اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد ( الحلقة الأولى )

عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الحلقة الثالثة )
يوليو 3, 2024
الهجرة النبوية : حادث في التاريخ كبير
يوليو 3, 2024
عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الحلقة الثالثة )
يوليو 3, 2024
الهجرة النبوية : حادث في التاريخ كبير
يوليو 3, 2024

الدعوة الإسلامية :
اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد
( الحلقة الأولى )
الدكتور أشرف شعبان 
منذ نعومة أظافرنا ، ونحن نرى أجدادنا وآباءنا ، وهم يدعون في صلواتهم وفي غير صلواتهم على اليهود ، وسرنا على خطاهم حتى وقت قريب ، وطوال هذه العقود اكتفينا نحن بالدعاء ، أما اليهود فازدادوا قوةً وتمكيناً في أرضنا التي احتلوها ، حيث تحولوا من جاليات مشردة مضطهدة في كثير من دول العالم إلى دولة ذات سيادة وشأن عالمي ، كما تحولوا من ميليشيات وعصابات مسلَّحة تهاجم الآمنين من الفلسطينيين وتستولي على ممتلكاتهم وأراضيهم إلى جيش من أقوى جيوش العالم . وذلك لأن دعاءنا كان يشبه دعاء الطالب ، الذي لا يجتهد في تحصيل العلم ، فلا يذهب للمدرسة أو للجامعة لتلقيه ، ولا يستمع لشرح المناهج والدروس من أساتذة أو مدرسين ، ولا يطلع على المراجع أو الكتب المقررة في تبيان المنهج ، وسواء ذهب للامتحان أو لم يذهب ، فهو عاكف طول العام ليله ونهاره على الدعاء بالنجاح . بينما المتأمل في الآيتين 250 – 251 من سورة البقرة ، الذي قال فيهما سبحانه وتعالى : ( وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ . فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ) ، يجد أن الدعاء جاء بعد البروز والظهور للعدو ، أي بعد مواجهته وجهاً لوجه في ميدان المعركة ، والدعاء كان بطلب الصبر وتثبيت الأقدام عند ملاقاة العدو وأثناء اشتعال المعركة ، ويختم الدعاء بطلب النصر ، ثم تأتي النتيجة فهزموهم بإذن الله ، أي غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم . كما قال تعالى في سورة البقرة آية 186 : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ، فمن دعا ربه بقلب حاضر ، ودعاء مشروع ، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء ، كأكل الحرام ونحوه ، فإن الله وعده بالإجابة ، وخصوصاً إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء ، وهي الاستجابة لله بالانقياد لأوامره ونواهيه والإيمان به .
الأمر بإعداد القوة وتوجيهها في الاتجاه الصحيح :
ومن أوامر الله : إعداد القوة ، قال تعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) [ الأنفال : 60 ] ، أي أعدوا يا معشر المسلمين كل ما تقدرون عليه ، من عدة وعتاد ، لمواجهة أعدائكم ، ولتدخلوا بذلك الرهبة في قلوبهم ، ولتخيفوا آخرين لا تظهر عداوتهم لكم ، ولكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه لكم . ومن سبل إعداد القوة امتلاك السلاح بأنواعه المختلفة سواء بتصنيعه أو شرائه ، ومن المعلوم ارتفاع معدل شراء الدول الإسلامية للسلاح ، مما يأتي بدول كالسعودية وقطر ومصر ضمن أكبر عشر دول استيراداً للسلاح في العالم ، كما أن لدولنا الإسلامية جيوشاً يعتد بها ، وتعتبر من مصاف جيوش العالم ، فوفقاً لتصنيفات القوة العالمية ، تتقدم جيوش تركيا وباكستان وإندونيسيا وإيران ومصر على جيش العدو الإسرائيلي ، وعلى الرغم من ذلك وعلى مدار العقود الخمس السابقة ، وبالتحديد منذ نهاية حرب 6 أكتوبر عام 1973م ، لم تدخل دولة من الدول العربية حرباً ضد إسرائيل ، ولم توجه أي منها نيران أسحلتها تجاهها ، ولكن فتحت نيرانها بغزارة ، واستخدمت كافة أسلحتها بكثافة ، في إجهاض الانتفاضات والثورات ، التي تقوم بها الشعوب ضد الديكتاتوريين من الحكام ، أي استخدمت لردع الشعوب ، كما استخدمت ضد دول عربية أو إسلامية شقيقة . أي أننا أطعنا أمر الله في إعداد القوة ، ولكننا لم نطعه في توجيه القوة ، فبدلاً من توجيهها ضد أعداء الله وأعدائنا في الدين ، وجهناها ضد إخوة لنا في الدين أو شركاء لنا في الوطن .
وعلى سبيل المثال في سوريا ما زالت مرتفعات الجولان ، محتلةً من العدو الإسرائيلي ، والتي سبق أن احتلها في حرب يونيو 1967م ، وقد أصبحت جزءاً من دولة إسرائيل ، منذ الرابع عشر من ديسمبر عام 1981م حيث ضمتها إسرائيل رسمياً لها . فضلاً عن أن أي اعتداء من العدو الإسرائيلي على الأراضي السورية ، يقابل من النظام السوري بالاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب ، والذي لم يحن ميعاده بعد منذ أكثر من نصف قرن . وعلى الرغم من أن النظام السوري لم يطلق طلقةً واحدةً تجاه المحتل طوال العقود السابقة ، لكنه أطلق نيران أسلحته على الثوار العزَّل ، أبناء الشعب السوري ، عندما قاموا بثورتهم ضد النظام في عام 2011م ، حيث استخدم كل أنواع الأسلحة لديه ، المدفعية والرشاشات الثقيلة ، والطيران والأسلحة الكيماوية والحارقة ، والذخائر العنقودية وصواريخ سكود ، وقذائف هاون ، وراجمات صواريخ محملة برؤوس كيماوية ، والبراميل المتفجرة التي تحشى بمواد معدنية ، ومواد متفجرة ترمى من المروحيات ، واستهدف كافة المنشآت المدنية من منازل ومدارس ومؤسسات مجتمع مدني ومستشفيات وأسواق شعبية وغيرهم ، وأحدث مجازر كبيرةً يندي لها الجبين في حق الآدميين ، فضلاً عن اعتقال الناجين وتعذيبهم وتشريد الفارين ، كما استعان النظام السوري بمقاتلين يقاتلون إلى جانبه من العراق ولبنان وإيران وأفغانستان ، وكما ساهمت إيران في دعم النظام السوري على عدة مستويات ، دعمته روسيا أيضاً ثم تطور الأمر لتشارك معه عسكرياً في حرب النظام السوري ضد أبناء الشعب السوري .
الجيش العراقي في ثمانينيات القرن الماضي ، كان رابع أقوى جيش في العالم ، لم يوجه لإسرائيل أي من نيران أسلحته ، باستثناء بعض الصواريخ التي أطلقها ، باتجاه أهداف داخل إسرائيل ، عند بدء حرب الخليج الثاني لغرض معين ، بل وجه نيران أسلحته إلى إيران ، في حرب استمرت لمدة ثماني سنوات ، خلفت وراءها خسائر ماديةً وبشريةً للطرفين وانتهت بلا انتصار لأي منهما ، وبعد ما يقرب من عامين من انتهاء حربه ضد إيران ، قام النظام العراقي باجتياح الكويت ، مما تسبب في الغزو الأمريكي للعراق ، وتدميره ليصل إلى ما وصل إليه الآن ، كما وجه أسلحته لمواجهة الأكراد وهم جزء من الشعب العراقي . السودان يستخدم السلاح فيها الآن في حرب أهلية بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني ، والضحايا أولاً وأخيراً سودانيون ، ومن قبل دارت الحروب بين السودانيين حتى انفصال جنوب السودان عن شماله . وفي ليبيا يدور صراع بين حكومة الوفاق الوطني ، وبين الجيش الليبي بقيادة حفتر ، ووراء كل طرف مجموعة من الدول تساعده وتغذي نيران الحرب بينهما ، وانقسم الشعب الليبي فيما بينهما ، لتصير حرب أهلية ، يستخدم السلاح فيها بين أبناء الشعب الليبي ، والضحايا أولاً وأخيراً ليبيون ، ومن قبل في ثمانينيات القرن الماضي دارت رحى الحرب بين ليبيا وتشاد . وفي اليمن تجرى عمليات عسكرية ، يقوم بها ائتلاف مكون من عدة دول بقيادة السعودية ، الخاسر فيها الشعب اليمني سواء كانوا سنةً أو شيعةً . والدول التي لم تستخدم ما لديها من سلاح فيما سبق ، إن لم يتم بيعه لدول أخرى ، فهو مكدس في المخازن ، ويظهر كل يوم ما هو أحدث منه وأكفأ . ولصفقات السلاح فوائد تعود على أصحاب المعالي رؤساء وحكام وأمراء الدول ، فهي لتقديم فروض الولاء والطاعة لدول المشترى منه السلاح ، وصك ضمان لبقاء واستمرار هؤلاء الحكام في مناصبهم ، وأخيراً العمولات التي يستفيد منها تجار السلاح بيع وشراء وسماسرته .
الأمر بقتال من قاتلنا :
ومن أوامر الله : قوله تعالى : ( وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) [ البقرة : 190 ] ، أي وقاتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم . وقوله تعالى : ( وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) [ البقرة : 191 ] ، أي واقتلوا الذين يقاتلونكم وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه ، وهذا أمر بقتالهم أينما وجدوا في كل وقت وفي كل زمان قتال مدافعة وقتال مهاجمة . وقوله عز وجل : ( فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) [ البقرة : 194 ] ، أي من اعتدى عليكم بالقتال ، قابلوه بمثل ما اعتدى عليكم . وقوله : ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ ) [ النساء : 75 ] ، أي وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، الذين قد استضعفهم الكفار ، فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم ، وصدهم عن دينهم . كما من الآيات ما تأمرنا بقتال الكفار والمشركين كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ) [ التوبة : 123 ] ، أمر الله تعالى المؤمنين بقتال من يجاورهم من الكفار ، لما يسببون من خطر على المؤمنين بسبب قربهم ، وأمرهم كذلك أن يظهروا قوةً وشدةً من أجل إرهابهم ودفع شرهم . وقوله عز وجل : ( وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ) [ التوبة : 36 ] ، أي قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين ، ولا تخصوا أحداً منهم بالقتال دون أحد ، أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم ، فاجتمعوا أنتم أيضاً لهم إذا حاربتموهم ، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ، والمثل الظاهر أمامنا هو تعاون بعض دول الغرب الصليبي مع الكيان اليهودي وبعض قادة الدول العربية لمحاربة المقاومة الإسلامية في غزة ، ألم تستدعي هذه الأحداث تطبيق الآية وتقاتلوهم كافةً كما يقاتلونا كافةً . وقوله سبحانه وتعالى في سورة التوبة آية 29 : ( قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) ، وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بقتال أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، لأنهم لا يؤمنون بالله ولا يؤمنون باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق ، دين الإسلام الناسخ لغيره من الأديان ، حتى يعطوا الجزية عن طوع وانقياد ، فإن فعلوا ذلك فاتركوا قتالهم . وقوله تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [ الأنفال : 39 ] ، أي قاتلوا أيها المؤمنون ! أعداءكم من الكفار ، حتى لا يكون شرك ، ولا صد للمسلمين عن دين الله ، وأن تستمروا في قتالهم حتى تزول صولة الشرك ، وحتى تعيشوا أحراراً في مباشرة تعاليم دينكم ، دون أن يجرأ أحد على محاولة فتنتكم في عقيدتكم أو عبادتكم . وقوله عز وجل : ( ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) [ النساء : 76 ] ، الذين صدقوا في إيمانهم اعتقاداً وعملاً ، يجاهدون في سبيل نصرة الحق وأهله ، والذين كفروا يقاتلون في سبيل البغي والفساد في الأرض ، فقاتلوا أيها المؤمنون ! أهل الكفر والشرك ، الذين يتولون الشيطان ويطيعون أمره . وقوله سبحانه وتعالى : ( وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) [ التوبة : 12 ] ، أي وإن نقضوا العهود التي أبرمتموها معهم ، وأظهروا الطعن في دين الإسلام ، عابوا دينكم وانتقصوا منه ، فقاتلوهم أي قاتلوا القادة فيهم ، الرؤساء الطاعنين في دين الله ، الناصرين لدين الشيطان ، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم ، ولأن غيرهم تبع لهم . ومثل هذه الآيات في عموم نصوصها ، تخاطب كافة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأمة الإسلام أجمع ، لا تستثني منها بعيداً أو قريباً ، ولا عربياً أو أعجمياً ، تحثنا نحن المسلمين على قتال من يقاتلنا ورد اعتدائه واسترداد ما سلب منا ، من أراض وممتلكات ، بل ونجدة المستضعفين ، في كل بقاع الأرض ، يتعرضون للاضطهاد والتعنت ، بل والتشرد والتهجير من ديارهم ، ويصرخون ويستنجدون بإخوانهم المسلمين ، ولكن لا حياة لمن تناجي .
وقتال الكفار وصد عدوانهم ، واجب كفائي ، فإنه إذا حصل من يقوم به ، وكان به الكفاية ، سقط عن المكلفين الباقين ، وإلا وجب على جميع المسلمين ، ممن لهم القدرة على حمل السلاح . فالوجوب على سبيل الكفاية ، فإذا اندفع الشر ببعض المكلفين ، حصل الغرض ، وبحصوله يسقط الفرض عن الآخرين ، ويتأكد الوجوب على المكلفين كلما كانوا من المرابطين والأقربين للكفار المعتدين . أما الدفاع لطرد الكفار عن بلدان المسلمين ، وقراهم وأراضيهم ، وإخراجهم منها بعد التسلط عليها ، وبمعنى آخر عندما يجتاح العدو الكافر بلاد المسلمين بهدف الاستعمار والاستيلاء ، بأي نحو سواء كان استيلاءً فكرياً أم اقتصادياً أم عسكرياً أم سياسياً ، وجوب هذا النوع من الدفاع فرض عين ، فيجب على المسلمين كافةً أن يتركوا عيالهم وأطفالهم وأموالهم ويدافعوا لطرد أعداء الله ، ولا يثبطن بعد الديار عن البلد الذي دهم من قبل أعداء الإسلام ، عن هذا الفرض العيني ، فإن الواجب على القاصي والداني أن يحمل السلاح ، مادام قادراً على حمله ، والأقربين من الأرض التي انتهكها الكافرون أولى من غيرهم لقربهم من الأعداء . كما أجمع علماء الإسلام على من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ، وفي سنن ابن ماجه قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ” ، وإذا غزا العدو أرض مسلمة وجب على أهلها جميعاً الدفاع عنها وإن لم تكن لهم القدرة وجب على سائر المسلمين مساعدتهم وإمدادهم بالعدة والعتاد لمجابهة هذا العدو ، وفي مسند أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أعان مجاهداً في سبيل الله أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” .
تفرق الأمة تجاه قضايانا المشتركة :
وما يحزننا ونتأسف عليه هو انقسام أبناء الوطن الواحد ضد المحتل ، فالشعب الفلسطيني اليوم منقسم بين فتح وحماس ، بين محمود عباس وإسماعيل هنية ، بين مستسلم للمحتل ومقاوم له ، وهكذا أي شعب تحتل أرضه ، نجد جزءاً منه يؤيد المستعمر ويدور في فلكه ، وآخر يضحي بالغالي والنفيس من أجل جلاء المستعمر وتحرير بلده ، ومن باب أولى أن يكون الفلسطينيون على قلب رجل واحد ، قبل أن نطالب الأمة الإسلامية بذلك . فكيف يهب أبناء الوطن العربي ، للدفاع عن أهل غزة ، وشركاؤهم في الأرض على بعد خطوات منهم ، إن لم يكونوا مشاهدين متفرجين فقط ، فهم متربصون بأهل غزة وحماس ، مثلهم مثل العدو ، وبعض حكام الدول ممن يتمنون القضاء على أذرع المقاومة الإسلامية ، ليس فقط في فلسطين ، ولكن في كل بقاع الأرض . فهل هذا هو قدر حماس وسائر رجال المقاومة ؟ وهل هم ما جاء فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قالوا : يا رسول الله ! وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ” .
وغزة الآن تتعرض لإبادة شعبها ، تحت ذريعة القضاء على أذرع المقاومة الإسلامية ، وغزة التي تقاعس سائر أهل فلسطين عن مناصرتها هي من الأمة الإسلامية ، التي قال فيها الله تعالى : ( إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ ) [ الأنبياء : 92 ] ، والاعتداء عليها يعني الاعتداء على كل المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم : ” المسلمون يد على من سواهم ” ، أي كأنهم يد واحدة في التعاون والتناصر على الأعداء ، وهذا هو اللائق بحالهم ، أن يعاون بعضهم بعضاً ، كأن أيديهم أصبحت يداً واحدةً ، وفعلهم أصبح فعلاً واحداً . وقال عليه الصلاة والسلام : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ” [ رواه البخاري ] ، قال ابن حجر : ولا يسلمه . أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدافع عنه . قال ابن عثيمين : قال العلماء : يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ” ، وها هم إخواننا في غزة مظلومين ألا نجيب دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وننصرهم ؟! . وقال عليه الصلاة والسلام : ” ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر امرأً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته ” .
وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ” من أذل عنده مؤمناً فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة ” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم ” . وبينما يأمرنا ديننا الحنيف بمناصرة أهل غزة ، وإمدادهم بما يحتاجونه ، لمواصلة جهادهم ضد العدو الإسرائيلي ، ولا نفعل نحن ذلك ، نجد عدة دول مختلفة الجنسيات ، ومع اختلاف ديانتهم ، عن ديانة العدو اليهودي ، لا يتوانون لحظةً عن إمداده بكل ما يحتاجه وما لا يحتاجه ، من معلومات استخباراتية ومؤن وعدة وعتاد ، كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وانجلترا وأمريكا وغيرهم ، وهناك من الدول العربية التي تظهر بموقف الحياد لعلاقاتها مع إسرائيل كمصر ولبنان والأردن والإمارات والمغرب والسودان والسلطة الفلسطينية . وعلى الرغم من دولة إسرائيل استجلبت إليها يهود من دول العالم أجمع ، ومع اختلاف جنسياتهم ، لكنهم ذابوا جميعاً في المجتمع اليهودي ، وتم تجنيدهم في الجيش ، حيث يخدم في الجيش الإسرائيلي مجموعة متنوعة من الطوائف والأديان وجميعهم من حملة الجنسية الإسرائيلية ، كما هناك مرتزقة من عدة دول ، وهناك مقاتلو الجنسية المزدوجة ، كلهم يشاركون في الحرب على غزة ، من دول كروسيا وأوكرانيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وجنوب أفريقيا . وهذا هو عهدهم بالدول الإسلامية ، فمن قبل شاركت عدة دول في الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي ، منها انجلترا وفرنسا البرتغال والنمسا والمجر وغيرهم ، وبالأمس القريب شاركت مجموعة دول في حرب الخليج والحرب على أفغانستان ، فهناك من هذه الدول ما هو على استعداد دائم وتام في المشاركة في أي حرب ضد أي دولة إسلامية .
وليست العبرة بالكثرة العددية ، قال تعالى : ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ ) [ البقرة : 249 ] ، ولكن في حساباتنا البشرية يجب علينا عمل حساب ، أن الكثرة تغلب الشجاعة ، كما أن الآيات بينت لنا في حالة الضعف يمكن للمؤمن أن يقاتل اثنين ، قال تعالى : ( ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ ) [ الأنفال : 66 ] ، أي الآن خفف الله عنكم أيها المؤمنون ، لما علمه من ضعفكم ، فأوجب على الواحد منكم ، أن يثبت أمام اثنين من الكفار بدل عشرة منهم ، ورخص لهم في الفرار إذا كان العدو أكثر من اثنين ، والتشديد على الصبر لأن النصر لا يأتي حين بدء المعركة ، ولكنها تمتد وتكون سجال حيناً على هذا الفريق وحيناً على أولئك . وقد أجمع علماء الإسلام على من ظاهر الكفار على المسلمين ، وساعدهم عليهم ، بأي نوع من المساعدة ، فهو كافر مثلهم ، وفي سنن ابن ماجه ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ” .
( للحديث بقية )