قضايا مستجدة حول وقت الأضحية

ما هو المعيار في تعيين النصاب للزكاة ؟ ( الحلقة الثانية الأخيرة )
مايو 4, 2024
الإجهاض في ميزان الشريعة الإسلامية ( الحلقة الأولى )
يوليو 3, 2024
ما هو المعيار في تعيين النصاب للزكاة ؟ ( الحلقة الثانية الأخيرة )
مايو 4, 2024
الإجهاض في ميزان الشريعة الإسلامية ( الحلقة الأولى )
يوليو 3, 2024

التوجيه الإسلامي :
قضايا مستجدة حول وقت الأضحية
د . المفتي محمد مصطفى عبد القدوس الندوي 
ومما لا شك فيه أن الأضحية قربة من قربات مهمة وجبت على المسلمين الأغنياء الأحرار المقيمين بقوله تعالى : ( فَصَلّ لِربّكِ وَانْحَر ) [ سورة الكوثر : 2 ] ، أي صل صلاة العيد ، وانحر البدن بعدها .
وروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه قال : ضحّوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام . والأمر المطلق عن القرينة يقتضي الوجوب في حق العمل .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من لم يضح فلا يقربن مصلانا ” . وهذا خرج مخرج الوعيد على ترك الأضحية ، ولا وعيد إلا بترك الواجب . وقال قاضي خان في فتاواه : ” فهي واجبة في ظاهر الرواية على الرجل والمرأة الموسر المقيم في الأمصار دون المسافر ” .
هناك يناسب لنا أن نذكر بعض المباحث الأصولية ثم نذكر بعض قضايا معاصرة مستجدة ، تتفرع عليها ؛ فها هي :
(1) أيام الأضحية :
أما أيام الأضحية فقد اختلف الفقهاء فيها ؛ فمنهم من قال : إنها ثلاثة أيام ، أولها اليوم العاشر وآخرها الثاني عشر من ذي الحجة ، هذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة ، وبه قال الثوري وإبراهيم النخعي ، ومنهم من قال : أربعة أيام ، أولها اليوم العاشر وهو يوم العيد وثلاثة أيام بعد العيد ، وممن قال به الإمام الشافعي رحمه الله وهو مذهب الشافعية وقولٌ للحنابلة وبعضِ السلف كالحسن رحمه الله وعطاء رحمه الله والأوزاعي رحمه الله .
استدل الشافعية بحديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل ” ، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” كل أيام التشريق ذبح ” .
واحتج جمهور العلماء منهم الحنفية والمالكية والحنابلة بحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث .
وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ، ولو كان اليوم الرابع يوم ذبح ، لكان الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل ، ثم نسخ بعد ذلك تحريم الأكل ، وبقي وقت الذبح بحاله .
كذلك استدلوا بما روي عن عمر رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه أنهم قالوا : ” أيام النحر ثلاثة ، أولها أفضلها . والأمر ظاهر أن مواقيت العبادة لا يتدخل فيها القياس ، ومثل هذا لا يقال بالرأي ؛ فيصير مرفوعاً حكماً .
وقال أبو بكر محمد بن عبيد الله المالكي في تفسير آية : ( وَاذْكُرُوا اسْمَ الله في أَيَّامٍ مَعدُودَات ) : ” ولا خلاف أن المراد به النحر ، وكان النحر في اليوم الأول وهو يوم الأضحى والثاني والثالث ، ولم يكن في الرابع نحراً ؛ فكان الرابع غير مراد في قوله تعالى : ( مَعدُودَات ) ؛ فلا ينحر فيه ” .
وقال القرطبي : وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة ، وما بعد الثلاثة غير متيقن ؛ فلا يعمل به . ثم قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق ، ولو كانت أيام النحر أيام التشريق لَمَا كان بينهما فرق ، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر .
(2) الوقت شرط لنفس الوجوب والأداء جميعاً :
وقت التضحية سبب الوجوب على المكلف الغني الحر المقيم كما هو سبب لإقامة الواجب وأدائه ، أي : صحة التضحية ؛ لأن الواجبات الموقتة لا تجب قبل أوقاتها ، كالصلاة والصوم والأضحية أيضاً من أفرادها ، كما يقول ملك العلماء الكأساني : ” لا تجوز قبل دخول الوقت ؛ لأن الوقت كما هو شرط الوجوب فهو شرط جواز إقامة لواجب ” .
(3) الاعتبار بمكان الأضحية دون مكان المضحّي :
إذا كان من تجب عليه الأضحية مقيماً في المصر أو في دولة من الدول العالمية وأراد التضحية في قرية من القرى أو مصر آخر من الأمصار أو دولة أخرى من الدول فوكل من يضحي عنه ، أو بالعكس فالعبرة بمكان الذبح لا بمكان المؤكل المضحّي على الأصح في ظاهر الرواية ؛ لأن الذبح هو القربة فيعتبر مكان فعلها لا مكان المفعول عنه .
قال الإمام محمد رحمه الله في النوادر : إنما أنظر إلى محل الذبح ولا أنظر إلى موضع المذبوح عنه ، وهكذا روى الحسن عن الإمام أبي يوسف رحمه الله .
وقال العلامة علاء الدين الحصكفي : ” والمعتبر مكان الأضحية لا مكان من عليه ” . وعلى هذا قال العلامة ابن عابدين الشامي : ” فلو كانت في السواد والمضحي في المصر ، جازت قبل الصلاة وفي العكس لم تجز .
(3 . 1 ) العبرة بمكان المضحّي لمبدأ وقت التضحية وبمكان الأضحية لنهاية وقتها ؟
هناك سؤال مهم : هل يمكن أن يطلع فجر الليلة العاشرة من شهر ذي الحجة على المضحّي لازماً لمبدأ وقت التضحية ، أي أن يعتبر مكان المضحّي لمبدأ وقتها ومكان الأضحية لنهاية وقتها ؟ وعلى هذا أن لا تصح التضحية إذا كان التاريخ اثني عشر من شهر ذي الحجة عند من تجب عليه الأضحية ، وثلاثة عشر من شهر ذي الحجة عند موضع الذبح ، فحاصل السؤال أن تكون العبرة بمكان المضحّي لمبدأ وقت التضحية وبمكان الأضحية لنهاية وقتها ، فهل هذا يمكن في الواقع شرعاً ؟
نعم ، هذا يمكن شرعاً ، بل يجب أن يراعي ذلك كما يفيد ما قال ملك العلماء العلامة الكأساني مبيناً وجه قول الحسن بن زياد رحمه الله : ” إن فيما قلنا اعتبار الحالين ، حال الذبح وحال المذبوح عنه فكان أولى ” .
لأن الأضحية من الواجبات الموقتة التي لا تجب قبل أوقاتها ، كالصلاة والصوم ونحوهما ؛ فلا تجب الأضحية أيضاً قبل دخول الوقت ؛ لأن الوقت كما هو شرط الوجوب فهو شرط جواز إقامة الواجب .
وقد صرح الفقهاء في حكم الزكاة المعجلة ، بأن المعجلة لا تصح إلا بعد أصل الوجوب ، وهو النصاب النامي ، بخلاف الحول ؛ لأنه شرط لوجوب الأداء ، وبخلاف تعجيل الصلاة على وقتها ، فإنه غير جائز لكون وقتها سبباً للوجوب وشرطاً لصحة الأداء .
فالحاصل أنه لابدّ من الاعتبار بمكان المضحّي لمبدأ وقت التضحية وبمكان الأضحية لنهاية وقتها ، وعلى هذا : يجب لصحة التضحية وكالةً في موضع آخر طلوعُ فجر الليلة العاشرة من شهر ذي الحجة؛ لأن تصرف الوكيل تصرف المؤكل ؛ فينصرف تضحية الوكيل إلى تضحية المؤكل ، فهي لم تجب بذمته ؛ بما لم يطلع عليه فجر الليلة العاشرة من شهر ذي الحجة ، فكيف تعتبر تضحيته صحيحةً عن طريق الوكالة ولو طلع على وكيله فجرها ؟ وإذا اختلفت المواقيت بين بلد الوكيل والمؤكل ، فالعبرة في ذلك ببلد الوكيل بشرط أن فجر الليلة العاشرة من شهر ذي الحجة قد طلع على المؤكل ، ثم انتهى وقت التضحية في بلد المؤكل ، ويبقى وقتها في بلد الوكيل فيعتبر بلد الوكيل وتصح تضحيته نيابةً عن المؤكل .
وعلى هذا تتفرع قضايا معاصرة يواجها المسلمون اليوم في أنحاء العالم ، وهي كما يأتي :
(1) رجل مقيم بالكويت يريد التضحية في الهند ويقع الفرق بين تاريخهما :
رجل هندي يقيم بالكويت أو المملكة السعودية العربية أو أيّة دولة من الدول العربية ، ومن المعلوم أن مواقيت التضحية تختلف عن الهند عموماً ، فالسؤال المهم أنه يريد التضحية في الهند ، والحال أن تاريخ التضحية قد انتهى بالكويت أو المملكة السعودية العربية مثلاً ، يبقى في الهند ، يعني أن الثالث عشر من ذي الحجة في الكويت أو المملكة السعودية العربية والثاني عشر من ذي الحجة في الهند على مذهب الحنفية والرابع عشر من ذي الحجة في الكويت أو المملكة السعودية العربية والثالث عشر في الهند على مذهب الشافعية .
تصح التضحية في هذه الصورة المذكورة أعلاها ؛ بما سبق أن الاعتبار بمكان المضحّي لمبدأ وقت التضحية وبمكان الأضحية لنهاية وقتها ، وفي هذه الصورة المبحوث فيها قد طلع على المضحّي فجر الليلة العاشرة من ذي الحجة فقد وجبت الأضحية بذمته ، وبعد الوجوب لو انتهى وقت التضحية في موضع إقامة المضحّي لا بأس به ، نعم ! يجب أن يبقى وقتها في مكان الأضحية ، وفي الهند يبقى وقتها الآن .
(2) حكم ذبح البقرة والإبل لم يصل بعض الشركاء فيهما :
ومن المعلوم أن من تجب عليه الأضحية شرعاً ، لا بّد أن يضحّيَها بعد صلاة عيد الأضحى لا قبلها ، وإلا لا تصح ويجب إعادتها ، كما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من ذبح قبل الصلاة فليُعِد ” .
هناك ينشأ سؤال ، وهو أن بعض الشركاء في الإبل أو البقرة لم يصلوا صلاة العيد وبعضهم فرغوا عنها ، هل يجوز أن يذبح شرعاً ويسقط وجوب الأضحية عن ذمة من لم يصل صلاة العيد ؟
والجواب عن ذلك أنها تصح الأضحية ويسقط وجوبها عمن لم يصل صلاة العيد من الشركاء تبعاً لمن صلاها ؛ لأن ذبح الأضحية يصح شرعاً في موضع قد صُلّيت صلاة عيد الأضحى في مسجد من مساجده أو مصلى من مصلياته ؛ لأنه كما سبق أن العبرة بمكان الأضحية بعد ثبوت وجوبها بذمة المكلف أداءً ، وقد وجبت تضحية الأضحية بذمة من لم يصل من الشركاء في الإبل أو البقرة بعد ما طلع عليه فجر الليلة العاشرة من شهر ذي الحجة .
(3) حكم الأضحية إذا كان الفارق الزمني بين دولتي الوكيل والمؤكل يوماً :
وكل صاحب الأضحية في ذبحها رجلاً يقيم في دولة أخرى ، والحال أن دولة الوكيل يدخل فيها العيد قبل دولة المؤكل ، فهل للوكيل ذبح أضحية المؤكل في يوم العيد إذا كان العيد في دولة المؤكل متأخراً بيوم ؟
لا يجوز للوكيل ذبح أضحية المؤكل في يوم العيد ؛ بما لم يجب ذبح الأضحية الآن ، فكيف يضحي الوكيل بما لم يجب على المؤكل ؟ لأن تصرف الوكيل تصرف المؤكل ، فتنصرف تضحية الوكيل إلى تضحية المؤكل ، فهي لم تجب بذمته ؛ بما لم يطلع عليه فجر الليلة العاشرة من ذي الحجة ، فكيف تعتبر تضحية الوكيل عن طريق الوكالة نيابةً من المؤكل ، ولو طلع على وكيله فجرها ؛ فالأصل عند اختلاف المواقيت بين بلدي الوكيل والمؤكل أن يعتبر بلد الوكيل بشرط أن فجر الليلة العاشرة من شهر ذي الحجة قد طلع على المؤكل .
(4) صاحب الأضحية صلى ورجع إلى قريته أو مدينته حيث لم يصل الناس :
أتى صاحب الأضحية قريته غير قريته أو مدينته غير مدينته وصلى صلاة عيد الأضحى فيها ثم رجع إلى قريته أو مدينته حيث لم يصل الناس صلاة العيد ؛ فهل يسع له أن يضحّيَ أضحيته شرعاً ؟
جاز له أ ن يذبح أضحيته ؛ لأن قد صلى صلاة عيد الأضحي ؛ بما روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة ، فقال : ” من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له ، وفي الصورة المذكوره أعلاها قد صلى صاحب الأضحية صلاة الأضحى بلا ريب .