحاديث في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة
يوليو 3, 2024
زبدة التفاسير للقدماء المشاهير لشيخ الإسلام بن قاضي القضاة عبد الوهاب الغجراتي : دراسة تحليلية ( الحلقة الأولى )
يونيو 4, 2024
نبوءة وجود سبعة محيطات في الأحاديث في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة
يوليو 3, 2024

دراسات وأبحاث :
أسرار التكرار في القرآن
الدكتور محمد . ك . بانديكادو 
مقدمة :
اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب ، فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن ، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة ، وهذا من جهلهم ، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب ” .
وقال في التعليق على تكرار قصة موسى عليه السلام مع قومه : ” وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر ” .
أريد في هذه المقالة أن أوضح هذا الموضوع بالإيجاز .
تعريف التكرار لغةً واصطلاحاً :
قال ابن منظور : الكَرُّ : الرجوع ، يقال : كَرَّه وكَرَّ بنفسه ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرّاً . . . والكَرُّ : الرجوع على الشيئ ، ومنه التَّكْرارُ .
التكرار في الاصطلاح : تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعان متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .
قال السيوطي رحمه الله : ” التكرار هو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط ” .
أنواع التكرار :
قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين : أحدهما : تكرار اللفظ والمعنى وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى ، وقد جاء على وجهين : موصول ، ومفصول . أما الموصول : فقد جاء على وجوه متعددة : إما تكرار كلمات في سياق الآية ، مثل قوله تعالى : ( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) ، وإما في آخر الآية والتي بعدها ، مثل قوله تعالى : ( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ) وإما في أواخرها ، مثل قوله تعالى : ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ) ، وإما تكرار الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) .
وأما المفصول : فيأتي على صورتين : إما تكرار في السورة نفسها ، وإما تكرار في القرآن كله . مثال التكرار في السورة نفسها : تكرر قوله تعالى : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) في سورة الشعراء 8 مرات ، وتكرر قوله تعالى : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة ” المرسلات ” 10 مرات ، وتكرر قوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) في سورة ” الرحمن ” 31 مرةً .
ومثال التكرار في القرآن كله : تكرار قوله تعالى : ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 6 مرات ( يونس : 48 ، الأنبياء : 38 ، النمل : 71 ، سبأ : 29 ، يس : 48 ، الملك : 25 ) .
وتكرر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مرتين ( التوبة : 73 ، التحريم : 9 ) .
والثاني : التكرار في المعنى دون اللفظ . وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذِكر الجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها .
فوائد التكرار في القرآن :
يمكن أن نوجز فوائدَ التكرار في القرآن الكريم فيما يلي :
(1) التأكيد : هو إعادة اللفظ أو مرادفه لتأكيد معنًى . أمثلته كثيرة ، ومنها :
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر .
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى . ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى .
(2) زيادة التنبيه : هو إعادة اللفظ للتنبيه والتذكير . كما قال الله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) ، هنا لزيادة التنبيه فإنه كرر النداء ( يَا قَوْمِ ) وذلك حتى يلقي الكلام القبول .
(3) تجنب النسيان أو السهو : فالكلام إذا طال وخشي تناسيه أعيد ثانيةً وذلك تجديداً له . كما قال الله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) وفي هذه الآية تكرار ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ ) للتذكار ولتجنب النسيان .
قال الله تعالى : ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) فقوله ( أَنَّكُمْ ) الثاني بناءً على الأول ، إذكاراً به خشية تناسيه . وقال الله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) في هذه الآية تكرار ( إِنَّ رَبَّكَ ) للتذكار .
(4) التعظيم والتهويل :
قد تكرر في القرآن الكريم بعض الكلمات بإرادة التعظيم والتهويل ، مثاله قال الله تعالى : ( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ ) ، وقوله : ( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ ) ، وقوله : ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) ، وقول الله تعالى : ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) .
(5) الوعيد والتهديد :
وكذلك نرى بعض الكلمات تكررت في القرآن يراد به الوعيد والتهديد . مثلاً قال الله تعالى : ( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) وذكر ” ثُمَّ ” في المكرر دلالةً على أن الإنذار الثاني أبلغُ من الأول ، وفيه تنبيهٌ على تكرار ذلك مرةً بعد أخرى ، وإن تعاقبت عليه الأزمنة لا يتطرق إليه تغييرٌ ، بل هو مستمر دائماً .
(6) التعجُّب :
تكرر بعض الكلمات في القرآن بإرادة التعجب . كما قال الله تعالى : ( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) ، فأعيد تعجباً من تقديره وكيف أعدَّ في نفسه هذا الطعن واستحق بذلك الهلاك .
(7) تعدُّد المخاطب :
وكذلك تكرر بعض الآيات في القرآن يإرادة تعدد المخاطب . نسمع قول الله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ، فإنها وإن تعددت فكل واحدٍ منها متعلقٌ بما قبله ، وإن الله تعالى خاطب بها الثَّقَلينِ من الإنس والجن ، وعدَّد عليهم نِعَمَه التي خلقها لهم ، فكلما ذكر فصلاً من فصول النِّعم ، طلب إقرارَهم ، واقتضاهم الشكر عليه ، وهي أنواعٌ مختلفةٌ ، وصورٌ شتَّى .
وقال الله تعالى : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) وإذا نظرنا إلى هذه السورة ، وجدناها تتحدث عن وقوع اليوم الآخر ، وتصفه ، فلا جرم أنْ تَكَرَّر هذا الإنذار عقب كل وصف له ، أو فعل يقع فيه ، وفي هذا التكرير ما يوحي بالرهبة ، ويملأ القلب رعباً من التكذيب بهذا اليوم الواقع بلا ريب .
الخاتمة :
ومن هذا نفهم أن التكرار في القرآن لها أسرار وفوائد . ومن علم هذه الأسرار فيذوق لذة القرآن ويرى جمال الفرقان . فمثل هذا التكرار ليس مقبولاً فقط ، بل هو مطلوب ومقصود ، ويُراد به التذكير ، وتزكية النفس وصلاح القلب ، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلةً كاملةً ، يكرر آيةً واحدةً ، وكذلك ورد تكرير قراءة الآيات عن كثير من السلف .
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة : ” هذه كانت عادة السلف ، يردد أحدهم الآية إلى الصباح ، وقد ثبت عن النبي أنه ‌قام ‌بآية ‌يرددها ‌حتى الصباح ، وهي قوله : ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ) ، فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب ” ، ومن هذه المعلوما ت نفهم أن التكرار في القرآن له أسرار وفوائد . علينا أن نفهم أولاً هذه الأسرار ثم نوقن بالله العزيز الحكيم .
المراجع :
1. أسرار التكرار في القرآن ، محمد بن حمزة الكرماني ، دار الفضيلة ، 2008م .
2. رسالة في علوم القرآن ، ابن تيمية .
3. الانتصار للقرآن ، أبو بكر الباقلاني ، دار الفتح ، بيروت .
4. البرهان في علوم القرآن ، بدر الدين محمد الزركشي ، مكتبة دار التراث ، القاهرة .
5. تأويل مشكل القرآن ، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، دار إحياء الكتب العربية .
6. الجمال في القرآن الكريم : مفهومه ومجالاته ، الدكتور عبد الجواد محمد المحص ، 2005م .
7. https://islamweb.net/ar/fatwa/445321
8. https://www.alukah.net/sharia/0/118456
9. https://ar.islamway.net/article/78912