قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وما لها من دروس

إبراهيم عليه السلام وبيت الله الحرام
يونيو 4, 2024
حياة تستحق النصر والتأييد من الله
يوليو 3, 2024
إبراهيم عليه السلام وبيت الله الحرام
يونيو 4, 2024
حياة تستحق النصر والتأييد من الله
يوليو 3, 2024

التوجيه الإسلامي :
قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وما لها من دروس
الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله
تعريب : محمد فرمان الندوي
( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً . فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ سَرَباً . فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً ) إلى آخر القصة [ الكهف : 60 – 62 ] .
ذُكرت هنا القصة مباشرةً بدون ذكر خلفية قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام ، فلم تكن الحاجة إلى ذكر تمهيد ، وليس القرآن الكريم كتاب قصص وحكايات ، دلت الآية على أن الله تعالى أمر سيدنا موسى عليه السلام بزيارة الخضر عليه السلام ، الذي كان أعلم منه ، فقال موسى عليه السلام لفتاه : لن أبرح الأرض حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً . وكان مجمع البحرين هو الملتقى الذي كتب الله فيه لقاء سيدنا موسى عليه السلام ، تضاربت آراء المفسرين في كلمة مجمع البحرين ، فقال بعضهم : هو ملتقى بحر سينا وبحر إفريقيا ، وقال بعضهم : هو موضع قرب دجلة والفرات ، فالدراسات والتحقيقات متنوعة في هذا الأمر ، ولم يذكره الله تعالى متعيناً ، وليست له علاقة خاصة بهذه القصة .
حوت سيدنا موسى عليه السلام :
لما بلغ سيدنا موسى عليه السلام مع فتاه مجمع البحرين نسي حوتهما ، واتخذ الحوت في البحر سرباً ، فإنه ذهب إلى البحر كما تطفو الحيتان فوق الماء ، رغم أن هذا الحوت كا ن مقلياً ، وصالحاً للأكل ، لكنه أصبح حياً ، وعادت إليه الحياة ، فدخل الماء ، ولا شك أن هذا الأمر كان مستغرباً ، وآية من آيات الله ، وجعله الله ذريعةً لالتقاء هاتين الشخصيتين ، فلما جاوزا الموضع الذي أشار إليه الله تعالى قال موسى عليه السلام لفتاه : لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، فأتنا غداءنا ، فتذكر الفتى أن الحوت الذي حمله للأكل قد اتخذ طريقاً إلى البحر ، وكان ذهابه خارقاً للعادة ، لكن الشيطان شغله ، فنسي ذكر هذا الأمر ، وردت في هذه القصة كلمة ” نصب ” للتعب والملل ، وتستعمل النصب باللغة العربية للتعب الذي يحصل بعد إنجاز العمل .
الشيطان والنسيان :
نسب فتى موسى عليه السلام النسيان إلى الشيطان ، فهناك ينشأ سؤال : هل يقدر الشيطان على إنساء شيئ ، ورد في القرآن في مواضع كثيرة أن الشيطان يقدر على إنساء الإنسان وإلقائه في المصيبة ، قال تعالى : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ) [ الأنعام : 68 ] ، وقال : ( وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) [ يوسف : 42 ] ، وقال : ( وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) [ ص : 41 ] ، فجوابه أن كل شيئ مكروه ينسب إلى الشيطان ، وقد خلق الله الشيطان في صورة الهواء أيضاً ، فإنه يستطيع أن يكون صغيراً أو كبيراً ، وهو يسري في جسم الإنسان ، ويدخل في عقله ودماغه ، وقد جعل الله هيكله ، بحيث يدخل في الدماغ ، فيشارك أفكاره ، وينسيه أشياء كثيرةً ، ويستولي على عقل الإنسان ، وهو لا يشعر بأن الشيطان قد استولى عليه ، وأحياناً يأسر الشيطان ذهن الإنسان ، بحيث يزيد فيه رغبة شيئ ، أو يقدم له مشورةً بزيادة شيئ ، وتكون مشورة الشيطان هذه بحيث لا ينظره الإنسان ، ولا يشعر بأن قوةً خارجيةً تقوده أو ترشده ، كذلك يكون أمر الله سبحانه مع عباده الصالحين أنه يبذر بذرواً صالحةً للأعمال الصالحة في قلوبهم .
عودة إلى الغاية :
لما علم سيدنا موسى عليه السلام أن الحوت قد ذهب إلى البحر ، قال : ذلك ما كنا نبغ ، وهذه هي غايتنا في السفر ، فارتد موسى وفتاه على آثارهما قصصا ، ورجعا على الطريق الذي ذهبا منه ، واستعملت هنا كلمة ” قصصا ” للرجوع إلى الوراء ، معناها أنهما عادا على الجهة التي ذهبا منها .
وصل سيدنا موسى عليه السلام إلى غاية سفره ، فوجد هنا عبداً من عباد الله ، آتاه من عنده رحمةً ، وعلمه من لدنه علماً ، ذكر الله هنا أمرين مهمين : أولاً أن الله أودع في طبيعة العبد المشار إليه رحمةً ، كلما رأى إنساناً مصاباً بالأذى ، سعى في تقديم الراحة له ، وإذا كان صاحب حاجة قضى حاجته ، ومن فطرة الإنسان أنه توجد فيه عاطفة الرحمة ، والشفقة والمواساة ، لكن الله أكرم الخضر عليه السلام بهذه العاطفة بوجه أخص ، وثانياً أنه أُكرم بالعلم اللدني ، فكان يطلع بهذا العلم على أمور لا يعرفها الآخرون ، فكان يعرف نظراً إلى الأوضاع والظروف من هو يستحق بالمساعدة ، ومن لا يستحق بها ، فكلما اطلع على أمر سبق إليه ، وقام به أحسن قيام ، وقد أكرمه الله بموهبة خاصة في هذا الأمر ، يقول بعض العلماء عنه : إنه نبي ، ويقول بعضهم : إنه ليس بنبي ، بل كان عبداً من عباد الله المخلصين ، كأنه نال مكانةً شبه مكانة النبوة ، وكان يشعر على أساس مواهبه الخاصة بما يجري حوله من الحوادث والأمور ، ويعرف عواقبها .
تلمذة سيدنا موسى عليه السلام على الخضر :
قال سيدنا موسى عليه السلام ملتمساً من الخضر عليه السلام : أريد أن أتعلم منك شيئاً ، وما أعطاك الله من الرشد أريد أن آخذ منك ، قال الخضر عليه السلام : إنك لن تستطيع معي صبراً ، لأنه كان يعلم أن فكرة سيدنا موسى عليه السلام تختلف عنه تماماً ، وله أعمال ومسئوليات أخرى ، فإنه يستغرب ويتعجب من كل أمر له ، فقال له الخضر عليه السلام : إنك لن تستطيع معي صبراً ، وأنا أعمل عملاً لا تعرفه أنت ، ولا تعرف ما وراءه من الحكمة الإلهية ، فتتعجب من هذا ، وتنتقد كل أمر من أموري ، فتكون مصاحبتي عسيرةً لك ، أجاب موسى عليه السلام بكل إلحاح : ندعو الله تعالى أن نصبر على ذلك ، ولا نعصي أمرك ، سمع الخضر عليه السلام هذا الجواب ، وقال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيئ حتى أحدث لك منه ذكراً ، فالحاجة فيه إلى الصبر الكثير ، فلما رضي كلاهما ، واتفقا ارتحلا وسافرا ، ووقعت خلال ذلك ثلاث قصص عجيبة ، ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم .
رحلة لطلب العلم :
أخبر الله سيدنا موسى عليه السلام بأن هناك عبداً هو أكثر منك علماً ، فسأله موسى عليه السلام : ما هو العلم الذي لم يكرمه الله به ، رغم أنه جعله نبياً للناس ، وهو يبلغهم العلم الذي أكرمه الله به ، أي علم الآخرة ، وعلم ابتغاء وجه الله ، وعلم ما بعد الموت ، فهذا العلم لا يناله الإنسان بفهمه وإدراكه ، ولا يمكن أن يعرف الإنسان : ماذا يكون في القبر ، وهل يبعث مرةً ثانيةً ، وكيف يحاسب يوم القيامة ؟ هذه أمور لا يعرفها الإنسان بنفسه ، لأنه يعرف حاله المادي فقط بحيث أنه يموت وتتناثر أجزاؤه ، وتأكله الدود ، ولا يعرف سوى ذلك شيئاً ، والله سبحانه وتعالى يعلم ماذا يكون في المستقبل ، وقد أخبر بعضاً منها أنبياءه ، فأخبر الأنبياء به عامة الناس ، فأراد سيدنا موسى عليه السلام أن يعرف ما هو العلم الذي لم يكرمه الله عزوجل به ، وأكرم به عباده الآخرين ، فسافر سيدنا موسى عليه السلام ، ولقي الخضر عليه السلام ، ورافقه في هذا السفر بعدة شروط .
محطة أولى في الرحلة :
لما بدأ كلاهما السفر واجههما في الطريق ، البحر الذي كان لابد من عبوره بالسفينة ، وكان الملاحون يذهبون بالناس من السفن ، رآهما ملاح ، فظن أنهما صالحان ، وأركبهما بدون ثمن تطوعاً على سفينته ، وكانت سفينة هذا الملاح حديثةً ، وكان رجلاً مسكيناً ، ولا تحصل له بُلغة العيش إلا بهذه السفينة ، لكن الخضر عليه السلام لما ركب سفينته ، كسر بعض ألواحها ، ولم يكن هذا الكسر من باطن السفينة ، وإلا كان خطراً للإغراق ، بل كان على طرف منها ، وكان الكسر أنشأ تخلخلاً يسيراً في بعض أجزائها ، أو جعل السفينة معيباً ، يترشح منه الماء رويداً رويداً ، فيجتمع في السفينة ، فيكون سبباً لإغراقها ، فأصبحت هذه السفينة فاسدةً ، فلم يصبر موسى عليه السلام ، وقال : لقد جئت شيئاً إمراً ، بحيث كسرت سفينة مسكين ، فقال الخضر عليه السلام : هذا مما تخلف به وعدك ، وقد وعدتني بالصبر والسكوت ، فقال موسى عليه السلام ، أجل ، أعترف بتقصيري ، فاعفني ، ولا تؤاخذني بما نسيت ، ولا ترهقني من أمري عسراً .
محطة أخرى في الرحلة :
عبر موسى والخضر عليهما السلام البحر ، وذهبا إلى موضع كان يلعب فيه الصبيان ، فدعا الخضر عليه السلام صبياً من هؤلاء الصبيان ، وخنق عنقه ، حتى مات ، يمكن أن الخضر عليه السلام قد ضغط عنقه ضغطاً لم يره أحد ، ثم نشأ بعد قليل وجع في عنق الصبي ، فطن الناس أنه كان أثراً لهجوم وترد وسقوط ، لكن كان تأثير ضغط العنق أن الصبي قد مات ، فلم يصبر سيدنا موسى عليه السلام ، وقال للخضر : أقتلت نفساً زكيةً بغير نفس ، ما هي جريمة هذا الصبي ؟ لم يصدر منه خطأ ، وكان يظهر عليه مخايل الصلاح والتقوى ، هذا الإجرام يكرهه كل إنسان ، قال الخضر عليه السلام : إنك وعدتني بأنك لا تتدخل في شأني شيئاً ، لكنك لا تصبر ، بل توجه إلي سؤالاً من دون تأخير ، فإن لم تصبر معي فلن نسافر معاً ، لأن عملي هذا يكون مبعث أذى لك ، فلا حاجة إلى المصاحبة معاً ، قال موسى عليه السلام : إن سألتك عن شيئ بعدها ، فلا تصاحبني ، قد بلغت من لدني عذراً .
محطة ثالثة في الرحلة :
أقام موسى والخضر عليهما أثناء الرحلة في قرية ، وكانا مصابين بالتعب والنصب ، وهما يشعران بالجوع أيضاً ، لكن لم يطعمهما أهل القرية ، وكان في قديم الزمان أنه إذا جاء ضيف في قرية فكان أهل القرية يعتبرون ضيافته من حقوقهم ، وكانوا يسألون عن حاله ، ويوفرون له الطعام والشراب ، لكن موسى والخضر عليهما السلام نزلا في قرية لم يسأل أهلها عن الطعام والشراب ، وكانا جائعين ، وخلال هذه الإقامة رأى الخضر عليه السلام أن جداراً يريد أن ينقض ، وكان متمايلاً إلى الأرض ، وكاد أن يسقط ، قام الخضر عليه السلام ، وأعاد بناء الجدار من جديد ، فتعجب موسى عليه السلام من هذا العمل ، وقال للخضر عليه السلام : يا للعجب ! ان أهل هذه القرية لم يسألونا عن الطعام والشراب ، ولم يعاملوا معنا معاملةً حسنةً ، لكنك تقيم لهم جداراً ، ولو كان هذا العمل لازماً فلابد من أخذ الأجرة عليه ، ( لَو شِئتَ لاتخَذتَ عَلَيه أَجرَاً ) ، فنشتري به الطعام ، ونحن في حاجة إليه ، ولو وجدنا أجرته لزالت مشكلات الرحلة ، قال الخضر عليه السلام : لا تكلم ، إنك لن تستطيع معي صبراً ، هذا فراق بيني وبينك ، إنك لا تزال تخلف وعدك ، لكني سأخبرك بتأويل القصص الثلاث التي لم تستطع عليه صبراً .
( للحديث صلة )